الإحتجاجات السلمية التي تنتقل في بلاد العرب كالنار في الهشيم من بلدٍ إلى أخر و التي كانت شرارتها إضرام الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه , لم تُسقط النظاميين التونسي و المصري و غيرها من الأنظمة التي مازالت تنتظر التي معاندتاً إرادة شعوبها فقط, بل إن هذه المظاهرات الشعبية السلمية أدت إلى إنحسار مؤيدي الإنقلابات العسكرية و العنف تحت شعار أن العنف هو اللغة الوحيده التي يفهمها الطغاة و إنتصرت نظرية المقاومة السلمية و الإحتجاج الشعبي إعلائاً لمقولة السيف ينتصر على الدم.
الدلالة على ذلك هي المظاهرات و الإحتجاجات السلمية التي يشهدها اليمن بالرغم من محاولات النظام الحاكم جرّ المتظاهرين نحو إستخدام العنف المسلح كون كل مواطن يمني يحمل السلاح, إلا أن هذه المحاولات لم تفلح حيث أن التجربتين التونسيه و المصريه التين أسقطتا النظامين بالثورة السلمية و من دون اللجوء إلى العنف ما زالت عالقه بأذهان المحتجين.
و من هنا أدعي أن البوعزيزي الذي أحرق نفسه إحتجاجاً على الظلم, و لم يحرق المستبِد, هو الذي قتل بن لادن,فهو, أي البوعزيزي, قتل الفكر الذي يؤمن بأن الإرهاب و القتل و التفجيرات هي التي ستغير النظام الظالم, و رفع من شأن النضال السلمي من أجل التغير و المطالبه بالحقوق المسلوبه. فالعنف هو لغة الأنظمه المستبده و هي اللغه التي يجيدها المستبديين أكثر من غيرهم عشرات المرات. فعندما تحارب المستبد بالسلاح فأنت تعطيه المبرر القوي لكي يستخدم العنف وهي اللعبة التي يحب و التي تستند على مقولة أن ما لم يتحقق بالقوة يتحقق بقوة أكبر.
لقد شكل إسقاط النظامين التونسي و المصري لحظة تاريخية فاصله في تاريخ الشعوب العربية, فهذه المظاهرات الشعبية التي يشهدها أكثر من بلد عربي قد تشكل بدايه لثورة عربيه حقيقية, ثورة تحرر فكر الإنسان العربي, ثورة تقود في نهاية المطاف إلى هز المسلمات و إعادة التفكير بكل القيم و المفاهيم السائدة.
أليس هذا معنى الثورة؟
إن خروج المواطن العربي إلى الشارع للمطالبة بإسقاط النظام بشكل سلمي يعبر عن تغيير حقيقي في فكر الشعوب العربية التي لم تعد تخاف من الحكام المستبدين, لكن ذالك لايشكل بإعتقادي إنهاءً للإستبداد, فكما قال المفكر العربي الكبير عبد الرحمن الكواكبي فإن الإستبداد هو إقتصار المرء على رأي نفسه في ما ينبغي الاستشارة فيه، وهو اقتصارٌ ينم إما على غطرسة و وغدنة واستعلاء وطغيان، وإما على وهم ذاتي بالتمامية والكمال وامتلاك الحقيقة الكلية الناجزة التي لا يأتيها الباطل، لا من بين يديها ولا من خلفها.
فهل تم إنهاء الإستبداد الفكري في مصر مثلاً؟ هل هناك إعلام ديمقراطي في مصر الأن أم أنه إعلام مستبد إلى هذه اللحظه؟ هل تغيير شيأً في فكر و أسلوب الإخوان المسلمين المستبد, اللاعب الرئيسي في المشهد السياسي المصري؟
أعتقد أن الإستبداد مازال حاضراً بقوة في المجتمعات العربية و لم يسقط بسقوط الأنظمة. فحركة الإخوان المسلمين في مصر مارست أشد أنواع الإستبداد إبان الإستفتاء على الدستور, حيث قام مناصروا الحركة بترهيب الناس البسطاء بأن عدم إقرار التعديلات الدستورية سيؤدي إلى إلغاء البند الدستوري القائل بأن الإسلام هو دين الدولة و سيترتب على ذالك الكثير من الويلات و الكبائر. و قد رأيت بياناً يحذر المواطنين من أن عدم الموافقة على التعديلات الدستورية سيؤدي إلى السماح بجواز الرجل من الرجل و المرأه من المرأه!!! أليس هذا شكلُ من أشكال الإرهاب الفكري؟ ألم يستبدل الإعلام المصري شتم الأخوان المسلمين صباح مساء بشتم النظام السابق بنفس الأسلوب و الوتيره السابقه؟
إن ما حدث و يحدث في الوطن العربي هو بلا شك إنتفاضه عربية كبرى ضد الخوف و إرهاب الحاكم المستبد, وهي إنتفاضة أعلت من شأن المقاومه السلمية, إلا أنها لم تعلي من شأن المجتمع المدني إلى الأن لأنها ليست ثورة شاملة ضد المفاهيم و القيم السائدة بل هي إلى هذه اللحظة لم تعدو كونها إنتفاضة سلمية إسقطت نظام و أتت بأخر من دون تغيير مفاهيم الحكم التي تنظم العلاقة بين الحاكم و المحكوم وفي ظل نفس الدستور أيضاً.
التعليقات (0)