يحلمون بدولة و يساهمون بترسيخ الاسس التي تحول دون ذلك الحلم، هذا هو حال الساسة الکورد في عراق مابعد صدام حسين، فهم في الوقت الذي يشيعون بين أبناء الشعب الکوردي"من خلال مايبثونه في وسائل الاعلام الموجهة للکورد"، انهم"يحلمون و يعملون" من أجل قيام دولة کوردية، فهم في نفس الوقت يعملون بکل مافي وسعهم من أجل ترسيخ أسس و رکائز النظام السياسي للدولة العراقية الجديدة، والحق، انه وعلى رغم کل المؤاخذات و الانتقادات التي وجهت و توجه للقادة الکورد، فإن الخدمات"الجليلة"التي قدموها و يقدمونها"بسخاء مفرط"من أجل عراق موحد، هو أمر واضح وضوح الشمس في جلي النهار، فدور القادة و الاحزاب الکوردية في تنقية الاجواء وتهدئتها وتقريب وجهات النظر بين الاخوة(الشيعة و السنة العرب)المتحاربين وکذلك مساهمة البيشمرکة الکورد بحماية مؤسسات و"رجال" العراق الجديد وکذلك توفير الاجواء لعقد المؤتمرات المتباينة الخاصة بترسيخ و تقوية دعائم النظام الجديد على أرض الاقليم الکوردي، وخدمات"مجانية"أخرى عديدة، کل ذلك لعب دورا کبيرا في توطيد أرکان العراق الجديد من خلال تسهيل و تمشية أمور العملية السياسية فيه.
المبادرة الاخيرة لرئيس إقليم کوردستان العراق و التي أفضت في نهاية المطاف الى جمع الفرقاء و الخصوم المختلفين و المتلاسنين على طاولة واحدة لتشکيل الحکومة العراقية الجديدة بعد کل ذلك المخاض العسير، لن تکون قطعا آخر الخدمات الکوردية المقدمة على معبد"الاخوة العربية ـ الکوردية"، لأن واقع الحال و طبيعة سير و إتجاه التعامل السياسي للکورد مع بغداد، يفرض على القادة الکورد أن يرضوا في کل الاحوال بالارنب و في نفس الوقت يزرع في أعماقهم اليقين بأنه ليس هناك أي مجال لمجرد التفکير بالغزال(بحسب المثل العراقي: تريد أرنب خذ أرنبا و تريد غزالا خذ أرنب) ، وان الموقف الذي بادرت إليه البصرة(ولاأحدد طرفا او جهة ما، لأن الموقف هو بحق يعبر عن الواقع بعينه، على الرغم من التبريرات الشفوية التمويهية التي قدمت من جانب المسؤول الاعلامي لمجلس محافظة البصرة بهذا الخصوص)، من حيث تنزيل و تمزيق الاعلام الکوردية التي تمت بسرعة قصوى في وقت قياسي، إذ ان البصرة(شأنها شأن معظم مدن جنوب و وسط و غرب العراق)، لم تستسيغ تقبل علم "غريب"مفروض عليها مقابل الخدمة التي أسداها البارزاني للعراق، وأجد الموقف من حيث المنطق طبيعيا، ذلك أن مسعود البارزاني عندما قدم مبادرته فقد قدمها کعراقي يعيش تحت الظل الوارف للعلم العراقي قبل أي شئ آخر، ولذلك فمن الطبيعي جدا أن تبادر البصرة الى موقفها الآنف وبکل حدية و جدية.
ان رفع علم اقليم کوردستان في البصرة على أثر مبادرة الرئيس مسعود البارزاني، کان بالاساس عملا غير منطقيا و لايمکن تقبله و إستساغته في ظل الاوضاع الحالية للعراق بوجه خاص، سيما وان هناك حتى إعتراض"من جانب قوى سياسية عديدة" على رفعه في الاقليم الکوردي ذاته، وکان الاولى بأصحاب"فکرة"رفع أعلام الاقليم في مدينة البصرة أن يفکروا في التأثيرات و التداعيات المحتملة التي تنجم عنها والتي وفي کل الاحوال ستکون سلبية، والاجدر بالقادة الکورد أن يفرضوا علم الاقليم کأمر واقع يمکن تقبله من جانب الشعب العراقي و مختلف قواه السياسية، وليس السعي لرفعه خارج الاقليم وفي أماکن ترفض اساسا تقبل فکرة وجود علم آخر غير العلم العراقي.
التعليقات (0)