البنية الحوارية في شعر محمود درويش/ رمضان عمر |
21/03/2012 12:01:00
محمود درويش |
تمهيد: استطاع الدرس النقدي الحديث أن يتجاوز – من خلال منهجية نقدية مقصودة أو متبناة- الدراسات النقدية التقليدية القائمة على المتابعات التاريخية لأدب كاتب أو شاعر. أو تناول نصه ضمن منطق لغوي بلاغي محض يتكئ على العبارة الشعرية،وفق معيارية الدرس النقدي القديم.
وأصبحت مجالات الدرس النقدي تطال جملة من المعطيات الفنية التي م تكن- في يوم من الأيام- من معايير النقد للنص الشعري: كالسردية الشعرية،والبنية الحوارية، أو الدرامية ،والتناص ، والرؤية والتشكيل، والمؤلف، والراوي وتعدد الضمائر والأصوات، وما سوى ذلك من تقنيات ومصطلحات استعارتها القراءة النقدية الحديثة للشعر من حقول عديدة: كالموسيقا،والرسم،والبناء،والهندسة،إضافة إلى الرواية،والمسرحية،والحكاية وما سواهما، من فنون كانت- وفق الرؤية الكلاسيكية- منفصلة عن بعضها،ضمن نظرية فصل الأنواع عند أرسطو وتلامذته؛ فجاءت الدراسات الحديثة لتمزج الأنواع مزجا مريبا مربكا – أحيانا- ومجددا معمقا في أحايين أخر. وتطلق على المنتج المتناول عبارة "نص" دون تفريق بين شعر ونثر؛ فتداخلت مع هذا المسمى الجديد تسميات اقتضتها العمليات الإجرائية للنقد،كالبناء والحوارية والتناص.
و ما يعنينا -هنا- ونحن نتناول جانبا من جوانب الإبداع في تجربة شاعر درس غير مرة، بغير طريقة هو الحوارية أو البنية الحوارية.
أما التناص فهو مصطلح من المصطلحات والمفاهيم السيميائية الحديثة لـه فعاليته الإجرائية كونه يقف راهناً في مجال الشعرية الحديثة والتحليل البنيوي. ومظهر استقطب كثيراً من الباحثين وروّاد الدرس السيميائي، وقبلهم البلاغيين والنقاد القدماء. وفق زئبقية في التعريفات سواء بلغة المصادر الأجنبية أم بتحديد معناه من خلال الشروحات والكتابات النقدية.
والتناص يشكل ـ وفق ذلك ـ قطباً منهجياً في مجال النصوص على اختلاف أجناسها وأنماطها،شعرية أم سردية، ويأخذ بحقيقة: الأخذ والفضاء التفاعل بين العديد من النصوص
وعليه فالتقاطع بين نص وآخر، هو أسلوب لتشكيل فضاء النصّ من وجهة نظر "جوليا كرستيفا" القائلة بتقاطع نصين أو أكثر داخل النص الواحد"وعليه يتحول كلّ عمل فني يدخل في علاقة معقدة مع أعمال الماضي[1].
أما (الحوارية) المفهوم المعادل للتناص، فإن تودوروف يرى فيه انتماءاً إلى الخطاب، وليس إلى اللغة؛ فيقول (بالمبدأ الحواري) بين النصّ السّابق والنصّ اللاحق، وسمّي الخطاب الأول بأحادية السمة باعتباره حدّاً، أما الخطاب اللاحق بتعدّدية القيم.
بيد أن (م. باختين) هو المؤكد على تناصية اللغة من خلال النظرية التفاعلية التي تولدت عنها فيما بعد النظرية الحوارية، لتحدّد النصّ على أنه تضمين خطاب آخر، وملفوظ في آخر، ثم عدّها المقدّمة الأساسية لـهذا المفهوم، رافضاً قداسة الأولى التي قال بها الشكلانيون والماركسيون، ثم جعل من التناص (التداخل النصي) عنصراً من عناصر بناء النصّ[2].
والحوار وان كان تقنية بارزة في كثير من قصائد الشعر الحديث ، إلا أن وجوده في الشعر القديم لم يكن نادرا ،ولعلنا نذكر مغامرات امرئ القيس مع صويحباته:
ويَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْـزَةٍ
فَقَالَتْ لَكَ الوَيْلاَتُ إنَّكَ مُرْجِلِي
تَقُولُ وقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعـاً
عَقَرْتَ بَعِيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ
فَقُلْتُ لَهَا سِيْرِي وأَرْخِي زِمَامَـهُ
ولاَ تُبْعـِدِيْنِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّـلِ
فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِـعٍ
فَأَلْهَيْتُهَـا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْـوِلِ[3]
ونجد عند عمر ابن أبي ربيعة:
قالَ لي صاحِبي لِيَعلَمَ ما بي أَتُحِبُّ القَتولَ أُختَ الرَبابِ
قُلتُ وَجدي بِها كَوَجدِكَ بِالما ءِ إِذا ما مُنِعتَ بَردَ الشَرابِ
وعند غيرهم الكثير الكثير مما يشكل ظاهرة، بيد أن الحوار في الماضي لم يخرج عن هذا النمط التقليدي المتمثل في أصوات الشخوص؛لنقل ما يجول في خلد الشاعر من معاني وأحاسيس.أما الحوار في القران الكريم؛ فبابه واسع، ومنطقه عجيب، وفنونه لطيفة؛لقد تعدد وتنوعت أشكال الحوار في القرءان الكريم ، ونحن في هذه الدراسة يصعب علينا حصرها كلها ، بل تحتاج إلى بحث اكثر تفصيلا واتساعاً ،ولكن في هذه الدراسة المتواضعة سنسجل بعضا من أشكال الحوار الذي سجلها القرءان الكريم وهي كما يلي:
1- حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة .
2- حوار الله سبحانه وتعالى مع الرسل والأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه .
3- حوار الله سبحانه وتعالى مع إبليس عليه لعنة الله .
4- حوار الله مع الأقوام عن طريق الرسل .
5- حوار الله مع الإنسان كإنسان .
6- حوار الإنسان مع الإنسان.(حوار أهل الجنة والنار ).
7- حوار الرسل مع أقوامهم .
8- حوار الإنسان مع المخلوقات الأخرى. (الهدهد والنمل).
9- حوار الأنبياء مع الطغاة والحكام والجبابرة .
10- حوار الإنسان مع الجماد، مثل حوار الإنسان مع أعضائه التي تشهد عليه وتنطق يوم القيامة. نقرا في سورة البقرة:
" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِخَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُالدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيأَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"
"و"َعَلَّمَآدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَأَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِين"
" قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم"
" قَالَيَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْبِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْتَكْتُمُونَ"[4].
والقصيدة الدرويشية قصيدة متعددة الإشعاعات؛ ذلك أن ثقافة الشاعر وعمق رؤيته، جعلته يوظف جملة من التقنيات الفنية:كالأسطورة،والرمز، والحوار،والتناص ، والسرد، إضافة إلى البيان والبديع؛ لتشكيل صورة فنية تشابكية ذات علائق متعددة.وكان الحوار جزء أساسيا في تركيبتها الفنية منذ البدايات عير أن ملامحه الفنية بدأت تتشكل وفق رؤية فنية مختلفة في أعماله الأخيرة ، مما جعل دراسة هذه الظاهرة جزءا من الإضافات المتوخاة في الدرس النقدي .
الديوان بين الشعرية والنثرية
إذا كان الحد الأدنى المطلوب لاعتبار نسق تعبيري ما سرديا أن يتضمن مجموعة من مفردات الحكاية كالشخوص، والحوار، والزمان، والمكان، والحدث؛ فان نظرة سريعة للديوان-كزهر اللوز أو ابعد - تنقلنا إلى عالم حكائي متكامل، لكن لذة الإيقاع تجعلنا نتهيب من إطلاق صفة السردية على الديوان؛ لبروز العالم الشعري فيها بشكل واضح ، بل إن أداة التشبيه في العنوان" كزهر اللوز أو ابعد- وهي أول ما نصادفه عند تناول النص-تدفع ذلك الوهم وتذريه، بما تتضمنه من شعرية فائقة، والجملة المشكلة للعنوان في حد ذاتها قائمة على إيقاع شعري منضبط، لكن العبارة النثرية المستعارة من عبق التاريخ، بل من فن من فنونه السردية – اعني فن السيرة - فإنها تفتح المجال أمام تفسيرات متعددة لطبيعة هذا النص الدرويشي المنتج؛ فعبارة أبي حيان التوحيدي":
عبارة تكشف عن رغبة درويشة في ولوج عالمين متداخلين من عوالم التشكيل الفني،ليدخل الشعري في النثري ويتشكل الإيقاع عبر حوارية الصوت المتشكل عبر حركة الشخوص، لينقل عن وعي مكامن النفس في غربة الرحيل بعد أن أكمل من العمر الستين.
درويش الباحث عن البوح في تجربة التتويج قبل الرحيل،هو من كتب - قبل أربعين سنة-( عام 1969"مقالة بعنوان:"من المنالوج إلى الديالوج "،لكن هذه الحوارية لم تتشكل فنيا إلا بعد عودته من منفاه عام (1996؟ لينعتق من حصار الجمع، ويبدأ رحلة تشكيل الذات من خلال غنائية درامية،تتخذ شكل المطولات أحيانا كما في" سرير الغريبة" و " الجدارية" أو مقطوعات كما في"لا تعتذر عما فعلت"، أو متتاليات هندسية ، قائمة على تصنيفات صوتية في لغة الشخوص ، أو فضاءات مكانية في تجليات المنافي كما في" كزهر اللوز أو ابعد" أو تبنى بنية بكائية درامية كما في "احد عشر كوكبا "حيث استطاع درويش أن يحول " الثيمة الوطنية إلى فضاء إنساني أوسع"[5]ومن هنا، فقد أصبح الديوان مدخلا لتوسع درويش، وانتقاله إلى السمة الملحمية التي ستعكس مرآة الشاعر المقعرة نحو الذات والسيرة والموت والتفاصيل. وهو ما يمكننا من تلمس الأثر النثري في البنى الشعرية الدرويشية الجديدة.
والحقيقة أن الشكل في الدراسات الحديثة لا ينفصل عن المضمون بل إن الشكل والمضمون-كلاهما- سيلتحمان بغية تشكيل الرؤية الفنية المتوخاة من العمل الفني، ومن هنا فان السؤال الأكثر فعالية في مواكبة العمل الإبداعي هو: لماذا يلجا الشاعر إلى هذا الشكل أو ذاك؟لماذا أراد درويش أن يكون بين نمطين كما تشي عبارة التوحيدي أنفة الذكر؟.
درويش نفسه أعلن في غير مناسبة: انه لا ينكر قصيدة النثر ،ولا يناصبها العداء ؛ففي حوار له مع الشاعر عبده وازن والذي ظهر في كتاب "لماذا قلت" يرد محمود على سؤال « الغريب يقع على نفسه » بعنوان:إنك إذا واجهت أزمة شعرية ستخرج إلى النثر؟ لماذا لم تقل إنك ستخرج إلى قصيدة النثر؟ لماذا ترفض مصطلح قصيدة النثر؟
فكان جوابه:" لأنني عندها سأكتب شعراً، وقصيدة النثر هي شعر.
صحيح أن هناك تزاوجاً أو لقاحاً بين النثر والشعر، وأن هناك
جنساً أدبياً اسمه نثر، وجنساً أدبياً اسمه شعر. وفي هذا الجنس
هناك القصيدة الموزونة وهناك أيضاً قصيدة النثر. والنثر كجنس أمر آخر. إذا خرجت من الشعر فسأخرج من الشعر كله. ربما لماذا أتجادل معك حول هذه النقطة؟ وأعترف أن ما أعمل عليه الآن هو نص نثري. بين يدي الآن"[6]
بل لعل ديوان (لا تعتذر عما فعلت)" قد أدخله-بالفعل- مرحلة أكثر هدوءا واسترسالا،ولعله شجع دارسيه على عدّه بداية دخوله مصالحة غير معلنة مع قصيدة النثر ستؤكده قصائد (أثر الفراشة) أيضا، لكن الرهان على نثرية الخطاب الشعري لدرويش لا ترينا حقيقة جهده في الاشتغال الدؤوب على تكريس شعرية خاصة به،هي في حقيقتها الجوهرية مزيج من معرفة شديدة الخصوصية بالشعر الذي تفيء إليه قصائده، ووعي بمجافاة ما يدبّره الاندراج القطيعي وراء السياسي من فهرسة غير عادلة، ربما كان الخوف منها وراء صرخته المبكرة."[7]
وبعد أن تداخلت الأجناس الأدبية الحديثة، لتتسع مساحة التشكل الفني في القصيدة الحديثة،لم يعد عصيا على الناقد طرق باب التقنيات الحديثة، واثبات مشروعيتها؛ مما أمكن الموازنة بين الفردية الغنائية للقصيدة وشخصيات سردية حيوية يفسح لها الشاعر للتعبير عن ذاتها،وأصبحت صفحة الشعر ميدان تنافس وسباق بين الغنائي والسردي،والدرامي
لكن محاولة إثبات شعرية القصيدة الدرويشية لن تكون من المهمات الصعبة لدارس درويش؛ فالديوان الذي جاء في مائتي صفحة تقريبا، شكلت ثمانية أبواب رئيسية اتخذت طابعين:_ طابعا صوتيا دراميا من خلال الضمائر" الشخوص" أنت ،هو،أنا، هي، ثم مكانيا من خلال المنافي الأربعة.
في النص الأول نجد نمطية إيقاعية تصر على شعرية النمط الدرويشي ولعل درويش أثبتها في الديوان على الطريقة العمودية ملزما نفسه بالوزن والقافية [8]
وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ
لا تَنْسَ قوتَ الحمام
وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس مَنْ يطلبون السلام
وأنتَ تسدد فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ
مَنْ يرضَعُون الغمامٍ
وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس شعب الخيامْ
وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ
ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام
وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكِّر بغيركَ
مَنْ فقدوا حقَّهم في الكلام
وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكِّر بنفسك
قُلْ: ليتني شمعةُ في الظلام
ولو أننا تأملنا هذه المعزوفة الغنائية التي تشبه شعر القدماء، شعراء الحكمة أمثال المتنبي وزهير لوجدناها واضحة الدلالة قريبة المأخذ شريفة المعنى سهلة اللفظ والتركيب.
لكن هذا النمط من التشكيل الفني لن يتمطى إلى آخر صفحات الديوان بل إن القصيدة التالية لهذه القصيدة ستنعتق من هذه النمطية، وتبلور نسقا تعبيريا اقرب إلى الدرامية أو السردية بحيث تبدأ الجمل التقريرية تشكل العالم الحكائي الجديد.
الآن… في المنفي.. نَعَمْ في البيتِ،
في السٌِتينَ من عمْر سريع
يوقدون الشَّمْعَ لَكْ
قل للغياب: نَقَصْتَني
وأَنا حضرت… لأكملكْ ![9]
لكن هذه التقريرية لا تطرد بالقصيدة بل تسمح لجمل إنشائية لتتشكل بغية الإفساح أمام فضاءات المسرح لتأخذ مواقعها في القصيدة من خلال تتابع الأفعال الطلبية.
لكن هذه المزاوجة أو المراوحة لا تعني الإقصاء والحرق والنفي بين لونين من ألوان الفن:الغنائية والسرد، بل هما اقرب إلى التكامل والتعاضد ففي القصيدة الثانية هناك إصرار على الإيقاعية والتقفية من خلال الكاف المحافظة على استجابة المتلقي" لَكْ ، وأَجَّلكْ، وأَهمَلكْ، ويحملَكْ، هَيْتَ لَكْ/ ما أَجملَكْ!،ما أَجهلَكْ، لأكملكْ !.
ولو أننا تتبعنا الديوان من أوله إلى آخره لوجدنا فيه من هذا وذاك؛أي أن النص يستجيب لعبارة التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة؛ليتشكل عبر ثنائية بين الشعرية والنثرية.
وأحيانا،يقترب النص من بنية القصة القصيرة، وتتشكل الأحداث وفق رؤية سردية،ينمو معها الحدث نموا دراماتيكيا ،ليصل إلى ذروته، صم تنفرج القصة عن حل جدلي يناسب طبيعة الرؤية الشعرية الفلسفية:
كما لو فرحتُ: رجعت. ضغطتُ على
جرس الباب أكثر من مرةٍ، وانتظرتُ…
لعّلي تأخرتُ. لا أحدٌ يفتح الباب، لا
نأمةُ في الممرِّ.
تذكرتُ أن مفاتيح بيتي معي، فاعتذرتُ
لنفسي: نسيتُك فادخل
دخلنا … أنا الضيف في منزلي والمضيف.
نظرتُ إلى كل محتويات الفراغ، فلم أرَ
لي أثراً، ربما … ربما لم أكن ههنا. لم
أَجد شبهاً في المرايا. ففكرتُ: أين
أنا، وصرخت لأوقظ نفسي من الهذيان،
فلم أستطع… وانكسرتُ كصوتٍ تدحرج
فوق البلاط. وقلت: لماذا رجعت إذاً؟
واعتذرتُ لنفسي: نسيتُك فاخرج!
فلم أستطع. ومشيت إلى غرفة النوم،
فاندفع الحلم نحوي وعانقني سائلاً:
هل تغيرتَ؟ قلت تغيرتُ، فالموتُ
في البيت أفضلُ من دهسِ سيارةٍ
في الطريق إلى ساحة خالية [10]
نحن هنا أمام قصة قصيرة مكتملة العناصر، تشكل الحدث من خلال العملية السردية القائمة على تتابع زمني تشكله الأفعال المتلاحقة :"رجعت ، ضغطت ،تذكرت ،دخلنا ،نظرت، وصرخت ،، وانكسرت ، وقلت ،، مشيت ، فاندفع " والشخوص " أنا ، المضيف " لكن شيئا آخر أهم من هذه العناصر،هو تلك البنية السردية، والوحدة العضوية التي اعتورت النص من أوله إلى آخره، فتتابعت الدفقات الشعورية منسجمة مع القص الحكائي، في مزاوجة لا تخل بالقيمة الإيقاعية ولا بالقيمة السردية.
هذه السردية المغرقة في انحيازها للنثر اثبت جدية الرغبة لدى درويش في بناء قصيدة نثرية لا تتحرر من الإيقاع ، لكنها تكمل نصاب الخطاب السردي من خلا وحدة الموضوع المبني من أوله إلى آخره على طريقة القص، ولذا فقد حرصت على إثبات النص كاملا –هنا- دون حذف او تجزيء ، لأخلص إلى حقيقة الزعم الذي ذهبت إليه .
حوار الذات ولعبة الضمائر
ليس غريبا أن تتشكل العناوين الداخلية لهذا الديوان من خلال ضمائر النحو المعروفة" أنت – هو – أنا – هي" والضمير -كما نعرف- يحل محل الظاهر، وهو كناية عن الاسم الذي يدل عليه الخطاب، فالأنا للمتكلم والهو للغائب، وأنت للمخاطب، وهي للمخاطبة.
لكن السؤال المثار جدلا: هل هذه الضمائر المتعددة تقتضي تعددا في كناياتها؟ أم أنها تعود إلى الأنا الممثلة للشاعر، لتكشف عن نرجسية بدا درويش في معالجتها منذ أواسط التسعينات،وهو يبحث عن تتويج لشاعريته قبل الرحيل المتوقع؛عندما عاد من منفاه، بل منذ أواسط الثمانينات عندما كتب" لماذا تركت الحصان وحيدا". يومها بدا يبحث عن ذاته بعيدا عن الحصار الجمعي، الذي أراده أن يكون صدى البندقية، ولا أدل على ذلك من طبيعة دواوينه التي تصر على الانعتاق من هذا الإلزام" سرير الغريبة– الجدارية - حالة حصار - لا تعذر عما فعلت… الخ "لننظر إلى هذا التمازج في دلالات الضمير
وأنت معي،لا أقول:هنا الآن
نحن معا. بل أقول: أنا، أنت،
والأبدية نسبح في لا مكان[11]
إما اصرارانا على أن الضمائر تتداتخل وتنصهر في الأنا النرجسية، فتلك هي قصة الديوان التي يمكن اختصارها في هذا المقطع:
"الآن في المنفى…نعم في البيت،
في الستين من عمر سريع
يوقدون الشمع لك
فافرح، بأقصى ما استطعت من الهدوء،
لأنّ موتا طائشا ضلّ الطريق إليك
من فرط الزحام…وأجلك"
فضمير المخاطب تكشف سره تلك الإشارات الزمنية والمكانية الخاصة بحياة الشاعر"في الستين من عمر سريع"
إذا –ربما - هو حوار الشاعر مع نفسه أو مع أناه أو مع آخره المجرد من ذاته.
وإذا كان الشاعر قد حاور نفسه من خلال ضمير المخاطب"أنت" في المجموعة الأولى، فان ال"هو" لا تبتعد عن "ألانت" في علاقتها مع الأنا الحوارية:
هو، لا غيره، من ترجل عن نجمة
لم تصبه بأيّ أذى.
قال: أسطورتي لن تعيش طويلاً
ولا صورتي في مخيلة الناس /
فلتمتحني الحقيقة[12]
لكن الحوار هنا يأخذ شكل " الديالوج" من خلال استخدام الأفعال: قال، قلت ،أجاب؛ليخرج الصوت عاليا:
قلت له: إن ظهرت انكسرت، فلا تنكسر
قال لي حُزْنُهُ النَّبٌَّوي: إلي أين أذهب؟
قلت إلى نجمة غير مرئية
أو إلى الكهف/
قال يحاصرني واقع لا أجيد قراءته
قلت دوّن إذن، ذكرياتك عن نجمة بعُدت
وغد يتلكأ، واسأل خيالك: هل
كان يعلم أن طريقك هذا طويل؟
فقال: ولكنني لا أجيد الكتابة يا صاحبي!
