مواضيع اليوم

البلاط و الإشاعة

إدريس ولد القابلة

2009-08-20 16:15:57

0

 

بالأمس القريب كان كل ما يمت بصلة للبلاط وللملك يدخل في دائرة الطابوهات والمناطق المحرمة، هذا في وقت ظل فيه المغاربة يتطلعون لمعرفة الشاذة والفادة عن الملك والأسرة الملكية وحياة البلاط، كما ظلوا يتفاخرون فيما بينهم بما يملكونه من معلومات ومن أخبار ومن خبايا بهذا الخصوص، آنذاك كانت العقلية المسكونة بالهاجس الأمني تفرض طقوسا خاصة وأشكالا للتعبير عن حب المغاربة للملك وولائهم له، الشيء الذي دفعهم إلى التقزز أحيانا من تصرفات رجال السلطة الذين كانوا يأمرون المواطنين باعتماد أساليب معينة للتعبير عن وطنيتهم ويحرمونهم من التعبير عنها بتلقائية وصدق، آنذاك كان القائمون على الأمور يتفنون في تلقين الوطنية "المفبركة"، وأحيانا كثيرة بالترغيب والترهيب.

وظل الخطاب التاريخي من الخطابات المعتمدة لتكريس الشرعية بجانب الخطاب الديني، فارتبطت جملة من الأساطير والإشاعات بالملوك والبلاط، بعضها ساهم في تقديم صورة مغلوطة لجملة من الأحداث التي عرفها التاريخ المغربي، لاسيما الحديث منه.
وغالبا ما لعبت الأساطير والإشاعات، المرتبطة بالملوك والبلاط بالمغرب وما رافقها من تغييرات وحيثيات في الأوساط الشعبية، دورا هاما، سلبيا تارة وإيجابيا تارة أخرى حسب درجة تصديقها.

وعندما شرعنا في تجميع بعض الأساطير والإشاعات من هنا وهناك، بكل ما فيها من تكرار وعبارات ونماذج الشخصيات، أدركنا أنها تفتح المجال للكثير من الأسئلة حول الدلالات التي يجب استخلاصها من أحاديث التاريخ الشفوي عموما وعلاقته بالتاريخ والأسطورة، ودور هذه الأخيرة في الخطابات التبريرية أو المدافعة على واقع قائم لا يراد تغييره.

وإثارة لهذه الإشكالية، التي لا زالت تنتظر البحث والتنقيب من طرف باحثين مختصين، نقترح على القارئ في ملف هذا العدد ثلة من الأساطير والإشاعات ارتبطت بالملوك والبلاط المغربي، لاسيما الملوك الثلاث: محمد الخامس و الحسن الثاني ومحمد السادس.

على سبيل البدء
الأسطورة والإشاعة المرتبطة بالملوك


إن الأساطير والحكايات الشعبية والإشاعات التي ارتبطت بالبلاط وبالملوك بالمغرب لم تكن نابعة من فراغ بقدر ما كانت مطلبا على المستوى النفسي، وضربا من ضروب الخيال المرتبط بخبايا الذاكرة الجماعية ونوعا من أنواع تجاوز الفوارق بين الدائرة المغلقة التي يعيش فيها الملوك وباقي أفراد الشعب.

ويبدو أن توظيف الأساطير والإشاعات، بهذا الخصوص، كانت تأخذ حيزها الواضح والمباشر عبر آليات داخلية شكلها العقل الجمعي للإخبار أو عبر آليات خارجية لتحقيق غايات المؤسسة الملكية لاسيما حين لا يميل الظرف الموضوعي لصالحها.

وهناك جملة من الأساطير والإشاعات ارتبطت بملوك المغرب، وانتشر بعضها في فترات تاريخية معينة بين أوسع فئات الشعب، وأغلبها تغلغلت في الحياة اليومية إلى درجة إيمان الكثيرين بها، علما أن الأغلبية العظمى من هذه الأساطير والإشاعات هي تركيبات وهمية محاطة بهالة من الخيال والرمز.

ولأن حياة الملوك وأسرارهم بالبلاط كانت محاطة بالسرية، كان من الطبيعي أن تكون بعيدة المنال عن عموم الناس. لذا فإن أدنى حدث مرتبط بالملك أو بالبلاط، أو جزء منه يشكل منطلقا خصبا لنسج الحكايات وتناسل الإشاعات، وذلك بشيء من الاختلاق والابتكار والمبالغة، وأحيانا كثيرة بإضافة ما هو من قبيل المعجزات لترسيخ فكرة أن الملك لابد أن يكون مؤيدا بقوة عليا. وهنا تفعل الأسطورة فعلها في تكريس ثقافة شعبية سائدة "لا تاريخية" بالأساس، وهكذا يكون من السهل أن يسقط عموم الناس في هوى الأسطورة كما هو الحال بالنسبة لجيل الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات بخصوص الأساطير والإشاعات المرتبطة بشخص الملك والبلاط في عهد كل من الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني والسلاطين الذين سبقوهما.

فأغلب الملوك العلويين، إلى حدود العهد الحسني، عرف عهدهم تداخلا بين ما هو أسطوري وما هو تاريخي وبرزت بخصوصهم أساطير وإشاعات وحكايات شعبية، منها ما كان منطلقها أحداثا وواقع تاريخية تم التستر عليها أو على أهم مجرياتها، ومنها ما كان انتقادا أو شعورا بعدم الرضى أو تنديدا بواقع مرفوض أو غير محتمل.

وتشير "لويزا باسيريني" في مقال بعنوان "السيرة الأسطورية في التاريخ الشفوي" أن العبارتين اليونانيتين "ميتوس" و "استوريا" كانا لهما معنى مشترك وهو الخطاب والسرد، ولكن بمفاهيم مختلفة. فالأسطورة تتضمن المشروع، الحبكة والحكاية، بينما التاريخ يتضمن البحث والسؤال والدراسة، والتاريخ الشفوي يتموقع بين الأسطورة والتاريخ مع علاقة معقدة بهما معا.

ويرى بعض الباحثين أن الأسطورة تعتبر بمثابة حفرية حية لها تاريخ يمكن قراءته في تفاصيلها التكوينية، وهي من جهة تسجيل للوعي وللاوعي في آن معا. فالأسطورة تشتمل على بعض الحقائق يمكن أن تنكشف بوضوح إذا عرفنا كيف نفسرها بعد ربطها بشرطها التاريخي، وبذلك تكون الأسطورة نوعا من التاريخ المشوه، وتكمن مهمة الباحث في إزالة شوائب الزمن وعوارض الخيال واللاشعور عن هذا التاريخ.

وبخصوص الأساطير والإشاعات المرتبطة بالملوك العلويين (لاسيما الملوك الثلاثة: محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس)، يختلف التعاطي معها باختلاف أحد المنحيين: فإما أن تكون المؤسسة (الملكية) في خدمة المجتمع، وهنا يكمن البعد الإنساني بما يعنيه من ضمان للتطور وتحقيق الغايات المجتمعية السامية والإنسانية. وإما أن يكون المجتمع في خدمة المؤسسة، وهنا نكون إزاء خلل في معايير العلاقة الإنسانية، مما يؤدي إلى شروخ في العلاقة الاجتماعية وعلاقة الفرد بالجماعة وبالمؤسسة كما أن انتشار الأساطير والإشاعات حول الحكام عندنا بالمغرب يدخل ضمن المنحى الثاني أكثر من دخولها في المنحى الأول. وذلك بفعل شيوع قيم التحجر والانغلاق وعدم التفاعل التلقائي مع المحيط.

وبغض النظر عن الحدث أو الظروف الذي تعد منطلقا له، وقبل إلباسه لباس الأسطورة أو الإشاعة، تبدو الأساطير والإشاعات المرتبطة بملوك المغرب من إنتاج عقلية شائعة ابتكرت أساليب وأنماط التصرف للتعامل مع الحكام وحددت جملة من القواعد للتحكم في كيفية التصرف إزاءهم، وكل من يزيغ على هذه القواعد يعتبر من المارقين أو الخونة أو ناكري الحقائق.

لكن منذ الحرب العالمية الثانية، تغيرت طبيعة الأساطير والإشاعات المرتبطة بالملك وبالبلاط في المغرب بفعل عدة عوامل، فتلك الحرب الكونية أسست لعهد جديد للفكر التاريخي ووظائفه باعتبار أنه ظهرت أربعة تغيرات كبرى، كان لأولها التأثير على مستقبل العالم، وهو الترابط والاتصال الوثيق الحاصل بين الأحداث، إذ لا يمكن أن يحدث شيء في أي جزء من العالم دون أن تتأثر باقي دول العالم به. وهذا إضافة لتراجع أهمية أوروبا واستيقاظ إفريقيا وآسيا وأخيرا تفكك التركيبة الليبرالية إذ شمل النظام الاشتراكي بعد 1960 أكثر من ثلث ساكنة العالم. وخلال هذه الفترة بالذات ظلت بالمغرب أقلية تتشبث بإبقاء المجتمع المغربي جامدا راكدا خدمة لمصالحها الشيء الذي دفع نحو الاستمرار في دعم ترويج الأساطير لإبقاء دار لقمان على حالها وعلى تركيبتها الفكرية والثقافية السائدة.

إن أغلب الأساطير والإشاعات المرتبطة بالملك والقصر (لاسيما في عهدي الملكين محمد الخامس والحسن الثاني) غالبا ما اتخذت شكل "البيوغرافية – الأسطورة" بما فيها من مشروع وعقدة وحكاية.

وعندما نتناول تلك الأساطير انطلاقا من روايات شفوية أو من مصدر خبر، يتضح أنها تقدم نوعا من الحقيقة وجانبا من مكونات البنية العقلية السائدة في الفترة التاريخية المعنية، ومن المثير للانتباه أن التاريخ الرسمي بالمغرب لم يؤرخ إلا لفترات النصر والسجلات العظيمة فقط دون غيرها، لذلك طال الصمت والكتمان نقطا تعتبر سوداء وجب اقبارها أو على الأقل طرحها بطريقة تخفي حقيقتها، وهذا هو المجال الذي لعبت فيه الأساطير والإشاعات دورا بارزا، إذ ظلت تحتفظ بأحداث ومعطيات ومؤشرات، تصيغها بعيدا عن الحقيقة القائمة، لكنها تساهم في حفظها بالذاكرة الجماعية إلى حين وقت التساؤل بصددها وتمحيصها، وهذا ما وقع جزئيا بعد وفاة الملك الحسن الثاني.

فإذا كانت الأساطير والإشاعات في السابق تقوم بوظيفة تقوية هالة الملوك وهيبتهم من جهة وترهيب الرعية من جهة أخرى، فإنها مكنت العامة من التنفيس على الذات عبر اختلاق "عالم أسطوري" لتمرير إما مواقف التبجيل أو مواقف التنديد وعدم الرضى.
وفي هذا الصدد، عثرنا في جنوب المغرب (سوس) صدفة على نصوص عبرية مغربية تتحدث عن أحوال الساكنة داخل أسوار تزنيت وتتضمن جملة من الأساطير المرتبطة بحياة البلاط وأسراره في فترات تاريخية قديمة، وهي في مجملها قريبة من الأساطير الرائجة حول السلطان المولى إسماعيل وقساوة تعامله مع معارضيه وأهوال سجونه وأقبية تقبع فيها السجناء بقصوره.

من الممكن تتبع وفهم الكيفية التي يتحول فيها حدث أو واقعة إلى حدث أسطوري، لكن أول ما يتطلبه هذا الفهم هو القيام بنقد تاريخي بهدف تحديد الخلط والحذف والمغالطات التاريخية التي أحدثها تداول الروايات بالقياس إلى المعطيات التاريخية والوقائع الفعلية. فعلى سبيل المثال، تناسلت عدة حكايات وإشاعات بخصوص حريم الملك الراحل الحسن الثاني وإهدائه الفتيات الجميلات إلى أن تم نسج أساطير بهذا الخصوص، وكذلك الشأن بالنسبة للملك الراحل محمد الخامس بخصوص جملة من "المعجزات" من قبيل عطب خزان وقود الطائرة التي كانت تقله وبمجرد لمسه اشتغل من جديد أو بخصوص ظهوره في نفس الوقت في أماكن مختلفة ومتباعدة.

وهناك من الأساطير ما ارتبط بألقاب الملك. وفي هذا الصدد، يرى الكثير من المحللين أن صورة الملك محمد السادس في مخيلة العديد من المغاربة هي أقرب إلى جده الملك محمد الخامس منها إلى والده الملك الحسن الثاني، وإذا كان هذا الأخير لقب بـ "ملك المغرب" أكثر من أي لقب آخر، فإن ابنه الملك محمد السادس لقب بعد اعتلائه العرش بـ "ملك الفقراء" وهو لقب قريب جدا من اللقب الذي أطلقه الفرنسيون على جده الملك محمد الخامس، "ملك كاريان سانطرال"، وهما قد اشتركا معا في ميزة لاحظها الجميع، وهي توحيد المغاربة وإعادة توحيدهم حول الأمل في الغد القريب. علما أن الملك الحسن الثاني دأب على الاستشهاد بجده السلطان الحسن الأول أكثر من أي سلطان آخر، وفي هذا الصدد، قال الصحفي الفرنسي "إينياس دال": "إن الحسن الثاني، مثل محمد السادس، تشنجت العلاقة بينه وبين والده في أواخر حياته".

وعموما، إذا كانت جملة من الأساطير والإشاعات قد ارتبطت بأسماء أجداد الملك محمد السادس وبوالده، فإنه إلى حد الآن مازالت لم ترتبط به بعد أي أسطورة واضحة. ربما لأنه سلك مسلك تكسير جملة من الحواجز الفاصلة بينه وبين عموم المغاربة الذين أصبحوا يلاحظون أنه يتجول من حين لآخر دون بروتوكالات ودون إجراءات خاصة ويلاحظون تعاطيه مع الأمور ببساطة وبدون تعقيد. وكذلك بفعل الانفتاح والمنحى الذي اعتمده في حياته وبفعل وعي كل الجهات (الحاكمين والمحكومين) بضرورة استغلال آليات التواصل. ونظرا لكل هذا، يبدو أن الأساطير المرتبطة بالبلاط وبالملك في طريقها إلى الانقراض بالمغرب كما انقرضت الأمسيات التي كانت الجدة أو أي امرأة عجوز تروي حكاياتها، وفي المقابل ستظل الإشاعة حاضرة ومنتشرة نظرا لشغف المغاربة الكبير بخصوص معرفة الشاذة والفادة عن الملك والأسرة الملكية.

وخلاصة القول، أن الكثير من الأخصائيين النفسيين والانتروبولجيين يرون أن الأسطورة وهم جماعي ينتج عن تعويض الأنا الجماعية للأنا المثالية الذي تلعب فيه الجماعة دور الوسيط بين حقيقة حميمية خيالية وبين حقيقة اجتماعية ملموسة. وتظل الأساطير المرتبطة بالملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، على وجه الخصوص، مضمرة بالتاريخ الحقيقي وبوقائع حقيقية لكنها مغطاة بركام هائل من الهرطقات الأسطورية.

كان يلقب بـ سلطان النصارى
من الإشاعات التي انتشرت بين سكان الصحراء والجنوب في العشرينيات إشاعة تقول إن ملك المغرب كان يلقب بـ "سلطان النصارى".
وتعود الخلفية التاريخية لهذه الإشاعة إلى الظروف التي عاشها المغرب في تلك الفترة، إذ كان سيدي محمد بن يوسف قد تولى العرش في ظروف عسيرة ولم يكن ليدركها اعتبارا لصغر سنه ودرجة وعيه، فقد كان المغرب آنذاك منقسما، جزء منه خاضع للسلطة الاستعمارية عبر خضوعه "لدار المخزن"، وجزء لا يعترف لا بالسلطة الاستعمارية ولا بالمخزن ولا بالسلطان كذلك.

فالريف كان في أوج ثورته تحت قيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي في عهد المولى يوسف (والد الملك محمد الخامس) ولم يعترف بشرعيته. وبالرغم من أن الثورة الريفية أفل نجمها في عهد المولى يوسف، إلا أن إشكالية الشرعية ظلت قائمة ولم تحسم بقوة النار والسلاح الاستعماريين. كما أنه في بداية عهد السلطان سيدي محمد بن يوسف (الملك محمد الخامس) ظلت أجزاء من المغرب غير خاضعة للمخزن وغير معترفة بشرعيته. كما كان الحال آنذاك بالنسبة للأطلس الصغير والصحراء.

ففي الصحراء، تمت مبايعة مربيه ربه (أحد أبناء الشيخ ماء العينين) سلطانا وكان أنصاره يشيعون ويروجون أن سلطانهم هو سلطان المسلمين أما سلطان المخزن فهو سلطان النصارى لأن الاستعمار هو الذي نصره وفرض مبايعته.

ومن المعلوم تاريخيا، أنه عندما كان المولى يوسف على فراش الموت وسنه لم يتجاوز بعد الأربعين رتب بعض المقربين من السلطان بمعية الإقامة العامة الفرنسية انقلابا بخصوص ولاية العهد حتى لا يتم ترشيح أحد نجلي المولى يوسف المحتضر، إدريس والحسين، كخلف للسلطان، لعدم الارتياح والاطمئنان لسلوكهما وخوفا لقيامهما بالتصدي للاستعمار والدعوة لمحاربته وبذلك تم ترشيح ابن يوسف (الملك محمد الخامس)، ليظل رهينة بين أيدي الإقامة العامة الفرنسية والمتواطئين معها من المقربين للسلطان، لاسيما وأن الصدر الأعظم، محمد المقري، سيكون وصيا عليه.


رؤية السلطان في القمر
من الأساطير التي أقلقت الاستعمار الفرنسي وعملائه، أسطورة رؤية وجه السلطان في الجزء المنير من القمر.
وفي هذا الصدد، كتب أحد الصحفيين الفرنسيين في جريدة "إيكو دو ماروك" قائلا: "إنه بتعيين محمد بن عرفة ملكا على المغرب، أضحت السفينة بدون ربان يقودها، تتلاطمها الأمواج وتلهو بها الرياح كما تشاء. في ظل هذه الأجواء، أبدع العقل المغربي فكرة ذكية جدا للتواصل المستدام مع ملك المغاربة الشرعي المنفي آنذاك بعيدا عن البلاد. ويظل الجميع يتحين بزوغ القمر لرؤية صورة ملكهم المنفي في جزئه المنير كل ليلة وبدون ملل وفي أي ركن من أركان المغرب".

ولهذه الأسطورة خلفيتها التاريخية والسياسية. ففي يوم 20 غشت 1953، توجه الجنيرال "غيوم" إلى القصر الملكي بالرباط مدججا بالسلاح لإبعاد الملك وعائلته عن المغرب. دخل الجنيرال محاطا بضباطه وطلب من الملك التنازل عن العرش لكنه رفض، فأسر "غيوم" الملك وولي العهد وأخاه لنقلهم بطائرة حربية إلى كورسيكا. وبعد ذلك منعت السلطات الاستعمارية إقامة صلاة العيد وساد الحداد بالمغرب بكامله.

يقول الصحفي "ميشيل كليرك" في مقال مطول له نشرته مجلة "باري ماتش" : "... كل المغاربة يعيشون غليانا لم يسبق له مثيل بالمغرب في انتظار عودة محمد بن يوسف الذي نفته فرنسا... فبمجرد ما أقدمت فرنسا على نفيه تبين لكافة الفرنسيين، سواء بالمغرب أو بفرنسا، أن السلطان هو رمز الوطنية وأب الوطنيين المغاربة"، ويضيف: "... إن أعداءنا بالمغرب، نحن الذين صنعناهم، إنهم محمد بن يوسف والوطنيين {...} أما أصدقاؤنا، الكلاوي وكبار الإقطاعيين، فليس في مقدورهم حتى فهم واستيعاب أفكارنا وتطلعاتنا، هذه هي بدعتنا التي تساهم في إذكاء الغليان على امتداد البلاد".

