مواضيع اليوم

البرازيل القوة الناهضة التطلع الإقليمي والدور الدولي

عبدالكريم صالح

2011-06-11 11:40:33

0

البرازيل هذا البلد الناهض القادم من امريكا الجنوبية "اللاتينية" المنادي بقوة بتغيير قواعد النظام الدولي السائد والمعتمد على الأحادية والتفرد والهيمنة الامريكية على القرار في العالم والمطالبة بزيادة عدد الدول التي تتمتع بمقعد دائم في مجلس الأمن و تعيد البرازيل ترتيب وحياكة الكثير من الخيوط المتشابكة بين دول الجنوب لتكوين تكتلات إقليمية دولية جديدة سواء كان على مستوى قارة امريكا الجنوبية"اللاتينية" او بينها وبين روسيا والصين والهند.


لقد كانت البرازيل حتى عقد الثمانينات من القرن العشرين عاجزة عن سداد ديونها الخارجية وفاقدة السيطرة على التضخم في الأسعار التي ارتفعت بمعدلات عالية ،اما اليوم فقد تغير كل شيء فالاقتصاد الذي كان متهرئ صار اليوم ثامن اكبر اقتصاد في العالم ومعدلات النمو التي كانت فوق الصفر بقليل قد وصل متوسطها السنوي الى 5%، فهي اليوم تملك سادس اكبر احتياطي في العالم من العملات الأجنبية ،هذه الدولة التي كان ملؤها البؤس والفقر والجريمة صارت اليوم تحتل المرتبة الرابعة عالميا في مؤشر الثقة والبيئة الأمنية للاستثمار الأجنبي المباشر.


ان البرازيل تشغل نصف القارة الامريكية الجنوبية بمساحة تبلغ ثمانية ملايين وخمسمائة ألف كيلومتر مربع فهي خامس اكبر دولة من حيث المساحة في العالم وان جميع دول امريكا الجنوبية لها حدود مع جمهورية البرازيل الاتحادية República Federativa do Brasil باستثناء الأكوادور وشيلي فتحدها من الشمال كل من فنزويلا وسورينام غويان الفرنسية"وهو إقليم خاضع لسيادة فرنسا عبر البحار" اما كولومبيا فتحد البرازيل من الشمال الغربي وتجاورها بوليفيا وبيرو من الجنوب الغربي والأرجنتين وبارغواي وأورغواي من الجنوب،تعرف البرازيل بأنها "ارض المياه" لكثرة الأنهر والمياه فيها فنهر الأمازون هو أعظم معلم طبيعي في البرازيل وكذلك نهر ساو فرانسيسكو وبارنيبا ونهر اغوازو، يمر في البرازيل خط الاستواء ومدار الجدي مما يجعلها دولة مدارية .
في العام 1877م-1878م تعرضت البرازيل الى مآسي كثيرة وكبيرة فقد مرت بجفاف ومجاعة أدت الى موت نصف مليون انسان ممن تجرعوا العطش والجوع حتى الموت جراء مااطلق عليه الجفاف العظيم "Grand Seca".


