للذكرى ليس إلا
التاريخ شاهد لنا و علينا
ألقى الأستاذ محمد المعزوزي عرضا قيما في موضوع الحدود المغربية الجزائرية في إطار الندوة الدراسية التي نظمها حزب المجتمع الديمقراطي لندوة دراسية تحت عنوان:
″صحراؤنا الشرقية المغتصبة والخطة الاستعمارية لطمس هويتها المغربية″. و نظرا لأهمية هذا العرض نقدم لقرائنا الأعزاء فحواه
لقد أكد الأستاذ أن كل الذين تتبعوا قضية الصحراء عن كثب وكانوا على صلة بمشاكل الحدود منذ البداية - وهم قليلون اليوم – يشعرون بالحسرة الكاوية لما يقع داخل مغربنا العربي منذ عهد الاستقلال – وبعد كفاح مرير ضد الاستعمار الغاشم – فعوضا أن نتجنب الأخطار والدسائس التي زرعها المستعمرون في طريقنا ، سلكنا طريقا خططوه لنا من قبل ووقعنا في كمين نصبوه لنا بعد ما أقاموا التقسيمات الحدودية المصطنعة ليكون الإرث الاستعماري عسير جدا.
إن قضية الصحراء لها أبعاد وقد سبق للأستاذ محمد المعزوزي أن تطرق أليها بالتفصيل في مؤلفات ومقالات وتتبع مراحلها خطوة خطوة منذ فجر الاستقلال ، لذا يقول: ماذا عسانا أن نقول هذه المرة – لهذا الجيل الصاعد- عن هذه الحقبة وهو الذي يعيش مخلفاتها ويتلقى صدى نزعاتها الناتجة عن عدم تبصر الحكام الجزائريين؟
ويسترسل الأستاذ، من منا لا يعرف ما قاسه المغرب بعد احتلال الجزائر وبعدما بدأ الجيش الفرنسي ينتشر فوق التراب المغربي ابتداء من الجهة الشرقية والصحراء الجنوبية. وحين سقوط المغرب في قبضة الاستعمار سنة 1912 –مما مهد تحويل جزء من أراضينا إلى أرض الجزائر التي كانت تعتبر جزءا من فرنسا.
ومرت الأيام ومن الله علينا بالاستقلال ، وظل المغرب وفيا ومخلصا للقضية الجزائرية –وأثيرت قضية الحدود مع الحكومة الفرنسية وعندما عرضت القضية لتصفية النزاع الترابي لبى المغرب طلب البلد الشقيق وأمسك عن طلبه المشروع وحرصا منه على عدم عرقلة المجهودات الحربية للشعب الجزائري وفضل هذا الاختيار رغم أن الكل يعرف ما سلخ من أراضينا. وكانت الحكومة الجزائرية آنذاك في حاجة ماسة إلى سند المغرب غير المشروط – واستقلت الجزائر بعد نضال مشترك وحدث ما لم يكن في الحسبان- التنكر لاتفاقية 1961 التي كانت قائمة على الثقة- والإسلام أحاط المعاهدات بكل صنوف الاحترام وأوجب ديننا الوفاء بالعهود" والذين هم لأمانتهم وعهودهم راعون″- وبدأت الاعتداءات على بعض المراكز المغربية بالجنوب - تخلت الجزائر عن الالتزام مستندة إلى عدم خرق الحدود الموروثة عن الاستعمار – تلك الأراضي المغربية التي كان ينطلق منها جيش التحرير الجزائري – وكادت الاشتباكات تؤدي إلى مواجهة في جميع الجهات.
وتدخلت لجنة التحكيم المكونة من دول افريقية لإيقاف القتال واستمرت المفاوضات حول أراضي يعرف الجزائريون أنها مغربية ولكن الأطماع وروح الهيمنة والدسائس الاستعمارية دفعت حكام الجزائر إلى سلوك هذا الطريق غير المشرف نحو بلد لم يبخل أبدا بالعطاء سواء في المجال العسكري أو الدبلوماسي أو الاجتماعي أثناء حرب التحرير والشعب الجزائري يشهد بذلك.
