جميلة هي تلك التصريحات الوردية المتفائلة التي تتساقط من افواه جميع النواب العراقيين مبشرة باشراقة مرحلة جديدة عنوانها التوافق والتفاهم وتغليب المصلحة الوطنية العليا واعلاء الممارسات التي تصب في مصلحة المسيرة الديمقراطية في العراق..وخصوصا تلك الكلمات التي تستحضر اجواء الاعياد وتوحي بأن الأمور باتت مستقرة ومتفقا عليها بين جميع الاطراف والفرقاء ,ولا سيما اذا اتت من القوى التي كانت لحد قريب تتمنع وتتفلت من الاستحقاقات السياسية والدستورية وتتخذ جانب التخندق شديد العدائية تجاه القوى الاخرى الفائزة في الانتخابات الاخيرة..
والاكثر اثارة لمشاعر الفرح هو الشعارات التصالحية التي ترفعها –وان كان بصوت مرتعش- بعض القوى التي كانت –ولوقت قريب-متقاطعة مع العملية السياسية برمتها..وخصوصا من بعض قياداتها الذين شملوا بقانون المسائلة والعدالة لترويجهم لافكار حزب البعث البائد..فمن المهم ان تتردد عبارات المشروع الوطني او المشاركة القوية او الشراكة الوطنية بدلا عن عبارات المقاومة والاحتلال والتهميش والاقصاء والاجتثاث العتيدة والمكرورة والمستهلكة والاثيرة لدى البعض..
يفرحنا ان نستمع لهذه العبارات الطيبة ..ونسر بها..ولكن كل هذا الكم من النوايا الحسنة لا يلغي الحاجة الى الاستماع الى الكلمة الوحيدة التي تضمد وتطيب خاطر المواطن العراقي النبيل والحليم والمتعفف والمترفع عن الاحقاد ومشاعر الانتقام.. ..وكخطوة أولية تعد اكثر من ضرورية لازالة الحاجز النفسي والمبدئي المتبادل ما بين تلك القيادات وباقي الكتل السياسية الفائزة بل ومع غالبية الشعب العراقي كذلك..الا وهي كلمة البراءة من البعث الصدامي المجرم والاعتذار للشعب عن افعاله المخزية..
فمن غير الممكن ..رغم الاحترام الكبير للاتفاقات السياسية وتوقيع القادة الوطنيين عليها..تقبل فكرة سحق كل التاريخ النضالي للشعب العراقي العظيم والدوس على دماء الشهداء الاطهار من خلال ايلاج العناصر البعثية الصدامية الى داخل العملية السياسية..حتى دون ان نلزمهم بالتبرؤ مما جنته ايادي النظام القمعي الديكتاتوري في حق دماء وارواح ومقدرات شعبنا..
وليس من الحكمة ..وباي حال من الاحوال..المراهنة على اي تهاون او تجاوز او تغافل ممكن عن التطير والتقزز والاشمئزاز -العصي عن الزوال- من اسم البعث من قبل الغالبية الكاسحة من ابناء الشعب العراقي البطل..ولا عن التعارض الحاد والقاطع ما بين البعث كسلوك وممارسة وتجربة وما بين مجمل القوى السياسية العراقية بقياداتها وكوادرها و مؤيديها وقواعدها الشعبية..من قضى منهم نحبه ومن ينتظر..
ومما يمزق القلب اعتبار المرحلة الحالية –من قبل جوق المتحدثين والمتحدثات باسم العراقية-مثابة للقفز نحو الغاء قانون المسائلة والعدالة ورد الاعتبار لجميع البعثيين "الشرفاء"..دون النظر عما يمثله مجرد التقول بمثل هذه الامور من الم وخيبة واحباط لدى العراقيين..
المطلوب من السادة المشمولين بقرارات الاجتثاث لاتخاذ دورهم الطبيعي في العملية السياسية الجارية الان هو صك براءة ممهور بامضاء قاضي مختص ومخول ومن خلال هيئة المسائلة والعدالة واستنادا الى قانونها.. وتقديم الضمانات اللازمة للشعب العراقي وقواه الحية وطلائعه السياسية بأن هذه الشخصيات لن تكون حصان طروادة جديد لتمرير العناصر البعثية الصدامية الى داخل العملية السياسية..بل والى مراكزها العليا من خلال انتحال الشعارات العروبية والوطنية والتلفع برداء العلمانية والليبرالية التي لا ندري منذ متى تشكل قيما ذات حضور في الممارسة البعثية التسلطية على رقاب العباد..
ان الشعب العراقي الكريم يتقبل أوبة اي فرد من ابنائه وله من المودة والفئ ما يمكن ان يستظل به الجميع.. شرط الايمان والوعي بان الديكتاتورية والقمع والاستئثار..وغيرها من التشوهات الممثلة بامتياز في فكر وممارسات حزب البعث ..هي ممارسة اقرب للفعل الجرمي الجنائي منها للعمل السياسي الواضح.. وان قائمة مطهرة من ادران الدنس البعثي الصدامي هي من سيتعامل معها الناس على انها قائمة عراقية ووطنية..وقياداتها هي من ستجد الجماهير تلتف حولها وتدافع عنها وتشرعن عودتها لممارسة دورها في العملية السياسية وتدعم تقاربها مع القوى الاخرى المؤمنة بمبدأ الحرية والاستقلال والديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة واحترام الاخر..وبغير ذلك لن تكون لها اي فرصة في الامساك بزمام الامور حتى لو بذلت لاجلها الاموال وطيبت الخواطر ووزعت النياشين..وحتى لو ساندتها كل اشرطة الاخبار في الفضائيات الخليجية الرسمية.. وحتى لو اصطفت خلفها كل دول الاعتدال العربي ..
التعليقات (0)