مواضيع اليوم

البعد الايدلوجي لدومة ود حامد

رجاء داؤد

2010-05-19 19:19:52

0

دومة ود حامد احدى قصص اول مجموعة قصصية للاديب السوداني الراحل الطيب صالح , وهي نفسها التى تحمل اسم المجموعة , وليس ذلك صدفة إذا لاحظنا أن هنالك تسلسلاً في اعمال الطيب صالح وان الدومة هي اساس القرية واصلها وسبب عمارها . ومن بعد ذلك تقدم بالزمن بالحد الذي جعل الرجل كبير السن ( الراوي ) الذي اصبح يحكي عن القرية بالرجوع للروايات الشفاهية , التي إنتقلت له من جده عن طريق والده., ورواية ود حامد هي مركز كل الاحداث والقاسم المشترك لها .
المعتقدات الشعبية:-
هناك معتقدات تؤمن بها الشعوب في ما يتعلق بالعالم فوق الطبيعي ,كالكشف والرؤيا والالهام والمعتقد العقائدي , وكل الاشياء التي تتحول في صدور الناس الى اشكال اخرى جديدة بفعل التراث القديم الكامن على مدى الاجيال , وهي ليست معتقدات دينية رسمية بالشكل الصحيح ، اي، أنها لا تحظى بقبول وإقرار رجال الدين الرسميين مما يطلق عليها البعض (خرافات ) او (خزعبلات)، مثل لذلك قيام الدومة في ارض حجرية مسطحة مرتفعة وعلميآ هي ارض غير قابلة للانبات ورغم ذلك نبتت النخلة واثمرت! والكل شاهدها وهي مكتملة النمو , وخلاف هذا هي كل نواحي الحياة الغيبية لكل سكان القرية ما من رجل او إمرأة او طفل او شيخ يحلم في ليله إلا ويرى دومة ود حامد في موضع ما من حلمه .
لكن هل يمكن للخرافات ان تؤثر او توجه مجرى الحياة مهما كانت درجة تقليدية المجتمع ؟؟
وهذا ما نلاحظه جلياً في هذه القصة والراوي يتعمد ان يحكي لضيفه (المخاطب) قصة الواعظ الذي أرسلته الحكومة ليقيم عندهم ويعلمهم الدين ولم يستطع التعايش مع طبيعة المنطقة فولى هارباً بعد ان ارسل خطاباً للحكومة ختمه بعبارة :( هؤلاء قوم لا حاجة لهم بي ولا بواعظ غيري). فرحل ولم يأت واعظ غيره !! وهنا يتضح تضامن الطبيعة والمناخ مع معتقدات إنسان القرية في صد كل غريب معتقداً ام إنساناً او جعل جماعة معينة تتعايش مع سوء الطبيعة المتمثل في ( النمتة ) و( ذباب البقر) وإختلاطه مع عمق المعتقد (الدومة ) شكل للمجتمع حماية ضد التطبيع والانصهار مع الغير ..وإن إستطاع بعض افراد هذا المجتمع الخروج لاجل الدراسة اوالعمل ولكن سرعان ما يرجعون ويواصلون التعايش مع الاشياء بالصورة التى لا يستطيعها الغريب حتى لو كان رجل دين يفترض فيه الايمان العميق وتبليغ الدعوة تحت اي ظروف.
المشروع الزراعي
وعندما قررت الحكومة في الحكم الاجنبي قطع الدومة من اجل إقامة مشروع زراعي وبعد دراسات مستفيضة لم يشركوا بها احد افراد القرية قرروا ان موقع النخلة هو انسب مكان لاقامة ماكينة الماء . وسمع اهل القرية بقطع الدومة وهبوا عن آخرهم هبة رجل واحد . وسدوا على مفتش المركز السبل واعانهم الذباب كذلك وهددوا الرجل بأنه إذا قطعت الحكومة الدومة فأنهم سيحاربون بقريتهم الحكومة حتى يموتوا كلهم ولم تقم الماكينة ولا المشروع الزراعي ولكن بقيت الدومة . هكذا ضحى الاهالي بالخير الوفير والنمو الاقتصادي من اجل معتقدهم الشعبي . لكنها العقلية الشعبية التي في سبيل المحافظة على خصوصيتها الثقافية يمكنها ان تستخدم أخطر الاسلحة الايدلوجية . المحطة
ويحكي الراوي : في اول العهد الوطني جاءنا موظف في الحكومة وقال لنا (ان الحكومة الوطنية تحب ان تساعدنا وتطورنا) وكان موظف الحكومة متحمساً يتحدث ووجهه متهلل , ونظر فأذا الوجوه التي حوله لا تستجيب لشئ مما كان يقول .. ولكن وعى الاهالي كلام موظف الحكومة تماماً عندما تطرق الموظف ان الحكومة تنوي إقامة محطة مكان الدومة بعد إزالتها , وان ميعاد مرورها بقريتهم هو عصر الاربعاء ذات الوقت الذي يزورون فية ضريح ود حامد عند الدومة ويأخذون معهم نساءهم واطفالهم يسألونه اغراضهم ويوفونه نذورهم . وعندها احس الاهالي باستفزاز مشاعرهم الدينية للدرجة التي علق عليه الراوي (ان وقوف إمرأة عارية لا يمكن ان تثير دهشتهم مثل ان يسمعوا شخصاً يتحدث عن الدومة دون حرمة ! لانهم حسب ما شبوا عليه في إعتقادهم عن الدومة يحسبون ان الكل يكن للدومة نفس الاحترام والتقديس مثلهم تماماً. فكيف لهم ان يغيروا في البعدين المكاني والزماني لمعتقد تقوم عليه حياتهم ومماتهم وما بينهم من احداث إبتداء من الميلاد الذي قد يكون بعد تأخر في الحمل حتى يأتي اهل الزوج او الزوجة للشيخ ويطلبون منه ان يرزق فلاناً او فلانة الذرية (النديهة) فأذا ارادت مشيئة الله لهؤلاء الذرية في ذلك الحين فتتجه المعجزة والكرامة نحو الشيخ فيوفون نذره وينحرون الذبائح ثم يزورون المقام عند اربعين المولود وختانه وزواجه وقد تمتد الزيارات حتى الموتى يدفنون بالقرب من الدومة .. أيعقل ان يضرب بكل هذا عرض الحائط؟ هكذا اوقر الرجال سراً وكادوا يفتكون بالرجل للولا العناية الالهية .
حدث ذلك رغم إحتياج الاهالي للمحطة ووسيلة المواصلات التي تزيح عنهم بعض عناء السفر هكذا حكى الراوي ( نحن لا نسافر كثيراً ولكن إذا اردنا السفر لأمر مهم كتسجيل أرض او النظر في قضية طلاق فأننا نركب حميرنا ضحى كاملة ثم نأخذ الباخرة من المحطة بالبلدة المجاورة لقد إعتدنا يا ابني على ذلك بل من اجل ذلك نربي الحمير ) الشئ الطبيعي ان يفرح الاهالي بهذا المشروع الذي يسهل عليهم السفر ويربطهم بالعالم الخارجي لكي يسوقوا إنتاجهم ويستوردوا إنتاج غيرهم بتكلفة اقل في النقل والترحيل، ورغم ذلك كان الرفض للقرار الذي لم يحترم خصوصيتهم العقائدية .
بعد ايدولوجي
وعندما اصرت الحكومة الجديدة على فرض سيطرتها على تخلف الاهالي من اجل إنزال كل المخططات التنموية على ارض الواقع, ارسلت الحكومة موظفاً في حماية قوة من الجنود حتى يتثنى له القيام بواجبه . هاجم الاهالى الموظف والجنود ورموا بهم في النهر من ثم تم إرسال قوة من العساكر اخذت الجناة للسجن وبعد اقل من شهر حدث إنقلاب إستفادت فيه المعارضة من هذا الحادث وقدمت رافضي التنمية على إنهم أبطال وحماة للمعتقدات والعرض فخرجوا خروج الابطال .
هكذا كانت دومة ود حامد نموذجاً تقليدياً لسكان الريف كما يراهم علماء الانثربلوجي , اشخاص يعيشون على الخزعبلات. والاساطير تسير حياتهم وفق ما تسطره عقلية الوسيط الذي يربط بينهم والاسلاف . إنها الارضية البكر التي شكلت كل معظم عناصر الثقافة الافريقية , الارض .المكان المبدأ , الجد , الاصول , القيم , الارث , الابن , المسقبل والتغيير .

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات