مواضيع اليوم

التحليق بين سمائين تطبيقات جديدة موضوع خاص

سعيف علي

2009-09-03 09:54:20

0

التحليق بين سمائين

تطبيقات جديدة

موضوع خاص


املك  رزما من الأوراق البيضاء النائمة خلف الدولاب. كتابات بلا عنوان ولا تاريخ . هي بعض كلمات أو ‏ا بعض فقرات. وهي كذلك بضع صفحات كان تشوشي واضطرابي هو القاسم المشرك بينها. كنت اكتبها في فترات متقطعة وأنا أحاول في كثير من الحين أن أدفق فيها إحساسا عابرا أو أسجل فكرة ‏تعبرني كسحابة وما أكثر ما تعبرني.
‏‏لكنني كثيرا ما كنت أصطلي بحرقه الكتابة،كالجسد المسفوح الذي ينتظر لفافات الطبيب ليضمد جروحا ‏ غائرة بعيده. كنت أحاول لسنوات أن أعود إلى الكتابة بعد أن أخذ ني الشغل إلى الهموم اليومية المتراكمة والالتزامات التي لم تكن تنتهي حتى رمتني أرضا ولكم كنت أعرف إنها ستطرحني أرضا. كانت الاختلاجات النفسية تفعل فيا فعلا رهيبا، كانت تعقد كل غريب الشعور وتصطفي كلاما معقودا ‏مركبا نائيا عن الكلام ونائيا عن الفهم أحيانا فكنت اضطر للكتابة ملقيا الكلام على عواهنه حتى يتسنى لي الرجوع إليه حينا آخر لأعيده إلى الحياة.
‏قررت هذه الأيام أن أتخلص من هذا المارد النائم وأنا أنفض عنه الغبار. لم أكن خائفا من لعنته ولكني قررت أن أستغله في مشروع كتابة جديدة .
‏كانت الفكرة في حد ذاتها تحديا لي وملامسة لقدرتي على استيعاب ما لا أستطع استيعابه. فقد ‏كان علي أن أجعل البطل شخصية مركبة مزدوجهة ومضطربة على شاكلتي وربما حتى تستطيع ‏أن تستوعب كل الزخم.
‏كان التحدي الرئيسي أن أقوم بعميلة فرز متعبه وأن أبوبها بقدر المستطاع حمى أستطيع دسها بين ‏تقلبات الشخصية. وكان هذا الأمر يشاكل الغرق بقدر ما يشاكل السباحة و يشاكل الحقيقه بقدر ما يشاكل الوهم و يشاكل مكوثك أرضا بقدر ما يشاكل طيرانك و يشاكل وقوفك بقدر ما يشاكل سقوطك.
‏لم أكن بحق متأكدا من نجاحي في هذا الرهان و لا استطاعتي أن أغامر معها في بلاد عجيبة لكني ‏كنت هذه المرة مصرا على الأمر لذلك قررت أن أختار بعض الحلول. الميسرة التي تمكن من الاهتمام بالكتابة بعيدا عنها و بالكتابة داخلها و كان على أول الأمر أن أعيد كتابتها على جهاز الكمبيوتر بنفسي حتى أكون قد أعدت قراءتها و كتابتها في آن واحد و هذا ما يمكنني فيما بعد من دسها بين الصور بتقنية النسخ و الإلصاق.

كان هذا الأمر يحق ملهما كان كالعودة بالخاطر إلى ذكريات صغيرة و ملحوظات قد تعيدك ثوان ثم تتركك مثلما يأخذك جمال فتاة عابرة ثم تنساه. كان الأمر بحق بديعا مكتملا في نقصه و في لغته التي تكون في بعض الأحيان منقوصة متشضية و كان تبويبها في شكل
‏جذاذات يقوي رصيد الأفكار التي أنا بصددها .
‏أن تبدع كان يعني دائما أن تطارح و تقارع امتدادك الفيزيائي في الفضاء و بين عالم الحلم الذي هو كتابة هنا و أن تهادن و تراوغ العالم المحيط أو أن تطب منه الصفح على عالم الغياب الذي تنغمس فيه لحين و تعود فيه لنفسك و كان هذا الأمر يطالبني بالمثابرة و المجاهدة و تحمل نظرات العتاب و ما أكثرها و أن أنازع نفسي في علياءها حتى تعود إلى وحيها مثل صدفة ممهورة بالذهب .

