يعد الشاعر البشير عبيد من الأصوات الشعرية التي نحتت لنفسها مكاناً راسخاً في المشهد الأدبي التونسي؛ فهو يكتب القصيدة بكثير من الصبر والمعاناة، وأسس لما أسماه "القصيدة الحكائية"، التي تستلهم من القص والسرد والحكاية تقنيات وجمالية متفردة أضافت لفن الشعر. ويرى أن نهج الكتابة، بصفة عامة، يتطلب وعياً نقديِاً ومعرفياً عميقاً لتجاوز البساطة في الرؤية والمضمون.
تونس - سونيا الفتوحي:
"الامارت تايمز" التقت البشير عبيد، الذي يعيش الكتابة الشعرية بكل تناقضاتها وانكساراتها، وتحدث عن تجربته مع الكتابة، وعن واقع الشعر التونسي والعربي بصفة عامة.
ماذا عن الشرارة الأولى لك في مسار الكتابة الشعرية؟
بدأت الكتابة في الثمانينات؛ حيث كانت بمثابة البوصلة لي في اتجاه مستقبل أفضل من خلال ديوان "رياح المشهد"، وهو عبارة عن نصوص شعرية تأخذ من الواقع فتحكيه بأسلوب فيه الكثير من المجاز والإيحاءات والدلالات، وقد أردفته بديوان ثان بعنوان "السيف لا يعرف دموع الوردة"، الذي حمل نفس الخصوصيات الجمالية والمعرفية والفنية للديوان الأول، مع التركيز أكثر على ثالوث الروح والجسد والفكر، إلى جانب إدراج تفاصيل عن الحياة اليومية، والإحساس بالاغتراب الذي يمكن أن يعتري الإنسان المعاصر اليوم بشكل عام، بصرف النظر عن الاختلاف في اللون أو الحضارة أو اللغة أو التاريخ أو الدين، وحاليا بصدد الانتهاء من ديواني الشعري الثالث "الحكمة تأتي من سماء بيروت"، وأتبع تقريباً نفس المسارات الجمالية والإنسانية.
حراك تونسي وعربي جاد
كيف تقيِّم واقع الشعر التونسي والعربي بصفة عامة؟
يمر المشهد الشعري التونسي، حاليا، بانتعاشة نوعية؛ بدليل الإصدارات والأصوات متعددة الاتجاهات التي تقدم الإضافة الجادة، وأعتقد أن الحركة الشعرية في تونس قدمت تجارب وأصوات مهمة لفتت إليها الانتباه عربياً ودولياً، لكن البعض منها أصبحت تستغل نجوميتها وحضورها الإعلامي لإقصاء وتغييب أسماء أخرى متسمة بالعمق والجدية، وهو أمر أعتبره مساً من كرامة الشاعر الجاد، أما الواقع الشعري العربي فإن به أيضا حراكاً مهماً؛ فالمتصفح لأهم المجلات والجرائد العربية يلاحظ الزخم المهم الذي تشهده الحركة الشعرية العربية، رغم أن بعض الأسماء المكرسة إعلاميا تنسى أو تتناسى - بوعي أو دون وعي - اللحظة التاريخية التي يحياها الإنسان العربي، ما يعطينا انطباعاً لحظة قراءة النصوص أو الدواوين الشعرية بأن تلك القصائد تعيش خارج التاريخ.
ماذا تقصد؟
أقصد أنه ليس بالإمكان كتابة نص شعري عميق إذا غابت عنه عناصر أعتبرها أساسية وهي الروح والجسد والزمان والمكان واللغة، وعندما نتحدث عن اللحظة التاريخية التي يحياها الشاعر فإننا نقصد راهنية تلك اللحظة، وتأثيرها المباشر على التركيبة النفسية والفكرية، والرؤية الحضارية للكاتب بشكل عام.
هل تعتقد أن للشعر دوراً مهماً في تغيير الواقع؟
بالطبع للشعر، كفن قائم بذاته، دور محوري في تغيير الواقع، وهذا الرأي أثبتته الوقائع والتجارب في كل الحضارات والثقافات، وعندما نتحدث عن تغيير الواقع فإننا نعني التغيير على المستويات الفكرية والثقافية والذهنية لنتذكر، مثلا، المدونة الشعرية لأرغون ولوركا وناظم حكمت ومحمود درويش، وهذا الأخير فاجأ الإسرائيليين برائعته "عابرون في كلام عابر"، مما حدا بالبرلمان الإسرائيلي للانعقاد في جلسة طارئة، ومهاجمة صاحب الجدارية.
ما رأيك في الحداثة الشعرية؟ وهل تعتقد أن الأصوات التي تحترف هذا المنهج هي أصوات المستقبل في الشعر العربي؟
يبدو لي أن قضية الحداثة الشعرية وعلاقتها المعرفية والنقدية بالشعر العربي، تمثل حجر الزاوية في هذه المسألة، وكلنا يذكر كتابات أنسي الحاج وأدونيس، منذ أواسط الخمسينات لنفهم طبيعة الصراع القائم بين مناهضي الحداثة ومناصريها في الشعر العربي، وكثير منا، وأنا أحدهم، يعتقد أن قصيدة النثر هي "الابنة الشرعية للحداثة الشعرية"، ويرى البعض الآخر أنها تفسد الذائقة العربية التي تعودت على النمط الكلاسيكي، ولكن لا ننسى أن أهم المؤسسين للحداثة الشعرية هم من الغرب ومن ينحو نحوهم من العرب؛ فيعتبرون متنكرين للهوية العربية، وهو رأي فيه الكثير من المغالاة، لأن إسهامات المحدثين في الشعر جادة ومهمة على غرار "الثابت والمتحول" لأدونيس، وكذلك أعمال محمد الماغوط وقاسم حداد وسعد يوسف وغيرهم من الأصوات التي يقول عنها الروائي والناقد مصطفى الكيلاني إنهم بقصيدة النثر يمثلون مستقبل الشعر العربي.
هل من مشاريع شعرية قريبة؟
أشتغل هذه الأيام على إتمام القصيدة المرثية المطولة "الفينيق يطير خارج الزمان"، التي أكتبها حول الراحل محمود درويش، وذلك بعد التحضير لديواني الجديد "الحكمة تأتي من سماء بيروت"
مواضيع اليوم
التعليقات (0)