مواضيع اليوم

البوليزاريو: السياق والنشأة الجزء الأول

شريف هزاع

2011-02-02 14:12:07

0


تحاول هذه المقالة البحث في جذور نشأة حركة البوليساريو وماهية التنظيم الذي تشتغل وفقه، أي العلاقة بين القيادة والقواعد،وذلك في علاقة سياقها بالبعد الدولي والوطني، أي في علاقة بالصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي من خلال الحرب الباردة، وفي علاقة أخرى بالأوضاع السياسية والأمنية وحتى التاريخية للقطر المغربي.
وقبل ذلك لابد من إبداء ملاحظة أساسية، تكمن في كون الموضوعة ليس نقاشا سياسيا أو منحاز لطرف على آخر في إطار الصراع حول تلك البقعة الجغرافية التي يؤمن الكاتب بامتداد الجغرافيا المغربية لما بعدها، ولكن دراسة علمية تحاول التركيز على منطقها الموضوعي، وان أدى الأمر إلى اصطناعها لصعوبتها البستمولوجية في علاقة بين الذات والموضوع، أو لم يقل باشلار من داخل ذاتية افرض موضوعيتي، لذا فهي أقل ما يمكن أن تكون نوع من جمع وتوثيق لوثائق ومعطيات تاريخية، وحتى يتسنى للشباب المغربي والعربي فهم، ما البوليساريو؟ وكيف جاءت مادامت هي ليس معطى نزل من السماء، بقدر ما هي إنتاج لتفاعلات اجتماعية واقتصادية وسياسية وتاريخية في مرحلة معينة.
عرف القرن أوج الحروب بين الدول لم تعرف مثيلتها البشرية، طوقت من خلال الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، واندلعت حرب بالوكالة حيث كل طرف يسعى إلى الامتداد إلى أكبر حيز جغرافي يسمح له بالتأثير على السياسات الجيواستراتيجية، وقد انخرطت الجزائر مبكرا منذ الاستقلال في الحلف الاشتراكي في المقابل دخل المغرب إلى النادي الأمريكي خاصة بعد لقاء آنفا، فاضطر المعسكر الاشتراكي إلى تأييد أية حركة تحرر وطنية في المنطقة من خلال يدها في شمال إفريقيا الجزائر وليبيا.
نفس التحولات العالمية عرف المغرب داخليا تحولات جذرية، إذ يعد القرن العشرين بمثابة قرن بناء الدولة المغربية التي يمكن القول أن بناءها من ثلاثة مراحل، مرحلة الاستعمار حيث تم تشييد الإدارة وتفكيك شبه نسبي للبنية القبيلة للمجتمع المغربي الذي اعتبره جون واتربوري مجتمع لا دوليتي انقسامي (تجزيئي)، والمرحلة الثانية هي ما بعد الاستقلال حيث اتسمت بعنف "الدولة" اتجاه المعارضة من خلال الصراع حول السلطة وحول شكل الدولة وفلسفة وجودها، حتى سميت المرحلة بسنوات الرصاص أو سنوات الجمر، بالقتل والاختطاف والتعذيب، الذي شمل جميع ربوع المملكة بما فيها المناطق الجنوبية، والمرحلة الأخيرة حيث مرحلة التسويات السياسية بين القصر والحركة الوطنية انطلقت منذ الإجماع الوطني حول الصحراء إلى يومنا هذا، تسويات ذات أبعد توافقية وفوقية لصالح المؤسسة الملكية باعتبار لموازن القوى، وليس تسويات ذات بعد تعاقدي.
في هذا الخضم نشأة البوليساريو وارتبطت قضية الصحراء بكل مرحلة من مراحل بناء الدولة المغربية، أي منذ الاستعمار إلى غاية تدويل القضية ودخول الأمم المتحدة لتسوية الوضع بحل سياسي متوافق عليه.
فقد انطلق الاستعمار الاسباني للمناطق الجنوبية منذ مؤتمر برلين 1884 إلى غاية 1934 حيث سوف تكون السيطرة الشاملة على المنطقة، أما ما بعد هذه السنة والى غاية الاستقلال يمكن الحديث عن نوع من الهدنة خفض من قوة المقاومة، نتيجة تحالف استراتيجي لبعض شيوخ القبائل والأعيان الصحراويين مع المستعمر الاسباني كان مقابل التمتع ببعض الحقوق والحريات. أما بعد الاستقلال فقد لمع نجم جيش التحرير الذي قاوم الاستعمار ببسالة نظم خلالها المجاهدين الصحراويين عدة عمليات فدائية مست في العمق الوجود الاسباني خاصة في مناطق السمارة واوسرد، مما جعل الوجود الاسباني بتحالف مع فرنسا، (وفي روايات أخرى بمساعدة ومباركة المغرب) يرد الصاع صاعين من خلال عملية "ايكوفين" سنة 1958، العملية التي اعتبر تصفية تامة لجيش التحرير الوطني بالجنوب.
بعد عملية التصفية تحول الخط النضال للصحراوين من حمل السلاح إلى الحرب السياسية من خلال الدخول لدواليبها وتشابك بخيوطها، أفرزت نشوء عدة تيارات سياسيات توجت في الختام بقيام الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب.
أولا: الحزبية الأولى
سنسرد تأسيس عدة تيارات سياسية بالمنطقة بتتبع الخط الزمني حتى لا تتداخل المعطيات باعتبار كثرة الانشقاقات وتشابه أحيانا الأسماء والمؤسسين.
1961: تأسست "حركة المقاومة لتحرير الأقاليم الواقعة تحت السيطرة الإسبانية "، وكانت تنشط انطلاقا من بلجيكا إلى غاية 1975، حيث سوف تدخل للمغرب من أجل توحيد الصحراء مع المغرب.
1965: تأسس "حزب الإسلام" من أجل حمل السلاح لطرد المستعمر، والتفاوض مع المغرب للانضمام إليه وفق شروط محددة، تعطي للشعب الصحراوي مجموعة من الحقوق والامتيازات.
1966: تأسست "المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء" كبؤرة ثورية تعمل على تكوين إدارة صحراوية قادرة على تسيير البلاد ودفع الاستعمار الاسباني بالانسحاب وفق جدول زمني وحل الجمعية العامة الصحراوية ( لاسمبليا ) التي كانت بمثابة برلمان الصحراء في المنطقة المستعمرة من قبل اسبانيا، وإجراء انتخابات مبكرة لتشكيل جمعية جديدة وفق شروط النزاهة والشفافية مع الحد من نزوح الأسبان للمنطقة.
1967: تأسست "الجماعة الصحراوية"، انطلاقا من زعماء العشائر والقبائل الصحراوية وتعمل أساس على تمثيل السكان في شؤونهم الإدارية مع الاستعمار الاسباني والقدرة على التأثير وتوجيه على البينة القبيلة. لذا اعتبرت هذه الجماعة أصلها من تأسيس الإدارة الاسبانية لتسهيل علاقاتها مع الساكنة وتوفير الشرعية القانونية لتواجد الاسبان بالمنطقة بالسيطرة على كل التيارا والزعماء المتواجدون داخل الجماعة.
1970: يمكن اعتبار سنة 1970 هي سنة تأسيس "الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب "، رغم أنها كانت متواجدة قبل ذلك ولكن ظهورها ارتبط أساسا بانتفاضة 17 يونيو 1970، وهي شباب مثقف وخريج الجامعات المغربية والمصرية، وقد قان مؤسسها محمد سيدي إبراهيم عن سن 26 سنة، حيث استغلت الحركة الانتفاضة لإعلان رفض السكان الصحراويين للاحتلال الاسباني من خلال رفع مذكرة باسم الشعب الصحراوي للمطالبة باستقلال الصحراء عن الحكم الاستعماري، وللإشارة فقط فإن أحداث 17 يونيو 1970 انطلقت كتعبير عن غضب جماهيري بالاستعمار من خلال القيام بوقفة احتجاجية أمام تجمع شعبي نضمه الاسبان بحضور ممثلين دوليين وازنين ووجود صحافة دولية، مما دفع بالقوات الاسبانية إلى التدخل لتطويق المحتجين وتم إطلاق النار عليهم بكثافة مما أدى إلى استشهاد العديد منهم، واعتقال الكثيرين وسحق للحركة، واختطاف قيادتهم وخاصة مؤسسها الذي يجهل مصيره للان.
1970: تأسست منظمة "موريهوب" أي "الرجال الزرق" كمنظمة سرية نتيجة القمع والاغتيالات التي كانت بالمنطقة، بزعامة "ادوارد موحا" وكانت تنتمي إيديولوجيا لليسار، وكانت مدعومة من قبل الحزب الشيوعي الاسباني ومن الجزائر أيضا، وقد كان الهدف من التأسيس الاستقلال التامة للصحراء الغربية وقطع كل العلاقات مع اسبانيا والمغرب، في أفق تأسيس دولة صحراوية ديمقراطية تقدمية شعبية.
1974: تأسس "حزب جبهة التحرير والوحدة" فبدأ مباشرة بشن هجومات عسكرية من أجل طرد الاسبان والالتحاق بالمغرب إلا أنه تم حله بقرار سنة 1976. ومعلوم أن هذا الحزب انشق عن "حركة المقاومة لتحرير الأقاليم الواقعة تحت السيطرة الإسبانية " التي تأسست سنة 1961.
1974: أسست اسبانية حزبا يمكن اعتباره يحمل معالم الحزبية هو "حزب الاتحاد الوطني الصحراوي"، المعرف اختصارا "البونس" وقد حاول الاسبان إلى جعل هذا الحزب يفرض نفسه على كل المناطق الصحراء الغربية من أجل تحضيره لان يتولى السلطة بعد انسحابها، وبالتالي تبقى عضويا مرتبطة بها، ومادامت "الجماعة الصحراوية " هي من صنيعة الاسبان فقد التحق أفرادها أو جلهم إلى هذا الحزب، الذي مني بالفشل مما اضطر الإدارة الاسبانية إلى حله.
وقد التحق العديد من أعضاء التنظيم بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
ثانيا: نشأة البوليزاريو
يمكن اعتبار القمع الذي تعرضت له " الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " كما سلفنا الذكر، وبمقابل اللامبالاة الجانب المغربي مع الانتفاضة وباقي الفاعلين السياسيين، دعامة لبروز أفكار جديدة حول البحث عن آليات جديدة تهم أساسا تنظيم الصحراويين، ودفعهم لتحقيق الاستقلال عن الغازي المستعمر الاسباني، استثمر هذا الجو مجموعة من الشباب الطلبة بالرباط لذلك. فتم تشكيل نواة أولى من قبل بعض المناضلين الصحراويين، سنتي 72 و73، بالرباط وخاصة بكلية الحقوق أكدال (وللتدقيق أكثر كانوا يقيمون في حي المحيط وباب الأحد)، الشاربة إيديولوجيا من مخاض تلك المرحلة اليسار الجديد، وخاصة فصيل "الجبهة الموحدة للطلبة القاعديين"، التي كانت تضم ممثلين عن تياري "إلى الإمام" و" 23 مارس"، فكان من المؤسسين من ينشط داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب "أوطم".
فكان الشباب الصحراوي يعقد لقاءات سرية وعلنية مع قيادات الأحزاب السياسية لدعم مشروعهم وفي نفس الوقت كانت المقاومة في الجنوب وصلت لأوجها ضد الطغاة الأسبان. للعلم أن البوليساريو لم تكن لها قاعدة جماهيرية في الصحراء لارتباط الساكنة بتنظيم " حزب الاتحاد الوطني الصحراوي" الذي كان يتزعمه خليهن ولد الرشيد وب "الجماعة الصحراوية" التي كان يتزعمها خطري ولد سيدي الجماني، لما تلعبه البنية القبلية من قوة التأثير وإنما فقط وجود في الجامعة بالرباط لا أقل ولا أكثر. فكان لاعتقال والاختطاف التي قامت بها المغرب اتجاه هؤلاء الصحراويين الاثر الكبير بتأجيج الإضرابات وصعود نجم الشباب المتواجد بأكدال.
انضاف إلى هؤلاء الشباب شباب مدينة طانطان والعيون وبوجدور وأسرير لما يعانونه من فقر ولحرقة تصفية جيش التحرير سنة 58 الذي كان يتكون أساسا من أبائهم، مادام أغلبهم ولد في تلك الفترة، قبل أن يكمل مهمته المقدسة بتحرير الأرض، فكان تجسيدها بخروج مظاهرات أشهرها مظاهرة طانطان التي رفضت بنزع السلاح من الساكنة قبل اختتام التحرير. وعدم قبول المفاوضات التي كانت تقوم بها الحكومة المغربية انذاك مع الطرف الاسباني. فكان مصير الشباب المحتج الاعتقال والتعذيب، فكان جواب من نجا من جحيم الاعتقال الهروب إلى الجزائر وليبيا، ومويطانيا التي اعتقلتهم من أجل تسليمهم للمغرب الا أنها تراجعت بفعل ضغط القبائل والعشائر، ومن بينهم محمد عبد العزيز، السيد أحمد، والبندير مثيق...
هكذا فكر الشباب الصحراوي بتأسيس إطارهم وخاصة أن بروز "الرجال الزرق" قد يأخذ مكتسباتهم النضالية، والمحلة التي كان يعيشها المغرب بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين إلى التسريع بإعلان مصطفى الوالي السيد للدعوة للمؤتمر التأسيسي في ماي 1973، ل لـ " الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " بمدينة الزويرات بالقرب من موريطانيا.
تكونت اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي الاول من:
الاسم الاسم الحركي الأصل
مصطفى الوالي السيد قبيلة التهالات
عمر الحضرمي العظمي محمد
محمد لامين ولد الليلي طانطان
نور الدين بلالي
أمهمد ولد زيو قدماء جيش التحرير
محمد لامين ولد البوهالي ولد الغنيجر تندوف
أحمد تو ولد خليلي وهو محمد ولد خليلي محمد عبد العزيز
موسى لبصير المودنين من العيون
لوشاعة عبيد، المودنين من العيون
محمد ولد سعد أبوه المحبس
البشير ولد مصطفى طانطان
البندير ولد معييق قبيلة ولاد دليم قدم من طانطان
حبيب الله ولد لكويري كلميم
الداه نفعي الجنوب كلميم
المعروف ب، جندي في الجيش الإسباني
أحمد ولد القايد صالح من آيت موسى وعلي، من العيون
غالي ولد سيدي مصطفى غالي ابراهيم من السمارة
محمد سالم ولد عبد الله
سيدي ولد حيدوك خطري، طانطان.
البشير ولد عبد الله العيون
سيدي المعروف بكوير
فكانت اللجنة التحضيرية التي سهرت على تأسيس التنظيم الجديد وانتخاب لجنة تنفيذية مكونة من سبعة أفراد هم غالي ولد سيد المصطفى أمينا عاما لـ " جبهة البوليساريو "وإبراهيم غالي، العظمي محمد ، محمد لمتين، محمد ولد سعيد بوه، محمد لامين أحمد، محمد لامين ولد البوهالي، الصالح ولد الغشيو ، الفراح ولد الحسني .
كما انتخب مجلس وطني مكون من 21 عضو، وتم الإجماع على أن يتولى مصطفى الوالي السيد منصب ملحق بالمكتب التنفيذي مكلف بمهمة سكريتير خاص، وذلك لجعل بوليساريو ذات خصائص صحراوية محضة وهي ما لم تكن تتوفر في الوالي السيد.
