مواضيع اليوم

البرمجة اللغوية العصبية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ملف اخضر

2009-06-14 20:59:46

0

بسم الله الرحمن الرحيم

يهتم كثير من الناس بالبرمجة اللغوية العصبية ويزداد عدد ممارسيها ومدربيها يوماً بعد يوم، وخصوصاً في السعودية والخليج، وهذا ليس بالأمر المستغرب؛ فقد انتشرت البرمجة اللغوية العصبية في أنحاء كثيرة من العالم وكُثرت مؤسسات التدريب عليها وأصبحت لها مراكز واتحادات وجمعيات ومجلات وغير ذلك.
ولا شك أن للبرمجة اللغوية العصبية جاذبية خاصة، وإثارة مميزة، لأنها تتعلق بفهم النفس الإنسانية وكيفية التأثير فيها، وقد أفاد كثير منها إذ تغيرت حياتهم إيجابياً وفُتحت لهم آفاق لم تكن موجودة من قبل! كل هذا حقٌّ لا مراء فيه!
ولكن إلى جانب ذلك هناك أخطاء شائعة حول البرمجة اللغوية العصبية ليس بين المطَّلعين عليها والمعجبين بها فحسب، بل بين مدربيها واستشاريها أيضاً! وقد لاحظ كاتبُ هذه السطور وجودَ هذه الأخطاء حتى عند بعض كبار مدرِّبي البرمجة اللغوية العصبية، وبالتالي فإن البرمجة اللغوية العصبية تواجه أزمة لم يدركها إلا القليل من القائمين عليها!
يمكن القول إن عوامل القوة في البرمجة اللغوية العصبية هي عوامل ضعفها في نفس الوقت. لنأخذ لذلك مثلاً.
تقوم البرمجة اللغوية العصبية على مبدأ أساس هو: "إن خبرات الإنسان هي ذاتية وليست موضوعية"!
واستناداً إلى هذا الأساس كان المنهج المعتمد في البرمجة اللغوية العصبية منهج نفعي يختلف عن المناهج الأكاديمية المعروفة. مفاد هذا المنهج النفعي هو:
إن كان في أمر ما، "طريقة" أو "أسلوب"، فائدة أخذنا به أو تركناه!!
وهذا المنهج يبعد البرمجة اللغوية العصبية عن المنهج العلمي المعروف. فنرى من ناحية أن في هذا المنهج فوائد ملموسة (نقطة قوة)، ومن ناحية أخرى نرى أنه يبعد عن المنهج العلمي (نقطة ضعف).
حيث أن للمنهج العلمي سمعة عالية وقبولاً كبيراً من الناس، اعتاد كثير من ممارسي البرمجة اللغوية العصبية ومدربيها وصف البرمجة اللغوية العصبية بأنها "عِلم" واعتادوا الحديث عن عِلم البرمجة اللغوية العصبية.
هل البرمجة اللغوية العصبية عِلم؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من تحديد معنى "العِلم" فلكلمة العِلم معنيان: المعنى الأول هو المعرفة Knowledge بمعناها الواسع كعِلم الإنسان بأن الشمس قد طلعت أو عِلمه بأخبار الناس وأحوالهم؛ أما المعنى الثاني فهو العلن Science بالمعنى العلمي الدقيق كعلم الكهرباء والذرة وما نريده هنا هو العِلم بالمعنى الأخير، أي المعنى العلمي الدقيق.
ولكن يبقى السؤال: ما هو العِلم بالمعنى الدقيق؟ أيْ كيف نعرف أن شيئاً ما هو عِلم أم لا؟
استثارت هذه المسألة اهتمام الفلاسفة والعلماء والمفكرين منذ زمن بعيد ووضعوا حدوداً أو خطوطاً فاصلة بين ما هو عِلمي وغير علمي، واختلف هؤلاء العلماء والمفكرون في تلك الحدود التي تميز بين ما هو "عِلم" و ما هو "غير عِلم"، لذلك ترى مثلاً أن هناك من يعتبر "عِلم النفس" عِلماً، ومَن يعتبره ليس بعِلم.
فمثلاً يعتبر جون كورسو John F. Crso، وهو عالم نفس، إن عِلم النفس نجح في أن يتخذ موقعاً بين العلوم "بالمعنى العلمي الدقيق"، بل يذهب أكثر من ذلك إلى اعتبار عِلم النفس ضمن "العلوم الطبيعية"، وحجته في ذلك أن علم النفس يتبع المنهج "العلمي" الذي يتلخص في الخطوات الخمسة التالية:
- اختيار مشكلة أو قضية معينة.
- صياغة فرضية حول هذه القضية.
- إجراء اختبارات مقننة وجمع البيانات منها.
- تنظيم وتحليل هذه البيانات بالطرق الإحصائية المعروفة.
- تقويم النتائج وتعميمها.
لكننا من ناحية أخرى نجد رأياً مخالفاً لواحد من أكبر المفكرين في العصر الحديث وهو كارل بوبر Karl Popper، حيث يضع كارل بوبر حداً صارماً للتميز بين ما هو "علمي" أو "غير علمي"، وهو:
إن النظرية تعتبر عملية في حالة واحدة فقط وهي أن تكون قابلة للنفي أو الدحض refutability or falsifiability، وليس قبولها للإثبات؛ فعندما تُطرح نظرية ما "نظرية س مثلاً" فإن معيار قبولها ليس قابليتها للإثبات، ولكن على العكس من ذلك هو قابليتها للنفي والدحض. فمثلاً تقول النظرية النسبية الخاصة بـ: "أن كتلة الجسم تزداد بازدياد سرعته".
هل يمكن دحض هذه النظرية؟
الجواب: نعم.
نقيس كتلته وهو ساكن، وكتلته وهو متحرك، ثم نقارن بين الكتلتين.
فإما أن نثبت النظرية أو تنهار إذن هذه نظرية علمية.
من ناحية أخرى عندما تأخذ نظرية التحليل النفسي لفرويد نجد أنه يمكن إثباتها في حالات كثيرة أو قليلة، ولكن ليس هناك طريقة لدحضها أي ليست هناك طريقة لإثبات فشلها، وبالتالي فهي ليست نظرية علمية حسب معيار بروبر.
الحقيقة أن بوبر استشهد بنظرية فرويد ونظرية أدلر في عِلم النفس أيضاً ونظرية كارل ماركس في الاقتصاد، وأوضح أن كل النظريات ليست علمية لأنها غير قابلة للنفي أو الدحض كما هي الحال في النظرية النسبية، ويضيف بوبر أن النظريات الثلاث: فرويد وأدلر وماركس هي أقرب إلى التنجيم منها إلى عِلم الفلك. أي أنها تقع خارج دائرة العِلم بالمعنى الدقيق.
فإذا كان عِلم النفس حسب معيار بوبر ليس عِلماً فمن الأولى ألا تكون البرمجة اللغوية العصبية عِلماً، وإذا كان لعِلم النفس منهجاً محدداً يجعل البعض منه عِلماً فإنه ليس للبرمجة اللغوية العصبية مثل هذا المنهج العِلمي.
إن أقصى ما تدَّعيه البرمجة اللغوية العصبية هو أنها تعطي نتائج ملموسة، وأن منهجها هو منهج نفعي Pragmatic، لذلك فإن الأمانة والمسؤولية تقتضيان أن يقوم ممارسو ومدربو البرمجة اللغوية العصبية بالامتناع عن القول بأن عِلم، والتأكيد على أنها مهارة وفن.
علاقة البرمجة اللغوية العصبية بالعلوم الأخرى:
تأخذ البرمجة اللغوية العصبية مفاهيم ونماذجاً من عدد من حقول المعرفة الإنسانية مثل عِلم النفس وعِلم وظائف الأعضاء والطب النفسي وعِلم الأعصاب عِلم الأحياء ونظرية النظم وغير ذلك.
ولا ضير في أن تأخذ البرمجة اللغوية العصبية من كل الحقول المعرفية والعلمية، فالعلوم مترابطة يتصل بعضها ببعض، ولكن هناك نقطتا ضعف في علاقة البرمجة اللغوية العصبية بالمجالات الأخرى:
النقطة الأولى: إن طريقة البرمجة اللغوية العصبية في الإفادة من العلوم الأخرى هي انتقائية، تأخذ بعضاً منها وتغفل البعض الآخَر.
النقطة الأخرى: إن كثير من المشتغلين في البرمجة اللغوية العصبية يفتقدون المعرفة العميقة بتلك المجالات، كما يفتقدون مواكبة ما يستجد في النظريات والاكتشافات الإنسانية.
مثل ذلك التطور الذي حصل في نظرية التعلُّم، فقد كانت النظرية السلوكية سائدة منذ أوائل القرن العشرين ثم تلا ذلك سيادة النظرية المعرفية حتى عام (1990)، ثم ظهرت النظرية البنائية في العقد الأخير من القرن الماضي، وبالرغم من أن النظرية البنائية أقرب إلى مبدأ "الخبرة الذاتية" من غير من النظريات إلا أن كثيراً من العاملين في حقل البرمجة اللغوية العصبية ما زال يركز على النظرية السلوكية "بافلوف سكنر" والنظرية المعرفية "الجشتالت التعليم التوليدي".
مثال آخر: هو ما استعارته البرمجة اللغوية العصبية من نظرية النظم واعتمدته في أدبياتها، نعني به نموذجي توتي Tote، الذي اقترح "مللير" من وجهة نظر النظم يَعتبر نموذج توت بالياً حيث قطعت هندسة التحكم والنظم أشواطاً بعيدة في تطورها وتقدمها، ولكن ما زالت الغالبية من مدربي البرمجة اللغوية العصبية متمسِّكين بنموذج توت الذي عفا عليه الزمن.
النقد الموجَّه للبرمجة اللغوية العصبية:
قامت كثير مؤسسات بإجراء بحوث وتجارب على أساليب البرمجة اللغوية العصبية وطرقها، وقد كان كثير من النتائج سلبية، وهو ما جعل البعض يقوم بتوجيه النقد إلى البرمجة اللغوية العصبية؛ ففي مقال نشره "غاري بلات"، وهو ممارس في البرمجة اللغوية العصبية التدريب البريطاني، في مجلة التدريب البريطانية، انتقد فيه البرمجة اللغوية العصبية.
والخلاصة:
ما زالت البرمجة اللغوية العصبية مفيدة، وتؤدي نتائج، إلا أن ذلك لا يمنع من نقد جوانب الضعف فيها، كما لا يمنع ذلك من تسليط الضوء على الأزمة التي لا يستطيع تجاوزها إلا مَن يتوفر لديه أمران أساسيان.
الأول: معرفة عميقة بالمناهج العلمية الدقيقة.
الثاني: مهارات ذات مستوى عالي يستطيع معها أن يوظف نماذج البرمجة اللغوية العصبية ليحقق النتائج الإيجابية المطلوبة.

د. محمد التكريتي
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !