البطل الدكتور جمال حسن المشرّف
مصعب المشرّف
31 يناير 2021م
(هـذا ليس وقت الجبناء)
بجزن وحسرة وأسف بالغ . تناقلت الصحف البريطانية الخميس 29 يناير 2021م خبر وفاة الدكتور السوداني جمال حسن عتمان المشرّف عن 62 عام على إثر إصابته بعدوى فايروس كورونا كوفيد 19 .
وقد تصدرت عبارته تلك (هذا ليس وقت الجبناء) وصورته وصور أفراد أسرته صفحات أهم الصحف الورقية والألكترونية البريطانية كان على رأسها صحيفة ذا صن و ديلي ميل. فكان ما أجمعت عليه هذه الصحف هو وصفه بـ "البطـــل".
وقد جاءت الوفاة بعد صراع طويل مع الفيروس داخل غرفة العناية المركزة التي تم نقله إليها في نفس المستشفى التي كان يرأس ويقود فيها الفريق الطبي المعالج للمرضى المصابين بالفيروس . وهو مستشفى "ساوثميد" شمال بريستول. ومن سوء الحظ أن المرحوم قد أصيب بعدوى الفيروس وأدخل العناية المركزة قبل ثلاثة أسابيع فقط من بداية إعطاء جرعات اللقاح الذي استوردته بريطانيا من شركة فايزر الأمريكية.
وقد حفظ التاريخ الإنجليزي بل الطبي العالمي للمرحوم البطل الدكتور جمال المشرّف مقولته "هـذا ليس وقت الجبناء" التي قالها لزملائه في الفريق المعالج حين طلبوا منه أن ينتقل للعمل في قسم آخر من أقسام الطواريء بالمستشفى ، إشفاقاً منهم عليه . ولما كان يبذله من جهد مستميت في عمله الإنساني . حيث أكدت الصحف البريطانية أنه بالفعل قد أشرف وقاد فريقه الطبي بجدارة وإخلاص منقطع النظير فعالج المئات من حالات الإصابة بفيروس الكورونا التي أدخلت للمستشفى.
ومن بين الأسباب التي جعلت زملائه في الطاقم الطبي يرجون مه التخلي عن العمل في قسم الطواريء الخاص بمرضى الكوفيد 19 هو مراعاتهم لكونه قد تجاوز سن الستين من العمر . وما يمثله ذلك من خطورة على حياته لجهة تزايد إحتمالات إلتقاط العدوى . ثم لما قد يكون قد تسبب به وفاة شقيقه الأصغر المرحوم أمرؤالقيس بسبب إصابته بعدوى فيروس الكورونا في المملكة العربية السعودية في سبتمبر من العام الماضي.
المرحوم الدكتور جمال متزوج من زميلته الطبيبة منال . وله منها سبعة أبناء أكبرهم يبلغ عمرها 20 عام فقط. وهم: ريل ، لما ، سارا ، أحمد ، دينا ، حسن ، لميس.
وقد تحدث زملاء المرحوم عنه . فأصابت جميع أقوالهم عنه عين الحقيقة والصواب . فقد وصفوه بأنه هاديء ومتواضع وكريم ودائم الإبتسامة . وأنه عضو مشهور جدا في فريق أطباء تخصص الطواريء ومحبوب لديهم.
وفي واقع الأمر فإنه على الرغم من أن شهادتي في المرحوم جمال المشرّف مجروحة كونني إبن عمه . لكنني لم أندهش حين قرأت تلك العبارة التي سجلتها عنه ونسبتها إليه الصحافة البريطانية بأحرف من ذهب وهو قوله :
"هذا ليس وقت الجبناء"
فهذه العبارة التي أطلقها وختم بها حياته المثمرة كانت تلازمه على لسانه قولاً وبمعانيها عملاً في كافة أفكاره ورؤاه. وتصرفاته وردود أفعاله منذ بواكير صباه . وكان أسرع وأكثر ما يكون نصرة للمظلوم وللضعفاء والفقراء . ويجتهد في مساعدتهم بما يستطيع. ويطلب لهم ولا يطلب لنفسه شيئاً.
ولد جمال حسن المشرّف في مدينة الهلالية ونشأ وترعرع على ضفاف النيل الأزرق وتخوم البطانة وسط أهله من قبيلة المحس وعائلة المشرف . والتحق بمدرسة حنتوب الثانوية حيث كان شعلة من الحيوية والنشاط والعمل الإجتماعي الدؤوب . وتمتع بالذكاء الوقاد في التحصيل الأكاديمي . كما عرف عنه نشاطه الرياضي . وهو ما أهله للعب في منتخب مدرسة حنتوب لكرة القدم. كما تم إنتخابه من قبل زملاؤه في داخلية علي دينار رئيسا للداخلية لما تميز به من التحصيل الأكاديمي وإحرازه المركز الأول في إمتحانات النقل ، ونشاطه الرياضي والإجتماعي ونخوته ومروءته الملفتة للإنتباه والإعجاب. وواقع أنه كان يسارع إلى خدمة الغير ومساعدتهم والإبتسامة والتواضع يسبقانه إلى عيون الناس . فكان بذلك أمير القلوب بلا منازع.
من مدرسة حنتوب إنتقل المرحوم جمال إلى كلية العلوم جامعة الخرطوم . ومنها إنتقل لدراسة الطب في جامعة الزقازيق بمصر. وبعد تخرجه عاد للسودان فعمل فترة في مستشفى العيون بالخرطوم وانتقل إلى إنجلترا للعمل بمستشفياتها والتخصص في طب الحالات المستعجلة.
في حنتوب لم يكن المرحوم جمال ناشطاً سياسياً بالمعنى المتعارف عليه على الرغم من شهرته وشعبيته وسط الطلاب وهيئة التدريس ؛ وحالات الإستقطاب السياسي الحاد وسط الطلاب والأساتذة التي تشهدها المدرسة . ولكنه كان صاحب رأي مناهض للديكتاتورية والشمولية . ومن عشاق الإستماع لأغنيات الراحل محمد وردي العاطفية وأناشيده الوطنية والأكتوبرية خاصة. ومن أبرز سماته الشخصية التي منعت عنه الخصومات والأعداء حين كان رئيساً لداخلية علي دينار ؛ أنه كان يلتمس العذر للآخرين الذين كانوا يتأخرون عن حضور التمام ثم يذهبون إليه بتعللون بشتى الأعذار. وكان مستمع جيد لزملائه . ويجيد الإنصات لكافة الآراء والإبتسامة خلال كل ذلك لا تفارق وجهه الصبوح.
رحم الله أخي إبن عمي حمال حسن المشرّف ، وأسكنه فسيح جناته وألهم زوجته وإخوته الصبر والبركة فيهم وفي أولاده . فقد كان نعم الأب والوالد الذي عاش مكافحاً يكسب من كد يده وعرق جبينه . وبذلك يتشرف كل إبن وبنت بأبيهم وترتفع هاماتهم وأحفاده أبد الدهر......... ولا نــامــت أعيــــن الجبناء.
التعليقات (0)