ماذا أصاب العرب ؟
العنف والتعصب والدعوة للقتل وسفك الدماء هى الأصوات الصارخة المسيطرة والمهيمنة على كل مجتمعاتنا العربية ، أصوات متشنجة تقطر حقداً وكراهية ليس حباً فى حق أو فى عدل بل حباً فى فرض قدرة السلطة الدينية على قيادة عمليات دموية ينزف فيها دم الجميع بلا أستثناء .
ما الذى أصاب التفكير العربى حتى يرضخ لسوق الفتاوى القتالية التى تبيح سفك دماء الأشقاء والأعداء وغير الاعداء ؟
إن فتاوى القتل هى جرائم حقيقية ينبغى وضع قوانين لمحاسبة المتفوهين بها ، إنها جرائم ضد الإنسانية وضد الإله الخالق ذاته الذى كرم الإنسان وأعطاه عقلاً يفكر ويبدع به بدلاً من حشوه بمشاعر وأفكار الكراهية وحب القتل والتفجير .
لقد جاء البيان الأممى ضد الإرهاب الذى أصدره الليبراليين العرب معبراً عن الواقع المتردى الذى يعيشه الإنسان العربى ، ذلك الإنسان الذى يعيش مسلطاً على رقبته وعلى عقله سيف الدين وفتاوى من يوصفون بالعلماء وضعهم المجتمع نفسه وساعدهم على الجلوس على كراسى أحكام الفتاوى وإزهاق أرواح الناس بل ورفعهم فوق الجميع .
لقد جاء البيان متأخراً لأن المجتمع العربى يعيش فاقد الوعى منذ عشرات السنين ، يعيش فى تراث القبائل العربية والغزوات الإستعمارية العربية ، ذلك التراث الذى يخشى الجميع من مناقشته ومواجهته المواجهة العلمية السليمة إلا بعض المفكرين الأمناء الذين قُوبلت دراساتهم هذه بالتكفير والسجن وغير ذلك من أساليب القمع العربى .
لقد تأخرت الأصوات التى تعى المأزق الثقافى الذى يعيشه الفكر العربى والمسئول عنه التصعيد الدينى المكفر لكل ما يخالفه ، ذلك التصعيد الذى أخلت له الإنظمة العربية الساحة لكى يعمل بحرية حتى أصبحت مشاعر وأفكار الفرد العربى محصورة فى صب اللعنات وإضمار الحقد والكراهية ضد الآخر مهما كان هذا الآخر ، وظهر سوق الفتاوى ليؤجج الصدور بنار الثأر ومحاربة الآخر الذى أرتاح الضمير العربى لوصفه بالعدو أو الكافر حتى يسرع فى كراهيته ومحاربته للقضاء عليه .
لكن شكراً لكل من صاغ ووقع على هذا البيان الأممى ضد الإرهاب ، الذى أشعرنا بأن الدنيا مازالت بخير ، وأن هناك مفكرين يدركون المأزق الذى يعيشه المواطن العربى ويعملون على الخروج منه حتى يعلو صوت الحق وتزول كوابيس الظلام الحالكة.
الإنظمة العربية لا تفعل شيئاً تجاه تجريم فتاوى القتل الإرهابية ، لأنها أنظمة ثقافتها عنصرية دكتاتورية ، والمواطن العربى مجرد أسير للفكر العنصرى الذى تغذيه ثقافة السلطة وثقافة فتاوى القتل التى تبيح وتشرع الإرهاب بشتى أنواعه وتتوارثها الأجيال .
وسائل الإعلام العربية الحكومية وغير الحكومية ينبغى محاسبتها وتجريم كل وسيلة إعلام تنشر أو تذيع فتاوى القتل وغيرها من المواد الإعلامية التى تحرض على بغض الآخر ، ينبغى أيضاً على كل مسئول إعلامى فى القنوات الفضائية والأرضية تحريم نشر تلك الأشرطة والرسائل الإرهابية التى هى فى الحقيقة أكبر دعاية للإرهاب .
إن لغتنا العربية المعاصرة التى يحرص فقهاء الفتاوى على تعميمها تمتلئ بكلمات العمالة والخيانة ،المؤامرة، الأعداء ،حب الموت وتمجيده ، الضلال ،الإستشهاد ، تلك الكلمات التى تشحن المشاعر الضعيفة وتسخرها لأغراضها البائسة الضالة عن طريق الحق ، لغتنا المعاصرة أصبحت خليط من الدجل الثقافى الدينى الذى يزهو به المسيطرين فى مجتمعاتنا العربية .
لقد آن الآوان لأن يستيقظ المثقفون ليزيلوا الخمول والقهر الذى سيطر على الساحة الثقافية ، ونتج عنه موضة الفتاوى والتعاليم والأفكار العنصرية البوليسية المدمرة لهوية الإنسان ووحدة الأوطان ، والتى يذهب ضحيتها بشر أبرياء ، آن الآوان أن يكشفوا عن المتلاعبين بغرائز البشر وأستغلالها فى تحقيق مطامع دنيوية ترضى فقط إبليس .
يجب إبلاغ الرسالة بوضوح إلى كل هؤلاء الذى أفسدوا عالمنا العربى المعاصر بتعاليم وفتاوى القتل ، إبلاغهم عن طريق البيان الأممى ضد الإرهاب : يجب أن يدركوا أننا جميعاً نؤمن بالله وكل إنسان يعبد الله بطريقته التى سيحاسبه عليها يوم الحساب وليس من حق أحد أن يتحدث بأسم الله ويدٌعى أنه وكيل الله فى الأرض ليبيح لنفسه سفك دماء البشر ، كفاكم لعباً بعقول الناس ، كفاكم إنحداراً وضياعاً وتشرداً فى الزمن الجاهلى .
2004 / 11 / 9
التعليقات (0)