مدينة سرت تطل على البحر الابيض المتوسط. وتقع في منتصف الساحل الليبي بين طرابلس وبنغازي. وتبعد عن العاصمة طرابلس 450 كلم شرق ويمكن الوصول لها بالسيارة في ساعات . وتجمع في طقسها بين الاعتدال البحري والطقس الصحراوي . تولى إعمار سرت الحديثة قائم مقام قضاء سرت عمر باشا المنتصر الذي استمر في منصبه أزيد من 20 سنة أشرف فيها على تأسيس المدينة ووطن بها من يرغب من قبائل البادية يذكر منهم (القذادفة والعمامرة والهماملة والورفلة والفرجان ومعدان وقماطة ولحسون وأولاد سليمان والجماعات ووالمزاوغة والربايع والمشاشي وأولاد وافي والمغاربة والهوانة والرياينة وغيرهم)، كما نقل إليها عدد من العائلات من مصراتة، وأسس بها في سنة 1898م الزاوية المعروفة اليوم بجامع بن شفيع نسبة إلى الشيخ محمد علي بن أحمد الشفيع السناري الذي تولى مشيخة الزاوية منذ تأسيسها وحتى وفاته. وجلب عمر المنتصر نخبة من علماء مصراتة والمحترفين لسد حاجة سكان المدينة والقبائل حولها . الإنشاءات الأولى التي قام بها كانت دائرة حكومية تحتوي على سبع غرف، ودائرة أخرى لعائلات المأمورين فيها ست غرف على دورين مع ما يلزمها من المشتملات، وتكنة للعساكر الشاهانية، وإصطبل لأجل خيول السواري، وفتدق وسوق بعدة دكاكين، وفرن وطاحونة .تعتبر مدينة سرت الآن من المواقع البالغة الأهمية حيث تحتل موقعا متوسطا بين شرق ليبيا وغربها، وهي في نفس الوقت تعتبر بوابة للمناطق الداخلية بفزان، ويمكن اتخاذها قاعدة للانطلاق إلى الواحات التي تقع إلى الشرق والجنوب.
حاول الطاغية القذافي إستغلال مكانها الأستراتيجي وجعلها عاصمة غير معلنة وأدعى زورا أنه من قبيلة القذادفة إحدى قبائل سرت وهو لقيط لا ينتمي الى بقعة من ليبيا . إستخدمها كما إستخدم باب العزيزية في طرابلس مقرا له وقلعة لينجو من حساب الشعب الليبي له على ما إقترف من جرائم القتل والقمع وتبذير ثروة ليبيا على ملداته وأطماعه وركزفيها أزلامه ليدافعوا عنه وقد اعلنها عاصمة له بعد فقدانه السيطرة على باب العزيزية خلال ثورة 17 فبراير ، وفيها قتل على أيدي ثوار ليبيا الأشاوش . وقد قاسى سكانها الذين جهل منهم رهينة لسلامته مما نتج عن تدميرها من طرف قوات الناتو والثوار وكتائب الطاغية ودفع سكانهت ثمنا باهضا . سرت جزء عزيز من ليبيا وسكانها ليبيون لا يجب أن يدفعوا ثمن جرائم القذافي وأزلامه الذين إنتشروا في كل مدن ليبيا وليس في سرت فقط . وبعد تحريرها على أيدي الثوار وبعد قتل الطاغية عادت إلى مكانتها الأولى كحلقة إتصال بين الشرق والغرب والجنوب . لكني لم أسمع عليها أخيرا وعن دور سكانها في تاييد الثورة أو أي نشاط فيها لأزلام القذافي أوالأرهابيين الاسلاميين وخرقات الأمن التي تجري في طرابلس وبنغازي ومعظم مدن ليبيا الشرقية والغربية والجنوبية . وأعتقد إنها أمنة لتكون مركزا إداريا لليبيا خلال فترة الأعداد للدستور والاعداد لأنتخاب السلطات التشريعية والتنفيذية ، ولم اقل جعلها عاصمة لان العاصمة لا تتقرر بقرار أو حتى في الدستور بل العاصمة تفرض نفسها ، وجمبع العواصم الكبيرة في أوربا وأسيا لم تتقرر بقرار أو في الدستور بل فرضت نفسها ، وقد تقوم بعض الحكومات بنقل الحكومة الى مدينة اخرى كمقر إداري وليست عاصمة فالعاصمة لا تتغير . وسرت مدينة متوسطة بين برقة وطرابلس وفزان ويمكن أن تكون مقر الحكومة الأنتقالية والمؤتمر الوطني وقيادة الجيش والأمن في هذه الفترة التي نمر بها . وهي اكثر ملائمة من مدينة البيضاء الجميلة في الجبل الأخضر التي تقع في أقصى شمال شرقي ليبيا وتبعد عن العاصمة طرابلس أكثر من 1250 كم ولا يمكن الوصول إليها بسهولة سواء بالطائرات . والبيضاء رغم هدوئها وجوها المعتدل وموقعها وسط الجبل الأخضر الجميل وقد تمتعت بالأقامة بها خلال الثماني سنوات التي عشت فيها قبل إنقلاب القذافي المشئوم . لقد أختارها الملك إدريس رحمه الله لتكون مقرا للحكومة ومجلس الوزراء وإجتماعات مجلس الأمة بمجلسيه الشيوخ والنواب ووزارة الد فاع وزارة الخارجية وقيادة الجيش والأمن وقوة دفاع برقة وغيرها من القيادات. وأرادة الملك الأدريس رحمه الله الذي لا راد لها تعتبر كنصيحة أبوية لشعبه في شئون الدولة الهامة التي يتمسك بالقرار فيها وهي( نقل الحكومة الى البيضاء ونظام الحكم لليبيا فقد فرض الفدرالية سنة 1951 وأنهاها سنة 1963 وفرض الوحدة ، والتحالف الليبي البريطاني ، وإنهاء القواعد العسكرية وقاعدة العدم البريطانية بالذات، وإنشاء الأحزاب والعلاقات العربية ) وكان دائما يعرض قراراته في هذه الشئون السيادية الهامة على مجلس الأمة عن طريق الحكومة لأسباغ الصفة الدستورية عليها . والتمسك بقراراته في هذه الشئون ليست دكتاتورية كما يرى البعض لانها صادرة عن إقتناع وثقة الشعب في مليكه النزيه وحكمته . وقد ترك حفظه الله إدارة باقي شئون الدولة لحكوماته المتعددة ومجلس الأمة . كما تمتع الشعب في عهده بكل الحريات السياسية ومنها حرية التعبير والسفر والعمل وحقوق الأنسان بشكل لم يتحقق في كل البلاد العربية في ذلك الوقت . ورغم صرف مئات الملايين على البيضاء في بناء مقار للوزارات وبيوتا للوزراء و الموظفين إلا انها لم تحظى بترحيب المسئولين والموظفين الذين يسكنون معظمهم في طرابلس وبنغازي . وتنفيذا لرغبة الملك رحمه الله فقد ترك جل المسئولين عائلاتهم في طرابلس وبنغازي حيت يتتوفر لعائلاتهم وسائل التعليم والعلاج والحياة الكريمة وبقوا عزابا في البيضاء . وأصبحت البيضاء مدينة للعزاب. وكان الوزراء وكبار الموظفين ما أن تنتهي إجتماعات مجلس الوزراء حتى يغادرها الجميع إلى طرابلس وبنغازي ، ولم يبق فيها سوى رئيس الوزراء وبعض الوزراء و صغار الموظفين أو من كان عمله في البيضاء الذين لم تسمح لهم ظروفهم المالية السفر لرؤية عائلاتهم اسبوعيا بل كانوا ينتظرون الفرصة لاخذ اجازاتهم لزيارة عائلاتهم . كان الوضع في البيضاء غير عادي ولكن لم يستطع احد مناقشة الملك في وضع الحكومة في البيضاء ويقول المستر بلت حول البيضاء إن الملك لا يعرف الأدارة الحديثة ويعتقد أن الوزراء يستطيعون تسيير أمور وزاراتهم بالهاتف والبرق كما يعمل هو من طبرق ولا يعرف أن دور الوزير في الأدارة الحديثة ليس إصار الأوامر بل يعتمد في قراراته على مساعديه ومستشاريه حوله وحضور اللجان الوزارية بشكل يومي وهذا لا يتحقق إذا كان الوزير بعيدا عن مساعديه ومستشاريه ولجانه . وقد عمل بعض رؤساء الحكومات على التنافس في إرضاء الملك وإقامة مشاريع البناء فيها وتركيز العمل فيها. أعرف أن بعض رؤساء الوزارات من برقة الذين يزورون عائلاتهم في بنغازي لم يزوروا طرابلس إلا لفترة لا تتعدي بضعة أيام أثناء زيارات رؤساء الدول او حضور الأحتفالات الرسمية قبل نقلها بدورها إلى البيضاء . وبعضهم لم يزر طرابلس بتاتا أثناء فترة حكمه . وكان على السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي وأصحاب المصالح السفر إلى بنغازي بالطائرة ثم السفر بالسيارة إلى البيضاء لمسافة تزيد على المائتي كم لرؤية رئيس الوزراء أو الوزراء أو كدبار المسئولين . وكان رئيس الوزراء وبعض الوزراء يقيم إقامة دائمة في البيضاء ، وبعضهم يستغل فرصة أنتهاء إجتماعات مجلس الوزراء ليسرع إلى طرابلس لرؤية عائلته وليعرف ماذا تعمل وزارته في فترة غيابه . أما الوكلاء وكبار الموظفين فقد كانوا في رحلات مكوكية بين طرابلس وبنغازي والبيضاء لرؤية وزرائهم والبت في شئون وزاراتهم . وكذلك إجتماعات مجلس الأمة في البيضاء تتم في فترات متباعدة وقصيرة لا تتعدى الأسبوع أو الأسبوعين ليهرع الأعضاء بعدها ألى بنغازي وطرابلس إلى عائلاتهم وحباتهم العادية . وفي الحقيقة الجبل الأخضر منطقة جميلة تذكرك بخضرة أوربا والحياة في البيضاة صحية وتصلح للسياحة وقضاء الأجازات وعطلات الأسبوع لكن لا تصلح أن تكون مقرا إداريا لدولة مثل ليبيا المترامية الاطراف وتحتاج إلى عشرات السنوات لتستوعب الحكومة وجهازها والسفارات ومنظماتالمجتمع المدني، كما أن كثيرون يرون ان الحكومة يجب أن تكون قريبة من السكان وفي وسط المناطق الكثيفة بالسكان المليئة بالأحداث ، وهذا ما نراه في عواصم العالم لندن وباريس وبرلين والقاهرة وبغداد وطهران وطوكيو الخ .
التعليقات (0)