فأصدر المؤتمر بيانا سياسيا ختاميا يدعو من خلاله
صدر عن المؤتمر بيان سياسي " الكفاح الثوري المسلح " الذي كلف صياغته من سنة 1971 إلى سنة 1973، انطلاقا من لقاءات سرية بكل من المحبس، العيون ، طانطان و تندوف لينتهي بالزويرت ، يعلن فيه بأن " الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "(البوليساريو) هي حركة تحرير الصحراء الغربية، بهدف تحرير لصحراء من الاستعمار الإسباني، وذلك بالكفاح الثوري المسلح .
وهو البيان الذي طغى في تحليله رويا التيار اليساري الجذري رغم وجود تيارات سياسية كالعبثية والناصرية، إلا أن الصياغة النهائية كانت لصالح تيار مصطفى الوالي السيد الماركسي.
ثالثا: التنظيم الاداري والعسكري للبوليزاريو

السؤال الذي يؤرق في هذه الجزئية من المقالة تتمثل كيف تحولت "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" من حركة تحرر وطني إلى حركة تطالب بالانفصال والاستقلال عن الوطن؟
كما معلوم وخاصة من مجموعة من الشهادات الحية أن مصطفى والي السيد لم يكن يتبنى الفكر الانفصالي بقدر ما كان هاجسه هو تحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني، والانضمام بعدها للمغرب، وقد تأكد ذلك من خلال التوثيق بالرجوع إلى جريدة "23 مارس" لعدد يناير 1973 حيث نشرت مذكرة منسوب إليه، يناقش فيه وضعية الصحراء وأهم الاستشارات التي قام بها مع بعض زعماء الأحزاب السياسية، إذ يقر بخط يده في الجريدة ما يلي: ".. يمكن القول إن المنطقة كانت إقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية." وبالتالي يقر بمغربية الصحراء، وبالعودة إلى مذكرته الخاصة نجده أنه يربط بشكل جدلي الترابط التاريخي بين سكان الصحراء الغربية والمغرب.
إلا أن المبادرات المحمودة لمصطفى الوالي السيد قوبلت بإجحاف لا من قبل الدولة التي كان هاجسها بناء المؤسسات مما جعل قضية استقلال الثغور مسألة ثانوية بل وأبعد من ذلك فقد أغلقت كل الثكنات العسكرية لجيش التحرير وإدخال العملية السياسية لأزايد من 15 سنة بالإعلان عن حالة الاستثناء، لا من قبل الأحزاب السياسية التي لم تتعامل مع الأمر بمحمل الجد.
وقد كان معروف على مصطفى والي السيد انتماءه لليسار الماركسي الذي كان يرى في الثورة الخرج الحقيقي من الاستبداد، إلا أنه كان يركز على كون التناقض الرئيسي يثمل في التناقض مع قوى الامبريالية المجسدة في اسبانيا أما التناقض الثاني هو التناقض الثانوي مع الكومبرادورات النظام المخزني فهو مؤجل لأولية استقلال الصحراء، بمعنى أخر في سياق التحليل أن الإشكال المركزي ينطلق من الخاص ليصل إلى العام وليس العكس.
فجمع الوالي السيد ثلة من الشباب الصحراوي القادم من المغرب بشكل أساسي ثم موريطانيا والجزائر وخاصة من اسبانيا التي قدم منها شباب يؤمن بشكل قطعي بحركة " الكفاح من أجل طرد المستعمر الإسباني" المعروفة بمنظمة " اختساريو "، إلا أن المهيمن كانت مجموعة طانطان، التي سوف تلعب دور فيما بعد في التقارب مع الجزائر، أي بعد سنة 1976. حيث سوف تدخل الجزائر على الخط من خلال هذه المجموعة في عهد هواري بومدين، الذي كان يصرح في أكثر من مرة " يعتقد إخواننا المغاربة ، أنهم ساعدونا في تحقيق استقلالنا عن فرنسا، الآن يتوجب علينا أن نساعدهم في التحرر من الملكية القطاعية التي باعتهم للغرب" و النظام الملكي في المغرب رجعي و عميل للامبريالية . كما أكد رسميا في خطابه لأبريل 1976 " أن ضم الصحراء الغربية للمغرب يعني تهديدا للوحدة الترابية الجزائرية ووسيلة لتطويقها ومقدمة لإجهاض ثورتها ".