فسألت: كذبت علينا إذاً؟
فأجاب: على الحلم أن يرشد الحالمين
كما الوحي /
ثم تنهد: خذ بيدي أيها المستحيل!
وغاب كما تتمنى الأساطير /
لم ينتصر ليموت، ولم ينكسر ليعيش
فخذ بيدينا معاً، أيها المستحيل ![13]
هذه الأصوات التي تجعل من البنية الحوارية بنية سردية يلعب درويش فيها دور الراوي أو السارد المصاحب الذي يسمح للشخصيات بأن تدلي بدلوها وتعبر عن آرائها في حرية تامة لتقدم الرؤية الشعرية بعيدا عن النرجسية البارزة وليأخذ الشكل التنظيري البوحي شكلا أخر بحيث تنوب عن الشاعر شخصيات مخلوقة تنصهر في الذات، وتتحاور معها كاشفة عن أغوار ربما أبت الأنا المتمثلة في درويش أن تعلن عنها.
أما "ألانا"، فهي الباحثة عن السمو، القلقة المتأرجحة بين الحضور والغياب:
قلت:مازلت حيّاً لأني أرى الكلمات
ترفرف في البال
في البالأغنيةٌ تتأرجح بين الحضور وبين الغياب
ولا تفتح الباب إلا لكي توصد الباب
أغنيةٌ عن حياة الضباب
ولكنها لا تطيع سوى
ما نسيتُ منالكلمات[14]
لكن الأنا في هذا المقطع تكشف عن ظلها الخفي"هو"
وكأنني وحدي.أنا هو أو أنا الثاني
رآني واطمأن على نهاري وابتعد
يوم الأحد[15]
وتنفتح المقاطع المتعلقة بضمير الغائبة على رؤية تشكيلية مكرورة،وكأن الديوان قسمة بين المذكر والمؤنث؛فكما بدا أنت بقصيدة عمودية مع تنويع في القافية بدا ال" هي" بنفس النمط، وعلى طريقة الحكماء:
الجميلات هنَّ الجميلاتُ
"نقش الكمنجات في الخاصرة"
الجميلات هنَّ الضعيفاتُ
" عــرشٌ طفيفٌ بلا ذاكرة"[16]
ومع الهي ينفتح عالم الحب ، لتبحث "الأنا" عن"الهي" في محاولة اكتمال النص الجمالي ، يبحث الحاضر عن الغائب ، عن الغريبة، يسال:
ما لون عينيك،ما اسمك،
كيف أناديك حين تمرين بي،
وأنا جالس في انتظارك؟"[17]
البنية الحوارية / بين الرؤية والتشكيل
تمتزج الذات مع الآخر في إبداعات درويش امتزاج يحيل يدخل الكلمة في جدلية فلسفية بلاغية ، لا مكان لها الا اللاوعي المنتج لإشعاعات دلالية مختلفة، حيث ينصهر الحضور والغياب في بوتقة تكاملية تضيع بينهما الفوارق الفطرية:
" أنا هو، يمشي أمامي وأتبعه
لا أقول له: ههنا، ههنا
كان شيء بسيط لنا:
حجر أخضر. شجرْ شارع
قمر يافع. واقع لم يعد واقعا.
هو يمشي أمامي
وأمشي على ظله تابعا …
كلما أسرع ارتفع الظل فوق التلال
وغطى صنوبرة في الجنوب
وصفصافة في الشمال،
"[18]
ليس الحوار هنا بين شخصين مختلفين. إنه "حوار بين درويش قبل 1970، ودرويش بعد 1996. ودرويش يدرك أنه الآن يتشكل من ذوات عديدة، فدرويش ما قبل 1970 هو غير درويش ما بين 1970 و 1996، هو غير درويش ما بعد 1996 ولا يحتاج القارئ إلى كثير ذكاء حتى يكتشف هذا. إن درويش ما قبل 1970 الذي عرف فلسطين جيدا، وكانت غير ما غدت عليه بعد هذا التاريخ، هو من يقود درويش 1996 الذي عاد، وكان افترق عن درويش 1970 الذي قاد الغائب صوب البداية: القرية والأم والحقل والزيتونة حيث ولد هناك واسمه، هذا الاسم الذي تبدو حروفه ثقيلة على أذن الأجنبية، ولو كان لمحمود أن يختار اسماً آخر لاختار اسماً أقل حروفاً على أذنها."[19]
هذه الذات من خلال المقارنة التاريخية، التي تمازجت فيها ذات درويش الماضي مع الذات الحاضرة، تكشف عن رؤية نقدية تؤديها هذه النية،تكمن في تقديم سيرة الشاعر عبر تاريخ القصيدة. ولكن هل افترقت الذاتين، تجيب القصيدة من خلال البنية الحوارية:
ألم نفترق؟ قلت، قال:بلى.
لك مني رجوع الخيال إلى الواقعي
ولي منك تفاحة الجاذبية"
قلت: إلى أين تأخذني؟
قال: صوب البداية، حيث ولدتَ
هنا، أنت واسمك[20].
لا يكتفي الحوار الجدلي الفلسفي–هنا- لإبراز طبيعة الاختلاف،بل يحاول أن يثبت علاقة تجمع الضدين المثالي والواقعي في زمنين تداخلا وشكلا لحظة الراهن
غير أن درويش- أحيانا- يمتزج مع ذاته ،مشكلا كينونة الذات الصوفية المغلقة في منلوج لا ينفتح على أي آخر من متعددات الضمائر التي استخدمها درويش للتعبير عن ذاته:هذا الامتزاج لا تعكر صفوه حيلة السرد عن طريق ضمير المخاطب
أنا اثنان في واحد
أم أنا
واحد يتشظي إلي اثنين
يا جسْر يا جسر
أيُّالشَّتِيتَيْنِ منا أَنا؟
مشينا علي الجسر عشرين عاما
مشينا علي الجسر عشرين مترا
ذهابا إيابا،
وقلت: ولم يبقَ إلا القليل
وقال: ولم يبقَ إلا القليل
وقلنا معا، وعلي حدة، حالمين:
سأمشي خفيفا، خطَايَ علي الريحِ
قوس تدغدغ أرضَ الكمان
سأسمع نبض دمي في الحصي
وعروق المكان[21].
"فهل هي لذة الوعي حين يلتحم بالمشهد في حالة غياب ؟ أم أنها قصيدة المشهد التي تحرفه في سياق حر يشبه براءة الامتلاك الأولى للعالم؟
إن الفراغ عند محمود درويش فضاء لاختلاط الانفعالات ، و الصور ، بحالات التجسد المؤقتة التي تسمح لنفسها بالظهور ، و العودة في أشكال جديدة . يبدو هذا واضحا في نص " فراغ فسيح "[22] .
و قد تمتزج الذات اللاواعية التي نراها في كتابات فرويد ، و كارل يونج بالأسطورة ، و حلم اليقظة ، مما يعزز من فكرة الاتساع، و الذوبان في قوة الغياب الكونية التي تشبه الخريف أيضا.
يقول :
" يعجبني أن أرى ملكا ينحني لاستعادة لؤلؤة التاج من سمك في البحيرة "[23] .
لكن هذه القوة سرعان ما تنهار أمام أسئلة الضياع، في ظل غياب العقيدة الراسخة، فينفلت الصوت خاسئا حسيرا،قلقا لا يجد له قرار:
"ولو استطيع الحديث إلى الرب قلت:
الهي إلهي !لماذا تخليت عني؟
ولست سوى ظل ظلك في الأرض،
كيف تخليت عني، وأوقعتني في
فخاخ السؤال:لماذا خلقت البعوض
إلهي إلهي؟[24]
وهذا الاغتراب أو الضياع لا يتشكل في جدلية الحوار الميتافيزيقي فقط، بل يعود ليتشكل من خلال متغيرات الزمان والمكان: بين محمود الماضي ومحمود الشاعر:
-تلك أثارنا – قال من كنته
ههنا يلتقي زمنان ويفترقان، فمن أنت في حضرة "الآن"؟
قلت: أنا أنت لولا دخان المصانع
قال: ومن أنت في حضرة الأمس؟
قلت أنا نحن لولا تطفل فعل المضارع
قال: ومن أنت في حضرة الغد؟
قلت قصيدة حب ستكتبها حين
تختار، أنت بنفسك أسطورة الحب[25]
خاتمة
درويش في تجاربه الشعرية الاخيرة ظل يبحث عن افق ابداعي جديد لتتويج رحلته الشعرية الطويلة، منذ الستينات بدايات القرن الواحد والعشرين.
