مواضيع اليوم

التحدي بروح العصر

hadi sheeb

2010-03-09 19:11:34

0

 التحدي بروح العصر


عندما طلبت من سائق سيارة الاجرة أن يوصلني الى المكتبة العامة اكتشفت ان عدّاد الأجرة لا يعمل مما يترك المجال مفتوحا للسائق لتحديد الاجرة بكل عدالة! ولتوضيح سبب عدم اصلاحه قال لي - بعد ان نفث بوجهي دخان سكارته- ان شرطة المرور في هذه المنطقة هم من معارفه.

بعد دقائق من السير قام بمخالفة مرورية كبيرة، قلت له:

- وهل الشرطة في هذه المنطقة من معارفك أيضا؟

- لا تهتم، فقليل من الليرات تدفع الكثير من العقوبات

وصلت الى المكتبة العامة الوحيدة في تلك العاصمة العربية العريقة التي احتضنت الحضارة العربية في غابر العصور، وجدت على الباب حرسا يمنعني من الدخول ويطالبني ببطاقة العضوية. دخلت معه في جدل فلسفي اسمه "توقـُّف الشيء على نفسه"، فبطاقة العضوية لا تصدر الا من الداخل، والدخول مستحيل بدون بطاقة!

بعد جدل بيزنطي تمكنت من اقناعه بوضع جواز سفري امام سيادته كضمان لعدم اختبائي داخل المكتبة قبل التشرف بمقابلة المدير المسؤول علـّي احظى بشرف العضوية الذي يؤهلني لمطالعة الكتب الموجودة في هذه المكتبة داخل قاعاتها فقط، فالاستعارة الخارجية ممنوعة.

قبل الدخول الى البناء الاصلي واجهتني لوحة الممنوعات في هذه المكتبة:

- ادخال الكتب من خارج المكتبة ممنوع

- ادخال دفاتر لتدوين الملاحظات ممنوع

- ادخال اوراق مصورة ممنوع

- ادخال حقيبة ممنوع

- الاكل والشرب ممنوع

- ...................ممنوع

- ...... .............ممنوع

وقبل ان أمد يدي الى كامرتي لأصور قائمة الممنوعات هذه وصلت الى جملة :التصوير ممنوع.

سلمت أمري لله وقررت – حفاظا على كرامتي- ان اتقيد تقيدا كاملا بالتعليمات ودلفت الى الصالة في الطابق الارضي لاجتازها الى المصاعد فاستوقفني حاجز بدا لي كأنه معرض لبيع الملابس لكثرة المعاطف والقمصان والبلوزات المعلقة فيه ، وبسرعة زال عجبي عندما أخبرني الموظف المسؤول بأن ارتداء الملابس الفضفاضة ممنوع، ومد يده الشريفة وأشار الى الملابس التي يتعين علي خلعها ليعلقها مع الملابس الكثيرة التي توهمت في البداية انها معروضة للبيع.

لا مفر من تطبيق التعليمات وتجنب الممنوعات..بدأت بخلع الملابس الممنوعة..يا الهي هل دخلت الى مكتبة؟ أم الى حمـّام؟

استلمت ايصالا بملابسي الفضفاضة، والايصال عبارة عن قطعة خشبية بحجم البوسكارت، وضعتها بكل أدب في جيب البنطلون_الذي لم يكن لحسن الحظ فضفاضا- وتقدمت للحاجز الثاني.

على الحاجز الثاني تفحصوا ما احمله في يدي ولم يكن غير الحاسوب المحمول الذي اخبروني بانه ممنوع! وعليّ ان اسلمه واستلم بدله ايصالا خشبيا آخر بنفس الحجم وضعته في الجيب الآخر للبنطلون.قلت لهم :ولكني احتاج الحاسوب لبحثي اثناء القراءة فقالوا:

- في هذه الحالةعليك الحصول على تصريح خاص من المدير.

- واذا حصلت عليه لا توجد مشكلة أخرى؟

- في هذه الحالة تستطيع ان تأخذ الجهاز وحده منزوعا من حقيبته

- والحقيبة؟

- ادخال الحقيبة ممنوع ، تضعها هنا وتستلم بدلها ايصالا خشبيا

اطعت الانظمة وتركت الحاسوب في قسم الممنوعات وتوجهت الى غرفة المدير حيث طلبت منه ان يمنحني بطاقة العضوية لاتمكن من دخول المكتبة لغرض المطالعة..رحّب بي وسالني بعض الاسئلة للتأكد من "لياقتي" لدخول هذا المكان ثم اعطاني رسالة الى مسؤول البطاقات يخبره فيها بعدم وجود مانع من حصولي على العضوية "حسب الاصول".فرحت في البداية حين علمت ان اصدار بطاقة لي غير ممنوع،ثم تبين لي لاحقا ان "الاصول" تقتضي التحقق من هوية صاحب الطلب وتقديمه صورة شخصية ورسما نقديا، وبعد شهرين ( فقط ) تصدر البطاقة!!

قلت له: يا حبيبي بعد شهرين سأكون في بلد آخر مستهترٍ بكتبه وثقافته ولا يحرص عليهما كحرصكم ، فماذا افعل لأدخل اليوم الى مكتبتكم العتيدة؟

نصحني بالتظلم امام المدير لاحصل منه على استثناء خاص.

كان المدير لطيفا جدا معي فبعد التأكد من هويتي وبعد معرفة "الهدف الحقيقي" من دخولي المكتبة، منحني تصريحا بدخول القاعة الاولى فقط ولمدة 3 أيام فقط، على ان اسلّم جواز سفري لمسؤول القاعة يحتفظ به طيلة فترة تواجدي فيها (الاعضاء يسلمون بطاقات العضوية للاحتفاظ بها ليكون مسؤل القاعة دائما على علم بشخصيات الذين يطالعون في قاعته، واسماء الكتب التي يستعيرونها).

خلال المطالعة احتجت لمصدر هو عبارة عن كراس صغير فيه قصيدة لشاعر فلسطيني مسيحي يمدح فيها النبي محمدا(ص)، وكانت التعليمات تقضي بملء استمارة طلب استعارة يبعثه مسؤل القاعة الى مخزن الكتب (الموجود تحت الارض) ليرسلوا الكتاب بيد موظف أمين بعد فترة ما ان انقضت حتى جاء الجواب بأن مطالعة هذا الكتاب ممنوع!

سألت الموظف (بخبث): كم هي نسبة الامية في بلادكم؟

أجاب بكل بساطة: لا أعلم

قررت ان أصحح خطأي ، غادرت قاعة المطالعة الى البهو ورميت نفسي على كنبة معدة للاستراحة ريثما يهدأ الدوار الذي اصابني، ولم اشعر الا بالموظف يناديني قائلا:ان الجلوس على هذه الكنبة لاكثرمن عشر دقائق ممنوع.

استعدت جواز سفري وحاسوبي وملابسي الفضفاضة ووليت هاربا قبل الظهر، فواجهتني لوحة كبيرة في الشارع تقول:

نواجه التحديات بروح العصر




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !