التأثير السياسي للفيس بوك

التأثير السياسي للفيس بوك

(الثورة هي قطاع من الشعب يحمل مقصا من الذهب لقطع الاغصان اليابسة والعفنة في شجرة المجتمع)

 الشاعر حسين مردان

الفيس بوك

وسيلة نشر بديلة تتمتع بالتالي:
1- درجة عالية من الحرية (صفة ذاتية)
2- سهولة الاستخدام
3- انخفاض الكلفة
وبالنسبة للصفتين الاخيرتين هي موضوعية بالنظر الى قدرة طبقة محددة من المجتمع تتواجد هذين الصفتين فيهما بنسبة اكبر من غيرها من الطبقات وهي الطبقة المتوسطة التي عادة ما تكون على قدر محترم من التعليم وكذلك لقدرتها الشرائية المتوسطة والكل يعلم مدى اهمية وجود هذه الطبقة في المجتمعات حتى انها عدت العمود الفقري للمدنيات الحديثة وقد عانت هذه الطبقة في مصر كما هو حال بلدان العالم الثالث وان كانت بدرجات مختلفة من التهميش والحرمان وعدم قدرتها على ممارسة حقوقها السياسيه بالشكل الكافي وان اقتربت منها في بلدان واقتصرت على الممارسة الشكلية في اخرى كمصر مثلا.
وقد وصل الامر الى عمليات تدمير ممنهجة لهذه الطبقة كان الغرض منها هو التفتيت والزج بقطاعات واسعة منها الى دهاليز المعدمين من اجل شل فاعليتها في الحراك الاجتماعي وبالتالي السياسي والذي بدوره شكل خطرا حقيقيا على التوازن الاجتماعي فكما هو معروف للجميع ان الطبقة المتوسطة هي عنصر التوازن وهي التي تنظم العلاقة بين الفقراء والاغنياء في المجتمع وعليه فقد اصبح من المسلمات جدا عند النخب الفكرية والسياسية والادبية وحتى على المستوى الشعبي ان لم نفل ان الرأي العام قد اصبح مقتنعا بان الرهان على هذه الطبقة اصبح مستحيلا وقد عزز ذلك الكثير من النتاجات الفكريه على سبيل المثال لاالحصر كتاب النخب السياسية للنابلسي والذي دعي الى مراجعته اخيرا وكذلك كتابات غليون اضافة الى الكثير من النصوص الادبية اخص بالذكر منها مسرحية (الدخان )للكاتب المسرحي المصري(ميخائيل رومان) فقد كانت فكرة المسرحية وثيمتها الاساسية ضد فكرة امكانية الطبقة المتوسطة على قيادة التغيير وكانت ضد فكرة تحالف المثقف والسياسي القادر على احداث فارق في الحياة من خلال اضهار المثقف (شخصية حمدي)(صلاح السعدني) بالملابس المنزليةوادمانه على المخدرات وان من يدله على المخدرات هو (شاعر)في حين كان الشاعر يعد (نبي) بدرجة خاصة في زمان كتابة النص وهو العقد الستيني .
فكل المؤشرات تدل على ان هذه الطبقة غير قادرة على احداث الفعل المطلوب معلنة بذلك هزيمتها على ارض معركة الواقع واني لاجزم بأن هذا كان رأينا جميعا خصوصا تجاه الحالة المصرية ولكن الموازين انقلبت بالانتقال الى العوالم الافتراضية وتغير كل شيء عندما انتقلت المعركة على صفحات الفيس بوك الذي بدوره عمل وبقوه على بلوره وعي سياسي متواجد اصلا في الشارع الا انه مثقل باليأس والهزائم والتضييق من قبل السلطات على ممارسة حرياته وكمااشار الدكتور شريف درويش اللبان أستاذ الصحافة وتكنولوجيا الاتصال بكلية الإعلام الى إن ظهور الإعلام البديل متمثلاً في شبكة الإنترنت جاء كحركة ارتجاعية أو كرد فعل عنيف للواقع الاجتماعي الذي فرضته تكنولوجيا الاتصال ،من اجل للتخلص من سيطرة النخب الإعلامية على وسائل الإعلام التقليدية في المجتمع، وغياب المصداقية في وسائل الإعلام التقليدية.
