استسهال مثير للقلق ..وخفة كبيرة اقرب الى الطيش..هي تلك السمة التي يمكن لنا ان نصف من خلالها ذلك الاندفاع الكبير الذي تمارسه بعض دول الاقليم في عملية جر شعوب المنطقة الى اتون التقاطعات الطائفية المهلكة..وبتبسط وتهاون قد لا يتلائم مع خطورة المنتظر من هكذا تفلتات ..
تبسط وتهاون متعجل ومتلهف ولا يرى ما بين قدميه.. قد يكون مستغربا مع كل هذا الاداء العلني المنقول فضائيا للنتائج الكارثية على الارض لايام الفتنة التي تم استنباتها في شوارع وارصفة واسواق العراق من خلال اعلاء القيم الطائفية وتقديمها كقيمة اولية مهيمنة على جميع المشتركات التي كان من الممكن ان تكون وسيلة صالحة لاشاعة روح الالفة والتسامح بين ابناء الشعب الواحد..
اندفاع متسرع..قد لا يكون متوافقا مع الروح الثورية التي تعصف نسائمها في ارجاء المنطقة والمبنية على المطالبة بالعدالة الاجتماعية والمساواة وحق التعبير عن الخيارات السياسيةالحرة للشعوب..ولكنه قد يكون مفهوما من خلال التضاد الواضح والمعلن لهذه الشعارات مع مصالح وثوابت بعض الانظمة المتعتقة في الحكم والتي تشفق حد الفزع من موقف متأخر ومأساوي من المحتم ان يؤطر مواقع اقدامها في اي من معارك التحرر والانعتاق التي قد تواجهها تحت اشتراطات وتوجهات حركات التحرر الشعبية العربية ..
ومن هنا قد لا يكون هذا الاحلال الطائفي اللحوح الا كنوع من تحسين المواقع وتحصين التخندقات الرسمية للحكم..لخبرة الانظمة القمعية الاستبدادية الطويلة في اختلاق الازمات ولطول باعها وتمرسها في التلاعب بالتناقضات الطائفية خدمة لاهداف استمرارها في التسلط على رقاب بدأت تتململ من طول المطال في وحل الديكتاتورية والحكم الفردي العائلي المغلق..
تلاعب كان يتم دائما من خلال نشر خارطة المنطقة على طول وعرض الوطن وتأشيرها بالخطوط والعلامات المعبرة عن اولية التوزيع الطائفي والعرقي والفئوي والمتماهي تماما مع انتماءات الحاكم وخياراته الايديولوجية وتفضيله على مبدأ المواطنة المتساوية..اشارات غالبا ما يعدها السلطان ذريعة كافية لتمديد وتمطيط حدود تدخلاته وايلاغه في دماء الشعوب استنادا لقيادة ملتبسة منتحلة لمهمة الدفاع عن هذه الطائفة او تلك الفئة تجاه اخطار قد يكون الحكم نفسه من اهم عواملها..
ان محاولات جر شعوب المنطقة الى المساحة الهلامية الخطرة مشوشة الملامح والمعطيات التي تمثلها الطائفية تمثل فعل اقرب الى الجرم منه الى تأمين الحكم لمواقعه..ويعد ممارسة غير محسوبة النتائج بدرجة تعبر عن مدى استخفاف النظام الرسمي بوحدة النسيج المجتمعي للامة وامنه وسلمه الاهلي..ولن يكون من الممكن تمريرها –خصوصا في المرحلة الحالية- الا من خلال الاسراف في اغراق المنطقة في الصراعات الفئوية المسعورة بشبق القتل والتدمير والتي لا يمكن لها ان تسفر عن رابح اوخاسر..ولنا في الاعمال التي استجلبت الى العراق وسالت بسببها انهار من الارواح والدماء والجثث المقطعة الاوصال ونزف الثروات والمقدرات نموذجا عن عدم امكانية السيطرة على هذه الامور عند انطلاقها وخضوعها الحتمي للتفلت الخارج عن سيطرة كل الاطراف..
كما انها تذكرة لمن يوعى..ان نتائج المحاولات التي اقترفها النظام الرسمي في تغويل الوحش الطائفي واطلاقه في شوارع العراق ولبنان والبحرين واليمن كانت من السوء بحيث يتوجب النداء باعلى الصوت ضد الجهد الحثيث في تصديرها الى مناطق اخرى من المنطقة..كما ان المطلوب الان التعامل بواقعية مع المعطيات الجديدة التي تتفاعل على الارض ..والاقتناع بلا جدوى مناهضة الشعوب في مسيرتها الظافرة نحو الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية..والايمان بحتمية انتصار الارادة الشعبية الحرة على الحكم الاستبدادي المناهض للحرية والحق ومستقبل شعوب وللمسار التاريخي السليم..
كلنا امل في الصفوة الطيبة من الشباب العربي الثائر ..ان تثبت بتوحدها والتفافها حول الشعارات المعلية لمبادئ المواطنة وحقوق الانسان ..رفضها التام لاستخدام الورقة الطائفية من قبل الانظمة المعادية للشعوب..والتي يبدو انها لم تعد تتحصل الا على قدرتها على اثارة الفرقة والاضطرابات واستنهاض اسوأ ما في النفس من ادران وعتمة من خلال النفخ في رماد التمييز الطائفي والمجتمعي كمبرر وحيد لادامة وجودها وتسلطها على رقاب المجتمع..
التعليقات (0)