التحرش بالرجل
تنمو بالفترة الأخيرة ظاهرة في مجتمعاتنا العربية تأخذ شكلا وقحا، حيث لا تتوانى بعض النساء عن القيام بها، ضاربات بعرض الحائط كل المفاهيم السائدة، متشبهات بالمرأة الغربية الى حد التقليد الأعمى، في السلوكيات وليس في القدرات الفكرية، ألا وهي ”التحرش بالرجل” وأخذ المبادرة في التقرب منه. كثيرات يظنن أن الحرية تعني حريتهن المطلقة في كل أمور حياتهن، دون الأخذ بعين الاعتبار محيطهن وعقيدتهن، وهذا نوع من الضلال الفكري، وسطحية في فهم الحرية. أرادت المرأة أن تكسر توابيت المجتمع المتوارثة، من كونها خلقت للبيت وللأمومة ولإرضاء الرجل، وأرادت أن تقول للرجل: “أنا موجودة لأكملك ونبني معا الحياة لتزدهر الأرض بنا“ ولتقول لبنات جنسها: ”انهضن من غفوتكن، فأنتن لستن جسدا يستعمل، بل عقلا وفكرا وروحا وطاقات، بإمكانها أن تدمر أو تعمر“ ولكن ما حدث لم يكن بهذه المثالية ولا يمكن اعتباره انجازا يحسب لها، أنا اتحدث عن المرأة العربية التي تثور كالرجل العربي على التقاليد العربية، وتسعى مثله تماما لادعاء أنها تملك فكرا غربيا. مع العلم أن الغرب لا يقارن نفسه بالشرق، لأنه يرى أننا متخلفون وأننا نضطهد المرأة ونهينها، والحقيقة ان هذا فهم خاطئ وغير حقيقي لواقع المرأة العربية، الواقع ليس مثاليا وطبعا توجد انتهاكات، ولكن في العالم العربي الانتهاكات تطال الجميع.
لو اقتنعت المرأة العربية بخصوصيتها كما تفعل أي امرأة على الأرض تنتمي الى حضارة وتاريخ غير غربي من احترام لخصوصيتهن واعتزاز بأصولهن ولم تقرر أن تخرج من ثوبها وتخلع طابعها وتتشبه بالغربيات حتى باتت هجينا لا نكهة لها ولا طعما، كنا تفادينا الكثير من السقطات الاجتماعية. مما يمكن ملاحظته أن المرأة باتت تجرؤ على المبادرة، وأخذ الخطوة الأولى في استدراج الرجل وإيقاعه في دائرتها، فهي لم تعد تنتظر أن يلاحظها، بل تعمل ليلاحظها وتأخذ في التقرب منه، ربما سيقول البعض وما الضرر بذلك؟
لا ضرر لو كان الأمر يأخذ منحى الجدية، من أجل الارتباط، وربما لو شعرت أنها أمام رجل متفهم ومثقف لن يحاكمها أو يحكم عليها، قادر على استيعابها. وأنا لا أتحدث عن هذا النمط من المبادرات، فقد قصدت فعلا الجملة التي قلتها “التحرش بالرجل”، وهذا يحدث في كلّ يوم من قبل نساء يعشن قريبات منا، خاصة في عالم التواصل الاجتماعي، الذي يؤكد سكانه من الرجال أن هذا يحدث معهم يوميا، حيث تبدأ نساء بالتعارف والتواصل وملاحقتهم.
لقد وقعت بعض النساء اللواتي يعتقدن ان هذا من صميم حريتهن في فخ الكم والتعدد، وأنهكتهن العلاقات الوهمية، تماما كالرجل، فتاهت منهن كرامتهن وهانت عليهن أنفسهن، فهان كل شيء، ربما كانت هذه النسبة ضئيلة فيما مضى، أما اليوم فهي في حالة هستيرية من التزايد وكأن الشيطان يرسم دروب الكثيرات، ويضع الخطوط العريضة في سلوكهن. الحرية لا تعني تعدد ولا علاقات ولا انزلاقات، أنّها رؤية فكرية وقيمة انسانية، تحصن الانسان في مجتمعه وترفع من قيمته أمام نفسه وأمام الآخرين سواء أكان رجلا أو امرأة.
التعليقات (2)
1 - شكرًا
صادق - 2015-10-29 21:25:07
مقال في صميم واقع أمة باتت ترى كل الحضارة في القشور.شكرا للكاتبة المحترمة
2 - كلام ممتاز في زمن عقيم
جورج - 2015-10-30 09:18:48
من يقرأ كلامك بتمعن يجد بأنك أصبت القول بأمور كثيرة فالكثير من العرب يتجاهلون الامور الجيدة التي هي سائدة في الغرب ويتمسكون بالامور الغير محببة في عالمنا الشرقي .. والتحرش بالرجال على مواقع التواصل الاجتماعي فهي كثيرة وفوق التصور .. والسؤال ماذا يستفدن المتحرشات بالرجال سوى دنو نظرة الرجل لهن .. أشكرك عزيزتي الكاتبة ولك مني اجمل تحية