وقال ان هذه المتغيرات هي التي جعلت من شبكة الإنترنت شريكاً حقيقياً في تصعيد الممارسة السياسية من خلال فتح نوافذ متسعة للجماعات السياسية التي لا تجد لنفسها منفذا للتعبير عن أيديولوجيتها عبر قنوات التعبير السياسي التقليدية. لذلك، وفي إطار التضييق على هذه الجماعات في مجال إصدار الصحف وإنشاء الإذاعات والمحطات التليفزيونية الفضائية، وعدم تمكينها من التعبير عن نفسها في وسائل الإعلام السائدة، لجأت هذه الجماعات إلى "الهجرة إلى الإنترنت"، والهروب من الواقع الحقيقي إلى الواقع الافتراضي الذي تتيحه شبكة الإنترنت، فأنشأت المواقع الإلكترونية، وأطلقت المنتديات التي تدير عبرها حواراً تتفاعل فيه مع المتعاطفين مع دعوتها والمؤيدين لتوجهاتها.
وهناك من يقول ان ذلك دليل على هامش الحريات الذي اعطاه نظام مبارك اقله على نطاق الشبكة العنكبوتيه وتطبيقاتها كما هو الحال مع الكاتب الاردني شاكر النابلسي الذي كتب مقالا انتقد فيه كثير لانه اعتبر ان ماحدث في مصر كان بسبب الانفتاح الواسع وغير المنضبط والذي اعطاه نظام مبارك للشعب المصري .
فما الذي عمله الفيس بوك ؟
لقد انتج الفيس بوك نمطا جديدا من انماط الاتصال السياسي التي ادرجها مارك دويتش في نموذجه عن الاتصال السياسي في النظم السياسيه والتي ذكر فيها ان الاحزاب السياسيه عليها ان تقوم بالاتصال السياسي بالجماهير من خلال قنوات الاتصال التقليدية كالزيارات الميدانية اوغيرها من الوسائل كي تصل الى السلطه ان كانت بالمعارضة وكي يتوفر لها قناة معلومات مهمة من اجل ممارسة السلطة ان كانت في سدة الحكم وكذلك ممارسة دور التثقيف والاعلام بجانب الحصول على السلطة ما حصل في مصر ان الاحزاب السياسية المصرية فقدت عملية الاتصال السياسي بالجماهير ولم تكن قادرة على قيادته بالوصول الى مايريد من اصلاح وتغيير (بأستثناء الاخوان التي تمتلك انماط خاصة من الاتصال السياسي لاينفك عن الاطار الايدلوجي للجماعه) لذا فصفحات الفيس بوك ادى الى تكوين كتلة شبابية من الجماهير الهاربة من الواقع والتي تبحث عن التغيير والبعيدة كل البعد عن الايدلوجية او الحزبية الضيقة بعملية نقل من العالم الواقعي الى العالم الافتراضي انتبه كل من الاحزاب المعارضة والسلطة الى ذلك فحاولوا دخول هذه العوالم ولكن شروط اللعبة على النت مختلفة كليا حصل هذا للسلطة اما بالنسبة للمعارضة فلم يتغير الامر كثيرا فعناصر القوة على الواقع لا تجدي نفعا على النت وان كانت تؤثر لكن ليس بالمقدار الكافي حصل دلك عندما حشدت جماعة 6ابريل الجماهير على صفحات الفيس بوك ولكنه لم تفلح في انزالهم للشارع بالصورة المطلوبة فأطمأنت السلطة لما حصل وعقدت الندوات لمناقشة قصور وعدم قدرة شباب الفيس بوك على انزال الجماهير الى الشارع و أكد الورداني أن حركة الإحتجاج تتم لمدة 18 ثانية من الغضب, حسب البحوث, بعدها يتحول المشارك لمشارك مجانى لا ينزل الشارع, وهذا ما مميز تجربة شباب إبريل, والبحوث تؤكد أن شبكة الإنترنت نجحت فى توفير البيئة المناسبة للحركة الإحتجاجية, وأن النظام السياسي إتعلم من أخطاءه في تجربتهم الأولي والثانية فكيف نفسه علي أداء قوي المعارضة, لذا فالحركة نجحت فى تحريك المجال السياسي, لكنها فشلت فى إحداث التغيير الديموقراطي بفضل مجموعة من العوامل, منها وقوعها فى إشكاليات العمل الالكترونى , إنقسامها علي نفسها إلي حركتين وإنشقاق حركة " لن تمروا " عنها, فشل الحكومة فى استخدم الحوار مع الشباب علي الانترنت.

وعن اهم المزايا التى يقدمها الإنترنت للحركات الإحجتاجية عددها الواردني, منها هروبها من عقبات أجهزة الامن السياسية لا امن ولا بوليس, عدم إتخاذ اى حكومة إجراءات فعليه تجاها طالما لن تتحول إلي الممارسة فى ارض الواقع بعد, وأن إتخدت يكون بشكل طفيف, عدم وجود أى بديل للسيطرة على هذه الشبكات إلا أن يكون بمنعها تماما, غياب شبه كامل للحكومات عن ساحة الإنترنت.

وعن الظروف التي نمت فيها حركة شباب 6 ابريل, قال الوردانى أنها نمت فى مجال من الإضرابات وسقوط حاجز الخوف, بعد ظهور حركة كفاية وإحتجاجات الفئات كالعمال المهندسين والأطباء .. إلخ, وجود مشاكل هيكيلية بالنظام السياسي, زيادة نسب الشباب المستخدمين للانترنت, نمو الصحافة الخاصة أو المستلقة والتي عكست نشاطهم على الانترنت .


وأضاف الورداني أنه اذا نظرنا لأعضاء الحركة نجدهم كانوا يتزايدون فى البداية زيادة كبيرة الا أن هدءت, وهو ما يدل على ركود فى حركتها, فالحركة فشلت في جذب مزيد من الأعضاء, كما أصبح هناك تدنى واضح في نسبة مشاركة الأعضاء , كما ان المجموعات الفرعية في المحافظات غير نشطة.

مشيراً إلي أن الفيصل في نجاح هذه الحركات هو مدي قدرتها على الإنتقال من الواقع الافتراضي الى أرض الواقع, وقدرة النظام على التعلم من أخطاءه, مشيراً إلي أن شبكة الفيس بوك أتاحت منفذاً, لتصبح مثل الجامع والكنسية, ينفس الفرد بها عن نفسه, لكنه يخرج لا يفعل شئياً.
اذن الرهان كان واضحا على ان هؤلاء الشباب يحشدون جمهورا وهميا على الفيس بوك وليستطيعون عبور الحاجز بين العالم الواقعي والافتراضيهذا ما اكده احد الباحثين في مركز للدراسات الاستراتيجية اذ قالأنه في مصر قد تنجح المطالب علي الفيس بوك بدعوى ما مثل " تجربة حركة 6إبريل" , ولكن حين تنفذ على أرض الواقع فهذا أكثر تعقيداً, فلازال هناك فارق بين العالم الإفتراضي على الانترنت وبين أرض الواقع, واصفاً التعبيرات المختلفة المستخدمة على الفيس بوك بأنها أشبه بالإنفعالات الخام نتيجة وجود منظمات مجتمع مدني تنشط وتتعاون مع الشباب , فكانت هذه اللغة كثير منها غير متواصل مع الواقع وهي في جانب منها ظاهرة إحتجاجية تعكس غياب التواصل الجيلي , ولكن رغم فشل إضراب 6 إبريل في النهاية , فقد إستطاع هؤلاء الشاباب رغم كل الأزمات أن ينجحوا في فرض أجندتهم , فقد أربكوا أجهزة الدولة كلها , ودفعوا كل القوي أن يتعاملوا معهم جيداً.
النخب الفكرية والسياسية الحاكمة ذات التفكير الخمسيني الطراز اصبحت منتهية الصلاحية فهي قد تكون منجة لافكار مهمة الا انها حصرت نفسها بأطر تقليدية تجاوزها الزمن فهي لاتتخيل ان يكون لصفحات الفيس بوك هذا التأثير واستخفت بالشباب الذي يعشش في هذه الصفحات كما هو الحال مع حسن العلوي الذي اجاب عندما سئل عن احداث سوريا قال سوريا ما يهزها الفيس بوك شوية مخانيث تريدهم يسقطون حكم على الرغم ان التجربة المصرية لم يمض عليها الكثير

جاءت ثورة تونس وحصلت المعجزة ونزل مئات الالاف من الشباب الى الشارع والذين اصبحوا لاحقا ملايين
فما الذي حصل ؟

أن الثورة المعلوماتية التي جعلت من عالمنا الواسع قرية صغيرة رافقتها ثورات أخرى جعلت من تلك القرية محكومة من قبل قوة غير مركزية أقرب ما تكون إلى الهلامية هذه القوة غير مؤدلجة لاتمتلك راس قيادي هي التي انزلت الجماهير الى الشارع وصنعت الثورة وخلعت مبارك بفيس بوك ملك
ولكن ان لم تتشكل حسب تنظيمات معينة بهيكيلية واضحة ستقوم الاحزاب المنظمة بجني ثمار هذه الكتلة الهلامية وهذا ما تدل كل المؤشرات عليه في مصر

علاء الدين الطائي