التجارب الإبداعية الجديدة
بقلم: خليل الفزيع
في الطرح الموضوعي لقضايا الثقافة لا يمكن القول بإخفاق التجارب الإبداعية الجديدة في المجال الأدبي، لارتباط مثل هذا الأمر أو عدمه بالزمن الذي يعتبر المحك الحقيقي لمثل هذه التجارب، وقد يقصر فهمنا عن استيعاب الشكل الجديد أو حتى المضمون الجديد لهذه التجارب، لكن هذا لا يبرر الوقوف بحدة متناهية في وجهها، بل هو مدعاة لأن نطور أدوات التذوق الذي نرسف في أغلاله دون أن نملك القدرة علي تجاوزه بعد أن تأصل في ذواتنا عبر عشرات القرون، ومع ذلك فإن حريتنا في التعبير عن آرائنا لا يمكن إجهاضها حتى وإن كان مصدرها هذا التذوق البدائي إن صحت التسمية. وهذه الحرية مادامت في الإطار الخاص، ولا تعني التعميم فلا غبار عليها.. حتى وإن عبرت عن عدم القدرة على مجاراة الزمن، أو حتى عدم الرغبة في ذلك.. لكن المعضلة الحقيقية تكمن في إصرار أصحاب هذه التجارب علي فرضها علي الساحة الثقافية بعناد منقطع النظير، وكأنهم علي غير ثقة بجديتها وجدواها، وقدرتها علي الصمود عبر الأزمنة القادمة.. هذا الإصرار الذي يحسب على هذه التجارب، ولا يحسب لها.
إن التعبير عن وجهة النظر من منطلق انطباعي أو في إطار المصطلح النقدي لا يمكن رفضها .. لأنها فقط تخالف وجهة نظرنا حول العملية الإبداعية وهذا الانغلاق والتشرنق لا يقل سوءا عن ذلك القصور التذوقي الذي ينظر بعضنا من خلاله إلى التجارب الإبداعية الجديدة.
وتشابك القضايا أو المعضلات المتعلقة بالعملية الإبداعية يدعونا إلى التواصل الفكري الجاد والحوار الموضوعي المستمر حول تلك القضايا أو المعضلات دون الخضوع لنزوات الأحكام القسرية.. فالحوار لا يعني التنازل عن وجهات نظر معينة، ما لم تتوفر الأسباب المقنعة ضمن شروط وأدوات الإقناع، فالإصرار على أي موقف بعد أن يتضح خطؤه هو نوع من المكابرة التي لا تليق بالمثقفين، خاصة وأن اختلاف وجهات النظر هنا هي حول قضايا ثقافية عامة، أو أدبية خاصة، وقد ظلت علي الدوام محل خلاف أو اختلاف في وجهات النظر، لأنها ليست من الثوابت التي يجب التسليم بها تسليما مطلقا، فهي مبنية علي وجهات نظر تخضع للاجتهاد في المجالين الذاتي أو الموضوعي، وهو اجتهاد يتطور بتطور الثقافة ويتسع باتساع المعرفة، ويمتد بامتداد الزمن وقد قيل: إن الأغبياء وحدهم هم الذين لا يغيرون وجهات نظرهم، إذا توفرت لهم الأسباب.
ومن التجارب الإبداعية الجديدة ظهرت القصة القصيرة التي لا تعتمد علي الحدث ولا تقيم له وزنا، ولو بذلك الجزء الضئيل منه الذي تسمح به مساحة القصة القصيرة زمانا ومكانا ولم تكتف بالتحلل من العناصر المتعارف عليها في القصة القصيرة التقليدية بل تجاوزت ذلك إلى التغريب والتهويم في أمداء وعوالم لا علاقة لها بالقصة، كما ظهرت تجارب أخرى في الشعر حظيت باهتمام من لا يملكون القدرة علي الإبداع في مجال الشعر سواء كان عموديا أو تفعيليا، ومع ذلك فإن الجيد منها هو ما سيكتب له البقاء.
قد ترتفع بعض علامات الاستفهام في أذهان الذين يعرفون أن القصة هي القصة، وأن الشعر هو الشعر.. بمعني أنه لا يمكن بناء القصة دون هيكل حتى وإن تجاوز هذا الهيكل المفهوم التقليدي أو الحد الأدنى منه.. فالنثر نثر، والشعر شعر، أما ما بينهما، فهو ضرب من التعدي علي الذوق الفني، أو هو قصور عن إدراك حس التذوق لدي المتلقي إن لم نقل انه استهتار بهذا الحس وسقوط إلى هاوية الفجاجة مهما قيل عن المضامين والطروحات التي يغلف بها بعض النقاد هذا اللون من الكتابة الأدبية التي تشبه تقليد الغراب لمشية الطاووس فلا هو حافظ على مشيته ولا هو أجاد مشية الطاووس.
التعليقات (0)