مواضيع اليوم

البيان في صمت العربان

الحسين وافق

2010-05-27 22:40:07

0

 

 

 

 

هل الصمت حكمة ؟! وهل على الانسان العربي أن يلتزم في حياته بفضيلة الصمت ، باعتبار أن الذين تكلموا ’’هلكوا’’ وطواهم قبر النسيان؟؟ لقد أصبح الصمت العربي ، ءاخواني الكرام ،في ظل الاوضاع التي نعيشها اليوم مثار تعجب العالم وسخريته . وأصبح الكل يتساءل باستغراب : هل هناك أمل في أن يتحرك الانسان العربي ، يوما ما ، لتغيير واقع طال أمده واشتدت وطأته ، ولم يعد يحتمل السكوت ؟؟!! ءان الصمت العربي ، في ظل الظروف الحالية ، صمت مريب حقا . فليس هناك ظلم أو جبروت أو فساد أو ذل ، أكثر مما نعيشه في وطننا العربي ، وعلى الرغم من ذلك ، لاشيء يحدث .الكل معتصم بالصمت ، مشغول بالبطن وما يتدلى منه ، منطو على ذاته . ولا تسمع ءالا همسا ! لماذا هذا الصمت العربي ؟ هذا سؤال يمكن أن يجيب عنه علماء النفس الثقافي . ولكن الأكيد هو أن صمت القبور هذا ليس حكمة بل ارتكاس وخنوع ، تحول بفعل الزمن ءالى جزء من هويتنا وشخصيتنا العربية ، وعلامة فارقة تميزنا عن باقي الشعوب .. لقد أصبح الصمت في حياتنا تربية وثقافة وسياسة أيضا : - تقول الأم لابنها الصغير : اسكت يا بني فللحائط آذان .فيتربى الطفل على أن الصمت فضيلة وسلامة ، والكلام وقاحة وندامة ! - ويقول الأستاذ لتلميذه المشاغب : اسكت فأنت قليل الأدب ! فيتخرج من الجامعة كائن أبكم ، لايحسن تركيب جملة مفيدة ! - ويقول القائد المستبد : الصمت شعارنا . والكلام انتهاك للمقدسات ، فيصاب الشعب المسكين بالخوف والبلادة ! ’’ لاصوت يعلو فوق صوت المعركة ’’ هكذا قال زعيم عربي في ستينيات القرن العشرين . فلما وقعت المعركة ، كانت الهزيمة مدوية والنكبة عارمة .ولأن الخوف يورث البلادة ، فان الشعب المسكين خرج عن صمته ، ونزل ءالى الشوارع يهتف بحياة الزعيم الخالد ..من المسؤول عن هذه المأساة ءاذن ؟ ءان الأنظمة البوليسية والمخابراتية التي تحكم المنطقة بالحديد والنار والسجون والمقابر الجماعية هي السؤولة عن هذا الصمت المريب ، وهي التي ربّت شعوبا خرساء تخاف الكلام وتؤثرالسلامة . بل ءان أهم ءانجازاتها ، على مدى عقود من التسلط والترهيب ، هو ءافراغ المنطقة من أبنائها الأحرار وزعمائها الأخيار بالنفي أو القتل أو السجن .. وقد أبدع الشاعر المصري الراحل ( أمل دنقل ) في ءاحدى قصائده ايّما ءابداع حين وصف هذه الأنظمة البوليسية التي تفرض الصمت على شعوبها فقال : أبانا الذي في المباحث نحن نرعاك ..باق لك الجبروت .. باق لنا الملكوت .. وباق لمن تحرس الرهبوت ..تفردت وحدك باليسر ..ءان اليمين لفي الخسر .. أما اليسار ففي العسر .. ءالاّ الذين يماشون .. ءالاّ الذين يعيشون يحشون بالصحف المشتراة العيون ، فبعيشون ..ءالاّ الذين يشون ..و ءالاّ الذين يوشون ياقات قمصانهم برباط السكوت .. الصمت وشمك .. والصمت وسمك .. والصمت أنّى التفتّ يرون ويسمك .. والصمت ، بين خيوط يديك المشبكتين المصمغتين يلفّ الفراشة والعنكبوت ... ءان الصمت المريب الذي يلف المنطقة العربية ، وءان كان هو القاسم المشترك بين شعوبها ، ءالا أن أسبابه تختلف بين منطقة عربية وأخرى . ففي مشرق الوطن العربي الصمت هناك مدفوع ثمنه .لأن أمراء البترول عرفوا كيف يشغلون الناس بمهرجانات التسوق والغناء والتفاخر بأعلى المباني وأحدث الماركات العالمية في السيارات والأزياء وغيرها ..أما الغائب الأكبر فهو الشأن السياسي طبعا الذي وضعت على بابه عبارة : ممنوع الاقتراب ! أما في مغرب الوطن العربي ، وبالضبط ، في مغربنا الحبيب . فالصمت مكره أخوك لابطل . فالصمت عندنا موقف اجباري واختيار قدري ، أبدعت فيه العبقرية المغربية . هو تعبير عن ءادانة لمشهد سياسي صار عفنا ، واحتقار لسوق برع فيه تجار الشعارات ومحترفوا الانتخابات .. وبقي صوت وحيد نشاز يعكر صفو هذا الهدوء العميق ..ءانه صوت الكائنات الحربائية التي برعت في قلب المفاهيم والتلاعب بالمصطلحات . فتحرم الحلال وتحلل الحرام وتأتي في ناديها المنكر قولا وزورا .. يقولون : أيها الشعب المسكين عليك أن تفرح في صمت . فحكومتنا الرشيدة تبشركم بالزيادات الجديدة .وتحقيق العدالة الاجتماعية التي طالما وعدناكم بها .ستكون الزيادات ، ءان شاء الله ، في الضرائب و المواد الغذائية والبنزين والماء والكهرباء !! لاتيأسوا ..فمشروعنا الديمقراطي الحداثي ، سيفرغ جيوبكم باذن الله ، وسيحقق لكم مبدأ المساواة ’’ بالحضيض ’’ .. ويقولون لشبابنا العاطل : لاتتضاهروا ، لاتحتجوا ، لاتصرخوا ، فلدينا من الهراوات ما سنكسر به أسنانكم الوسخة ..ويقولون للصحافة الحرة ، لاتكتبوا لاتفكروا ، فحداثتنا تكره الورق والمداد ، وديمقراطيتنا تراقب الثرثارين والمشاغبين وتنظم لهم المحاكمات الصورية .. ءان صمت المغاربة صمت حكيم ، يشبه صمت رجال التصوف ، حين يستغرقون في الكشوفات الألهية ، أو هو كصمت رجل شريف ينظر باشمئزاز ءالى نكرة زنديق يمشي في الشوارع مترنحا من سكره ، ويوزع الشتائم على المارين يمينا وشمالا .ءان بعض السياسين من التقدميين والحداثيين هم أشبه ما يكون بهذه الكائنات الحربائية التي رضيت بفتات السلطة ، وقنعت بالموجود ، وأصبحت تؤمن بأنه ليس في الأمكان أحسن مما هو كائن ، وأن العدو الحقيقي الذي يتبغي أن نحاربه هو الظلامية والتعصب ، الذي بالمناسبة ، يعني عندهم الالتزام بالاسلام ورموزه .. أخي القارئ الكريم ، أليس في هذا الصمت المغربي غزة وءاباء وحكمة ؟ وقد قال الشاعر قديما :

ءاذا تكلم السفيه فلا تجبه\ فخير ءاجابته السكوت 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !