البيضة والحجر عند أحمد زكي
لا أعلم كم مره شاهدتُ فيلم البيضة والحجر للمخرج على عبدالخالق والكاتب محمود أبو زيد (ت ٢٠١٦م) والبطل الأسمر احمد زكي (ت ٢٠٠٥م) بالاشتراك مع الفنانة معالي زايد (ت ٢٠١٤م) في دور البطولة، لكن الذي أعلمه يقيناً هو أن مستطاع الطعزي (أحمد زكي) بطل الفيلم و مدرس فلسفة لديه من المبادئ الشيء الكثير، يحاول أن يزرع بأذهان الطلبة المبادئ التي يؤمن بها ويحاول أن يوافق بين الاستهلاك كثقافة عربية وبين مستوى الدخل المحدود لدى كثيرين بالمجتمع المصري وينسحب ذلك على بقية المجتمعات العربية من زاوية فلسفية واقتصادية، ماغلاء شيء إلا وتخليت عنه تلك مقولة مستطاع والتي حولته فيما بعد من شخصية تستطيع التحكم في شهواتها إلى شخصية تتحكم فيها الرغبات والشهوات، ظنت إدارة المدرسة التي يعمل بها طعزي أنها مباديء شيوعية أو روحانيات صوفية ليتهكم طعزي أثناء التحقيق الإداري قائلاً هل يوجد شيوعية صوفية؟ وهنا تبرز شخصية الممثل الذي يستطيع أن يتلاعب بالحدث لتحقيق أعلى درجات الذكاء لدى المشاهد فضلاً عن السرور الذي ينتاب المشاهد المصري على وجه الخصوص والذي عايش تقلبات السياسة والايديولوجيات لفترات طويلة..
البيضة والحجر من زاوية فنية لا يحيط به إلا من برع في أصول النقد الفني السينمائي الذين نسمع عنهم ولم نرى اعمالهم النقديه، ولا نعلم الأسباب قد يكون للمال دور في غياب ذلك المجهر عن الساحة التي باتت تغص بكل ماهو قبيح وغير صالح للمشاهدة، أما من زاويتي فهو عمل إبداعي سلط الضوء على صراع الفلاسفة مع طبقات المجتمع فالصيدلي شقيق طعزي لم يتقبل أفكار ذلك الفيلسوف المبتدئ وهو المتعلم وزملاء العمل من المعلمين لم يتقبلوا تلك الأفكار والمبادئ وهذه هي طبيعة الأفكار والفلاسفة لا قبول لهم ولأفكارهم إلا بعد أن يموتوا ولنا في سقراط وكانط وجالييو المثل الأعلى..
طعزي أو أحمد زكي بعد أن دفعت به مبادئه إلى السكن على سطح أحد المباني كغالبية المصريين وجد نفسه محاطاً بالجهل وبطبقة تكاد تجد قوت يومها فالفقر أبو المصائب وأم الخبائث، صاحب الغرفة يزدري تلك الطبقة ويصفها بالحيوانات وهذه طبيعة أصحاب الأملاك من البهوات في كل زمانِ ومكان، الجهل أو البيئة التي تعيش وسط الجهل تؤمن بالدجل والخرافة ونظرتها لا تتجاوز قدميها تتعلق بأي شيء لتحقق أحلامها التي لا تتجاوز سكن ملائم وقوت دائم وزوج وإن كان بلا مشاعر، عوامل دفعت بأحمد زكي لأن يمارس الدجل ويمزج بين علم النفس والفلسفة والدجل ليخرج بشخصية العالم الروحاني والمولى الذي لا يخطيء أبداً.
في مقطع ظريف يقول أحمد زكي عن رسالته لدرجة الدكتوراة أنه يعتزم أن تكون الرسالة بعنوان ( الصراع بين العلم والخرافة).. مشهد يعيدنا إلى التاريخ فكم من صراعات حدثت بين العلم والخرافة وانتصرت الخرافة وسادت وتوارثتها الأجيال المتعاقبة .
ذلك الفيلم ليس مصرياً إنما عربي فطعزي شخصية واحدة قامت بدور تمثيلي لكن غيره كُثر فهناك الرقاة والأطباء الشعبيون والمحدثون والوعاظ ومفسري الأحلام وهلم جرا، تلك المجموعات تنشط في بيئات الجهل وعندما تسيطر الخرافة على الذهن تصبح تلك الفيروسات صاحبة الحل السحري والسريع لمشاكل الناس العضوية والنفسية، مصيبة أن يتم استغلال البسطاء وجريمة أن يُصدق المتعلمون والمثقفون تلك الخيالات والخُدع وجريمة أيضاً أن تبقى مثل هرطقات طعزي و"سباخ" مشاعة في القرن الواحد والعشرين فالعلم هو الأساس والخرافة هي الخرافة لا تزول إلا بعلو كعب العلم الذي لا يمكنه العلو والفقر هو الغالب والعدالة الاجتماعية غائبة..
..
التعليقات (0)