يطلق على البرازيل "رئة العالم " فغابات الأمازون وأحواض الأنهار تمثل المستودع الأكبر في العالم للتنوع الحيوي "الأنواع النباتية والحيوانية النادرة".
لقد اختلف المؤرخون في أصل تسمية "البرازيل"فالبعض يذهب الى أنها ذات أصل برتغالي- اسباني فكلمة "براسيل" وهو نوع من الأشجار ذات الجذوع الحمراء والبرتقالية التي عثر عليها المستكشفون هي أصل كلمة "برازيل " والبعض الأخر يرجعها الى جزر أسطورية في المحيط الأطلسي كانت تقع في مكان ماغرب الساحل الايرلندي وعرفت باسم "هي برازيا Hy Brazil" والتي تعني "ارض العظمة والقوة والجمال" ويذهب فريق ثالث الى ان أصل تسميتها يعود الى كلمة "بريسBress"وتعني " المبارك" في لغة الشعوب السلتية "غرب أوربا" وهو مايعني ان هذه البلاد "ارض مباركة "والحقيقة ربما ترتبط هذه التسمية بأجواء الصراع مع العالم الإسلامي في نهايات العصور الوسطى حين كان الدين حاضراَ في حركة الاستكشافات الجغرافية حتى ان البرتغال أطلقت على ما يعرف اليوم بالبرازيل اسم "جزيرة الصليب الحق Ilhade Vera Cruz "ثم "ارض الصليب المقدس Terra De Santa Cruz"،لقد بدأت البرازيل ككيان سياسي بالظهور مع الاستعمار البرتغالي للعالم الجديد وتحديداَ منذ وصول" بيدرو الفايز كابرالPedro Alvares Cabral " في عام 1500م ضمن حملات "استكشاف العالم الجديد" حيث أصبحت البرازيل مستعمرة برتغالية تخضع لحكم الملك البرتغالي من خلال "حاكم عام" و بتحولها مع هذا النظام الإداري الاستعماري احتلت اكبر مركز في العالم لزراعة قصب السكر ،لقد خاض البرتغاليون صراعاَ مع الفرنسيين والانجليز والهولنديين والأسبان من اجل توسعة حدود البرازيل واستمرت هذه الصراعات من العام 1500م وحتى العام 1800م وكان من أقوى تلك الصراعات قد جرى في مدينة ريو دي جانيرو في الجنوب الشرقي وساو لويس في الشمال الغربي ومدينة ساكرمنتو على نهر دي لابلاتا في الجنوب ومع نهاية القرن السابع عشر كادت تأفل الأهمية الاقتصادية لمستعمرة البرازيل مع تراجع صادرات قصب السكر قبل ان يقدم الذهب الإسناد لمكانة البرازيل في الاقتصاد الاستعماري والحقيقة ان هذا التحول الذي يعود الفضل فيه الى إقليم " ميناس جيرايس Minas Gerais "والذي يعني في اللغة البرتغالية "المناجم العمومية " والتي أسهمت في ثلاثة أرباع الذهب المستخرج من البرازيل والذي حصلت أوربا على 80% من حاجتها الى الذهب في تلك الفترة .


في العام 1815م قام الملك البرتغالي "جون السادسJohn VI " بمنح البرازيل صفة المملكة السيادية مع بقائها في حالة اتحاد مع البرتغال "ويعتبر هذا الامر نقلة كبيرة في التاريخ السياسي للبرازيل ،وفي عام 1822م رفض الأمير "بيدرو دي الكانترا Pedro De Alcantara– الذي يعرف باسم بيدرو الأول والذي حكم مملكة البرازيل وصياَ على عرش والده جون السادس John VI " عودة البرازيل مستعمرة تحت حكم البرتغال وفي 7 أيلول/سبتمبر من عام 1822م أعلن بيدرو الكانترا استقلال البرازيل وصار أول إمبراطور للبلاد،وخاض حرباَ ضد البرتغال استمرت حتى 8 آذار/مارس 1827م وهو تاريخ استسلام أخر عسكري برتغالي الى البرازيل ،وقد عاشت البرازيل واحدة من أطول واهم الفترات التاريخية تحت حكم الامبراطور "بيدرو الثاني" منذ العام 1831م وحتى العام 1889م فقد شهدت خلالها تنمية ملحوظة على المستوى السياسي والعسكري فقد الغي خلال هذه الفترة تجارة الرقيق في عام 1888م مما ادى الى قيام المستفيدين من هذه التجارة من قادة الجيش بانقلاباَ عسكرياَ أطاح بالملكية في عام 1889م وأعلن عن قيام الجمهورية وتعاقبت الحكومات العسكرية الاستبدادية مما ادى الى تراجع الحريات وفتحت المعتقلات وسقطت البلاد في حروب أهلية وأزمات اقتصادية وخلال تلك الحقبة التاريخية برز اسم الزعيم البرازيلي "غيتويلو فارغاسGetulio Vargas " الذي وصل الى سدة الحكم مرتين الأولى من عام 1930م وحتى العام 1945م والثانية من عام 1951م وحتى العام 1954م وانقلاب عام 1964م الذي كرس الدكتاتورية العسكرية ،وبتولي الجنرال "ايرنستو غيسيلErnesto Gisil " في العام 1974م وحتى العام 1979م وخليفته الجنرال "جون بابتيستا فيغوريدوJohn Baptista Figueiredo 1979م-1985م"رئاسة البلاد متجهين صوب التحول التدريجي عن النمط الاستبدادي من اجل الانتقال الى الحكم المدني الديمقراطي وقد وضحت معالمه مع الحكومات المدنية المتعاقبة التي تولى رئاسة البلاد فيها شخصيات أمثال "خوسيه سارنيJose Sarney "من العام 1985م ولغاية 1990م و"فيرناندو كولور دي ميلو Fernando Collor De Mello "من العام 1990م ولغاية العام 1992م و"ايتمار فرانكوItamar Franco"من العام 1992م ولغاية العام 1995م و " فيرناندو هنريك كاردوسو Fernando Henrique Cardoso"من العام 1995م ولغاية العام 2003م و"لويس ايناسيو لولا دا سيلفاLuiz Inacio Lula Da Silva " من العام 2003م ولغاية العام 2010م و "ديلما روسيف Dilma Rousseff" منذ 1 يناير 2011م وحتى اليوم تحكم البرازيل وهي تعتبر أول امرأة تحكم البرازيل .


تحتل البرازيل هذه القوى الناهضة المرتبة السادسة في العالم من ناحية حجم القوى العاملة "95 مليون عامل" وان معدل البطالة وصل الى نحو 7% وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في البرازيل نحو 50 مليون هكتار في مقابل 180 مليون هكتار للأراضي الرعوية لذلك تحتل البرازيل المرتبة الأولى في أنتاج البن وفول الصويا والقمح والذرة وقصب السكر والكاكاو وعصير البرتقال في العالم وتحتل البرازيل المرتبة السابعة في العالم من ناحية أنتاج محاصيل الحبوب حيث تنتج سنوياَ 65 مليون طن وتحتل المرتبة الثالثة في العالم من أنتاج محصول الذرة والمرتبة الثامنة في أنتاج الأرز وهي الأولى في العالم من جانب أنتاج الفاصوليا وتحتل المراتب الأربعة الأولى في أنتاج محصول القطن وبما أنها تملك أراضي رعوية شاسعة فهي ثاني اكبر مالك للماشية بعد الهند في العالم حيث تملك 200 مليون رأس من الماشية وهو مايعادل 13%من أجمالي ثروة العالم للماشية ،والبرازيل هي من اكبر منتجي اللحوم في العالم تصل طاقتها الإنتاجية سنوياَ الى 15 مليون طن وتعتبر كذلك السادسة في العالم من ناحية أنتاج الألبان بطاقة إنتاجية سنوية مقدارها 22 مليون طن ،كما ان البرازيل تعتبر اليوم ثاني منتج للنفط في امريكا الجنوبية بعد فنزويلا وفي ذات الوقت فهي تعتبر ثامن اكبر مستهلك للنفط في العالم بمعدل مليونيين ونصف المليون برميل يومياَ وهي تحتل المرتبة الخامسة عشر بحجم احتياطي النفط والذي مقداره 13 بليون برميل،وفي مجال الخامات المعدنية كالبوكسيت الذي تحتل المركز الثالث في العالم بعد استراليا والصين والحديد المرتبة الثانية بعد الصين ويكفي ان نشير الى ان شركة "فال دو روي دوسCompanhia Vale do Rio Doce " البرازيلية تعتبر ثاني اكبر شركة في العالم في مجال التعدين بعد اتحادها مع شركة "انكو" الكندية لإنتاج النيكل.بالإضافة الى ما تقدم فان البرازيل زادت من تصدير السلع والمنتجات ذات التقنية المتوسطة والعالية حيث أصبحت شركة "Embraer "البرازيلية واحدة من اكبر شركات صناعة الطائرات في العالم .
في العام 2010م وصل عدد سكان البرازيل الى 200 مليون نسمة ،وان البرازيل تتشابه في الموقع الجيوبولتيكي الضعيف مع الصين وروسيا نتيجة لطول الحدود البرية حيث يبلغ طول حدودها الى 17000كم مشتركة مع اكثر من عشرة دول، لكن طبعا من الناحية العملية الواقعية لايمثل ذلك اي تهديد حقيقي نتيجة حالة السلم والاتفاقات الثنائية التي وقعتها البرازيل مع جيرانها.


تتميز الحياة الحزبية البرازيلية بالنضج والحيوية ويتصدر المشهد حزب الحركة الديمقراطية وحزب العمال والحزب الجمهوري والحزب الشعبي الديمقراطي والحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وحزب الشعب المسيحي وتعتبر الحياة السياسية الداخلية للبرازيل بأنها الديمقراطية الناضجة وتشهد كل أربع سنوات انتخابات لاختيار الرئيس ونائبه في ورقة اقتراع واحدة عبر انتخاب شعبي ويجوز انتخاب الرئيس مرة ثانية وأخيره وتتألف الهيئة التشريعية في البرازيل من مجلسين هما مجلس للشيوخ "ويضم 81 عضواَ" ومجلس النواب "ويضم 513 عضواَ".
ان البرازيل تبدو مجتمعات متفرقة تعيش جنباَ الى جنب بعضها معاصر يتحدث لغة العصر والمستقبل وبعضها متجمد منذ قرون وتبدوا من هذا الجانب أنها "ارض التناقضات" حيث الثروة والعوز في ان واحد فترى ناطحات السحاب الى جانب مدن الصفيح ويقول عالم الانثروبولوجيا البرازيلي"روبيرتو دا ماتاRoberto DaMatta" عن هذا التناقض بأن البرازيل "تمسك بكل ما أوتيت من قوة بتلابيب ماضيها ،لكنها تفعل ذلك وهي مندفعة بشغف نحو المستقبل".


في تشرين الأول/أكتوبر 2010م الرئيس البرازيلي "لولا دا سيلفا " وهو يغادر القصر الرئاسي فاسحاَ المجال لخليفته الرئيسة " ديلما روسيف " لتتولى أدارة شؤون البرازيل بعد انقضاء فترته الرئاسية الثانية والأخيرة تاركاَ خلفه انجازاَ في السياسة الخارجية يراه المراقبون نهجاَ خلاقاَ يعد مساراَ يحتذى به لدول الجنوب والعالم النامي رغم حداثة التجربة البرازيلية .ويرجع الفضل فيما تشده سياسة البرازيل الخارجية من تقدم ليس للرئيس"لولا دا سيلفا " فحسب انما الى سلفه "فيرناندو هنريك كاردوسو 1995م-2003م"الذي كان دائم التأكيد على انه "ليس من العدل حبس إمكانات البرازيل الزراعية والصناعية داخل حدودها السياسة فهي لدى الرئيسان " فيرناندو كاردوسو " و " لولا دا سيلفا " تأخذ مكانة دولية تتجاوز موقعها الهامشي على خريطة القوى الكبرى.
على مدار مائة عام "1889م-1988م"لم يكن للبرازيل اي دور يذكر في محافل السياسة الخارجية على الرغم من الحضور الرمزي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية من خلال علاقتهما التحالفية مع بعض القوى الأوربية .


وخلال ربع قرن اي من العام 1985م ولغاية 2010م صنعت البرازيل "مفاجأة كاملة " بتقدمها نحو ميادين مختلفة في عالم السياسة الخارجية فقد دخلت عهداَ جديدا حين بدأت عملية تكامل إقليمي مع الأرجنتين وتأسيس "اتحاد ميركوسور التجاري Mercosur " حيث اتخذت البرازيل خطوات ماهرة وذكية في الاندماج مع المنظومة العالمية سواء على المستوى الاقتصادي او الأمني عندما شاركت بفاعلية في مهام حفظ السلام بالإضافة الى سعيها الجاد والحثيث للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن،لقد كانت البرازيل عضواَ في عصبة الأمم ومن ثم عضواَ في الأمم المتحدة منذ تأسيسها والبرازيل عضو أيضا في منظمة دول الامريكيتيين –OAS- ومنظمة التجارة العالمية ،وقد شاركت البرازيل في مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حيث شاركت البرازيل في قوات الأمم المتحدة على أعقاب العدوان الثلاثي على مصر والذي عرف دولياَ بأزمة السويس عام 1956م وقد شاركت في العديد من مهام حفظ السلام فمن بين 60 مهمة سلام قامت بها الأمم المتحدة شاركت البرازيل في 30 مهمة وتحتفظ البرازيل مع دول امريكا الجنوبية بتاريخ بلغ المائة وخمسون سنة من الاتفاقات السلمية مع دول الجوار.


ان الدبلوماسية الخارجية البرازيلية ترى ومن مبدأ قوي وراسخ ان "تخوم البرازيل يجب ان تبقى دوماَ مصدر تعاون واستقرار لامنبعاَ للعداء والصراع"والحقيقة ان ماتشهده البرازيل من تحولات قد أخذت البرازيل الى عالم الجيوبو لتيكا الواسع فقد اتقنت البرازيل المناورات وفي مقدمتها تطويع الدبلوماسية والسياسة الخارجية لخدمة الاقتصاد والربح التجاري والواقع ان التحول الذي شهدته وتشهده البرازيل في سياستها الخارجية قد رفع من صادراتها الى العالم العربي خلال الخمس سنوات الأخيرة لأكثر من 200% والى أفريقيا بنسبة مماثلة والى الأرجنتين بنحو 400% وهو مامثل قارب النجاة الذي أنقذ البرازيل خلال طوفان الأزمات المالية العالمية في السنوات الأخيرة.


ان مرحلة التحولات قد قامت على عدة أعمدة من أهمها السعي الى توحيد وتكامل قارة امريكا الجنوبية في مجال حفظ السلام والنقل والمواصلات والاتصالات والتقارب مع قارة أفريقيا وعقد حوار بناء مع العالم العربي وتشمل ايضاَ المبادرة التاريخية التي أطلقتها البرازيل عام 2003م متزعمة بها تشكيل مجموعة العشرين خلال قمة منظمة التجارة العالمية في كانكون بالمكسيك، وعندما كانت البرازيل خاضعة لنظام حكم عسكري خلال حقبة الستينات والسبعينات من القرن العشرين فقد قامت عقيدتها للأمن القومي على ضرورة احتفاظ البرازيل بعلاقات تحالف قوية مع الولايات المتحدة مالبثت لاحقاَ في انتقاد السياسة الخارجية الامريكية وبدأت برسم نهجها المستقل وكان من نتائج ذلك على سبيل المثال ان رفضت البرازيل التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية باعتبارها معاهدة تمييزية تفرق بين الدول حيث لم توقع عليها امريكا ودول اخرى وخلال فترة حكم الرئيس " لولا دا سيلفا " يلاحظ نزوعاَ برازيلياَ نحو التقارب مع دول القارة الامريكية الجنوبية من خلال دعم التقارب وتطوير الحوار بين دول الجنوب ودعم العلاقات مع كوبا وفنزويلا وفتور العلاقة مع امريكا والغرب والحقيقة ان ذلك الفتور جاء كنتيجة لفترة حكم جورج بوش التي حفلت بتوتر العلاقات مع العديد من دول العالم الثالث ودول الجنوب التي وصلت الى أدنى مراحلها عند غزو واحتلال العراق وأفغانستان.


تقوم السياسة الخارجية البرازيلية في قارة امريكا الجنوبية على تبني النهج السلمي والتفاوض في حل المشكلات وتخفيض حدة النزاعات بين دول القارة وفي ذات الوقت تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية وإيجاد الكيانات الإقليمية المساعدة ولتنفيذ هذا الخط الاستراتيجي سعت البرازيل الى أنشاء العديد من الاتحادات والمنتديات والتجمعات الرامية الى تفعيل العمل جنوب الأمريكي المشترك ومن أوائل هذه الكيانات هو" اتحاد ميركوسور Mercosur " وخلال القمة الرئاسية لدول امريكا الجنوبية التي عقدت في مدينة برازيليا عام 2000م تم تشكيل منتدى لتقوية البنى التحتية في مجالات الطاقة ووسائل النقل والاتصالات عرف بأسم"مبادرة تكامل البنى الأساسية الإقليمية في دول امريكا الجنوبية IIRSAويلعب البنك الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية "بنك بنديسBndes " دوراَ مهماَ في تمويل مشروعات التكامل كما تشاركه بنوك ومؤسسات برازيلية اخرى الى جانب مؤسسة انديان Andean للتنمية و"بنك التنمية جنوب الأمريكي IABD"ولم يقتصر الامر في بناء الكيانات الإقليمية على اتحاد ميركوسور فحسب انما توسع ليشمل تأسيس تجمعات وهو ما أسفرت عنه القمة الرئاسية لدول امريكا الجنوبية التي عقدت في البرازيل عام 2008م حين تم تشكيل اتحاد عرف باسم"اتحاد الدول جنوب الامريكية" المعروف اختصاراَ باسم "اتحاد الاوناسورUNASUR "والذي مثل السعي البرازيلي الى تأسيسه نقطة انطلاق كبرى في السياسة الخارجية للبرازيل،كما تأسس " مجلس الدفاع المشترك لدول قارة امريكا الجنوبية CDS "وذلك بمشاركة وزراء دفاع كل من الأرجنتين والبرازيل وشيلي واوروغواي وبوليفيا وكولومبيا والاكوادور وبيرو وغويانا وسورينام وفنزويلا وفي الواقع ان هذا المجلس لا يهدف في الوقت الحاضر الى خلق تحالف عسكري على غرار حلف الأطلسي – الناتو..


وكما تشارك البرازيل في عضوية مجموعة " بريك "BRIC وهي المجموعة التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين واسمها مأخوذ من الأحرف الأولى لكل دولة(Brazil Russia India China ) أصبحت آلية مهمة لبناء نظام عالمي جديد وان مواقف الدول المشاركة فيها متطابقة حيال معظم القضايا الدولية التي من أهمها رفض النظام العالمي الحالي ذو القطب الواحد والعمل على الاستعداد لدخول العالم الى نظام عالمي متعدد الأقطاب .


بالرغم من التنافس على تزعم الساحة الدولية فان العلاقات الاستراتيجية قد تطورت لدرجة جعلت الصين تقترب بشكل تدريجي من ان تكون ثاني اكبر شريك تجاري للبرازيل وقد حققت الصين والبرازيل جهوداَ لتطوير التعاون العلمي والتقني وكان ابرز معالم هذا التعاون اطلاق مشروع القمر الصناعي البرازيلي-الصيني.
في أيار/مايو 1997م تم توقيع اتفاقية تعاون مشترك مابين معهد البرازيل لبحوث الفضاء INPEووكالة الفضاء الصينية لتصنيع قمريين صناعيين للاستشعار عن بعد وإطلاقهما بالصاروخ Long March الصيني .


ونشير هنا الى ان برامج الفضاء البرازيلية هي من اكثر برامج الفضاء تقدماَ في امريكا اللاتينية ،حيث تم اطلاق قمريين صناعيين في شباط/فبراير 1985م تحت اسم Embratel وفي آذار/مارس 1986م تم اطلاق قمر صناعي تحت اسم SBTSبالتعاون مع فرنسا وفي شباط/فبراير 1993م تم اطلاق قمر صناعي تصنيع برازيلي بالكامل تحت اسم SCD-1وفي تشرين الأول /أكتوبر 1998 تم اطلاق قمر صناعي تصنيع برازيلي بالكامل تحت اسمSCD-2 ،كما قامت مؤسسة CLAالبرازيلية بتطوير مجموعة صواريخ لاستخدامها في قذف أقمار صناعية للفضاء الخارجي تحت تسميةSonda I,II,III,IV .
ان الجهود الدولية التي تبذلها البرازيل لها أهداف في مقدمتها تعديل بنية النظام الدولي وطريقة أداء ومنهج واتفاقيات منظمة التجارة الدولية وتعديل محاور معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وان المرتكزات الأساسية للسياسة الخارجية البرازيلية على المستوى الدولي تقوم على الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة الساعية الى دعم السلام العالمي والمشاركة في حفظ الأمن الدولي والوقوف بوجه سباق التسلح وانتشار أسلحة الدمار الشامل وتمتاز السياسة الخارجية البرازيلية بالشفافية التي جعلت من البرازيل قوة إقليمية حقيقية ذات وزن على الساحة الدولية.


لقد جاءت عضوية البرازيل في قمة العشرين لتجعل العمل داخل هذه المجموعة من أولويات السياسة الخارجية البرازيلية فيعد الأزمة المالية العالمية حلت مجموعة العشرين محل قمة الدول الصناعية السبع وصار هذا التجمع الجديد منتدى دولي لاتخاذ القرارات الدولية.ويقول الأستاذ الجامعي "كلوفيس بريجا جاواClovis Briga go"وهو مدير مركز الدراسات الامريكية بجامعة كانديدو منديس في ريودي جانيرو بالبرازيل في تقرير له تحت عنوانBrazils Role in the Regional and International Arena"":"ان الكفاءة المؤسسية لوزارة الشؤون الخارجية البرازيلية لم يكن لها ان تحقق هذا النجاح لولا أشكال الدعم المختلفة التي تتلقاها من الأداء المميز للوزارات القادرة على المنافسة العالمية مثل وزارات المالية والصناعة والتجارة والتي تتعامل مع مجالات فاعلة بداية من الزراعة ووصولاَ الى العلوم والتقنية ومن التعليم الى العدل والقانون فضلاَ عن الشركات والمؤسسات الكبرى كما تساهم المقومات الفيدرالية في زيادة مشاركة البرازيل عالمياَ،فالاتحادات الكونفيدرالية والفيدرالية والمجالس الإدارية والاتحادات الجهوية والعمالية وغيرها ،كلها تعمل على تحقيق مصالح قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات في البلاد".


وفي مقال الدكتور دانييل فليمسDaniel Vllem وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة هامبورغ في ألمانيا تحت عنوان "الخيارات الإقليمية والدولية للسياسة الخارجية البرازيلية بعد مرحلة القطب الواحدة" جاء فيها "ان البرازيل تحدد استراتيجيات السياسة الخارجية على خلفية نظام دولي بصدد الخروج من النظام أحادي القطب الى نظام متعدد الأقطاب ونعتقد انه سيكون لدول الجنوب وقادته دور محوري في سياق هذا التحول وفي تحديد طبيعة النظام العالمي في المستقبل".

 


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !