مواضيع اليوم

التبعية.. تحييد للعقل.

nasser damaj

2009-05-27 10:52:43

0

التبعية.. تحييد للعقل.

بقلم: خليل إبراهيم الفزيع.

 

    التبعية في اللغة تعني الانقياد، ويقال اتبعه أي مشى خلفه ومضى معه وانقاد إليه، وهو تابع، والجمع أتباع، وتتابعت الأحداث إذا جاء بعضها في اثر بعض، والتابع هو المسلم أمره لصاحبه، أي المسلوب الإرادة الذي اختار التبعية طريقا لحياته، دون أن يعمل عقله في التمييز بين ما ينفعه أو يضره. بهذا المعنى يتضح أن التبعية تعني تحييد العقل تسليما وانقيادا لآخر من البشر الذين يصح عليهم ما يصح على غيرهم من حيث الخطأ والصواب، ومن شاهد مسرحية (علي جناح التبريزي وتابعه قفة) للراحل صقر الرشود ـ رحمه الله - يعرف ما تعنيه التبعية من سطوة المتبوع على التابع حتى فيما لا يتفق مع العقل، وما لنا نأخذ المثال من المسرح الفني، ومسرح الحياة حافل بالأمثلة الماثلة للعيان، على أكثر من صعيد؟...
    وغالبا ما تنمو التبعية في الأجواء التي يسودها القمع، حيث لا يترك للفرد أن يعبر عن رأيه بحرية تامة، ومع أن العالم لم يعد يعرف الرق بمفهومه التقليدي، إلا أن هذا القمع قد ينشأ مع الإنسان منذ الطفولة، عندما يتعرض لتربية منزلية خاطئة، تتمثل في القمع الشديد الذي يمارسه بعض الآباء على أبنائهم، فكل شيء لديهم ممنوع، بما في ذلك حرية القول، و هو قمع قد يصل إلى درجة الاستعباد والتحقير من قبل الآباء، وبذلك ينشأ الطفل متخاذلا ومنهزما لا يستطيع التعبير عن رأيه، ويقضي بقية حياته منقادا لغيره، عندما يكمل مشوار حياته في مدرسة لا يعرف مدرسوها سوى السيطرة على تلاميذهم بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فإذا خرج إلى الحياة العامة لازمته الهزيمة دون أن يملك من أامره شيئا، لأنه لم يتعود على الرفض مقدار تعوده على القبول والتسليم المطلق بكل ما يملى عليه في كل المواقف التي يتعرض لها.
    فإذا مارس مهمة اتكأ فيها على ما يقوله الأقوى، دون أن تظهر شخصيته لأنها من الضعف بحيث لا تملك القدرة على الاستقلال أو تحديد الرأي الشجاع والثابت، وبالتناهي في شخصية الآخر ورأيه وفكره تنطمس معالم شخصية التابع، لأنه اختار تحييد عقله بدل أن يتيح لهذا العقل تقدير الأمور وتحديد المواقف، والتمييز بين ما هو نافع وما هو ضار لذات الإنسان، وما عليك سوى أن تتطلع على نتاج بعض الكتاب لترى الكم الهائل من الاستشهادات والمنقولات مما يقوله الآخر، الذي يعيش في مجتمع غير المجتمع، ويخضع لمعطيات تختلف شكلا وموضوعا عن واقع ذلك التابع المهزوم في ذاته قبل أن يكون مهزوما في ثقافته.
    ما ينطبق على الأفراد ينطبق على الأمم و الشعوب والحكومات التي تنسلخ من إرثها الحضاري، وتختار التبعية للأجنبي لتحيد عقول مواطنيها، وتسهل لذلك الأجنبي مهمة السيطرة التامة عليها، سواء كان ذلك عن طريق التبعية الثقافية أو الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية.. فالتحالفات غير المتكافئة هي نوع من التبعية المبطنة التي يجري تغليفها بتلك الاتفاقيات غير المتوازنة. وبطبيعة الحال لا يمكن تجاهل المساعي غير الحميدة والجهود غير المشكورة التي تبذلها تلك الدول المتقدمة والغنية من اجل فرض نفوذها على العالم، خاصة عندما تجد أرضا خصبة لممارسة نفوذها وهيمنتها، رغم انتهاء الحرب الباردة بانتهاء المعسكر الشرقي غير مأسوف عليه، لتخلو أجواء العالم أمام عبث العابثين بمقدرات الشعوب التي لا تملك من أمرها شيئا بعد أن تعودت على التبعية، فأصبحت هذه التبعية أسلوب حياة لا فكاك من سيطرته أو الإفلات من قبضته. وهكذا فرضت أمريكا نفوذها على العالم بعد أن تمت لها السيطرة على مقدرات بعض الشعوب، لتسود ثقافة آحادية تجابه بالشجب وتهدد بالفناء كل الثقافات الأخرى التي سادت في زمان غير هذا الزمان، قبل أن تضعف ويخفت صوتها.
    تحقيق الإرادة لا يمكن أن يتم في ظل التبعية المطلقة مهما كان شكل هذه التبعية.. وهي في النهاية لا تعرف سوى مصلحة طرف واحد، وهو الطرف الأقوى، الذي مهما قيل عن رغبته في خدمة الطرف الضعيف، فانه يظل على الدوام هو الغالب، بل وصاحب الحق في أن يغلب من منظور نفعي وتسلطي، يقابله موقف انهزامي واستسلامي من الطرف الآخر.
    يكفي أن ننظر إلى التبعية على أنها تحييد للعقل.. لندرك مدى الخسارة الذي يتكبدها البشر جراء هذه التبعية المرفوضة على كل صعيد.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات