لما بلغ اليهود ذروة الانحراف بعث الله لهم أنبياءه زكريا وعيسى بن مريم وابن خالته يحيى بن زكريا عليهم السلام جميعا ، فاجتمعوا عليهم ليردوهم إلى جادة الصواب والحق ، ومن هنا تبدأ القصة الحقيقة لهذه التنظيمات
وقد جاء في الحديث الشريف أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ، وأن يأمر بني اسرائيل أن يعملوا بهن وكاد أن يبطئ ، فقال له عيسى بن مريم : إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني اسرائيل أن يعملوا بهن ، فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن ، فقال : يا أخي إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي ، فجمع يحيى بني اسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد ، فقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله عزوجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن ، أولهن أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا... وآمركم بالصلاة..... وآمركم بالصيام..... وٱمركم بالصدقة.... وآمركم بذكر الله كثيرا.....) والحديث طويل
ولكن محتوى هذه الخطبة واضح وحازم في إصلاح العقيدة وتقويم السلوك الفاسد لبني اسرائيل ، وبعبارة أدق : لقد كانت هذه الخطبة بالنسبة لليهود بمثابة إعلان للحرب ، ولعل ذلك ما جعل سيدنا يحيى يبطئ فيها ويخشى نتائجها
ولقد كان يحيى قليل الاستئناس بالناس وأقرب إلى الخلوة والاعتكاف والخروج في البراري ، ولطالما خرج أبويه يبحثان عنه في البراري ، بينما كان المسيح عليه السلام قد جد في دعوة الناس وتعاظمت دعوته وأحس اليهود بالخطر ، فعقدوا له محاكمة واجتمعوا على قتله وصلبه وأمر ملك لهم يقال داود بن نورا بإحضاره وصلبه أمام الناس جميعا
ويقول ابن عباس رضي الله عنه : (ولما أراد الله أن يرفع عيسى بن مريم خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين ، فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء ، فقال لهم : إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي ، ثم قال لهم : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم فقال له : اجلس ، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال له اجلس ، ثم أعاد عليهم فقال : أنا فقال : أنت هو ذاك ، فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء) ثم دل أحدهم ويقال له يودس زكريا يوطا اليهود على مكان المسيح فاعتقلوا شبيهه وصلبوه
ثم حمل لواء الدعوة يحيى بن زكريا وهو ابن خالة المسيح ، وقد وقف في وجه الممارسات الاباحية لليهود والتي كانت لا حدود لها ، فلما بلغه أن ملكهم هيرودس يريد الزواج ببعض محارمه ويقال لها هيروديا والتي كانت شديدة الجمال بعد أن عشقا بعضيهما ، أرسل إليه يحيى ينهاه عن فعل ذلك ، فبلغ ذلك في نفس هيروديا فاستوهبت دم يحيى من زوجها الملك وطلبت منه أن يجلب لها رأس يحيى بن زكريا ، فبعث الملك رجاله إليه فجاؤوه وهو في محرابه يصلي وبجانبه أبوه زكريا يصلي ، فذبحوه وحملوا رأسه ودمه إليها ، ثم لحقوا بزكريا الذي هرب منهم حتى دخل غابة واختبأ في جذع شجرة ، ولكنهم لحقوه وشاهدوا طرف رداءه يخرج من الشجرة فنشروه مع الشجرة وقتلوه
كما وردت رواية أخرى في كتاب المبتدأ لابن اسحاق ، أن زكريا عليه السلام أخبر حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بتفاصيل الجريمة ليلة أسري به ، ويروي له كيف أن هيروديا عشقت يحيى لجماله فراسلته ولما تمنع عنها طلبت من هيرودس دمه لنفسها ، وهذه الرواية تدل أيضا على وقوف سيدنا يحيى في وجههم ووجه ممارساتهم الفاسدة
بالتالي : فإن أول ظهور جاد لهذه التنظيمات السرية يتمثل في هذه الجرائم البشعة ، وقد كان أول تكتل لهم على يد هذا الملك اللعين هيرودس الذي قتل يحيى وأبيه ، حيث أسس في عام 43 للميلاد القوة الخفية التي نشطت في ملاحقة الحواريين أتباع المسيح واغتيالهم فردا فردا ، وذلك لطمس ما تبقى من منهج العقيدة السليمة ، وهذا ما سنناقشه في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى
التعليقات (0)