رغم تأخره لزمن تجاوز الالفي شهيد وعشرات الالوف من المعتقلين والمغيبين واللاجئين الذين ضاقت بهم ارض الشام بما رحبت ..فانه لا يمكن للمرء الا الترحيب بالدخول المباشر للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز الى حلبة المواجهة مع سوريا..
فكلمات بقوة ووضوح الخطاب الذي يقول فيه إن «المملكة تقف تجاه مسؤوليتها التاريخية مطالبة بإيقاف آلة القتل وتحكيم العقل قبل فوات الأوان وتفعيل إصلاحات على الواقع»..وتزامنها مع خطوة سياسية ذات أهمية كبيرة وهي استدعاء السفير السعودي من سوريا..قد تشكل دعماً معنوياً مهما انتظره السوريون منذ فترة طويلة، وقد تكون رسالة سياسية واضحة للنظام تدعم الخطوات التي سبقتها من خلال التحرك التركي والامريكي والبيانات الصادرة عن مجلس التعاون الخليجي وعن جامعة الدول العربية.
ولكن على الرغم من قوة الخطاب..وهذا الترحيب ..فانه لا يمكن المرور سريعا على بعض المفارقات التي تضمنها الخطاب والتي قد تستحق التوقف عندها قليلا ..وقد يكون اهمها السؤال الكبير عما إذا كان جلالة الملك هو الشخص المناسب لتوجيه الدعوة الى تفعيل «إصلاحات شاملة وسريعة» الى سوريا فيما القيادة السعودية دائمة الانشغال بتشديد القوانين التي تعاقب حرية التعبير وكل من ينتقد العائلة المالكة وجوقها وحاشيتها ووعاظها..وهل ان السعودية هي الدولة المؤهلة لتقديم النصائح للغير حول الديمقراطية في حين انها تحظر اي شكل من اشكال مظاهرات الاحتجاج تحت طائلة الخروج من الملة والقانون..
وقد تكون المفارقة الاهم في كل هذا هو السجل السلبي المقلق للمملكة خلال "الربيع العربي" الذي شهدته المنطقة ودورها الذي رافق واعقب نجاح الحراك الشعبي في بعض البلدان العربية ومسؤوليتها المباشرة عن اجهاض وارباك وعرقلة الثورة في بلدان اخرى..فالمملكة لا تمتلك اي ممارسة ملموسة في دعم الانتفاضات العربية، بل على العكس فهي التي ساعدت النظام البحريني على إخماد الحركة الاحتجاجية هناك من خلال التدخل العسكري المباشر، وهي من تخلط الاوراق باستمرار في اليمن لمنع نجاح الحراك الشعبي السلمي في الوصول بالبلاد الى بر الامان وتكوين الدولة المدنية ..أما في ليبيا فقد اكتفت بالتنديد الاعلامي المتأثر بالعداء الشخصي القديم مع حكم العقيد..وقد يكون لتأخرها المأساوي في استيعاب مقدمات الثورتين التونسية والمصرية هو السبب الرئيس في نجاحهما في اسقاط النظام..وان كان لفهمها المتأخر دورا واضحا جدا في تأجيج الثورة المضادة المستهدفة للنظام الديمقراطي في البلدين ..
وهذا ما قد يقودنا الى وجود تضارب واقعي وحقيقي في النوايا والآمال ما بين القيادة السعودية والشعب السوري البطل من الممكن ان تدخل الحراك الثوري السوري المبارك في نفق المبادرات المفخخة والتقاطعات الاقليمية المتقادمة.. والاخطر هو جر الانتفاضة الشعبية الى المجال الاثير للحكم السعودي الا وهو التطييف السياسي وتشطير المجتمع السوري الى تقسيمات فئوية وعرقية وتصنيفه كشعب مختار وفئة ضالة خصوصا مع التهيئة الاعلامية المسبقة ووجود امتدادات فعلية للنظام السوري تجاه الشرق الابعد عن الحدود وعن قلب القيادة السعودية..
يرى الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط ميشائيل لودرز أن بين السعودية وسوريا حسابات تريد تصفيتها..مضيفا أن السعودية تسعى، من خلال انتقادها لسوريا، إلى الوصول إلى إيران، حليفة سوريا القوية وعدوة السعودية اللدودة، وأن " السعودية لديها بعض الحسابات المفتوحة مع سوريا، وأعني بذلك في نفس الوقت أيضاً حزب الله وإيران".
وهذه التقاطعات لن تكون بالتأكيد في مصلحة الشعب السوري النبيل وهو يسطر اسمى آيات النضال ضد الديكتاتورية والاستبداد البعثي المقيت..كما انه لن يكون مما يقدم الدعم لقضيته العادلة جر الثورة الشعبية الى حرب تصفية حسابات طويلة قد تزيد من استعار اتون القمع الوحشي الذي يمارسه النظام تجاه شعبه الصامد..كما لن يفيده الخطابات القوية التي ليس لوجه الله ولا الشعب مكانا فيها..ولا ينتظر منها الا المزيد من الارباك والتشويش وضياع البوصلة والاتجاه..
التعليقات (0)