‏أخذت مني إعادة الكتابة حوالي الأسبوعين الكاملين من المداومة و التعب و نقلها و ‏وترصيفها وتشذيبها و كان أصعبها هي الصفحات التي كانت لا تحوي غير جمل صغيرة أو ألفاظا متناثرة. كان علي إما أن أعيد كتابتها محترما كل الخطوط التي تتعقب عباراتها المتناثرة و التي تصلها بالأسهم أو أن أتركها و كان الأجدى بعد تفكير أن أسحبها إلى داخل الحاسوب كما هي بتقنية السكنار
‏. كيف تعود إلى أوراقك القديمة و كيفا تقرأها كان هذا الأمر محيرا حقا. و ممتعا في صعوبته و في انزياحه كانت هذه المسألة اعتبارية بحتة بمعنى أنه كان علي اما أن أعتبرها لحظات إبداع أو أعتبرها تسجيلا و لخبطة قلم لم يكن يستطيع أن يرسم جملة واحدة.كان هذا مهما لأن الزمن قيد مثلما هو انفلا ت، فلحظة الإبداع تضل مصدرا بالمعنى اللغوي غير خاضعة للزمن و غير مقيدة إلى الآلة الحاسبة كما أن التسجيل يمكنك من تتبع الخيط الرفيع الذي يربط فكرة بأخرى، و يلجم الأسماء من أن تتقيح حشوا زائدا و كذا
‏تتمدد الفكرة كما يتمدد الجسد المسجى في لفائف الحلم و الخيال و يتمدد كما تتمدد سحابة غنية بالماء في سماء أرض مجدبة . تدعوا الأرض و تتسربل بالصلا ة حتى تكون خصبة ندية متعبة بخضرتها و سيقان أشجارها مكبلة بجذور زيتونها و تينها و خربوها و فومها و قثائها.
و كذا أنا ممعن في الصلا ة و ممعن في التيه والبحث والحفر. لا أقلم اظافري إلا لماما ولا أقص شعري إلا قليلا ولا تمشطني أمي وقد نسيت أني مازلت بحق طفلا اخرق ‏كثير السفه و كثير الغلط .
‏يتمتدد الكلام على هذه الصفحات مثلما تتمددين يا حبيبتي على فراشي وبتمدد حبي على هذه الصفحات كما أتمدد على خديك قبلة ومثلما أنام على شفتيك وأحلم فيك القبل. فالكتابة حب والحب تيه وإغواء ونقيصة الحب شعر والشعر إغواء ومناسبة فرح وترح فى آن

‏كان الشعر مناسبة فى كل الذي قرأته قبل هذه الجملة فله عندي قصة وله عندي صعوبة. فقد كان في بعض الأحيان يقرفني حتى كأنني مجنون يخور مثل ثور أسطوري فقد كنت مضطرا إلى الكلمات البسيطة القليلة والغنية عوض فسحة النثر. ولطالما استبد بي الشعر حتى أنه لا يتركني إلا في مخاض عسير وفي مدار هو بحق مدار الرعب والرهبة ومدار ‏الجنون
‏كان الشعر يأسرني ويغمض عينيا ويكبلني إليه مثل ورقة التوت التي تغطي عورة حواء
‏وما أجمل حواء بلا ورقة التو ت وما أجمل أن تكون التضاريس عورة المنبسط. كان الشعر يمنعي عن النثر وكان النثر يرجوني وأرجوه وكان يرفعني ثم يلقنيى كأنني إذ أطير أقع وإذ أقع أطير مثل جناح بلا تجربة ‏والفكرة أني كنت أحاول أن أقنع نفسي أن دفق الشعر سينتهى حينا ليتركني إلى الكتابة ‏السردية و النثرية
‏قد تقف أمام الجنون والحكمة في آن واحد وتقف عند النثر وعند المفردة البسيطة التي تهدي ‏لك المعنى متستا ومتعاونا غير صعب ولا طاغ .‏كنت أريد بحق أن أحكم كل تك الخيول البيض التي ترتع في خضرة المعنى وتجعلها كما يجعلها مدرب السر ك تسير على تلك المساحة فى انتضام حلو ورتابة قوية لا تهتز بعاصفة كحافر يطأ اليبس و يطأ أيضا اللين لكنه يتقدم على نغم السياط وقد تكون الإرادة نورا بين عالم الكلمة الشعرية و عالم الكلمة التى تنطقها سلالة النثر ولكنى حتى هذه اللحظة.وهذا اعتراف لا أستطيع تبيينها أو البحث عنها. فحتى هذه اللحظة ~ اللحظة> ما أزال منخرطا في الشعر ومتعة المجاز. لا يزال يأسرني إليه... جمعا... جمعا
‏كنت أود في بعض الحين أن أفلح في مناصفة الطريق وإخراج بعض بريق الضوء إلى الكلمة الناطقة واذا أفلحت فسيكون بإمكاني أن أوجه الكتابة حنو إشراق الحلم والخطف واللمعان المعشي. ولا أزال في الأنين حتى أكون موتا وحتى تكون الورقة حجرا يدمغ السهولة. هل يمكن أن يكون الصراع بين جلا ل الشعر وجلا ل النثر معركة صارخة ومصاخبة تدور في ذهني وتشغل أكثر ما تشغل مهجتي وكياني ولا تدعني إلا نبضا متفرجا ونبضا عميقا في أرض المعركة لا تستطيع المشي فيها دون أن تقطع الجثة طريقك وتقتحمك الرصاصة .
‏الغريب أن كل هذه التداخلا ت قد توحي بالخصوبة ولكنها عقم متبلط. يجعلك بليدا متنافرا غير قادرا على الترصيف وهو أمر صار مقلقا حقا. فأنا أريد أن أحكم أمواج تلك التأملات وأخضعها إلى سياق الجملة والنسق وسياق الحكاية الذي لا يكون إلا وليد تتابع الحدث ودخول الزمن وارتفاع الكلمة
كيف تمضي بعيدا بنفسك وبآلائك و كيف تمضي بعيدا عنك وبعيدا عني وبعيدا عن بوارق السحب وكيف تمتص الصاعقة إذا لم تكن كل ن ا. أن تكون قادرا على استيعاب الشحنة التي تستبد بك وتجعلك أسيرا فارغ الفاه مترصدا بغير النزول من الشعر
‏النزول هنا ليسر عملا فكريا أو تمرينا فقط ولكنه تصميم على أمر قد لا يكون لك يقترب منك ليبعدك في عنف نحو الجدران ولك أن تتصور كل هذا الألم وكل ما يمكن أن يجاوز معنى الألم. اليس الحطام ألما داميا وصورة تضلل
‏. النثر...النثر هكذا كنت أنادي وأنا على غير عادتي أصارح الكتابة إني كنت اتبع في الشعر الإيقاع لا الوزن وهذا مأ جعلني مضطربا بين صورة شعرية ونفس دافق المجاز وبين وزن يأسرني. كانت الطامة الكبرى يوم عمدت الى شعر محمود درويش أمارس قراءته وأمارس عشقه. وكان أكثر ما يأسرني فيه هو قوته وايحاءه بالموت والتغني بالنهاية وكان ظني به أنه ينظر إلى كل حياته ويقولها وهو يقدم كفنه ويعد جسده للتحلل وللتراب
‏كان قويا باهرا، جليلاخارقا، مفعما ومقيدا ومرسلا. كان رسوليا وجداريا كان كل هذا يدفعني إلى قول الشعر ويدفعني معه الى التورف نيه وكان خطنى في قراءة شعره ماسورا بشعريته النذة واقترابه من التفاصيل التى كانت تطيني الانطباع أنه انفك عن الوزن و دحا إلى النثر أو ما بات يعرف بقصيدة النثر و كان هذا الأمر خطيرا
اكتشفت فجأة أن محمود درويش قد مارس سحره و السحر خداع. فلم يكن بعد قد أغرق في قصيد النثر رغم اقترابه من عالم التفاصيل و التدقيق فقد حافظ على الوزن و أطره تأطيرا عجيبا مغنيا و كذا كانت المفاجئة كالصاعقة و كانت حلا في آن قررت التوقف عن ادعاء الشعر و قررت أن أرص صفوفي إلى ميدان الكتابة النثرية حتى و لو كان هذا خداعا و ما أجمل أن يخدع الواحد نفسه. و ما أجمل أن يمسك بالرحلة فيوقفها حينا و يأخذها حينا آخر و ‏لكن مثل ماذا؟
‏تلد الرحلة المسافة و تلد المسافة البعد و يلد البعد الرقم و يلد الرقم انغماسك في العد . فان كان بسيطا كفته أصابعك وأن تعقد لم يكن لك إلا أن تأخذ ورقة و تمتطي جداول الضرب و الجمع و الفرح أي أن انشغالك يجب أن يكون مؤسسا على الحقيقة الرياضية و على النسق و ن ا ما يطلبه النثر منك في بعض ما يطلبه
‏النثر إذا أسر و عوا نله و خدمه مردة كزبانية جهنم تدخله بالرغبة و تتمتع فيه بالمثابرة و إلا لفظك و طرحك أمام قضبانه بعد أن يكون جعلك ضلا من الضلال الكثيرة التي تحيط حياتك و تجعلك شغلا في مدار العادة والحاجة و الفاقة الدائمة رغم الغنى.

إلا أن النثر صنو الشعر ممارسة محرمة و اشتغال بالحب و العشق و البدعة و الحلم و الإحلام و بارتكاب الحياة. و هو إذ يكون كتابة يكون نصا و إذ يكون نصا يكون جسدا يخضع عند الولادة للمشرط وللا داة و هذه محنته الأزلية و محنة كل كتابة مبدعة قريبة ‏ من الحلم و منغمسة في الانفصام و الازدواج و الارتواز وكذا. متعة و متعة و لحظات عذاب متمتع في. اللذة. هو لحظات من السحر و أصوات من مزمار داود وقوة سليمان .
أنت كما أنت ظا لع في أسمائك و متجذر داخلها و متأجج في أنانيتك و وحدتك وعزلتك و ليس هذا غير بعض الحقيقة التي لا ترضى أن يعقدها في صوتك و لا ترضى أن تفسح لها سماء غير السماء التي تاويني و تاويك .تمتطي السماوات السبع لان سماء واحدة لا تكفيك و كذا يكون النثر مثل الشعر و القص مثل القصيدة و كذا تعود لتغني ألمك بكلمات ليست إلا مجازا كالشعر ينتصر فيها لأنه لمعانها و كذا الكتابة كل الكتابة .

سعيف علي




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !