جمعية الحكمة المشرقية - البيان التأسيسي
أي جهود ثقافية يجب أن تمثل عملية قصدية هادفة إلى التطبيق, وان يكون موضوعها سلوك الإنسان بمختلف أشكاله , وان يظل مدارها حول إرشاد وتوجيه الأنماط السلوكية النافعة والمفيدة والمرغوب فيها لدى المجتمع . ولكن تحديد مجال العمل التطبيقي يعتمد على تخمين قدرة الإنسان وإمكانياته ومدى تقبله لهذي الطرائق أو تلك الأساليب ثم التغير بمؤثراتها , وذلك يتطلب تفكيرا واعيا عن طبيعة الإنسان , فأن قلنا انه قيمة عليا فإنما نؤكد وجوده من خلال عبوديته للمقاييس وان فرضنا انه مصدر القيم سندفع به نحو المثال المجرد وحتى الذوبان في مطلق القيم والمالانهاية .
ولكن المروءة في الإنسان ذات الرحمة والرأفة هي التي تعطيه القدرة والحق في المعايرة والمفاضلة بين القيم , وذلك هو الطريق الوحيد للبناء والإبداع والتجديد , ومن خلاله يمكن تنمية كل الطاقات الخيرة في المجتمع وتوظيفها لخدمه الصالح العام , مع الحفاظ على التوازن بين نصيب الفرد ومتطلبات الجماعة . وبهذا تكون التعبئة العامة وحشد الطاقة نحو تأصيل الأساس الأخلاقي وتحقيق المحبة والسلام وكل ما نصت عليه المفاهيم الواسعة للأديان .
لاكما يتصور البعض من ان الأهداف الكبرى للإسلام تنحصر في العنف الجهادي وان وسائل التطبيق هي المقاومة والمعركة المستمرة ضد النفس ومغرياتها فيميل إلى المعاناة وتعذيب النفس والعزلة الحالمة التي تجر الآمال إلى الفردوس ونعيمها , أو يسعى نحو تحريك الجماعة وتعبئة قواها للمعركة ضد المؤامرة العريضة لقوى الظلام , ثم ينسى أن الكراهية لها فعل مرتد قد يتولد عنه ثالوث صراع النقيضين .
لا فرق بين العمل الفكري والعمل المادي في الثقافة الواعية لأن ما يترتب على ذلك من أنواع القيم في السلوك والاتجاهات يجعلها قيما سامية حين ارتبطت بالمعرفة الإنسانية . وشرط أن تكون الفلسفة عملية خصوصا في التعامل الأدبي وبناء العلاقات الاجتماعية , يفترض لأنه لا خير في الآراء التي تقوم على مجرد الوعظ والإرشاد , وإنما في الأفكار نحتاج إلى أفعال يمارسها الإنسان لتتكون أخلاقه عمليا أي من قبيل ربط النظرية بالتطبيق , فتلك العلاقة تكاد تكون دائرية ومستمرة فكما لا نقبل بعمل لا يستند إلى العلم كذلك لا نتصور علما نافعا ليس له انعكاس على الواقع . خصوصا أن غاية الأخلاق الحكمية هو النهوض بالفرد والمجتمع نحو عالم أفضل , ولكن لابد لكل جيل من أن يكيف لنفسه حكمته الخاصة , بحيث تجيء الحكمة ملائمة لمقتضيات عصره وطبيعة مشكلاته .
وهذا ما نؤكد عليه – كمثقفين – من أن عملية التثقيف ليست منفصلة عن ثقافة العصر ونظمه الاجتماعية بل أن التعليم هو نشاط اجتماعي محكوم بالقيم والمقاييس والأحكام الاجتماعية وبالمستوى العلمي والثقافي للمرحلة التاريخية .
المهم إننا نسعى لتعليم البعض كيفية التفكير وليس تحميلهم بالأفكار وهو ما يستوجب توفر روح التسامح وحسن الخلق وسعة الصدر وإفساح المجال للطرف الأخر وضمان حرية التفكير وحرية التعبير عن الرأي فالمهم من تبادل وجهات النظر هو التوصل إلى الحقائق الواقعية أو ما يقترب منها من الواقع عندها تتحقق المصلحة العامة ويتحرر الفكر ويهتدي إلى الإيمان العميق .
ويجب علينا أن نمتاز بالاستقلال والتماسك الفكري والترابط فيما بين آراءنا واتجاهاتنا وان لا يجرح العرف العام بل نساير الأوضاع الاجتماعية المتجددة ونواكب التقدم العلمي ونعزز القيم الأخلاقية للأمة وان نكون مستقلين عن التوجهات السياسية ونرفض النزعات الطائفية مهما عصفت الظروف بل نعمل جاهدين على المحافظة للمقياس العقائدي والطابع الرسالي في المجتمع الإسلامي , وبما يحث على الجدية في الحياة والكفاح من اجل العيش الكريم وسعادة الإنسان .
جمعية الحكمة المشرقية - الكاظمية المقدسة
العراق - بغداد
التعليقات (0)