في ظل هذه الأجواء، روج الوطنيون لأسطورة رؤية السلطان في القمر، وتم طبع الكثير من صور الملك تتوسطها نقطة رفيعة، يجب تركيز النظر فيها للتمكن من رؤية السلطان في القمر، وبالفعل نجحت الخطة وعرفت طباعة وبيع صورة الملك رواجا كبيرا.
وكان آخر سنة 1955 محتقنا بالأحداث، ورجع الملك من منفاه لاعتلاء عرشه وتبين بجلاء أن محمد الخامس لم يكن سلطانا فقط وإنما رمز حرية المغرب وكرامته، وبذلك اختزلت فترة النفي أهم الأحداث والمواقف، الأفكار، المشاعر، الأحلام والطموحات التي شكلت انطلاقة ترسيخ مغرب ما بعد 1956.

وفي انتظار رجوع الملك إلى عرشه، فيما بين سنتي 1954 و 1955، ظل المغاربة في المدن والقرى يحدقون في القمر خلال الليالي المقمرة شوقا لرؤية ملكهم الحزين في منفاه البعيد على صفحة القمر، وفي حالة من الخشوع والهستيريا الجماعية. وهكذا شكل هذا الابتكار نجاحا باهرا لأسلوب غير مسبوق من أساليب الدعاية النضالية والكفاحية، لأن المغاربة كانوا يرون الملك المنفي من البلاد، ليس بعيونهم، وإنما بقلوبهم.


النموذج الموحدي
تميز النموذج الموحدي في رواية سيرة المهدي بن تومرت بالتبجيل الزائد عن الحد وبالنظرة الأسطورية لشخص الحاكم. ذلك أن هذه الصفة التي تقمصها أظهرته كأنه من المعصومين من الخطأ وهذا هو النموذج الذي اعتمدته الروايات الرسمية في وصف الملوك العلويين في عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي حرص على إعادة إنعاش جملة من التقاليد المخزنية العتيقة وتشدد في تطبيقها.
للإشارة كان الشعار الرسمي للدولة الموحدية هو "المهدي هو إمامنا" ولهذا لم يظهر أي "زعيم" أو ولي صالح ينافس المهدي بن تومرت. ففي عهده، تم التصدي لكل شخصية يسطع نجمها، وذلك عبر التصفية أو الاعتقال، أو عبر الخضوع للمراقبة الشديدة للحد من تحركاته ونشاطه. ومن الأمثلة التي تؤكد هذا المنحى هو طريفة التعامل مع القاضي عياض.


الامتناع عن زيارة وزان
ساد اعتقاد مفاده أن ملوك المغرب لا يزورون دار الضمانة بمدينة وزان. ويبدو أن هذا الاعتقاد ارتبط بإشكالية الخلافة الباطنية التي ادعاها شرفاء وزان سابقا. كما ارتبط كذلك بتعامل وتواطؤ شريف وزان في مرحلة الحماية، محمد بن عبد الكبير الكتاني، مع فرنسا والاقتراب منها في فجر القرن العشرين ودور شرفاء وزان في إبعاد السلطان المولى عبد العزيز عن العرش. وهذا ما كرسه بعد ذلك عبد الحي الكتاني، أخو محمد بن عبد الكبير الكتاني، سنة 1954 عندما تحالف مع الباشا الكلاوي ضد القصر الملكي في عهد الملك الراحل محمد الخامس، إذ كانا يشكلان القطب الصلب في الدفاع عن المؤامرة الاستعمارية التي انتهت بنفي الملك والأسرة الملكية وبتنصيب السلطان المفبرك محمد بن عرفة.


الجن في خدمة الملك الحسن الثاني
من الإشاعات التي راجت في الأوساط الشعبية، الاعتقاد أن بعض الجن كانوا في خدمة الملك الراحل الحسن الثاني، وقيل أنه تمكن من التحكم فيهم بفضل فطاحلة الفقهاء السوسيين المتبحرين في "الدمياطي" وتسخير الجن. وقد ارتبطت هذه الإشاعة بالمسبحة التي كان يمسكها الملك والخاتم الموضوع في أصبعه والذي قيل أنه خاتم الحكمة.

وتقول الحكاية الأسطورية، أن بعض الجن كانوا مرصودين لخدمة الملك الراحل الحسن الثاني.
ويظل الأكيد في هذه الرواية أن بعض الفقهاء كانوا يزورون القصر في عهد الملك الراحل، وهم الفقهاء الذين كان يقصدهم علية القوم (من مسؤولين وكبار الوزراء) رغبة في قضاء بعض حاجاتهم أو بلوغ بعض مراميهم أو الإفلات من عواقب تصرفات صدرت عنهم.
وفعلا، أفاد أكثر من مصدر أن الملك الراحل الحسن الثاني كان على علاقة ببعض الفقهاء السوسيين ذوي الشهرة في تطويع الجن والكشف عن الكنوز، وكان أحدهم من المقربين إليه إذ كانت له حظوة خاصة عنده، كما ظل الملك يستأنس بتوجيهاته ونصائحه.
"أسطورة" تقبيل الظهائر
من التقاليد التي كان معمول بها سابقا، تقليد تقبيل الظهائر الشريفة أو الرسائل الملكية قبل تلاوتها أو في كل مرة يتم تناولها في حفل رسمي. فكان المكلف بتلاوة الظهير أو الكتاب الملكي ملزما بتقبيله وذلك ثلاث مرات متتالية في خشوع كبير قبل الشروع في قراءة المضمون، وكانت تحضر فرقة من عبيد القصر أو "المخازنية" لعين المكان ويصطفون بجانب المكلف بتلاوة النص في نظام وانتظام، وكلما رفع الظهير أو الرسالة الملكية لتقبيلها انحنى أعضاء الفرقة دفعة واحدة وهم يرددون "الله يبارك في عمر سيدي".

وأكد المؤرخون أن هذا التقليد بدـ العمل به في القرن السادس عشر الميلادي كرمز للحضور الدائم للسلطان رغم غيابه الجسدي عن المكان، وبذلك تكون هالته وهيبته دائمة الحضور في أي مكان وفي أي وقت باعتباره القائم الأول والأسمى على حياة رعاياه.

وقد عمل الملك الراحل الحسن الثاني على إعادة إحياء هذا التقليد. وبذلك حرص القائمون على الأمور على تطبيقه بدقة متناهية، وكان المكلف بتلاوة ظهير شريف أو كتاب ملكي سام يتوصل برسالة، إما من وزارة القصور والتشريفات أو من وزارة الداخلية، توضح كيفية التصرف بدقة وبتفصيل.


أسطورة مليكة أوفقير
من الحكايات الأسطورية ما جادت به قريحة مليكة أوفقير في إحدى تخريجاتها الرامية إلى تبرير الانقلاب الذي هندس له والدها الجنيرال محمد أوفقير ضد الملك الحسن الثاني في فجر السبعينيات. إذ صرحت أن شجرة نسب والدها تفيد أن عائلته أكثر قربا لأهل البيت وبالتالي فإن ما قام به والدها مبررا، وأن طمعه في الحكم "مشروعا".

وهذا التصريح الذي لم يستأثر باهتمام وسائل الإعلام الوطنية نسوقه للقارئ بسرعة للتدليل على أن الحكايات الأسطورية المرتبطة بالحكم والسلطة يمكنها أن تنطلق من فكرة أو حدث بسيط جدا لتترسخ مع مرور الوقت وتصبح آلة من آليات التبرير أو الدفاع عن واقع حال قائم أو رغبة وطموح.

ومن المعلوم أن أصل العلويين يرجع إلى الحسن السبط، وجاؤوا إلى المغرب حوالي القرن 13 واستقروا بالجنوب في واحة تافيلالت بالقرب من سجلماسة. وبمساعدة ودعم الفرق الصوفية التي كانت تنشط في المنطقة حينذاك، أصبح المولى الرشيد (1664 – 1672) سيدا على المنقطة (تافيلالت والواحات المحيطة بها)، واستطاع بعد ذلك أن يستولي سنة 1666 على مدينة فاس ثم على باقي المملكة، وتابع جهوده إلى أن وطد دعائم ملكه. ثم أكمل ابنه المولى إسماعيل (1672 – 1727) مشروع تنظيم المملكة كما جعل للدولة اقتصادا قويا آنذاك مؤسسا على التجارة الصحراوية، وجعل مدينة مكناس من أهم المدن واسترجع بعض الثغور من الإسبان والبرتغاليين. وبعد وفاته، عرفت البلاد اضطرابات دامت 30 سنة (1727 – 1757) بسبب تنافس أبنائه عن الملك انتهت بتولي حفيده سيدي محمد (1757 – 1790). ومع مطلع القرن 19 مني المغرب بهزائم عسكرية عديدة أمام الفرنسيين والإسبان وعقدت معاهدة الوصاية سنة 1863. وبعد ذلك حاول السلطان المولى الحسن (1873 – 1894) القيام باصلاحات لاستثباب الأمن.

ومنذ 1912 حكم السلطان البلاد تحت السيادة الفرنسية، وبعد النضال الوطني والكفاح المسلح تمكن المغرب من استرجاع استقلاله في مارس 1956 في ظل عهد الملك محمد الخامس، وفي سنة 1961 بدأ عهد الحسن الثاني الذي خلفه ابنه الملك محمد السادس في يوليوز 1999.

للإشارة بعد استيلاء العلويين على الحكم بالمغرب في نهاية القرن 17، طعن العلماء في نسب الحكام، السابقين لهم، إذ اعتبروهم من سلالة حليمة السعدية (مرضعة النبي "ص")

كما أمر كل من السلطانين المولى إسماعيل والمولى محمد بن عبد الله بإحصاء الشرفاء العلويين وتحديدهم بدقة. وقد أكد جملة من المؤرخين أنه في فترات الفتن والقلاقل استطاع بعض الأشخاص الحصول على النسب العلوي أو الاعتراف بالانتساب للعلويين بفضل إرشاء بعض العلماء والنقباء العلويين للتمكن من الحصول على وظائف مخزنية أو الاستفادة من عطاءات القصر السخية للشرفاء.


حكايات الأطلس الكبير
هناك جملة من الحكايات الأسطورية التي يدور موضوعها حول "الغول" أو "الوحش" الذي كان يهدد أبناء الأطلس الكبير وأطفالها ونسائها. وكلها حكايات مرتبطة بشكل أو بآخر بالقمع الذي ذاقه السكان على امتداد التاريخ. ومن هذه الحكايات أن سكان المنطقة يكدون ويتعبون لأداء رسوم الشاي والسكر، وهما المادتين الحيويتين في النمط الاستهلاكي السائد للساكنة.

وكلها حكايات تجد منبعها في الواقع المعيش، إذ بالرجوع للتاريخ وحتى القريب منه نجد أن المنطقة أدت الثمن غاليا بفعل القمع الذي تعرض له سكانها، وفي هذا الصدد، تم إحصاء ضحايا سنوات الجمر الرصاص فكانت الحصيلة ما يناهز 7000 شخص تعرضوا للاختطاف أو الاعتقال أو التعذيب أو التنكيل.

ففي سنة 1973، كانت المنطقة مسرحا لقلاقل ومناوشات ومواجهات بين قوات الأمن و جماعة من "الثوريين المغاربة" المناهضين للنظام الملكي آنذاك والذين تسللوا من الجزائر بغية خلق قواعد ثورية بالمنطقة، وبعد الأحداث ثم تمشيط المنطقة واعتقال الآلاف دون تمييز.


أسطورة من وراء الحدود
من الأساطير المرتبطة بالملك الراحل الحسن الثاني، حكاية انتشرت بين العديد من المسلمين من الفئات الشعبية بالكونغو والتي مفادها أن الملك الراحل الحسن الثاني أرسله الله تعالى من خلال رؤيا لإعادة نشر الإسلام بالكونغو بعد أن حاربه الاستعمار البلجيكي ومنعوا انتشاره بمختلف الوسائل، ومن ضمنها منع المدارس القرآنية وممارسة التقاليد التي تمت بصلة بالدين الإسلامي ولم يسمحوا بها إلا في دوائر محدودة جدا وبمراقبة شديدة.
وبربط هذه الحكاية بإطارها التاريخي، يتبين أن الإسلام عرف انتعاشا بالكونغو بموازاة مع توطيد العلاقات بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس موبوتو آنذاك، لوحظ أن نسبة المسلمين ارتفعت من نسبة 1.4 في المائة إلى 10 في المائة من ساكنة البلاد.


رؤيا المولى سليمان، السلطان الوهابي
انتشرت وسط المغاربة في نهاية القرن الثامن عشر إشاعة مفادها أن السلطان المولى سليمان جاءه زائر في منامه وأمره بالدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام القح وتخليصه من الشوائب التي لحقت به آنذاك، وهذا ما قام به تصديقا وتنفيذا للرؤيا.

ومن المعلوم أن المولى سليمان، اعتلى عرش البلاد سنة 1792، أنه كان عالما أكثر من كونه سلطانا، إذ كان يفضل تحصيل العلم بتافيلالت وكان متأثرا بالغزالي وابن حنبل وابن تيمية وتصدى منذ بداية ملكه لجملة من البدع المرتبطة بالبيعة وواجه الصوفيين في إطار دعوته إلى العودة إلى الإسلام القح اعتمادا على الوهابية وقد تزامنت دعوته مع وفاة مؤسس المذهب الوهابي، محمد عبد الوهاب.
حكايات أسطورية بخصوص بعض البنايات
نسج المغاربة جملة من الحكايات الأسطورية بخصوص بعض البنايات الحديثة والقديمة، لاسيما القصور والمساجد والأضرحة، فقيل إن بعض القصور مسكونة من طرف الجن وأخرى "مغضوب عليها"، وبعض البنايات داخل إحدى القصور يتطلب تنظيفها يوميا بماء ورد وتعطيرها بالمسك الحر وإلا بعثرت أثاثها قوة خفية، كما قيل إن هناك أماكن لا يلجها أحد غير الملك، وإن فعل مسه مكروه لأن حراس المكان ليسوا من الإنس وحكايات أسطورية أخرى انتشرت وسط الفئات الشعبية على امتداد قرون.

ولعل أحدث حكاية مرتبطة بالقصور، هي تلك المتعلقة بقصر أكادير (وهو آخر القصور التي شيدها الملك الراحل الحسن الثاني) والذي حبكت بخصوصه أساطير تتعلق بالجن.

وقد تكون نقطة الانطلاق في نسج مثل هذه الحكايات الأسطورية الهالة التي تعطى لتلك البنايات أو أحداث وقعت فعلا يتم فصلها عن إطارها العام. فعلى سبيل المثال، حيكت حكايات أسطورية كثيرة على مسجد وصومعة الكتبية التي تطلبت خلط حوالي 900 كيلو غرام من المسك الحر من مواد البناء لتظل رائحتها فواحة على الدوام، وكان هذا منطلقا للكثير من الحكايات الأسطورية سنوات بعد تشييدها، ونفس الشيء بالنسبة لجامع المنصور بمراكش الذي شيده يعقوب المنصور وكان يسمى حينذاك مسجد "التفاحات الذهبية" نظرا لأن مصابيحه صنعت من الحلي الذهبي لزوجة يعقوب المنصور. وكذلك الأمر بخصوص قصر مدينة أكادير الذي عرف بعض الأحداث عندما كان ورشا في طور التشييد، وعلى الخصوص غرق بعض العمال في مسبحه عند انجازه أو وقوع حوادث شغل أودت بحياة أحد العاملين، وهي وقائع شكلت انطلاقة تناسل الإشاعات لتصبح حكايات أسطورية بعد ذلك.

"بركة" الحسن الثاني
تعرض الملك الراحل الحسن الثاني لست محاولات اغتيال (عندما كان وليا للعهد وبعد أن أصبح ملكا) خلال 38 سنة التي قضاها في الحكم لذلك ينسب إليه الكثيرون نوعا من "البركة" نظرا لخروجه سالما من جميع تلك المحاولات، وكان انقلاب الصخيرات ومهاجمة الطائرة الملكية من أبرز الأهوال التي واجهها الملك الراحل الحسن الثاني.

ففي صيف 1971 وأثناء حفل أسطوري لتخليد الذكرى 42 لميلاده بقصر الصخيرات، هاجم 1400 جندي القصر مخلفين 100 ضحية من بينهم سفير بلجيكا بالمغرب كما أصيب أكثر من 20 مدعوا بجروح متفاوتة الخطورة، ونجا الملك عندما اختفى لساعات في إحدى مرافق القصر الملكي.

وبعد أقل من سنة من محاولة الصخيرات الفاشلة وعند رجوع الملك من زيارة رسمية لفرنسا في صيف 1972 تعرضت طائرته لهجوم بواسطة طائرات مقاتلة من " إ ف 5"، خرج على إثرها سالما.

وقد أطلق هذا الحادث العنان لخيال العامة إذ اعتبرت أن نجاة الملك من موت محقق يرجع إلى العناية الإلهية التي تقف أمام أي مكروه يستهدفه ومما رسخ هذا التصور هو نجاة الملك من المحاولة الانقلابية الأولى.

أساطير الملوك والبلاط بالمغرب
ارتبطت الكثير من الأساطير والحكايات والإشاعات بشخص الملك وبالبلاط بالمغرب. لم يكن القصر في المعتقد الشعبي، مجرد بناية فاخرة تحتوي ما لا تحتويه أي بناية بالبلاد من تجهيزات ولوازم ومرافق وكماليات، وإنما فضاء مقدس تفوق درجة قدسيته الأضرحة والمساجد. هذا ما أكده تكييف النيابة العامة للنازلة في ملف محاكمة ومتابعة الصحفي علي المرابط إذ أنها أكدت أن أدنى حجر من بنايات القصر الملكي يعتبر من المقدسات بالمغرب، وهذا ما استعصى فهمه على الكثيرين سواء منهم المتخصصين في القانون أو عامة الناس.
اليوم مع العهد الجديد، بدأ الوضع يتغير باعتماد مسار نحو التفتح والتخفيف من البروتكولات، أما بالأمس القريب فقد كانت حياة الملك والأسرة الملكية يحجبها جدار سميك من السرية ومن التعتيم رغم أن المغاربة ظلوا شغوفين بمعرفة كل شيء عن ملوكهم في حين أن العقلية المسكونة بالهاجس الأمني ترى أنه لا حق لهم في ذلك. وهذا ما أدى إلى تناسل الإشاعات والأساطير المرتبطة بالبلاط وأهله.

وعموما، يبدو أن كل ما هو مرتبط بشخص الملك والبلاط ظل يرتبط بأساطير أو حكايات أسطورية بدءا من الاعتقاد بالتبرك بروث الحصان الذي يمتطيه الملك والذي كان يتنافس عموم الناس على الحصول عليه، كل يوم جمعة، عندما كان الملك يؤدي صلاة الجمعة في مسجد أهل فاس بالمشور بالرباط قبل انقطاع هذه العادة في بداية عهد الحسن الثاني خلافا لما كان الحال عليه في عهد والده الملك محمد الخامس.

كما سادت جملة من المعتقدات عسيرة التفسير والفهم من قبيل "التبارود" (حامي شخص الملك من الإصابة بالرصاص والعيارات النارية) و "الخلطة" الخاصة التي كان يدهن بها الملك وجهه لإحضار الهيبة والخشية لناظريه وحرص الملوك العلويين على عدم عبور واد ماسة الواقع ما بين مدينتي أكادير وتزنيت والتشاؤم من مصادفة عيد الفطر أو عيد الأضحى ليوم الجمعة وعدم إلزامية ملوك المغرب للركن الخامس للإسلام، الحج، وكلها أمور ظلت مستعصية الفهم لدى عموم المغاربة.

ومن الإشاعات التي ظلت منتشرة، الاعتقاد بأن القصور الملكية تتوفر على مسالك سرية تحت أرضية تؤدي إلى البحر أو الأودية أو المطارات.

كما أن لباس الملوك كذلك خضع لطقوس خاصة وبهذا الخصوص، هناك تقليد ظل قائما بخصوص الزي السلطاني، إذ دأب المكلفون بلباس الملك على احترام جملة من القواعد ومن الإشارات الدالة عليها، احترام مقاييس مضبوطة للجزء الظاهر من الشاشية الحمراء تحت العمامة البيضاء، وقيل إن كِبَر أو صِغَر الجزء الظاهر منها يشير إلى مزاج السلطان، حيث أن برز الجزء الظاهر من الشاشية يفيد أن الملك غاضب والعكس بالعكس.

آخر حكاية
آخر حكاية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني كادت أن تأخذ شكل أسطورة. ليلة وفاته، انتشرت هذه الحكاية بالعدوتين (الرباط و سلا) ومفادها أن القصر الملكي بالرباط سطعت فيه شمس في كبد الليل (أضاءته ضياء زوال يوم "غشتي") إذ اختفت الظلمة من مختلف أرجائه.
وبعد الاستفسار عن الأمر، أكد لنا مصدر أمني قريب من البلاط أنه تلك الليلة شوهد الراحل الحسن الثاني يحتسي فنجان قهوة في إحدى شرفات القصر في وقت متأخر من الليل، وبعد مرور ساعات معدودة أنيرت جميع الأضواء بالقصر وظلت على ذلك الحال إلى طلوع الشمس، وفي الصباح تسرب خبر وفاة الملك قبل الإعلان عنه رسميا زوال ذلك اليوم.

إشاعة في عهد السلطان عبد الرحمان
انتشرت إشاعة في بداية القرن التاسع عشر بين رعايا السلطان عبد الرحمان مفادها أن جيشه مسه مس جعله يصاب بالذعر لذلك انهزم في معركة ايسلي، وهي الهزيمة التي نتجت عنها عواقب وخيمة باعتبار أنها مكنت الجيوش الفرنسية من الاستيلاء على الأراضي المغربية.

وتعود هذه الإشاعة إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر عندما سقطت الجزائر في يد الاستعمار الفرنسي، آنذاك كان سكان مدينة تلمسان قد استنجدوا بالسلطان المولى عبد الرحمان لتخليصهم من اعتداء النصارى على أرضهم بعد أن أعلنوا بيعتهم له.

وبعد تردد، بعث المولى عبد الرحمان تجريدة، سرعان من ولت الأدبار بفعل مواجهة الجيوش الفرنسية. آنذاك، التجأ سكان تلمسان إلى الزاوية القادرية، فأمر رئيسها، محي الدين، ابنه عبد القادر بالتوجه إلى الجزائر لمساندتهم، ومع حلول سنة 1940 تمكن عبد القادر من السيطرة على مدينة تلمسان وضواحيها، حينئذ قام السلطان المولى عبد الرحمان بتوجيه قافلة محملة بالزاد والعتاد إلى الجزائر إلا أن الجينرال الفرنسي "بورجو"، اعترض طريقها على بعد 10 كيلومترا من مدينة وجدة، وبذلك كان لمعركة ايسلي، التي انهزم فيها المغاربة، انعكاسات وخيمة.

شراب السلطان
يلعب الشاي دورا حيويا في نمط عيش المغاربة نظامهم الغذائي، وذلك بالرغم من أن المغرب لم يسبق له أن أنتج الشاي أو اهتم بزراعته من قبل. فكيف لمنتوج أجنبي، غريب عن المجتمع المغربي قبل القرن السابع عشر، أن يصبح من مقومات التقاليد والشخصية المغربية؟
فشرب الشاي منذ أربعة قرون، ارتبط بالمجتمع المغربي بمختلف فئاته، الحضرية منها والقروية، الميسورة منها والفقيرة. واحتل موقعا هاما في الحفلات العامة والخاصة وفي المناسبات الدينية، إلى أن أصبحت جلسة شرب الشاي تحظى بطابع خاص وسط جميع العائلات المغربية.

واعتبارا لولع الملك الراحل الحسن الثاني بإعادة إحياء التقاليد المخزنية، أعطى أهمية لمراسيم إعداد الشاي بالقصر الملكي، وشرف القائم على إعداده بالقصر برتبة قائد (قائد البراد).

ولدخول الشاي للمغرب حكاية، ابتدأت بترويج شبه أسطورة من طرف الإنجليز مفادها أن شرب الشاي يمكن المرء من بلوغ "النشوة الملكية" في المزاج والتصرف. وبموازاة مع ترويج هذه الحكاية في غضون القرن السابع عشر، كان الإنجليز يقدمون في بعض "المقاهي" الشاي للزوار ابتداء من سنة 1652.

وللمزيد من تشجيع المغاربة على استهلاك الشاي الذي كان الإنجليز يحتكرون تجارته وتوزيعه على العالم، شرعوا في إهداء (أباريق) إعداده بالمجان لدفع المغاربة لاستهلاك الشاي إلى أن أصبح مركزا في النظام الغذائي للمغاربة. وإذا كان الشاي قد دخل البلاط المغربي في عهد السلطان مولاي إسماعيل فإنه لم ينتشر بالمغرب إلا ابتداء من سنة 1854، إذ أصبحت موانئه محطات ضرورية لإيصال الشاي إلى أوروبا آنذاك.

عين الله تحرس السلطان في الأرض والسماء
تدحرجت الإشاعة مع اقتراب وصول الملك الراحل محمد الخامس إلى المغرب من منفاه بجزيرة مدغشقر ككرة الثلج، إشاعة تداولها وصدقها المغاربة إلى حد كبير وانتشر انتشار النار في الهشيم نظرا لخصوصية المرحلة وما أحاط بها من تعبئة وغيرها من الأمور التي ساهمت في نسج الإشاعة المرتبطة بالملك، حيث تفيد أنه أثناء عودته من منفاه على متن الطائرة، تعمد الفرنسيون وضع كمية قليلة من الوقود بخزان الطائرة ككمين للأسرة الملكية حتى تسقط الطائرة بعد نفاذه.

علم جلالة الملك بالأمر واقترب من خزان الوقود ووضع فيه حرزا كان يعلقه على صدره، فامتلأ عن آخره وأكملت الطائرة تحليقها لتحط بمطار الرباط – سلا في سلام.

وقد اعتبر المغاربة، آنذاك، أن الأمر يدخل في باب المعجزات رسخت صورة الملك في المخيال الشعبي باعتباره يتمتع بقدرات خارقة لا يتوفر عليها بنو البشر.

الحسن الثاني والمسرحيون
مع مطلع التسعينيات وتحديدا بعد توجيه، الملك الراحل الحسن الثاني رسالته الشهيرة للأسرة المسرحية المحترفة والتي أمر بموجبها تخصيص 1 في المائة من ميزانيات الجماعات المحلية لفائدة العائلة المسرحية، لأجل تحسين وضعيتها الاجتماعية وترتيب أوراقها المبعثرة، وكان ذلك مباشرة بعد المناظرة الوطنية الأولى للمسرح، ومع توالي الأيام وتأخير عملية الترجمة الفعلية لمضامين الرسالة الملكية على أرض الواقع، بدأت الإشاعات تحوم حول الموضوع في شكل حكايات مثيرة أبرزها أن الراحل الحسن الثاني استدعى رواد المسرح المغربي، وأعد لهم وليمة فخمة مما لذ وطاب من الأكل والشراب على مقاس موائد الملوك، وقبل دعوتهم لتناول وجبة العشاء طلب منهم أن يسردوا عليه مشاكل الأسرة المسرحية، فتقدم، حسب الإشاعة الرائجة، واستمر أحدهم يعدد الخصاص الذي يعاني منه هو كشخص، كتصريحه أمام الملك أنه لا يملك سكنا ولا أي شيء يقيه غدر الزمان عوض الحديث عن المشاكل الاجتماعية التي تكابدها الأسرة المسرحية وكذلك فعل الآخرون دون استثناء، منهم من طلب مسرحا خاصا به ومنهم من طلب سكنا رفيعا وهكذا دواليك، واستمر الملك الراحل يستمع لشكواهم واحدا تلو الآخر. بعد ذلك، سأل إدريس البصري عن مدى صحة ما يقولون فأجابه البصري فورا كعادته، أن كل ما صرحوا به لا أساس له من الصحة لأن الأول يملك ثلاثة منازل والثاني يملك كذا وكذا والآخر يملك أملاكا تغنيه عن ممارسة المسرح واستمر يعدد أمام الملك الحقيقة التي أخفاها هؤلاء المسرحيون حسب الرواية الشائعة، فقال لهم الملك بهدوء وثقة في النفس: "لا بأس" ثم أمرهم بالتوجه إلى الموائد التي كانت عبارة عن مائدتين طويلتين، الأولى تشمل على مأكولات متنوعة ومختلفة تزينها قنينات من الخمر على اختلاف أنواعه وأصنافه والثانية بها صحون كبيرة من الكسكس، فاتجه الجميع نحو المائدة الأولى يأكلون الكباب ويشربون الشراب والراحل يرحب بهم بابتسامته المعروفة إلى أن انتهوا من "مهمتهم"، قال لهم الراحل في سخرية: "كنت أتمنى أن يلمس أحدكم هذا الصنف المغربي من الطعام مشيرا إلى "الكسكس"، لكنكم للأسف فضلتم عليه تلك الأصناف الأجنبية الفاخرة، وليس هذا فحسب بل ضيعتم على أنفسكم أشياء ثمينة كنت قد وهبتها لكم داخل هذا الكسكس. لو أنكم فضلتموه كأكلتكم الشعبية الشهيرة، لنلتم الكثير"، فأمر الراحل الحاجب أن يحرك بالملعقة صحون الكسكس وما إن فعل الحاجب حتى ظهرت أحجار كريمة كانت مدسوسة بجوف الكسكس وقال لهم الراحل: "أنتم قوم لا تستحقون التكريم لأنكم لستم صادقين في تمثيل أفواج المسرحيين" انصرف الملك بعد أن أمر برفع صحون الكسكس الثمينة.

قد يكون شيء من الصحة في ثنايا هذه الإشاعة، إلا أنها تؤرخ لذكرى التفت الملك الراحل من خلالها للأسرة المسرحية، لكن الذي لم تشر إليه الإشاعة هو أن مضامين تلك الرسالة الملكية لازالت طي النسيان والكتمان إلى حد الآن.

