صحافة العدو
الكاتب كارلو شترينغر
الأربعاء, 09 نوفمبر 2011 10:30
مقال افتتاحي في «نيويورك تايمز» طرح السؤال لماذا يكون بوسع بنيامين نتنياهو أن يعقد صفقة مع حماس المتطرفة، وليس مع فتح البراغماتية. ولكن ثمة سؤال أكثر إلحاحاً من ذلك: لماذا فوتت إسرائيل الفرصة الذهبية لتحرير مروان البرغوثي؟
البرغوثي هو أحد المؤيدين المتحمسين لإيجاد حل سلمي للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وأوضح موقفه في هذا الشأن من السجن الإسرائيلي حيث يقضي خمسة مؤبدات على دوره في عدة عمليات انتحارية في الانتفاضة الثانية. كما أعرب مرات عديدة عن معارضته لأعمال عنف إضافية ضد إسرائيل ويؤمن بأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للتقدم.
أكثر أهمية من ذلك هي أن الاستطلاعات تبين أن البرغوثي هو المرشح المحتمل الأكثر شعبية لرئاسة السلطة الفلسطينية. إذا تنافس ضد إسماعيل هنية، فمن المتوقع أن ينتصر عليه بفارق كبير فيوحد كل المعسكرات الفلسطينية.
ظاهرا، ينبغي أن تكون لإسرائيل مصلحة عميقة في تحرير البرغوثي: محمود عباس ابن 76، حياته السياسية قريبة من الانتهاء، والبرغوثي هو المرشح الأقوى الذي يمكنه أن يواصل عمله لتطبيق حل الدولتين. وهو سيعزز فتح على حساب حماس.
لماذا إذن لم تحرر حكومة نتنياهو البرغوثي في صفقة شاليط؟ إذ كان يمكن لهذه أن تكون فرصة فريدة من نوعها. فلن تكن تحتاج إلى الخطوة الدراماتيكية التي اقترحت من قبل لإصدار عفو رئاسي، وإسرائيل كانت ستحظى بشريك قوي ومصداق للمفاوضات في المستقبل.
الجواب بسيط بل ويجيب على سؤال «نيويورك تايمز» لماذا يمكن لنتنياهو أن يوقع على صفقة مع حماس وليس مع فتح:« نتنياهو غير معني بحل الدولتين لأنه يؤمن بأن هذا الحل خطير على بقاء إسرائيل في المدى البعيد».
نتنياهو لا يعرب عن هذا الموقف بشكل علني، لأنه سيضعه في مسار صدام مع الأسرة الدولية. لهذا السبب تجده يدفع ضريبة لفظية لحل الدولتين وفي نفس الوقت يفعل كل ما في وسعه كي يمنع تطبيقه.
في نهاية المطاف، لنتنياهو وحماس مصلحة مشتركة واحدة: «إبقاء فتح البراغماتية ضعيفة. لهذا السبب حماس لم تصر على إدراج البرغوثي في صفقة شاليط. قيادتها تعرف أن البرغوثي يمكنه أن يمنح فتح نصرا جارفا إذا ما تنافس في الانتخابات التالية، وعليه فإنها تفضل أن يبقى في السجن».
هكذا أيضاً نتنياهو. في نظره الخطر الأكبر يحدق من زعيم فلسطيني قوي، يوحد الشعب الفلسطيني خلف حل الدولتين. إذا انتخب البرغوثي رئيسا للسلطة الفلسطينية وأعلن عن التزامه بحل الدولتين، ستنكشف الهوية الحقيقية لنتنياهو أمام ناظر الناخبين في إسرائيل والأسرة الدولية.
هذا إذن هو الجواب على سؤال «نيويورك تايمز». هذا أيضاً هو الجواب على سؤال لماذا فوتت إسرائيل الفرصة التاريخية لتحرير البرغوثي.
نتنياهو صرح مرات عديدة بأنه لا يؤمن بدولة فلسطينية ذات تواصل إقليمي. من حقه أن يكون له هذا الموقف، ولكن يجب مطالبته بأن يوضح بأنه يقود إسرائيل في طريق سيصفي إلى الأبد حل الدولتين. عليه أن يبدي استقامة وأن يعرض رؤياه لحل في المدى البعيد، والذي أغلب الظن هو دولة واحدة ثنائية القومية غربي الأردن. وذلك لأنه لا يمكن لأي زعيم فلسطيني أن يوافق أبداً على ما يبدي نتنياهو الاستعداد لإعطائه في أقصى الأحوال: دولة فلسطينية مزعومة في عدة جيوب معزولة حول المراكز السكانية الكبرى في الضفة الغربية.
نتنياهو يلعب الغماية مع الأسرة الدولية ومع الناخبين في إسرائيل. وفي الطريق إلى ذلك يقود إسرائيل إلى عزلة غير مسبوقة. إذا كان عمل ذلك انطلاقا من إيمان عميق وليس فقط من خلال نزعة البقاء السياسي، فعليه أن يظهر نزاهة ويقول للعالم وللناخبين في إسرائيل من هو: إيديولوجي يميني ذو مذهب فكري أخروي. إذن على الأقل فليعرف العالم مع من يتعامل؛ والإسرائيليون سيتعين عليهم أن يقرروا إذا كانوا يريدون أن يعيشوا على حرابهم إلى الأبد ويكونوا دولة منبوذة أم أنهم يريدون أن يختاروا قيادة تقود إسرائيل نحو السلام.
هآرتس 28/10/2011
كارلو شترينغر
التعليقات (0)