التنكر لقيم الماضي وتطلعات المستقبل
ويضيف الأستاذ محمد المعزوزي،
والأدهى من هذا الموقف المتنكر لقيم الماضي وتطلعات المستقبل ، هو عدم الوفاء لأرواح شهداء فترة حرب التحرير الجزائرية والاعتراف بالموقف الحضاري والديني الرائد لملك المغرب الذي اقترحت عليه فرنسا مناقشة مشكل الحدود بين الجزائر والمغرب لكن بطل التحرير المغفور له محمد الخامس وقف سدا منيعا أمام إثارة هذا المشكل الحدودي حتى لا يؤثر ذلك على معنويات المجاهدين الجزائريين ، وتنجح فرنسا في تحقيق مبدئها الاستعماري القائم على سياسة ﴿ فرق تسد ﴾ . وأصر جلالته على القول بأن حل هذا المشكل الحدودي سيتم بطريقة أخوية بين الأشقاء المغاربة والجزائريين.
فكل القرائن التاريخية تؤكد أن جلالة المغفور له محمد الخامس قد وضع في مقدمة انشغالاته تحرير القطر الجزائري الشقيق فسمح للثورة الجزائرية بتركيز عدة قواعد عسكرية على التراب المغربي ، مما جعله عرضة للقصف الفرنسي وللعديد من الأحداث والقلاقل داخل التراب الوطني ، ومع ذلك فقد ظلت مدينة وجدة ملجأ آمنا لجنود الثورة الجزائرية ومقرا متقدما لقيادة الجبهة الغربية، وكانت تضم المدينة ما يقرب من 40 مركزا لتجميع الجنود والسلاح وصناعة القنابل والتدريب العسكري وتسريب السلاح للمقاومة الجزائرية...
وقد أدى المغرب ضريبة التضامن والمساندة للأشقاء الجزائريين بانتهاك حرمة أراضيه من قبل القوات الفرنسية وقتل مواطنيه وضياع ممتلكاتهم ومواشيهم خاصة في المناطق الحدودية ، كما عملت فرنسا على إجراء بعض تجاربها النووية بصحراء الركان. وكان هذا الأمر موضوع احتجاج شديد اللهجة من قبل السلطات المغربية وهذا ما تؤكده الفقرة التالية من الرسالة الملكية الموجهة إلى الجنرال دوكول ″مهما كانت قوة التجارب المجراة والدولة التي تقوم بها فإننا نستنكرها ، سيما أذا أجريت في ناحية مأهولة وفي أرض نعتبرها جزءا لا يتجزأ من مملكتنا".
وجب التمييز بين رجال السلطة الجزائرية والشعب الجزائري
وهنا فتح الأستاذ المعزوزي قوسين ليميز بين بعض رجال السلطة الجزائرية والشعب الجزائري الذي لم يتنكر مثقفوه للروابط المشتركة بين الشعبين الشقيقين ، ولدور المغاربة في مساندة أشقائهم الجزائريين بدليل قول أحدهم ″ التاريخ شاهد علينا ولنا. إن الشعب المغربي عاش الثورة الجزائرية وقضيتها بقلبه ودمه وفكره وأرضه، وهذه حقيقة لا يتنكر لها أحد ، لان المبدأ كان واحدا هو استقلال المواطن المغاربي ، فكان سكان وجدة كالأنصار في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أوونا وناصرونا وساعدونا حتى فرج الله عنا ، فكل الجزائريين يعترفون بجميلكم علينا ولا ينكرون فضلكم على قضيتنا".
لقد تعرض التراب المغربي أثناء مرحلة الحماية الفرنسة للتجزئة والتفتيت كما اقتطعت منه أراضي شاسعة على حدوده الشرقية والجنوبية وجدت الجزائر نفسها مالكة لها ، بعد الاستقلال ، مع علمها أنها استلبت من الأراضي المغربية ، وهكذا فمنذ استقلالها وجد المغرب نفسه في مواجهة عنيفة مع الهيمنة الجزائرية التي تطمع في السيطرة على مزيد من الأراضي للوصول إلى المحيط الأطلسي غير مكتفية بالأراضي الواسعة المغربية التي ورثتها عن الاستعمار الفرنسي.
وأصبح التراب المغربي مبتورا من بعض أراضيه واختار المغرب كل طرق السلم مع كل التنازلات الممكنة- اتفاقية 1972 وإبرام اتفاقيات اقتصادية ، وبعد الحصول على الأراضي المغربية التي تمتد من نواحي توات إلى جهة تندوف ، ظن الناس أننا مقبلون على عهد جديد،عهد البناء والنمو داخل المغرب العربي الكبير- ولم يقف حكام الجزائر عند هذا الحد فتوجهوا إلى منطقة الصحراء الغربية المغربية التي لم يكن لهم فيها أي حضور وفجروا صراعا آخر مصطنعا وبدأت المناورات مع الإسبان ضد المغرب الذي شرع في استرجاع ترابه واستعملوا كل العراقيل نحو أرض هي أرض الأمة العربية الإسلامية – وهكذا تحولت الأنظار من الصحراء الشرقية إلى الصحراء الغربية المغربية لمحاولة فصلها هي كذلك عن الوطن – بواسطة عملاء مرتزقة وبالتواطؤ مع بعض الدول الاستعمارية – وعادت الصحراء إلى الوطن رغم كل الدسائس وبقي جيراننا في موقفهم غير المشرف – ورفعت القضية إلى الأمم المتحدة ... ودخلنا في متاهاتها...
تلكم هي قضية الصحراء وقصة العلاقات مع إخوان لنا تجمعنا بهم روابط جغرافية وتاريخية ودينية.
على درب الدسائس سار حكام الجزائر
يستمر الأستاذ المعزوزي في سبر دروب دسائس حكام الجزائر،
كان لابد لنا أن نسلط الأضواء في بضعة سطور عن هذه الأحداث المؤلمة وتذكير بما وقع لهذه الأمة العربية في وقت نشاهد في تطور العالم الغربي...
وكم يحزننا أن نتطرق مرة أخرى إلى قضية الصحراء والحدود ، فبعد مراحل التسلط الاستعماري وتمزيقه للأراضي المحتلة ما كنا نظن أن عهد الاستقلال سيمر بهذه المحن على مرأى ومسمع من الدول الاستعمارية التي كانت ولا تزال تتربص بنا الدوائر – بعد الكفاح المرير الذي خاضته شعوب المغرب العربي وتضحية العديد من الشهداء ،كان الكل يأمل في أن نتململ جميعا ونرفع الرأس أمام أعدائنا وان لا نترك مجالا للأيادي الخفية التي لا تريد الخير لنا ، وان نعمل بعقول جديدة لمواجهة الغرب الذي ينوع مساعيه بشتى الوجوه ويفرض علينا هذا الانشقاق بفضل اختلافاتنا ليأخذ ما يريد من خيراتنا وأكثر مما يريد...فنعم للغربيين أن يفرحوا ويمرحوا ويهزؤوا بنا ما دمنا على هذه الحالة. وكأن الأقدار حكمت علينا أن يكون خيرنا لغيرنا لا لأنفسنا و أبناءنا... الغرب أظهر النضج بتجمعه وتكتله داخل المجموعة الأوربية الموحدة بضبط أموره وتنظيم اقتصاده ، أما نحن فنواجه بطرق مبعثرة عشوائية... الشيء الذي يدفعه إلى المزيد من التصرفات المسيئة إلينا والى اقتصادنا وكياننا.
كنا نأمل أن الظروف كانت متوفرة لنا بعد الاستقلال لتحقيق كل أهدافنا نحن كأمة عربية واحدة نعتز بالانتماء إليها خصوصا وقد عملت الجغرافيا والحمد لله على توحيد أراضينا من الشرق إلى الغرب بدون انقطاع. وكانت أمانينا أن نسعى جميعا من أجل مجموعة مغاربية لتدارك الوقت الضائع.
ومن بين مساعينا كان ما يبنى في الإصباح يتهدم في الإمساء عند فورة غليان أو سوء تفاهم عابر – فعرف الغرب كيف يستغل ضعفنا وعقليتنا وتخلفنا...
فهلا نتعض مما يروج حولنا اليوم ويهدد كيان العالم العربي والإسلامي؟ لم يبق أي شك في أننا دخلنا في عهد جديد، فأما توحيد الصفوف وتجاوز بعض الخلافات...والوصول إلى حل مشاكلنا بأنفسنا وداخل مجتمعنا لنيل عيش كريم مع المجموعات الأخرى – وأما التمادي في هذه الحالة وسيكون مصيرنا الضعف والقهقرة والانحطاط لا قدر الله ، لان العالم يتطور بسرعة فائقة ، وويل لمن تخلف عن السير ولم ينضم إلى القافلة.
sahara hebdo
التعليقات (0)