مواضيع اليوم

البرادعي والجماهير سابقة التجهيز

كمال غبريال

2010-04-20 08:29:49

0

البرادعي والجماهير سابقة التجهيز

 

كمال غبريال

ينبغي بداية أن ننوه أن موقف كاتب هذه السطور من د. محمد البرادعي وما نسميه مسيرته نحو التغيير، هو موقف المشجع والمتطلع إلى نجاحنا مع الرجل في قلب موازين المعادلة المصرية، الراكدة كمياه مستنقع صار مرتعاً للهوام والديدان من كل لون وصنف. . لكنه موقف حوار وأخذ ورد وجدل إيجابي، بحثاً عن مسالك جديدة، وتوجهات ومناهج عمل جد مختلفة عن كل ما سبق، وليس موقف المنقاد لزعيم ملهم وضرورة، ذلك الموقف الذي تعودنا عليه جميعاً، خاصة خلال النصف قرن البائس المنصرم، والذي تعشمنا فيه أن يبني لنا القائد المظفر "تماثيل رخام عالترعة وأوبرا، في كل قرية عربية"، فإذا به يقود المركبة المصرية لتصطدم بالحائط، وإذا القطارت تتصادم والعبارات تغرق، والسيول تجرف مساكننا العشوائية، وصخور الجبل تسقط على رأس بؤساء التجأوا إلى حضنها، فيما يقودنا خلفاؤه العسكر في طريق للفشل يبدو حتى الآن بلا نهاية.
عشمونا وجرجرونا للهتاف لوحدة عربية مزعومة، فإذا بمصر تفقد على أيديهم المباركة وحدة شعبها الأزلية، لنقتل بعضنا بعضاً هاتفين "الله أكبر"، تحت سمع وبصر حرس السلطان، الذين يجيدون حصر أنفاسنا، كما يجيدون مصادرة حقنا في مجرد التوجع والصراخ. . وبدلاً من أن يستندوا في تربعهم الأبدي على كراسيهم إلى الشعب الصابر المكافح، اتخذوا لأنفسهم بطانة من المفسدين في الأرض، تاركين لهم الحبل على الغارب، يمتصون دماءنا ما شاءوا، نظير تأمين الجالس على العرش، وتأمين توريثه لولي عهده بعد عمر طويل!!
هكذا نظرنا إلى د. البرادعي كراية نرفعها، ينتظم من خلفها الشباب الواعد والحالم بمستقبل أفضل، والذي يهتم ببلاده ومستقبلها ربما للمرة الأولى. . بأمل أن نسير جميعاً نحو ثورة تغيير خضراء. . ثورة على أحوالنا وأنفسنا، نغير فيها ما بنا، لكي نستطيع أن ننتج حكاماً ونظام حكم، يختلف جذرياً عما سبق لنا الانقياد له، سواء مكبلين مرغمين أو راضين مبهورين. . ثورة على الأفكار العتيقة والنظم والعادات والتقاليد التي بليت، والتي تسد أمامنا الطريق إلى حاضر تخلفنا عنه، وتدفعنا إلى مستقبل يبدو لنا حتى الآن كارثياً. . ثورة يقوم بها الشباب على ميراث الآباء البائد والمتهرئ، والذي يؤدي بهم للفرار من جحيم مصر المحروسة، ولو إلى الغرق في قاع البحر المتوسط.
الرجل يصلح في رأينا تماماً ليكون موظفاً لدى ملايين الشباب بدرجة قائد مسيرة أو رئيس جمهورية، لنسير جميعاً معه نحو الألفية الثالثة، وننفتح على العالم وقيمه ومفاهيمه، بعد أن نكسر صدفة التخوف والعداء والكراهية، التي حبسنا فيها أنفسنا طوال نصف قرن، سواء بفعل حصار النظم الاستبدادية الفاسدة، أو تحت تأثير مخدر خطاب عروبي ومتأسلم، لا يرى من العالم غير المؤامرات والعداوات.
لم تكن توقعاتنا لمسيرة البرادعي كلها أحلام وردية، لكننا وقبل أن تطأ قدماه أرض مصر في عودته من فترة إقامته الطويلة بالخارج، كنا قد بينا له ما قد يعترض طريقه من عقبات وشراك، وأفضنا في توصيف الحالة المصرية، مبينين جذور الأزمة الحضارية بالأساس، وليس فقط واحدة من مظاهرها، وهي قضية تداول السلطة. . كما أشرنا عليه بالنزول إلى القاعدة، لإجراء حوار مع الشباب الذي استدعاه، ومع الصامتين أبداً من الجماهير المصرية، لنتبين معاً أي طريق ينبغي علينا أن نسلك، وصولاً إلى عصرنا الراهن وقيمه ومفاهيمه ومفاتيح قوته. . كل هذا جمعناه في كتاب تتصدره صورة الرجل بعنوان: "البرادعي وحلم الثورة الخضراء"!!
لكن يبدو أن الرجل والقلة المخلصة حوله لم يكن لديهم وقت أو رغبة في القراءة. . أو أنهم وجدوا فيما تطرحه عليهم تلك الرؤى حملاً ثقيلاً ومريراً، بأكثر مما تحتمل قدرتهم على الجد والاجتهاد. . وربما أيضاً هو الانقضاض الذي حدث على الرجل من قبل الرموز المحروقة في المعارضة المصريه، وما صوروه له من أنهم هم الشارع السياسي المصري، وأن عليه إن أراد الفاعلية في الساحة المصرية أن يعمل بهم ومن خلالهم، ويبدو حتى الآن أنه قد صدق هذه الكذبة أو الخدعة.
ربما قد صدق أن رافعي شعارات العروبة والعداء للصهيونية والإمبريالية الأمريكية هم فرسان الساحة ومالكي عقول الجماهير. . وربما صدق أيضاً أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة تمتلك قلوب الشعب المصري، رغم أن هذا التصور وذاك أبعد ما يكون عن حقيقة الشعب المصري، علاوة عن مفارقته القاطعة لما يحتاجه هذا الشعب!!
فأحزاب أو دكاكين اليساريين والعروبيين السياسية خاوية على عروشها، ولا يرتادها إلا نفر ممن يتقاتلون فيما بينهم على مناصب وهمية. . وتظاهراتهم رافعين مجرد كلمة "لا" أو "كفاية"، لا يكترث لها أحد من المارة، فلا يلقون عليهم ولو مجرد نظرة إشفاق، لتموت تلك الحركات على ذات الأرصفة التي يطحنون عليها الخواء!!
أما شعبية الإخوان المسلمين المزعومة، فسليم الطوية فقط هو من لايعرف حقيقتها وطبيعتها وحجمها. . نعم هي جماعة جيدة التنظيم والتمويل، وبالمتاجرة بالدين وبالخدمات غير خالصة النية للفقراء الذين تركتهم الدولة في ضياع، قد نجحوا في أن يجندوا جزءاً محدوداً من من الشعب المصري. . صحيح أيضاً أن غالبية المصريين الذين يدينون بالإسلام قد ساروا وراء مظهرية مقولاتهم الدينية، ملتفين حولها لتفريغها من أي مضمون، ما نستطيع رصده في أزياء الفتيات في شوارع مدننا حالياًً. . لكن هذا يختلف جذرياً على الاقتناع برؤاهم السياسية.
الشعب المصري ليس غبياً ولا ساذجاً كما قد يتصور كثيرون، وبداية من العامل الكادح وسائق التاكسي المعذب بسيارته الفيات القديمة، يعول من دخلها عائلته، يعرفون جميعاً ماذا يمكن أن يحدث لمصر وشعبها، إذا ما سيطر عليها مهاويس الدوجما والعصور الغابرة. . فالشعب المصري شعب محب للحياة، وهؤلاء تفوح من خطابهم رائحة الموت. . ألم يسودوا جدران أبنيتنا وشوارعنا بمقولة زعيمهم حسن البنا: "الشعوب التي تتقن صناعة الموت توهب له الحياة"؟!!. . قد يحصل الإخوان على خمس مقاعد مجلس الشعب في ظل لامبالاة ونسبة تصويت حوالي 20% من إجمالي من يحق لهم التصويت، وهذا هو السقف الذي يستطيعون الوصول إليه، لكن بمجرد تزايد نسبة المصوتين في الانتخابات إلى ما قرب الحدود العالمية، فربما لن تحصل الجماعة المحظورة على مقعد واحد في مجلس الشعب!!
هكذا يكون استسلام البرادعي لما يقوده إليه من التفوا حوله الآن من أشاوس العروبة وزبانية الجماعة المحظورة، هو تقاعس عن صناعة جماهير التغيير الحقيقية، وركوناً للاعتماد على جماهير مفترضة سابقة التجهيز، وهنا بالتحديد مقتل مسيرة التغيير، التي علق الشباب الغض آمالهم عليها.
kghobrial@yahoo.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !