المفكر الإنجليزي كارل ريتر في مؤلفة (المقارنة الجغرافية) ذكر التاريخ ماهو إلا تطبيق للجغرافية ،نجد الجغرافيا والتاريخ المشترك للوحدات السياسية المتجاورة ربطت مصائر الكيانات المتساوية فإذا كانت الجغرافيا تمثل المكان فان التاريخ يمثل الزمان اللذين لا يمكن الفصل بينهما ، وهذا التداخل خلق نوعا من التفاعل الايجابي والتداخل السكاني والحراك الاقتصادي علي الرغم من إن فترات متقطعة تشهد توترات وأزمات تقل بتقارب النظم السياسية. فحركة السكان بثقافتهم وأديانهم ومعتقداتهم أنماطهم الاقتصادية واستقرارهم وتمازجهم خلق نوعا من الاستقرار والتقارب بين الدول والممالك ومثلت امتدادات ديمغرافية وحضارية وثقافية للمجموعات بعد إعادة ترسيم الحدود في فترة الاستعمار وخلقت توصلا نمطا مشتركا من السمات والصفات المتقاربة في الوحدات السياسية المتجاورة.
وتحدد طبيعة تضاريس الدولة الأرضية إلي حد كبير ما إذا كانت هذه الدولة ستتطور بمعزل عن المؤثرات الخارجية ،أو إذا ما كانت ستدخل في علاقات سلمية أو عدائية مع الدول الاخري فالحدود المنبسطة أو النهرية أو البحرية تكون محفز للاعتداء ويشهد بذلك نهر الراين الذي ظل هو المهدد لأمن فرنسا القومي وإدخالها في جولات صراعات مع ألمانيا بينما الحدود الجبلية الوعرة كانت مصدرا لمنعة الدولة وعائقا عسكريا يساعدها في صد أي هجمات .
ويعرف ان المرتفعات والجبال تشكل عائق وتحصين طبيعي يضمن امن الدولة وبالتالي تكون المؤثرات الخارجية محدودة الاجل ، لكن بتتبع التاريخ نجد ان الشعوب التي تقطن المرتفعات تنزع الي الهيمنة علي السهول لكي تحدث لها عملية وبالتالي تفتح امامها الفرص لتنال الموارد والتي في مقدمتها الزراعة.
الحدود والعلاقات الدولية:-
لتشابك المصالح وتعقدها بين الدول وتنامي الأطماع و التوسعية في فترة الاستعمار ،رسمت خطوط الحدود وظهرت كيانات سياسية لم تكن قائمة كما انه أدمجت وحدات قائمة مما مهد هذا لكثير من الصراعات والأزمات، ونجد الحدود كانت احدي العوامل في التقارب والتباعد بين الدول بل إن اغلب الصراعات كانت حول مناطق او مناطق بها موارد او لميزة عسكرية وأمنية او تاريخية لمدينة ومنطقة. وفي المقابل إن هناك إهمال للمناطق القفر والخالية من السكان والموارد، لذلك نشأت عدة نظريات تفسر الأطماع في الاستيلاء علي مناطق وتقدم تبريرات سياسية وهي نظريات لا تمت إلي القانون بصلة بل هي نظريات سياسية بالأساس، ومن أبرزها
1/ نظرية الحدود الطبيعية:-
ونجد إن الدول الأوربية تبنت فكرة الحدود الطبيعية في ترسيمها حدودها فيما بينها ، فنجد إن أسبانيا دائما تجعل جبال البرنس حاجز طبيعي وحدود سياسية مع فرنسا والفرنسيين طوال عهدهم جعلوا نهر الراين حدودا سياسية مع ألمانيا والروس اعتبروا إن حدودهم الطبيعية لا تتوقف إلا في بحر اليابان ، بل إن ترسيم الحدود في أفريقيا اخذ فيه هذه النظرية في إن الحدود بين السودان وإثيوبيا هو نهاية الهضبة الإثيوبية فالسهول اعتبرت أراضي سودانية والمرتفعات أراضي إثيوبية .
وما يمكن أن يؤخذ علي نظرية الحدود الطبيعية أنها لا تتفق مع طبيعة البشر أنفسهم ، فلا يمكن القبول بان الممرات المائية والمرتفعات هي أساس لتقسيم النشر ونجد إن الحدود بهذا التوصيف تقضي بتقسيم المجموعات المتجاورة والشعوب ، وقد عرف عن تحرك السكان بان الحواجز الطبيعية لم تكن يوما عائقا علي اتصال البشر وتحركهم ن بل إن هذه الموانع التي تشكل حدود دولية نفسها اليوم قائمة في داخل الوحدة السياسية الواحدة.
2/ نظرية الحدود الاستراتيجية :
وهي تعني التوسع في الأراضي والتخوم (المناطق الطرفية) لضمان امن الدولة القومي وان كان هناك تياران في نظرية الحدود الاستراتيجية للدولة وهما:
التيار الأول القائم علي والانتشار عبر مد النفوذ من دون يحرك قوة للاحتلال وظهر هذا النموذج في التوسع الاشتراكي الذي وسع من نفوذ الاتحاد السوفيتي الذي كان يحلم بالوصول إلي المياه الدافئة فقط تطور نفوذه إلي أمريكا الجنوبية وأفريقيا وجنوب شرق أسيا ، لذلك اتسعت مناطق نفوذه الاستراتيجية ، وتأسيسا علي ذلك نجد نفوذ الدولة الاقتصادي والعسكري والفكري يسمحان لها بان تكون لها تخوم استراتيجية أو حرم منيع يقيها شر الحرب والعزلة الاقتصادية
التيار الثاني والقائم علي مناطق القوة بان الدولة كلما توسعت فتوحاتها كلما ضمنت لنفسها الأمن وأيضا نلاحظ إن الاتحاد السوفيتي في فترة بناءه كدولة عظمي قد احتل بل وابتلع العديد من الدول وأضافها إلي مناطق نفوذهن وكذلك توسع نابليون بونابرت في قارة أوربا و قارة أفريقيا .
ويمكننا الجزم بان محاولات إقرار النظام الواحد القائم علي تنميط العالم بالنمط الغربي الأمريكي (العولمة) ماهي إلا محاولة أمريكية لتوسيع حدودها العسكرية والسياسية أصبحت الحدود والسيادة من المفردات التي عفت عنها عولمة السياسة الدولية .
3/ نظرية الحدود القومية
وهي النظرية القائمة علي إن كل دولة لها سيادة علي أراضيها وشعبها الذين يشكلوا دولة قومية ويكون السياج الكبير المميز للدولة والذي يحدد نطاقها الحيوي هو الحدود. ولكن مفهوم القومية نفسه تعرض إلي كثير من المغالطات اثر خروج مجموعات من الكل القومي الواحد وتأثير رسم الحدود الذي ربط مجموعات متنافرة كما في كثير من دول أوربا (يوغسلافيا) والدول الأفريقية التي تعج بالأمثلة من هذا السياق فدول مثل الصومال تعرضت للتمزق وأخري علي حافة الانهيار.
التعليقات (0)