واذا كان الايقاع الشعري وما يلزمه من موسيقا ووزن قد شكل اساسا بنيويا في طبيعة درويش الشعرية ، الا ان سردية الخطاب الشعري وما تحمله من تقنيات ابداعية تتجاوز الصوتي تكاد تجعل من القصيدة لونا جديدا يقوده التصوير والوصف او الحكائي المتتابع في تصوير حركة الزمن ،و قد فرض هذا الانزياح الادائي حين مال درويش الى الجانب النثري في محاولة منه لمسرحة اقصيدة او احداث نوع من الدمج الفني والخلط بين قطبي العملية الابداعية وصولا الى حالة وسط تقترب من قصيدة النثر وليست كذلك؛ لان درويش ابقى على شعرية القصيدة من خلال التزام الوزن كمشكل اساسي لاعماله ، لكن الحوارية جددت ،وفرضت نفسا جديدا لازم الايقاع واخرج النسق التعبيري عن صورته التفليدية، لتصبح اقصيدة مسرحا فنيا تتعانق فيه الانواع الادبية لتشكيل نص ابداعي جديد يتوج رحلة الشاعر الطويلة .
المراجع والمصادر
الفران الكريم
[1] أحمد الزعبي، ، التناص نظرياً وتطبيقياً ، مؤسسة عمون للنشر والتوزيع ، الأردن ، ط2 ، 2000 ،
عدنان مبارك ، الحوارية في الأدب ، جريدة (الزمان) — العدد 1599 — التاريخ 2003 - 91 -1
[1] ديوان امرؤ القيس،دار الكتب العلمية ، بيروت، ط4 ،2004،
[1] امجد ناصر ، جدل الوطني والذاتي والحمالي عند محمود درويش ن ملحق خاص بجريدة القدس العربي ، Saturday/Sunday 20/21 September 21 رمضان 1429 ه 2008 / 21 ايلول (سبتمبر) 20 / السبت/الاحد
[1] الدكتور عبدالعزيز المقالح ، الشاعر الكبير في حضرة الغياب، جريدة القدس العربي، 2008 / 21 ايلول
[1] حاتم الصكر ، كزهر اللوز أو أبعد » استنتاجات أسلوبية من ديو، جريدة القدس العربي، 2008 / 21 ايلول ،
[1] محمود درويش،ديوان كزهر اللوز الو ابعد ، رياض الريّس للكتب والنشر - لبنان(2005)ط 1، ص 15
عادل الاسطة/ محمود درويش … كزهر اللوز سؤال السلالة/ موقع جامعة النجاح / صفحة الدكتور عادل الاسطة
[1] محمد سمير عبد السلام، مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد، الحوار المتمدن - العدد: 2383 - 2008 / 8 / 24
-----------------------------------------------------------------
[1] أحمد الزعبي، ، التناص نظرياً وتطبيقياً ، مؤسسة عمون للنشر والتوزيع ، الأردن ، ط2 ، 2000 ، ص 12
[2] انظر،عدنان مبارك ، الحوارية في الأدب ، جريدة (الزمان) — العدد 1599 — التاريخ 2003 - 91 -1
[3] ديوان امرؤ القيس،دار الكتب العلمية ، بيروت، ط4 ،2004،ص112
[4] البقرة ، الآيات(30/33)
[5] انظر ، امجد ناصر ، جدل الوطني والذاتي والحمالي عند محمود درويش ن ملحق خاص بجريدة القدس العربي ، Saturday/Sunday 20/21 September 21 رمضان 1429 ه 2008 / 21 ايلول (سبتمبر) 20 / السبت/الاحد
[6] الدكتور عبدالعزيز المقالح ، الشاعر الكبير في حضرة الغياب، جريدة القدس العربي، 2008 / 21 ايلول
[7] حاتم الصكر ، كزهر اللوز أو أبعد » استنتاجات أسلوبية من ديو، جريدة القدس العربي، 2008 / 21 ايلول،
[8] محمود درويش،ديوان كزهر اللوز الو ابعد ، رياض الريّس للكتب والنشر - لبنان(2005)ط 1، ص 15
[9] الديوان مرجع سابق ، ص 17
[10] الديوان ،ص61
[11] الديوان ،ص97
[12] الديوان ،ص31
[13] الديوان ،ص31
[14] الديوان، ص45
[15] الديوان ،ص51
[16] الديوان ،ص74
[17] الديوان ص،74
[18] الديوان 153
[19] انظر ،د عادل الاسطة/ محمود درويش … كزهر اللوز سؤال السلالة/ موقع جامعة النجاح / صفحة الدكتور عادل الاسطة
[20] الديوان ،ص153
[21] الديوان ، 136
[22] محمد سمير عبد السلام، مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد، الحوار المتمدن - العدد: 2383 - 2008 / 8 / 24
[23] الديوان ، ص56
[24] الديوان ، ص 110
[25] الديوان ،ص158
التعليقات (0)