مواضيع اليوم

التاريخ بين الحقائق والأحقاد

حنان بكير

2010-12-24 21:03:24

0

" الأموات بيحموا الأرض، واحنا بنحمي الأموات " ! هذه ليست بلاغة شاعر، يصف تعلقه بالأرض! هذا الكلام لفلسطيني بسيط، كان يقف على أرضه، التي خشي عليها من المصادرة، فتبرع بها لتكون مقبرة للفلسطينيين! وقد سوّر أرضه، وبُدىء بحفر القبور فيها..
مشهد المرأة الفلسطينية، التي تعبّطت بجذع شجرة زيتون عتيقة في أرضها، كما تتعبّط بولدها، وقد اختلطت على وجهها علامات الغضب والأسى بالدموع، لمنع الاسرائيليين من قطعها!
هذه المشاهد، جزء من تفاصيل الحياة اليومية للانسان الفلسطيني. التمسك بالأرض والتعلّق بها، رغم المجازر والمضايقات.. مناسبة الحديث، تعليق وردني على مدونتي من معلق اختار اسم " فلسطيني ". طلب مني الرد على تعليق جاء على مقال للزميل محمد شحاتة، ويدّعي المعلق بأن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم عام 1948، ويطالبني بالرد عليه بالمعلومات، وما أزعجه، أن التعليق جاء على مدونة كثيرة القرّاء.. وقد وعدته بذلك..
لكني فكرت في الموضوع، ورأيت أن المعلومات الموثقة، والمستندة الى وثائق عثمانية وانكليزية، كثيرة ومتوفرة على الانترنت.. ولو عدنا الى مؤلفات المؤرخين الاسرائيليين أنفسهم، ممن اشتغلوا على التاريخ المظلم للصهيونية، مثل بني موريس، قبل أن يتوب ويتنكر لكتاباته على مدار عشرين سنة، لوجدنا الحقائق التاريخية حول طريقة سلب الأراضي الفلسطينية، ومثلها كتابات المفكر الاسرائيلي " الآن بابيه ".. ولو أردت الكتابة، فلن أضيف شيئا، وسأكتفي بنقل ما هو متوفر على الانترنت.. ورأيت أن من يدّعي هذه التلفيقات، انما هو واحد من اثنين: إما جاهل عن قصد أو غير قصد، ولا أدّعي دائما سوء النيّة.. وفي هذه الحال، ندعوه الى تقصّي الحقائق عبر الانترنت وعبر كتابات الاسرائيليين أنفسهم.. وأما الصنف الثاني من المدّعين، فهم الحاقدون، وفي هذه الحالة، لا داعي للكتابة لهم، لأن الحقد لا دواء له، لا بالكتابة ولا بالقراءة، ولا من يحزنون.. لأن الحقد مرض يعمي البصر والبصيرة.. لن نتنازل عن حقنا مهما تكالب العالم علينا.
حارب الفلسطينيون وأحبطوا كل محاولات بيع الأراضي لليهود، منذ العام 1919، عندما بدأت ملامح المشروع الصهيوني تتضح لهم.. ففي عام 1934، عقد مؤتمر لرجال الدين المسلمين. حُرم فيه بيع الأراضي لليهود، وكفّر كل عربي يبيع أرضا أو يتوسط لبيع أرض لهم..
وقد وقفت الطائفة الأرثوذكسية، والتي تشكل الغالبية من المسيحيين الموقف ذاته، وشاركت في حركة مقاومة بيع الأراضي، فتم عقد مؤتمر عام، في 29/8/1934، وقد تشكلت اللجنة التحضيرية للمؤتمر برئاسة الخوري يعقوب الحنا( من الرامة- قضاء عكا) والخوري نقولا شحادة الخوري من القدس، أمينا عاما للمؤتمر.. حيث طالبوا الفلسطينيين بعدم الرضوخ لكل الاغراءات والضغوطات لبيع الأراضي. كما اعتبر المقاومة فلرضا دينيا . وأقرّ أيضا أن أي " أي مسيحي يبيع أرضا أو يتوسط لبيعها للصهيونيين، هو خائن لدينه ووطنه، لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسيحيين".
تشكلت في فلسطين، أيضا، فرقة أخذت على عاتقها، اعدام كل المتعاونين مع الاحتلال، ولكل من يحاول السمسرة لبيع أرض لغير العرب.. علما أن ما بيع من أراض في فلسطين قد تم عن طريق عائلات عربية، سيما من لبنان وسورية، وقد حصلت تلك العائلات على الأراضي، كإمتيازات من الدولة العثمانية، وهذا موثق بأسماء العائلات، وكم من الدونمات قد باعت كل عائلة !!
هناك حكاية تحفظها ذاكرة الفلسطينيين، سيما في مدينة عكا الجليلية، سأرويها، وان كان في هذا خيانة لرواية أشتغل عليها الآن، وان منت لن ألتزم الأسلوب الأدبي في روايتها..
تمت مراقبة أحد الفلسطينيين لفترة من الزمن ومن قبل بعض الفرق المختصة، وعندما ثبت لهم محاولة سمسرته لبيع أرض لليهود، قامت فرقة تنفيذ الاعدامات، بإطلاق الرصاص عليه في الشارع وتمت تصفيته.. لم يقترب أحد من الجثة.. جابت سيارة البوليس الانكليزي، الطرقات تنادي على أهل القتيل وأصحابه، لرفع الجثة من الطريق.. لم يأبه أحد للنداء، حتى عائلته تنكرت له، لما جلبه من عار عليها، اذ كانت الخيانة والعمالة يومها عارا، وليس مفخرة كما في أيامنا هذه. وعندما يئس البوليس، أمر عمال النظافة في بلدية عكا، برفع الجثة من الطريق ودفنها.. فجاؤوا ب " الطنبر"، وهو عبارة عن مركبة خشبية بسيطة يجرها حصان أو حمار أو بغل... وقد كان ذلك الطنبر لرفع القمامة.. سار الأطفال خلف الطنبر يغنون " الخاين نجّس الطنبر" ! وصل الطنبر الى المقبرة، مرافقا بسيارة للبوليس.. كان أهل عكا قد تجمعوا، أمام المقبرة، وسدوا مداخلها ومنعوا العمال من دفن الخائن في مقابرهم! ولما فشل الانكليز في اقناع الناس في السماح للعمال بدفن الجثة، أمروا العمال، بحفر قبر خارج المقبرة، ودفن فيها..
لمن يرغب في الاطلاع على أخبار بيع الأراضي الفلسطينية، فإن المعلومات بالأرقام والأسماء متوفرة وبكثرة على الانترنت، أما الحاقدون بدافع الحقد فقط، فلا شأن لنا بهم.. آمل أن أكون قد وفيت بوعدي ل " الفلسطيني"..

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !