نشرت الأسبوع المصرية فحوى دراسة تاريخية تكشف: أن البربر اصلهم يمني..والامازيغية هي خليط من العربية ولغات افريقية قديمة، الدراسة التي قام بها الدكتور محمد العروسي أستاذ الآثار والعمارة اليمنية بجامعة صنعاء جاء فيها كما نقلناها عن الصحيفة المصرية.
ان البربر هم العرب وان لغتهم هي خليط من العربية ولغات افريقية قديمية. وقال العروسي في دراسته "تزودنا الكثير من مؤلفات المؤرخين والرواة العرب والمسلمين بمعلومات غزيرة عن هؤلاء اليمنيين الذين استقروا في مختلف بلدان العالم الإسلامي وخاصة في بلاد المغرب العربي وبلاد الأندلس، وللأسف بأن هذا الموضوع لم يحظ في العصر الحديث بعناية واهتمام الباحثين، وقليلة هي الدراسات والبحوث العلمية المنشورة في هذا الموضوع، ويعد المؤرخ محمد الفرح رحمه الله، وبحسب علمنا، من أوائل المؤرخين اليمنيين الذين كتبوا في العصر الحديث عن اليمنيين في بلاد المغرب وتحديداً عن الجذور اليمنية لقبائل البربر.
واضاف: بدأ اهتمامي بهذا الموضوع خلال سنوات دراستي في جمهورية فرنسا1988-1994م، حينها تعرفت علي عدد من الأخوة الزملاء القادمين من بلدان المغرب العربي المملكة المغربية وتونس وليبيا والجزائر وتشاد وموريتانيا إلي فرنسا للدراسة، وكان من بينهم زملاء وزميلات من قبائل البربر من المملكة المغربية والجمهورية التونسية ومن أبناء القبائل من جمهورية الجزائر ؛ ذكر لي البعض منهم بأن أصولهم من اليمن من قبائل يمنية هاجرت قبل مئات السنين إلي المغرب واستقرت فيها ويذكرون لي أسماء بعض المصادر والمراجع وكتب النسابة التي توضح وتؤكد صحة ذلك، والحقيقة أن أول ما لاحظته هو أن أسماء وألقاب أسر هؤلاء الزملاء والزميلات من أبناء قبائل البربر الذين تعرفت عليهم في فرنسا هي أسماء قبائل وأسر يمنية معروفة قديماً وغالبيتها لا تزال موجودة في اليمـن وتعرف بهذه الأسماء حتي اليوم.
وقال لقد شعرت بالسعادة بتعرفي عليهم وشعرت بالتشويق والحماس والاندفاع نحو البحث عن إجابات لأسئلة واستفسارات تبادرت إلي ذهني ودارت في رأسي عن موضوعين اولهما عن الهجرات اليمنية إلي بلاد المغرب العربي عبر العصور ؛ وعن أسماء وتاريخ القبائل والأسر اليمنية التي استقرت في تلك البلاد؟ و تراثها وعاداتها وتقاليدها ؛ ما هي المعلومات التي تزودنا بها المصادر التاريخية عن الشخصيات التاريخية التي اشتهرت وذاع صيتها من أبناء هذه القبائل والأسر ونبغت في المجالات المختلفة؟
وثانيهما عما اذا كانت قد حدثت هجرة أو هجرات عكسية: بمعني آخر هل هاجرت قبائل وأسر من بلاد المغرب العربي إلي اليمن واستقرت فيها؟ إذا كان ذلك قد حدث فعلاً فينبغي أن يتم دراسة هذا الموضوع ودراسة علمية دقيقة ؟ ولابد من الرد علي نفس الاستفسارات التي نحاول الإجابة عليها حول الموضوعين. وأخيراً يجب دراسة العلاقات اليمنية المغاربية عبر التاريخ؟
ويهدف هذا البحث إلي تسليط الضوء علي ما تمكنا من جمعه حتي الآن من المعطيات والشواهد التاريخية والمادية الدالة علي الأصول والجذور اليمنية لقبائل البربر في بلاد المغرب العربي، ومناقشة وتحليل هذه المعطيات بأسلوب علمي ومنطقي بعيداً عن التحيز والتعصب. سنبدأ أولاً بالتعريف بالبربر.
البربر مجموعة من القبائل تشكل جزاءً هاماً من سكان دول المغرب العربي الكبير؛ منذ العصور القديمة سكن الجزء الأكبر من هذه القبائل في المناطق الداخلية وسكنت بعض القبائل الصغيرة منها في المدن والمناطق الساحلية في بلاد المغرب العربي، ومن أشهر وأكبر قبائل البربر: صنهاجة وكتامة وعهامة ولواته وزناته وزويلة، وتعتبر قبيلة صنهاجة أكبر وأشهر قبائل البربر التي انتشرت وسكنت علي مساحة الأرض الواقعة بين المغرب الأدني الجمهورية التونسية والمغرب الأقصي المملكة المغربية.
هل نستطيع تأكيد وإثبات أو نفي يمنية قبائل البربر في بلاد المغرب العربي من خلال الأدلة التاريخية والمادية المتوفرة لدينا في الوقت الحالي؟ وهل يمكن أن نبني استنتاجاتنا في هذا الموضوع للخروج برؤية حاسمة علي المعلومات التي تزودنا بها أقدم مؤلفات المؤرخين والنسابة والرواة العرب المسلمين، والمراجع والدراسات والتقارير التي نشرت في العصر الحديث؟ هل تم فحص وتحليل هذه المعطيات ومقارنتها بالمصادر المادية الموجودة في تراث هذه القبائل كالتراث المعماري واللغوي والثقافي والغنائي ومقارنته مع ما يماثله من التراث اليمني؟
أمـا عن أصول وجذور هذه القبائل فالحقيقة أن انتساب قبائل البربر إلي اليمن قضية أثيرت منذ عصر ما قبل الإسلام ؛ ففي بداية العصر الإسلامي التقي المسلمون الفاتحون بأبناء قبائل البربر الذين قالوا لهؤلاء الفاتحين بثقة واعتزاز نحن من حمير هاجر أجدادنا من اليمـن إلي هذه البلاد
هذه القضية تناولها العديد من العلماء والنسابة والرواة العرب المسلمين في مؤلفاتهم وتركزت نقاشاتهم وتحليلاتهم بدرجة رئيسة علي موضوع انتساب قبائل البربر إلي قبائل حميرية، وفي العصر الحديث ظهرت بعض النظريات والآراء حول أصل قبائل البربر ، فبينما يري عدد من الباحثين بأن قبائل البربر يمانية من حمير
يعتقد عدد آخر منهم بأن أصولها ترجع إلي قبائل سكنت بعض مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط، ويطلق هؤلاء علي أبناء البربر الجنس المتوسطي وهذا مصطلح جديد ظهر في القرن الماضي، والرأي الثالث يؤيد هذه الافتراضية والتسمية الجنس المتوسطي، وذهب فريق ثالث من باحثين، أوروبيين في الغالب، إلي التأكيد بأن أصل قبائل البربر أوروبي، وأخيراً هناك من الباحثين من يفترض بأن البربر هم من الجنس الحامي من الأفارقة الزنوج، وهذه الآراء الأخيرة حديثة ويعتقد بأنها بعيدة عن الواقع والحقيقة ولا توجد أية أدلة تؤكد صحتها.
يذكر عدد من المؤرخين في العصر الحديث الألماني ماينهوف بأنه يوجد وجود جنس حامي قدم من الجزيرة العربية واستقر في السودان وفي أماكن أخري منها بلاد المغرب العربي، ويذكر العالم الفرنسي دو لافوس الذي صنف اللغات الأفريقية في سنة 1923م بأن اللغة الحامية هي لغة سامية تشمل البربرية والمصرية والكوشية، ومن خلال ذلك يؤكد بعض الباحثين في العصر الحديث بأن لغة البربر هي من اللغات السامية منهم العالم الألماني روسلر الذي يؤكد بأن اللغة البربرية هي إحدي اللغات السامية ويقول إن مجرد التفكير في إرجاع السامية والبربرية إلي أصلين مختلفين غير معقول وذلك نظراً للتطابق والتشابه الموجود بينهما.
وقالت الدراسة ان هناك بعض الأدلة التاريخية والمادية التي تدل علي أن أصل قبائل البربر من اليمن، ومنها ان الدراسات الحديثة تؤكد بأنه حدثت موجات هجرة كبيرة من الجزيرة العربية في فترات مختلفة من عصور ما قبل الإسلام ؛ يقـول العالم المصري الدكتور احمد فخري " هناك حقيقة مهمة وهي أنه في الألف الرابع قبل الميلاد وصلت هجرات من جنوب الجزيرة العربية إلي مصر"؛ ويذكر الدكتور أسعد أشقر بأنه : ليس من قبيل المصادفة أن تقع عام 3500 ق.م موجة هجرة من الجزيرة العربية إلي بلاد الرافدين وموجة هجرة إلي سورية ومصر في وقت واحد.
ورد في المصادر التاريخية العربية ولإسلامية معلومات غزيرة عن استقرار جنود وعشائر يمنية في قرطاجة ومدن ومناطق مختلفة في شمال إفريقيا في عصر ما قبل الإسلام، يقول الشاعر الحميري :
ومنـا بأرض الغرب جنـدٌ تعلــقوا إلي بربـر حتي أتـوا أرض بربـر
ويذكـر العالم عبد الرحمن ابن خلدون في صفحة 96 في الجزء السادس من كتابه العبر ..بأن البربر ينتسبون إلي بربر الذي ينتسب إلي يعرب بن قحطان، وهوا هنا يتفق مع ما ذكره العالم الهمداني في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي الذي يقول في الجزء الأول من كتابه الإكليل: بأن قبائل صنهاجة وكتامة وعهامة ولواته وزناته تنتسب إلي بنو مرة بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سباء بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
يجمع النسابة والمؤرخون العرب المسلمون علي أن معظم قبائل البربر تنتسب إلي أمازيغ بن كنعان، ويذكر المؤرخ والنسابة أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني- توفي بعد سنة 334هـ/945م- في الجزء الأول من كتابه الإكليل ص 45 بأن كنعان هو أحد أولاد عويلم بن سام وبأن موطن الكنعانيون الأصلي هوا جنوب الجزيرة العربية.
يؤكد أشهر وأقدم العلماء والنسابة والرواة العرب المسلمين في مؤلفاتهم بأن غالبية قبائل البربر ينحدرون من أصول يمنية حميرية ، ومنهم العالم ابن خلدون.
وجود تشابه لغوي أكثر من مائة كلمة في لغة البربر ولا تستخدم هذه الكلمات إلا في اليمن والجزيرة العربية.
وجود تشابه بين كل من الأغاني والموسيقي الشعبية في بعض المناطق اليمنية وأغاني وموسيقي البربر، وقد أكدت هذا التشابه الكبير دراسات حديثة لعلماء أوروبيين في مجال الموسيقي أقدمهم روبرت لخمان سنة 1922م ؛ وهانس هلفرتس الذي قام في النصف الأول من القرن العشرين 1933-1935م باختيار أغنيتين يمنيتين من محافظة صنعاء : الأغنية الأولي من منطقة بني إسماعيل في مديرية حراز والأغنية الثانية من منطقة بني مطر وتمت مقارنتهما بأغنيتين من أغاني البربر من منطقة القبائل في الجزائر، فوجد تشابه كبير بينها وتماثل في الإيقاع والترنيمة وذكر هؤلاء العلماء بأن وجود هذا التشابه الكبير لا يحدث مصادفة بل يحتم علي المرء افتراض وجود علاقة حميمة بين البربر واليمنيين، فالسمات الموجودة في الأغاني والألحان التراثية اليمنية موجودة تماماً في الأغاني والألحان التراثية البربرية والتصفيق والمُحجرة، وتظهر بوضوح كامل في طرق أدائها وألحانها التي تتطابق تماما.
وجود تشابه بين فنون وأساليب وطرز العمارة والزخرفة في اليمن وفي مدن مناطق مختلفة في بلاد المغرب العربي منها المناطق التي تسكنها قبائل البربر، مثال ذلك تشابه العمائر السكنية المتعددة الطوابق في جبال اليمن مع مثيلاتها في جبال أطلس المنطقة الرئيسة لقبائل البربر، وهذه المباني السكنية ذات سمات معمارية واحدة.
وجود تشابه في طرق وأساليب الزراعة والري وبناء المدرجات الزراعية وقنوات الري في كل من اليمن وبعض المناطق في دول المغرب العربي.
واختتم الباحث قوله بانه في كل بلاد المغرب العربي حاليا توجـد الكثير من القبائل والأسر التي يعود أصلها إلي اليمن، بعضها هاجرت من اليمن قبل الإسلام والبعض الآخر هاجرت إليها في العصر الإسلامي من هذه القبائل قبائل البربر التي انتشرت في البوادي والحواضر في بلاد المغرب العربي ومارس ويمارس أبنائها حياتهم الاجتماعية والاقتصادية علي نحو يشبه كثيرا حياة القبائل اليمنية، لقد ساهمت هذه القبائل جميعها في الفتوحات ونشر الدين الإسلامي والعلم والثقافة والبناء والتنمية وتطوير البلدان والمناطق التي استقرت فيها، وأثبتت هذه الهجرات عبر التاريخ مقدرة اليمني الفائقة علي الاندماج والتعايش والانسجام مع كل المجتمعات والثقافات والأمم والشعوب في كل العصور، وبرغم مرور مئات السنين علي هجرات اليمنيين واستقرارهم في تلك البلدان لم يستطع الزمن محو وطمس هويتهم اليمنية ومساهماتهم الرائدة في بناء وتعمير وتطوير تلك البلاد؛ لليمنيين تأثيرات وبصمات جميلة وإبداعية تظهر حتي اليوم بوضوح علي العمائر والمنشآت التاريخية التي شيدوها أو شاركوا في بنائها في بلدان المغرب العربي كالجوامع والمساجد والمدن والقصور والحصون والقلاع والمنشات التجارية والسكنية والخدمية، كما تظهر في الفنون والآداب واللغة وفي العادات والتقاليد.
المعلومات المتوفرة حالياً عن يمنية قبائل البربر عبارة عن معلومات وروايات وتحليلات لما كتبه الكثير من المؤرخين والنسابة العرب المسلمين وللنتائج التي توصلت إليها دراسات سطحية متواضعة لبعض الباحثين العرب والمسلمين والأوروبيين في العصر الحديث عن أصل قبائل البربر الذي يعتز ويفخر الكثير من أبنائها حتي اليوم بانتسابهم إلي اليمن ؛ هذه البحوث المتواضعة يجب أن تكون حافزاً لإنجاز دراسات علميـة متعمقة في هذا الموضوع وفي موضوع الهجرات اليمنية وإنجازات اليمنيين في البلدان التي هاجروا إليها واستقروا فيها عبر التاريخ، ولكي تكون هذه الدراسات كاملة لابد من التواصل معهم والإطلاع علي ما لديهم من وثائق ومصادر ومراجع، وكل ما كتب عنهم في تلك البلدان قديماً وحديثاً.
إن إقامة جسر تواصل دائم، مع إخواننا في بلدان المغرب العربي بشكل عام وأبناء البربر بشكل خاص، أصبح في وقتنا الحاضر أمراً هاماً وضرورة ملحة تساعد في إعادة كتابة تاريخ اليمـن بكامل حلقاته وتاريخ اليمانيون في كل مكان وإبراز أدوارهم ومساهماتهم العظيمة في صنع التاريخ والحضارات الإنسانية عبر العصور، ونحن علي يقين من أن إخواننا اليمنيين في بلاد المغرب العربي يمتلكون وثائق تاريخية ومادية هامة ومفيدة تساعدنا في كتابة تاريخ اليمن تاريخ أبائهم وأجدادهم الذي يشكل جزء هاماً من تاريخ اليمــن والتاريخ الإنساني ؛ ومن خلال هذا التواصل بالإمكان كذلك الاستفادة من علم وخبرات الذين نبغوا منهم وبرعوا في مجالات العلوم المختلفة.
واستعان الباحث بعدة كتاب ومراجع تاريخية منها هوامش عرضها المؤرخ الفرح في مقدمة كتابه: أنظر الفرح، عروبة البربر، ص 5 و 6 ومراجع للدكتور احمد فخري، دراسات في تاريخ الشرق القديم، ص 124 وللدكتوراسعد أشقر، تاريخ سورية والهمداني، صفة جزيرة العرب، ص 369 ؛ الفرح، عروبة البربر، ص 19 وبَرْبَرْ علي وزن حِمْـيَـaرْ والهمداني، صفة جزيرة العرب، ص 369 ؛ الفرح، عروبة البربر، ص 19 وهانس هلفرتس، رحلة إكتشاف في العربية الجنوبية، ص 113 والفرح، عروبة البربر، ص 100
عن الأسبوع المصرية
التعليقات (0)