التحريض عودة من جديد
التحريض شكلٌ من أشكال التعبير السلبي يقلب الحقائق ويجعلها أسيرةٌ للخيال , يستهدف العواطف ولا يٌخاطب العقول , هو أداة ووسيلة تٌستخدم لأمرين إما فرض رؤية على واقعٌ مٌعين أو إثبات الوجود عن طريق إثارة الرأي العام بكلماتِ نارية وخٌطب حماسية , المجتمع السعودي ومنذ مدة طويلة وهو يرزح وما يزال تحت وطأة التحريض الذي لم يدع قضيةً خارجيةً أو محليةً تسير في سياقها الطبيعي , أستدعى المحرضون التاريخ وقاموا بلي أعناق الأيات والنصوص الشرعية لتبرير ما يقولونه من على المنابر و شرعنة ما يروجونه في الملتقيات والكتيبات والأشرطة والمواقع الإجتماعية من أفكار وعبارات ذات أهدافٍ أيديولوجية بعيدة المدى , هناك حقيقة يجب الإعتراف بها وهو إستغلال المحرضون لملفات شائكة وظروف مرحلية ماضية وظروف اجتماعية معينة فأستهدفوا المجتمع من خلال تلك الملفات والظروف فوقع من وقع بشباكهم التي نصبوها لأبناء وفتيات المجتمع ونجى منها أبنائهم الذين ينعمون برغد العيش ووجاهة الحضور
لم ينخرط الشاب والفتاة فيما بعد بتنظيمات القوى الإسلاموية المتطرفة بتلقائية بل هناك أسباب إجتماعية وتربوية وفكرية وسياسية وإقتصادية جعلته مشروع مقاتل بالنيابة وهذا ما عمل عليه المحرض الذي لولا تلك الثغرات الموجودة في المجتمع لما تحققت غاياته وذهب من ذهب ضحية لأفكاره الشنعاء , في السابق كان الكاسيت وسيلة الصراخ والعويل والتضليل واليوم أصبحت الوسائط الحديثة تقوم بنفس الغرض بل بشكلٍ كبير وسريع , الحقبة الأفغانية المريرة قدمت للمجتع أسماء سلكت طريق الوعظ والدعوة فمارست عملها ضمن نطاق مشروع الإيمان والكٌفر الذي وجد لكسر شوكة السوفيت , لم يستفد المجتمع من تلك الحقبة ولم تستفد منها المؤسسات الرسمية بل الجميع كان ساذجاً وألعوبة وهذه حقيقة , مرت تلك الحقبة مرور الكرام حتى أستفاق المجتمع على كارثة إستهدافه بعقر داره وهذه كانت القشة التي قصمت ظهر البعير فاق المجتمع و فاقت المؤسسات لكنها لم تستمر طويلاً فالعراق كان على موعدِ مع الإحتلال الإمريكي وبيان الجهاد بالعراق كان المحفز لكثيرين لأن يلتحقوا بمعارك بلاد النهرين فسقط من سقط وعاد من عاد حاملاً فيروسات الإسلام السياسي في قلبه قبل عقله ومقاتلة الكافرين غايته الوحيدة في هذه الحياة , أتت الثورة السورية وحدث مالم يكن في الحسبان عودة الحقبة الأفغانية للواجهة من جديد لكن بصورة مٌختلفة فالشام أرضٌ المعياد وقبلة المجاهدين الصادقين فأنتشرت الخٌطب الحماسية والفتاوى النارية وأٌقيمت الملتقيات والبرامج المهتمة بالقضية السورية فركب الموجة شباب في ريعان الشباب ولم يخرجوا منها أحياء ولا أصحاء , تناسلت التنظيمات وتكاثرت الفرق وأزداد الواقع السوري سوءاً والسبب من تصدر المشهد مفتياً ومحرضاً ومتباكياً ومستدعياً للتاريخ وضاناً بأن الخلافة قادمة لا محالة , من نشط في التحريض هم دعاة الأمس وواعظوه الذين أشغلوا الرأي العام بالجنان والحور العين والبساطة والزهد والمرأة دٌرة مصونة يجب وأدها هم الذين قسموا المجتمع لفسطاطين فساط إيمان وفٌسطاط كٌفر وما بينهما تغريب وانحلال كما يظنون دعو علناً إلى جمع التبرعات وإرسالها لمناطق الصراع السوري لا قيد أو شرط , دعو الشباب إلى النفير ففلت الشباب وتمردوا على القيم والضوابط لولا المحرض لكن الصراع السياسي السوري السوري يسير وفق قواعد الحلول السياسية ولولا المحرض لما تحولت أوطان لمحرقة بشرية لا مثيل لها في التاريخ البشري القديم .
المحرض وقود الكوارث دون إغفال للأسباب الأخرى فعقدة المحرض لا تٌحل بالتنظير بل بمعالجة ملفات ومكافحة أفكار وأراء متطرفة وتفكيك منظومة مٌعقدة تبدأ بالمناهج وتنتهي بطرح تساؤل لماذا كثيرٌ من الفعاليات والبرامج ذات الطابع الوعظي والدعوي بعيدة عن أعين الرقابة والمراجعة المستمرة لكل ما يحدث بداخلها ويخرج منها فالعقدة التحريضية عبارة عن غٌده مرضية يجب استئصالها بمهارة ومنصة المحاكم أولى الخطوات الرادعة والحافظة للمجتمع من شخصيات تتلون وتتغير حسب ظروف الزمان والمكان وتستغل نصوص وملفات وأسباب لتحقيق غايات دنيئة يحسبها الساذج والجاهل أنها حق وخير ورغبة ربانية شريفة .
التعليقات (0)