رؤية الشيخ
من المعلوم أنه منذ العهد القديم وخلال تربع ملوك المغرب على العرش تناسلت حكايات وروايات وقصص مختلفة، ورافقتهم رؤى متباينة، كما أن معارضين روجوا كذلك لرؤى مناقضة، مثل ما قام به "بوحمارة" و "بوحصيرة".
وفي هذا الصدد، أثارت رؤية الشيخ عبد السلام ياسين التي قيل أنه ستتحقق قبل متم العام الجاري وتتمحور حول قيام أحداث عظيمة سترفع من شأن جماعة العدل والإحسان ومرشدها. وقد صدق أعضاء الجماعة الرؤية وبدأ يتنقل مرشدها عبر ربوع المغرب على مثن سيارات فاهرة مرفوقا بحاشية ويستقبل استقبال الملوك بالمطارات والمدن.

"التبارود"
تناسلت إشاعة بعد الانقلابين العسكريين الفاشلين حول شخصية الملك الراحل الحسن الثاني، لدرجة دفعت إلى الاعتقاد بأن الحسن الثاني لا يمكن أن يخترق جسده الرصاص.

وهناك حكايات شفوية تتمحور حول "التبارود" أو "حصانة جسم الملك" وراءها فقهاء سوسيين قيل إنهم "يجمدون الماء".
و"التبارود"، في عرف بعض المغاربة، هو تحصين الجسد حتى لا ينال منه أي عيار ناري، وفي هذا الصدد انتشرت إشاعة تقول إن بعض الفقهاء السوسيين اجتمعوا بالملك الحسن الثاني ووضعوا له حرزا دفنه في جسده ليقيه من مختلف العيارات النارية.
وتقول إحدى الحكايات إنه عندما بلغ إلى علم الملك الراحل الحسن الثاني نبأ أحد الفقهاء السوسيين الذي داع صيته بين الناس أعجب "ببركاته" فطلب منه أن يتفرغ لخدمته وقيل إن هذا الفقيه السوسي كان يزوره زبائن من دول الخليج وبعض اليهود القاطنين بكندا.

المولى إسماعيل
كل كتب التاريخ الرسمي تقدم السلطان المولى إسماعيل، السلطان النموذجي، مؤسس مدينة مكناس، التي أتخذها عاصمة لملكه، وموحد البلاد، محب الضعفاء وقاهر الأشرار والخارجين عن الطريق. حكم المغرب من عام 1672 إلى 1727 بيد من حديد، قضى أغلبها في ملاحقة المعارضين وقمع الانتفاضات في مختلف أرجاء البلاد، ونسجت حوله الكثير من الأساطير والحكايات تناقلتها الأجيال.

عين أحد أبنائه، محمد العالم واليا على تارودانت، إلا أن هذا الأخير انتفض ضده سنة 1700 وظل متمردا عليه إلى حدود سنة 1706، فأمر السلطان بقطع ساقه ويده ليكون عبرة للآخرين، بعد وفاته، عاش المغرب فوضى دامت 30 سنة، تاركا لابنه المولى عبد الله مغربا تنخره القلاقل والاضطرابات، إذ تمت تنحية هذا الأخير عن عرش البلاد 5 مرات متتالية.

ومن الحكايات التي ارتبطت بالسلطان المولى إسماعيل، ظهوره المهيب على مثن عربة مذهبة تجرها مجموعة من جواريه وخصيانه، وكان يشاع أنه يملك 4000 "محظية"، وسبق له أن أمر بقطع رأس عبد تعثر وهو يساعده على امتطاء حصانه، هذا في وقت ظل فيه المؤرخون يرون في المولى إسماعيل "أمير المؤمنين" الذي أخضع المغرب ووحده برمته.

ومن الإشاعات التي راجت وسط الرعية في عهده، أنه كان يملك عبدا أبيضا اعتنق الإسلام وأصبح مترجما له. وتعود القصة إلى مرحلة كانت فيها القرصنة نشيطة بالسواحل المغربية، وهي قصة غلام سفينة "سيلتي" الذي ألقي عليه القبض في البحر فانتهى به الأمر عبدا بقصر السلطان.

كان الغلام "توماس بيلو" فتى في الحادية عشرة من عمره، أبحر مع عمه القبطان "جون بيلو"، إلا أن السفينة وقعت بين أيدي القراصنة فوجد طاقمها أنفسهم عبيدا للسلطان. أجبر "توماس بيلو" على العمل في مرابع لهو السلطان لمدة خمس عشرة ساعة في اليوم أحيانا، وكان يدفعه إلى ذلك مؤنسو السلطان من العبيد الأفارقة، آنذاك كان ملك انجلترا يجتهد اجتهادا لتخليص رعاياه الإنجليز من الأسر بالمغرب، وقيل إن اهتمام التاج البريطاني بشراء العبيد الذين ظلوا يدينون بالمسيحية شكل مشكلة أخرى للغلام (إضافة للأسر)، إذ أنه تحول إلى الإسلام مكرها وأعذر وزوج، فكان بصفته مرتدا في نظر الملك، يخرج من دائرة اهتمام عاهله الإنجليزي. ونظرا لإتقانه اللغة العربية وطلاقته فيها، انتهى به الأمر أن يكون مترجما بارعا.

وتقول الحكاية إنه بفضل الغلام "توماس بيلو" أقسم عدد كبير من العبيد المسيحيين للسلطان أنهم سيصبحون أعداء لذوذين للنصارى ومضطهدين لتجارتهم في البحر للاستيلاء على ثرواتهم، حتى أن السلطان المولى إسماعيل طالب بأن يتحول نظراءه الملوك النصارى إلى الإسلام.

 

أسطورة "المغرب الفرنسي"


انطلقت هذه الأسطورة نتيجة لانهزام فرنسا أمام انجلترا بمصر في نهاية القرن التاسع عشر واجبارها على التخلي عن أطماعها التاريخية بخصوصها. ومن ثمة بدأت المفاوضات السرية مع انجلترا بخصوص إفريقيا ثم مع إيطاليا وإسبانيا آنذاك كان المغرب معزولا عن العالم، علما أن السلطان المولى إسماعيل، في بداية القرن الثامن عشر، كان يرى أن التعامل مع الأجنبي يساهم في تفقير المغرب وأن الاتصال بالنصارى قد يجلب الفساد للبلاد، لذا أصدر أمره بإقفال جميع الموانئ المغربية في وجه الأجانب ومنع تصدير المنتوجات المغربية وفرض رسوم ثقيلة على الواردات الأجنبية.

وكانت وسيلة الأوروبيين للتسلل للمغرب هو المطالبة بحماية رعاياهم بالمغرب وهذا ما كرسته اتفاقية مدريد في 18 مايو 1880 المتعلقة بإشكالية "المحميين". وبعد ذلك شجع الأوروبيون بعض المغاربة لطلب حماية القنصليات الأجنبية لولوج دائرة "المحميين".
هكذا بدأت أطوار أسطورة "المغرب الفرنسي" تعرف طريقها إلى التكريس في عهد السلطان عبد العزيز الذي أثقل كاهل بيت المال بمصاريف إشباع رغباته المزاجية المتعلقة باقتناء آخر المنتوجات الأوروبية الكمالية من قبيل الدراجات الهوائية وتراكمت الديون وفرضت فرنسا على المغرب المراقبة المالية وتحكمت في دواليب اقتصاده ومصادر كل ثرواته، حينئذ انتشرت حكاية "بيع المغرب لاقتناء دراجة هوائية".

ولعل ما راج آنذاك من أخبار عن المولى عبد العزيز أنه كان مولعا بالهدايا وبمنتوجات "آخر صيحة" بأوروبا حينئذ من ألعاب ومنتوجات كمالية كلفت خزينة الدولة أكثر من 30 مليون فرنك فرنسي في ظرف أقل من ثلاث سنوات.


خلاصة القول
إن كانت مختلف الأساطير والإشاعات المرتبطة بالملوك والبلاط بالمغرب توحي في الظاهر بأنها مجرد اختلاق لمعالم الاستعلاء والخصوصية، فإن هذه الإشكالية مازالت لم تستأثر بعد باهتمام الباحثين والدراسات الأكاديمية.
إن تلك الأساطير والإشاعات خلقت حالة من التفرد الرمزي عبر منح شخص الملك وضع الاستعلاء عن الآخر، وقد تكون مجرد "وهم جماعي" يجعل هبة الحاكم تنغرس في العقل الجمعي.

وهنا لابد من التأكيد على أن الأسطورة والحكايات الأسطورية المرتبطة بالملوك والبلاط بالمغرب تشكلت على امتداد مراحل تاريخية طويلة. ويرى أحد الباحثين في هذا الصدد، أنه كلما زادت تغذية شعور التفوق عند الحاكم زاد الشعور بالدونية عند الآخرين، وتلعب الأسطورة في هذا المجال دورا رئيسيا، كما أن أبحاث علم النفس التحليلي تشير إلى أن تلك الأساطير ما هي إلا تشخيصات للقوى النفسية، مع التأكيد أن وجودها الميتافيزيقي هو مجرد افتراض عقلي أو مجرد اختلاق، وهذا ما يفسر أن صور تلك الأساطير والإشاعات تومئ إلى ما لا يوصف كلما دققنا في مضمونها وحيثياتها، ويخلص بعض الباحثين إلى كونها تناسلت في بيئة كان فيها المجتمع للمؤسسة ولم تكن فيه المؤسسة لمجتمعها.

ومهما يكن من أمر، يظل من الصعب بمكان استخلاص الواقعي والتاريخي من الأساطير والإشاعات المرتبطة بالملوك وبالبلاط بالمغرب، لكنها تحمل بشكل أو بآخر، في طياتها شيئا محددا عن المكبوت في الخطاب العادي. وعموما، كلما تقوى التشبث بالمؤسسات والعمل على تقويتها وتطويرها، كلما انتفت الحاجة والدواعي لابتكار الأساطير أو الحكايات الأسطورية أو نشر الإشاعات للتعبير عن موقف أو التنديد بواقع أو التشهير به، لأنه في نهاية المطاف، لا عصمة بالتلفيق وإنما بالتوابث.


المؤرخ مصطفى بوعزيز
كان عالم الأساطير والإشاعات نشطا عندما كان المغاربة يستهلكون الفكر الغيبي

اعتبر المؤرخ مصطفى بوعزيز، الإشاعة عنصرا من عناصر تدعيم النفوذ السلطوي أو وسيلة لتحطيم وتشهويه وإضعاف صورة شخص ما.
كما حدد مصطفى بوعزيز موقف المؤرخ المحترف اتجاه الإشاعة، فإما يفندها ويعيد الحقيقة التاريخية كما كانت، عندما لا تتحول الإشاعة إلى حدث تاريخي، أو يفسر الإشاعة باستعماله السيكولوجيا الجماعية، إذا تحولت إلى حدث تاريخي.

- هل يمكن أن ترتبط الإشاعة الخاصة بالملوك بظروف تاريخية معينة؟
+ الإشاعة سلاح، لكونها جزء من العلاقات الاجتماعية وكل علاقة اجتماعية إلا وهي شكل من أشكال علاقات السلطة. وفي هذا الجانب، تعد الإشاعة سلاحا في إطار الصراع من أجل السلطة، وليس بالضرورة السلطة السياسية، بل كل السلط، فبالأحرى السلطة السياسية وفضلا عن كونها سلاح، فهي أداة للتواصل كذلك. والتواصل عنصر من عناصر خلق صورة في جوانبها الإيجابية وجوانبها الكاريزمية.
إذن، الإشاعة عنصر من عناصر تدعيم نفوذ أو سلطة، كما يمكن أن تكون وسيلة لتحطيم أو تشويه أو إضعاف صورة ما.
من هنا، يتبين بالواضح أهمية وخطورة الإشاعة، لذلك فارتباط الإشاعة بالسلطة كان ولا زال ارتباطا مباشرا وبما أن السياسة والتاريخ مرتبطان كذلك بالزمن، فالإشاعة كذلك مرتبطة بالتاريخ. والمؤرخ، في إطار ممارسة عمله، يصادف الإشاعة وعليه أن يحللها حسب أدواته المنهجية.

- هل للفترة التاريخية ظروف موضوعية لنسج الأسطورة؟
+ نعم، للفترة التاريخية ظروف موضوعية لنسج الأسطورة، لأن الإشاعة نبتة وهذه النبتة تحتاج إلى تربة صالحة وكذلك إلى مناخ وعناية، لهذا لكل إشاعة ظرفية وهذه الظرفية هي شروط التنشئة والتطور، لكنها نابتة في الأرض والأرض هي الواقع الثقافي والاجتماعي الذي يتجاوز الظرفية.
وبالنسبة لنا نحن المؤرخين، يعد مصطلح الظرفية مصطلحا دقيقا، فهو محصور بفترة زمنية لها خصائص معينة، يجب الإحاطة بها وهذه الفترة هي حلقة لصيرورة يطبعها الواقع الاجتماعي الثقافي الذي هو أعمق من الظرفية.

- إذن، هل الإشاعة تتجاوز الظرفية الزمنية؟
+ لا تتجاوز الإشاعة الظرفية الزمنية وإنما تنبت الإشاعة في ظرفية معينة أو تساعدها على النمو ولكنها تنبت داخل ثقافة والثقافة هي التي تتجاوز الظرفية.
إذن قبل عملية الإنبات، هناك تربة تزرع فيها البذرة، وعملية الإنبات مرتبطة بالظرفية، لأنها هي التي تساعد على الإنبات.

- تاريخيا، كيف يمكن أن نعرف الإشاعة أو الأسطورة التي تنسج حول الملوك؟
+ يعيش كل ملك من الملوك سواء داخل المغرب أو خارجه، واقعا سوسيولوجيا وثقافيا وظرفيات معينة وقد يصادف حكم هذا الملك انتشار إشاعة معينة وقد لا يصادف ذلك. وهذه الإشاعة قد تكون لصالحه وقد تكون ضده، إذ ليس من الضروري أن تنطلق الإشاعة من السلطان لخدمة السلطان، فقد تنطلق من خارج دائرة السلطان وتحاول الإساءة إليه وقد تحقق هدفها أو العكس وقد تنطلق الإشاعة من السلطان فتحقق هدفها أو تخطئ هدفها وتتحول إلى نقيضه.
كما أن كل الحكام، سواء في الشرق أو في الغرب، هم عرضة للإشاعة أو نسج أسطورة خيالية عنهم، لأن الإشاعة هي المستوى الأول في الحرب الكلامية. وحاليا يسمى هذا الأمر بالخبر الزائف في الصحافة العصرية الذي يستهدف إرباك الخصم المباشر أو الخصوم المفترضين، لكن مع تطور وسائل الإعلام بشكل مذهل، قد يروج خبر ما، ثم يفند بعد ساعة من الزمن أو أسبوعا نظرا لحركية الأمور. أما سابقا ونظرا لكون وسائل الإعلام، لم تكن بهذا الحجم من التطور، حسب شبكة الإخبار والإخبار المضاد، كانت تستمر الإشاعة زمنا طويلا.
وكمثال على بعض الإشاعات التي راجت من قبل، وباعتباري أستاذا مختصا في التاريخ المعاصر، سأقتصر على بعض الإشاعات التي راجت في عهد السلطان مولاي عبد العزيز والتي كانت تهدف إلى الإساءة إليه، فهذا السلطان الشاب الذي بدأ حكمه رسميا سنة 1894، إلا أنه كان قاصرا حيث كان تحت وصاية "با حماد" إلى سنة 1900، حيث تولى هذا الأخير تدبير مقاليد الحكم بعد وفاة " با حماد" إذ حكم مولاي العزيز من سنة 1990 إلى حدود 1908، وهذه الفترة تميزت بظرفية عصيبة، تنعث "بالفوضى المغربية"، كان الحكم في موقع ضعف والتكالب الأجنبي بلغ مداه، ثم الارتباك الذي عرفته البنيات المغربية، وكان السلطان مولاي عبد العزيز أمام إشكالية كبيرة وهي التي كانت تسمى إشكالية الإصلاح. لهذا حاول السلطان مولاي عبد العزيز إصلاح كل هذه المشاكل وفق النموذج الغربي، فقام بمجموعة من الإجراءات، كتقليص عدد الوزراءإلى 4 فقط، كما قام بثورة في ميدان الضرائب حيث جمع كل الضرائب في ضريبة واحدة سميت بضريبة الترتيب وألغى كل الوسطاء وعين موظفين بأجور، كل هذه الإصلاحات قام بها باعتماده على مستشار إنجليزي اسمه " ماكلين".
وفي ظل هذه الإصلاحات التي قام بها مولاي عبد العزيز، قامت ضده كل الإطارات التقليدية وخلقوا أزمة فعلية، بإطلاق إشاعات من شأن أنه طفل صغير مولوع بالآلات الجديدة مثل الدراجة، آلة التصوير... وهذه الإشاعة ظلت حية زمنا طويلا إلى حدود اليوم، وهناك بعض الباحثين من يعتبرون أنه يجب إعادة الاعتبار للسلطان مولاي عبد العزيز.
أما في إطار ما قام به من إصلاحات، فقد نختلف معه في سياسة التحديث وتبني الحداثة في المغرب دون استحضار خصوصية البيئة المغربية، لكن ذلك لا يعطي الحق في ترويج إشاعات تسيء له. ولحد الآن لم نستطع بعد قرن من الزمن إعادة الاعتبار لشخصية عبد العزيز نظرا لقوة الإشاعة التي أطلقت ضده، لأنه مس مصالح فئات عريضة.
كذلك في عهد الراحل محمد الخامس، انتشرت بشكل كبير إشاعة رؤية محمد الخامس في القمر والهدف من هذه الإشاعة هو إدخال محمد الخامس مرحلة القداسة، ذلك أن القمر ينتمي إلى السماء والسماء هي الله، ولكي يصل الإنسان أن يرى في القمر بهذا الشكل، يعني أنه اختاره الله، وبالتالي خرج من فئة بني البشر إلى فئة بني البشر المختارين.
هذه الإشاعة أطلقتها الحركة الوطنية ضد الفرنسيين، وبالرغم من العقلانية التي يمتاز بها الفرنسيين، إلا أن هذه الإشاعة انتصرت وأعطت أكلها وكانت عنصر تجنيد كما أعطت نفسا للملك محمد الخامس، الذي لم يكن على علم بهذه الإشاعة، حيث أطلقت وهو في المنفى.
إذن انطلاقا من سرد هذين المثالين، يتضح أن الإشاعة التي روجت لمحمد الخامس، رفعت من شأنه إلى درجة القداسة، في حين الإشاعة التي روجت ضد مولاي عبد العزيز حطت من شأنه إلى مستوى الطفولة المضطربة.

- في أي المجمعات تنشط الإشاعة أو الأسطورة أكثر؟
+ الإشاعة موجودة في جميع المجتمعات، لكن شكلها تعطيه ثقافة ذلك المجتمع، فمثلا الإشاعة الأخيرة التي عرفتها الساحة السياسية الفرنسية، أخذت شكل المخابرات، لأن هناك زوايا مظلمة تتحكم في عالم الاستخبار وعبر تلك الزوايا المظلمة يمكن دس بعض الأمور الكاذبة. إذن كل ما يسمى في العالم العصري بالفضائح "les scandales"، تنشط فيها الإشاعة. ثم هناك مجتمعات لا تأخذ فيها الإشاعة هذا الشكل، بل تأخذ مسالك البنيات العقلية الموجودة، و بنيات هذه المجتمعات المتخلفة هي بنيات المقدس التي قد تخلق شخصيات خرافية، ليس بالضرورة للإساءة مثل: "عائشة قنديشة" أو شخصيات حقيقية، ضخم دورها مثل شخصية عنتر بن شداد أو شخصية علي بن طالب.
كما أن محمد الخامس تعرض لإشاعات مسيئة أطلقتها الإقامة العامة الفرنسية ضده حول ممتلكاته مثلا وكان الهدف من ذلك هو المس بكاريزمية شخصه والاحترام الذي يكنه المغاربة له، وذلك منذ خطاب طنجة لسنة 1947، حيث أصبح محمد الخامس في الواجهة على مستوى الصراع الوطني، آنذاك كثر انتشار الإشاعات من طرف المستعمر والطرف المساند له، مثل قصة الكلاوي، لكن هذه الإشاعات لم تبلغ هدفها، حيث سرعان ما اختفت.
أما بخصوص الراحل الحسن الثاني فقد كان كذلك عرضة لمجموعة من الإشاعات والأساطير مثل الإشاعة التي راجت حول زواجه بامرأة إيطالية أو ما تم ترويجه في الأوساط الشعبية كونه يملك خاتما يحميه من أية إساءة.

- هل استفاد الحسن الثاني من ترويج مثل هذه الإشاعات؟
+ جزء منها قد أفادته في مسيرته وجزء آخر لم يستفد منه الراحل الحسن الثاني، وذلك حسب المتلقي، فعندما كان المغاربة يستهلكون الفكر الغيبي، زادت تلك الإشاعات والأساطير من هيبة الملك الراحل الحسن الثاني. ولكن منذ السبعينيات تغيرت صورة المؤسسة الملكية بعد الانقلابين وبعد الحركات الاجتماعية التي شهدها المغرب في السبعينيات، لهذا أصبحت الملكية مجبرة على إعطاء صورة عصرية للمغرب.

- هل للسرد التاريخي طقوس معينة في نسج الأساطير والإشاعات حول الملوك؟
+ مصطلح السرد التاريخي، مصطلح غامض، لهذا نحن المؤرخون نستعمل الخطاب التاريخي، أما السرد فهو موجود، لكن ليس بالضروري أن تكون له علاقة بالمؤرخين، حيث يحق للكل الحديث عن التاريخ أو كتابة التاريخ كشاهد أو هاو أو مهتم بالإخبار، فالسرد من هذا المنطلق يبقى بعيدا عن الصرامة العلمية، يروج للإشاعات، لأنه لا يملك التقويم والحذر الذي يمكنه من رواية الحدث كما هو، وهناك من كتب وروى أنه بالفعل رأى محمد الخامس في القمر وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث سرد أن جريدة ألمانية صورت الحدث كما هو.
إذن يمكن لبعض الكتابات السردية لغير المتخصصين أن تروج لبعض الإشاعات وأن تعمل في اتجاه ديمومتها.
لكن بالنسبة للمؤرخ المحترف، فهو بين موقفين اتجاه الإشاعة، أما الموقف الأول فهو الإشاعة التي لم تتحول إلى حدث تاريخي، لأنه لم يكن لها وقع كبير، هذه الإشاعة يفندها المؤرخ ويعيد الحقيقة التاريخية كما كانت، بينما الإشاعة التي تحولت إلى واقع تاريخي، مثل رؤية محمد الخامس في القمر، حيث يعتقد مجموعة من الناس أنهم رأوه فعلا، لكن على المؤرخ، في هذا الإطار، أن يفسر كيف تم ذلك باستعمال مناهج و أحداث تمنحها لنا العلوم الاجتماعية، وهي أدوات الإيحاء la suggetion وقد أخذنا هذه الأساليب من علم السيكولوجيا وأدخلناها في إطار السيكولوجيا الجماعية وهذا علم قائم بذاته حاليا، ومن هنا ثبت أنه يمكن أن يتهيأ للأفراد وللجماعات أن ترى صورا، خصوصا من طرف من يمتلك سلطة معينة "سلطة رمزية أو روحية أو علمية" آنذاك يتحول هذا الأمر إلى واقع عن طريق التهيئ.

- هل الغموض الذي يلف القصور والهالة المرتبطة بالملوك لها شروط موضوعية في توليد الإشاعات والأساطير؟
+ بخصوص سؤالك، فقد أصبح، منذ القرن الخامس عشر، لهذه الظاهرة اسم هو الماكيافيلية، نسبة إلى ماكيافيل، حيث في كتابه "الأمير" يربي الأمير الإيطالي ويعطيه نصائح تتمحور حول تمكينه من أسالب تمنحه النفوذ على رعيته، ومن ضمن هذه النصائح، نصائح التوهيم و نصائح الاستدراج.

- هل تبت تاريخيا رغبة الملوك في ترويج الإشاعات عنهم؟
+ قبل الإجابة عن هذا السؤال، لابد من الاتفاق حول عدم السقوط في التعميم، لأن التعميم سيؤدي بالضرورة إلى استخلاص خلاصات خاطئة، لهذا لابد من إدخال أداة الشرط" قد"، حيث قد تكون الأوضاع السياسية لبلد ما غير مستقرة ويصعب إدارتها فيتم اللجوء إلى الإشاعة قصد إلهاء الرأي العام لهذا تعتبر الإشاعة سلاح من الأسلحة التي تستعمل في هذا المضمار.
أما جوابا عن سؤالك، فقد تبت أنه في مراحل ما قبل الحداثة، كانت الإشاعة أداة من أدوات إدارة وتدبير الشأن العام. فكم من شخص تقلد مناصب مهمة بإشاعة وكم من شخص كان يمتلك المقدرة الكافية لتقلد منصب ما وقضي عليه بإشاعة.
ولكن في إطار الانتقال إلى المجتمع العصري ثم المجتمع الحداثي، تقلص نفوذ الإشاعة.

- هل سبق لحاكم ما أن حارب أو حاكم مروجي الإشاعة أو الأسطورة؟
+ في هذا الصدد، سأذكر حكاية وقعت قريبا دون ذكر أسماء أبطالها، لأن جزء منهم لا زال على قيد الحياة. مباشرة بعد استقلال المغرب، كان المحيطون بالملك يوشون ببعضهم البعض، حيث جاءت مجموعة إلى الملك محمد الخامس ووشت بمجموعة من أعمدة المقاومة، باعتبارهم ضد الملك، ويتآمرون عليه، فغضب محمد الخامس واستدعى من تم الوشاية بهم للتحقيق معهم في الوقت الذي لا زال من وشوا بهم حاضرون لا يفصلهم عن الآخرين سوى ستار، لكنهم فندوا ما قيل عنهم رادين الأمور إلى نصابها. بعد ذلك، قام محمد الخامس برفع الستار متسائلا عما قالوه فكان رد فعلهم أنهم تملصوا من قولهم قائلين : " هذا ما سمعناه". ورغم اكتشاف الحقيقة لم يقم محمد الخامس بمعاقبتهم.

- في رأيكم لماذا لم يقم محمد الخامس بمحاكمة هؤلاء؟
+ هذا الأمر مرتبط بالحقل السياسي، فليس من الضروري معاقبة الفاعل وإخراجه من دائرة الفعل لأنه يصبح بعد قيامه بذلك، محط إضعاف يمكن التحكم فيه واستعباده.

- أين يمكن أن تصنف زمنيا ترويج الأسطورة أو الإشاعة هل بعد وفاة الحاكم أم أثناء فترة حكمه؟
+بخصوص سؤالك ليس هناك جواب مطلق، فقد يتم ترويج الإشاعة في الفترتين معا، وقد تنشط الإشاعة في إحدى الفترتين فقط، لأن المتحكم في الإشاعة هو الظرفية. وكمثال على ذلك البيضة التي تحمل في جوفها مواد قد تتحول إلى كتكت لكن بشرط وجود دجاجة تقوم بعملية الحضانة فتتم عملية إخراج كتكت وقد لا تنجح هذه العملية فيصيب البيضة التعفن.
لهذا فإمكانية ترويج الإشاعة قبل الوفاة أو بعدها أمر متوقع لكن ما يقوي الإشاعة أكثر أو يعطيها القدرة عن الانتشار هو المجتمع المحافظ التقليدي، لأن فضاء العقلنة فيه محدود والإيمان بالجانب الشفوي للثقافة والغيبيات حاضر بقوة أما المجتمع الحداثي الذي يتميز بالعقلنة والتدوين والتحقيق لا تنعدم فيه الإشاعة، لكن فضاؤها يبقى محدودا.

منى متزكي أستاذة جامعية
الأسطورة والكرامة والحلم ... انتشرت أساسا في زمن الأزمات

- هل سبق أن روج الملوك والسلاطين بالمغرب كرامات ورؤى؟
+ ارتبطت الأسطورة والكرامة والحلم.... باللاوعي في الذات عبر التاريخ، واستولت على مساحة اختلفت باختلاف واقع الحال، فانتشرت أساسا في زمن الأزمات المختلفة (مجاعات ، أوبئة، حروب مع الأجانب، صراعات من أجل السلطة ....)

- هل يمكن تحديد مفهوم الكرامات؟
+ كان للعديد من السلاطين والملوك دور في الترويج للأسطورة والكرامة، في فترات معينة، خصوصا في المرحلة المصطلح عليها في التحقيب التاريخي بالعصر الوسيط، حيث عرفت هذه المرحلة بفترة ازدهار الكرامة والترويج لها وانتشار الفكر الصوفي، أكبر مروج لها، بل إن العديد من الحكام وصلوا السلطة عن طريق الترويج لما نسب إليهم، أو إلى بطانتهم من كرامات

- هل يمكن استخدام ملوك العصر الحديث نفس الوسائل التي استعملها الملوك السابقون بخصوص الكرامات والرؤى؟
+ لا يخل عصر من عصور المغرب من الحديث والترويج ـ بصورة أو أخرى ـ للكرامات في علاقتها بالملوك. وأقرب مثال هو ما روج بخصوص فشل محاولة انقلاب الصخيرات وفشل محاولة انقلاب الطائرة الذي دبره الجنرال أوفقير، فالعديد من الناس تحدثوا عن وعي أو لا وعي عن كرامات الملك وعن انتمائه الشريف وأمور أخرى غيبية نسبوا إليها فشل المحاولتين

- هل تسيء الإشاعة للمؤسسة الملكية؟
+ أما بخصوص الإشاعة، وهل تسيء للمؤسسة المالكية؟ فاعتقد أن الأمر يعود إلى طبيعة الإشاعة، إذ هناك إشاعات يمكن أن تكون مسيئة وأخرى يمكن أن تخدم مصالح المؤسسة الملكية، وثالثة لا تضر ولا تنفع مباشرة، إلا أنها ترسخ حضور المؤسسة الملكية في الوعي واللاوعي لدى المغاربة





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات