بصدور قرار محكمة الجنايات الدولية القاضي باعتقاله، يكون السوداني عمر حسن أحمد البشير الذي استولى على السلطة بقوة السلاح أول رئيس مطلوب للاعتقال وأرفع مسؤول يصدر أمر باعتقاله منذ أن تأسست هذه المحكمة سنة 2002.
هذا الذي يخفي تحت بذلته العسكرية عباءة رجل دين تمكن من السيطرة على مقاليد الحكم في أكبر بلد عربي وأكبر بلد إفريقي من حيث المساحة، وأعتقد نظام يضم مختلف الطوائف والملل وبؤر التوتر رغم أن الذين عرفوه يقولون عنه أنه رجل « تعني بالنسبة له الكرامة والكبرياء الكثير، وهو سريع الغضب». فقد انتزع زمام الحكم في ظروف خاصة جدا ميّزت الوضع الداخلي في السودان والذي شهد عدم استقرار في القيادة بعد الإطاحة بالدكتاتور الأسبق جعفر النميري الذي أدخل البلاد في حالة من الفوضى، ورغم أن فترة حكم البشير التي امتد إلى العشرين سنة لم تخل من الفوضى والحروب الأهلية من الجنوب إلى إقليم دارفور والخطر يأتيه من مختلف الولايات إلا أنه تمكن من البقاء في الكرسي مرة بالتحالف مع رجال الدين وإبراز عباءة رجل الدين مثلما فعل مع حليفه السابق حسن الترابي ومرة أخرى بالتنازل لخصومه عن كل شيء تقريبا كما حدث مع عدوه الذي أصبح حليفه قائد تمرد الجنوب جون غرنق والذي راح ضحية حادث سقوط طائرة غامض، في بلد تكثر فيه حوادث سقوط الطائرات الغامضة كان أحدها ضحيته الزوج السابق لقرينة البشير الثانية، تجاوز محنه مرات أخرى بتحالفات واتفاقات ظرفية مع أكثر من طرف يهدد استقرار حكمه.
وكان أكبر تهديد يواجه نظام البشير يأتيه من الجنوب ومن غريمه الذي تحول لاحقا إلى حليفه جون غرنق، ولم يفلح في تجنب ذلك الخطر إلا بالتضحية بحليفه الآخر حسن الترابي والذي تحول فجأة من الرجل الثاني في النظام إلى السجن ثم إلى أكبر أعدائه، لكن فرحته بالحلف الجيد لم تدم طويلا عندما تفجرت مأساة «دارفور» في الجنوب سنة 2003 وحينها اتهم نظام البشير بارتكاب جرائم حرب ضد سكان الإقليم عن طريق مرتزقة «الجن جاويد»، ثم جاء الخطر مرة أخرى من منطقة آبيي في بلد هو الأكبر إفريقيا وعربيا والأغنى من حيث الثروات الطبيعية حيث يتزاوج الغنى بالمأساة والصراع الدولي من أجل الاستثمار في البترول واليورانيوم والثروات الأخرى بين التنين الصيني الذي يتقدم في صمت ويلتهم مساحات واسعة من الأراضي السودانية والبعبع الأمريكي الذي لا يريد شريكا في الغنيمة السودانية والمستعمر الأوربي القديم الذي يريد العودة من حيث ذهب. وفوق تلك الأرض الغنية حيث يلتقي النيل الأبيض بالنيل الأزرق يسيل الدم كثيرا، دم السودانيين الفقراء في تلك الأرض الغنية، حيث حافظ البشير على عرشه عشرين سنة كاملة الرجل الذي يصفه عارفوه بأنه: «كثيرا ما ينفجر في تعبيرات حانقة خاصة حينما يشعر أن كرامته قد جرحت»، فماذا سيفعل هذا الذي يرتدي بزة العسكري فوق عباءة رجل الدين وقد جرحت كرامته هذه المرة مثلما لم تجرح في أي وقت من حياته.
الخير شوار
التعليقات (0)