" ميزان المستقبل أصبح فى يد القوات المسلحة " جملة قالها الأستاذ هيكل قبل أكثر من أسبوع من تنحى الرئيس السابق ، وأخيراً وضح بجلاء أن سياسات المجلس العسكرى أودت بنا لما نحن فيه الآن من تخبط وإرتباك ، ففى بداية الثورة إلتمسنا الأعذار للمجلس العسكرى لعدم تدخله فى منع حدوث موقعة الجمل ، مع أنه كان يتولى أمن البلاد وقتها ، وتولى رسمياً المجلس العسكرى مقاليد الحكم بشرعية ثورية واضحة وضوح الشمس حيث قال الرئيس المخلوع على لسان نائبه وبالحرف " قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد " أى أن مبارك تخلى عن المنصب أولاً والمُتخلى لا يُكلِف ولا يمنح أى شرعية ، وذكر الجميع أن المجلس جاء بشرعية ثورية ولكن فوجئاً ـ تلميحاً ـ برفض المجلس لتلك الشرعية الثورية وصُدمنا ، فعلى ما يبدو لولا ردة الفعل المتوقعه لقال المجلس أن مبارك هو الذى أعطاه شرعية تسيير أمور البلاد ، ولكى يخرج المجلس من ذلك المأزق بدأ يُصرِح بأنه جاء بشرعية الإستفتاء ـ المُلتبس ـ على تعديل بعض مواد دستور عام 71 مع أن هذا التعديل ليس فيه أى مادة تدل أو تمنح أى شرعية دستوريه للمجلس العسكرى ! .
وتحملنا ذلك على مضض وقلنا سوف يتخذ المجلس قرارات ثورية تحقق مطالب الثورة ولكننا وجدنا إلتفافاً على تلك المطالب وكأن الشعب ثار على مبارك فقط وقد ذهب مبارك فعلى الشعب أن يرضى بما يمنحه له المجلس العسكرى ونحن نعلم ـ بعد إقرارنا بوطنية كل أعضاء المجلس العسكرى ـ بأنه مُعين بتوقيع من الرئيس المخلوع .
وبدأ الشعب والثوار يطالبون بمطالب عامة مهمة لتحقيق مطالب الثورة ولكن لا تتحقق تلك المطالب إلا بطلوع المليونات بعد طلوع روح الثوار وقادة الفكر المُحترمين وهؤلاء جميعاً هم ضمير مصر الحى ، وكان عودة الأمن مطلب أساسى ولكن رأينا الإنفلات الأمنى يزيد ووضح فى كثير من الأحيان بأنه إنفلات مقصود دون أن نرى بحث جدى عن أسباب ذلك الإنفلات وهل هناك جهاز سرى يريد إشعال مصر مع الإبتعاد عن الأسطوانه المشروخة والمُملّه بإتهام بعض القوى الوطنية بالسعى لإشعال مصر ؟! ، ووضح أن المطلوب من ذلك الإنفلات ـ أو التفويت ـ الأمنى أن يرجع الشعب ليترحم على أيام مبارك المخلوع .
وبدأت تتكرر نفس السياسات التى كانت تُدار بها البلاد وثار عليها الشعب ، فنجد نفس الإتهامات المُضحكة لكثير من الوطنيين ومن شباب الثوار دون دليل واضح ، وإستخدام وجوه جديدة للترويج لتلك الإتهامات ، معتقدين أن الشعب جاهل وغير مُهيأ لممارسة التفكير وسوف ينساق وراء تلك الأقويل التى أصبحت كالأسطوانه المشروخة .
وكما قال مُفكرنا الكبير د. جلال أمين فى مقال أخير مُشبهاً ـ حالة الحزن الشديد التى تسود المصريين مقترنة بشعور بخيبة الأمل، بسبب التطورات السياسية التى حدثت خلال الشهور القليلة الماضية ـ بوصفه العبقرى لها ب " عودة الإغتراب" ، إلا أنه لم تمر إلا ساعات قليلة بعد نشر هذا المقال حتى بدأت " عودة الروح" من جديد بفضل الله عز وجل أولاً ثم يلى ذلك سوء السياسات والقرارات ، ثلاث لقطات لا تتعدى الواحدة عدة ثوانى ، وبسبب إنتهاك حُرمة الموتى التى يصونها المصريون منذ القدم كانت تلك اللقطات كفيلة لإشعال الثورة من جديد ، ليس فى ميدان التحرير فقط ولكن فى كل بيت مصرى فى الداخل وفى الخارج أيضاً .
خلاصة القول أنه وبعد أن أصبح ميزان المستقبل بيد قادة القوات المسلحة إلا أن ذلك "الميزان" على ما يبدو لم يتم ختمه بختم الثورة ، ومن يعيش فى مصر يعلم بأن أى "ميزان" جديد لابد وأن يتم مراجعته ومعايرته وختمه بختم مصلحة الدمغة والموازين وإلا أصبح ذلك "الميزان" مخالف للقانون .
وعلى الجميع أن يعلم بأن الموجودين بميدان التحرير ليسوا فقط ضمير مصر الحى ولكنهم ضمير العالم الحى أجمع شاء من شاء وأبى من أبى ، وعلى من يشككون فى ضمير مصر الحى أن يتقوا الله لأن أى صاحب فطره سليمة والغير مستفيد من النظام السابق لابد وأن ينتمى لميدان التحرير قلباً وقالباً وإن لم يدخله ولا مرة .
التعليقات (0)