إذ بدأت الجزائر تعمل على نهج سياسة الحرب بالوكالة وغير المباشرة على المغرب بالرهان على منظمة " موريهوب " ( الرجال الزرق )، إلا أن فرار زعيمها ادوارد موحا للمغرب، فلجأت إلى المعارضين للمغرب المتواجدين بالتراب الجزائري وخاصة منهم الهاربين والمنتميين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المحسوبين على خط فقيه البصري، الا أن هؤلاء عارضوا بشدة ذلك الاستغلال، مما دفعهم إلى توقيع وثيقة تدين المس بالتراب المغربي.
مما جعل الجزائر تلجأ للجبهة مدعمة لها بالسلاح والضخ الإيديولوجي.
عموما فبعد المؤتمر التأسيسي الأول، بدأت الجبهة من خلال تأسيس نظري للوجود وبناء تنظيم هرمي وأخير التنظيم العسكري.
1- التأسيس التنظيمي:
قبل بناء التنظيم كان لابد من تجميع السكان، فأسست البوليساريو مجموعة من المخيمات أعطتها تسميات مقابلة للتسميات المدن المتواجدة بالصحراء، كالعيون واسرد والداخلة، وبمساعدة الآلة الجزائرية تم نقلهم إلى تندوف، حيث كان يقدر عددهم ب 75 ألف صحراوي، على أساس أن وجود حركة سياسية عسكريو يقتضي بالضرورة وجود مخيمات، فاضطر كل من مصطفى الوالي السيد على العمل شحن الصحراويين من خلال خطبه وتنظيمه على أسس النية السياسي للأنظمة التوتاليتارية القائمة على الشحن وحزب الدولة حيث تصير الدولة متطابقة تماما للمجتمع، حسب تعبير "حنة أرندنت" ، وما يؤكد ذلك هو البنية التنظيمية المأخوذة من النموذج الشيوعي الألباني، للبوليزاريو الذي أضحى حزب الدولة، القائمة على التوزيع إلى خلايا متعددة سياسيا عسكريا يشرف عليها مفوضون سياسيون، يتولون بناء الدعم الايولوجي والتدريب العسكري.
فكانت التنظيم الاهليلي يقوم على وجود الكاتب العام ثم لجنة تنفيذية (7 أشخاص) والمكتب السياسي (21) يضاف للمكتب السياسي 9 أفراد ممثلين للقواعد الشعب ثم " المجلس الوطني للشعب ".
نوجز التنظيم الإداري والاجتماعي من خلال الشكل أسفه.
الرسم رقم 1 أعلاه

2- التنظيم العسكري:
يتكون التنظيم للجبهة من هيكل منظم يقوم على تسلسل هرمي من كتيبة وفصيل على رأسهما مفوضون عسكريون سياسيون، هؤلاء يكونون مجلسا يترأسه المفوض العام من خلال وحدة فيلق.

من حيث الوحدات القتالية بالناحية العسكرية فهي:
فيالق مشاة ميكانيكية ومشاة متحركة
أفواج مدفعية ميدان ، مدفعية مضادة للطيران
كتائب سرايا مختلف الأسلحة
وتتوزع هيأة الاركان إلى عدة مديريات
الرسم رقم 3 أعلاه

أما فيما يتعلق بمصادر التسلح فليبيا المزود الأول للبوليساريو بالسلاح فكانت أول دفعة من الأسلحة هي عبارة عن 78 رشاش كلاشينكونف وفال، وصلتها عن طريق سفارتها بموريطانيا، بالإضافة إلى الجبهة الشعبية لحرير فلسطين التي زودت الجبهة بمجموعة من المسدسات تم إحضارها من مطار بيروت،وتعتبر أكبر دفعة في حصلت عليها البوليساريو أواخر 75 من ليبيا عبر طريق الجزائر وهي عبارة عن مئات السيارات العسكرية والطبية،
كذلك الجزائر دعمت البوليساريو من خلال برنامج دعم التسلح الشهري، فبدأت تشتري أسلحتها بنفسها من أسواق السلاح العالمية خاصة من كوريا الشمالية ويوغسلافيا، وتقوم ليبيا بدفع أثمنت تلك المقتنيات، مما مكن الجبهة من الحصول على صواريخ سام 6 الباهظة بأموال الجزائريين.
مما مكن البوليساريو من الحصول على ترسانة مهمة من الأسلحة نذكر جزء منها:
السلاح النوع
دبابات T54 و T55 سوفييتية الصنع
ناقلات جنود مصفحة BMP و BTR مزودة بمدافع 73 مم
مدافع نوع ( B10 -107 mm ) و ( B11-80 mm
هاوزر 122 ملم بعيدة المدى
رشاشات دوشكا سوفيتية الصنع عيار 12ملم، عيار 5, 14 ملم و 23 ملم
راجمات الصواريخ 120ملم بعيدة المدى
مضادات الدروع ـ ( بازوكا ) و ( آر بي جي 7 )
صواريخ سام 6 سام 7 سام 8 سام 9 سامرة "
هذه الترسانة العسكرية المهمة وازتها استراتيجيات عسكرية مهمة أيضا كبدت الجيش المغربي خسائر الى غاية بناء الجدار الأمني حيث أصبح المغرب المتحكم في المعارك بقدرته على فرض ارض المعركة على الخصم, على أساس أن البديات الأولى للحرب كانت حرب استنزاف وحرب عصابات استطاعت البوليزريو إن تحقق انتصارات مهمة على الجيش الملكي المغربي،وقد زاد من قوتها استعمال أسلحة متطورة ابتداء من 1977، وهي حرب اعتمدت أساسا على إستراتيجية الضعيف ضد القوي,
وبكن ابتداء من 81 بدأت الموازين تتقلب لطرف لأخر وتتساوى المعارك والانتصارات، باعتماد المغرب بناء الجدار الأمني حتى تتمكن أن تكون ضامنة لحماية المدن والتجمعات السكانية، وهذا الجدار عبارة عن كثل رملية يصل طولها ثلاثة أمتار على عرض مترين، ومغروس بحقول للألغام، وتواجد مراكز قيادة داخل الجدار مخفية بين كل وحدة حوالي خمسة كلم، وامتداد خطين للدفاع الأول
مركز على المدافع والخط الثاني يوجد على مسافة سبعة كلم يتمكز على بطاريات الهاونات الذاتية الحركة.
وهي مرحلة امتياز للمغرب في ساحة الحرب.وبعد سنة 87، حاولت البوليزاريو تغيير استراتيجيتها إلا أن زمن الحرب انتهى سنة 1991 بتدخل الأمم المتحدة على الخط وإصدار وقف إطلاق النار، ولكن أهم ما ميز الإستراتيجية الصحراوية الجديدة هي اعتمادها على المواجهة المباشرة من خلال مجموعات ضخمة من شباب القوا تدريبهم بمعسكر "تشرشل" بالجزائر، وكوبا، وقد عرفت سنة 89 أهم عملية من خلال حرب "كلتة زمور" مكنت البوليزريو باقتحام الجدار ولكن التدخل السريع للطيران المغربي فرض عليها التراجع. وهكذا دخل الطرفين معاداة جديدة تتمثل في تسوية الملف في مكاتب الأمم المتحدة ومن خلال الدبلوماسية الدولية.

 

مؤخوذ من موقع المسافر الإلكتروني




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات