قبل أن تقرأ وحتى توضع الأمور فى نصابها الصحيح وتتضح المواقف وتتكشف الحقائق ومعادن الرجال تم تعليق نشر هذا الموضوع لأجل غير مسمى منذ ثلاثة أسابيع فى جريدة التحرير برئاسة الزميل إبراهيم عيسى
دينا توفيق: "أطبخى ياجارية .. كلف ياشعب.. وأغرف ياسيدى"
بقلم :دينا توفيق
الجمعة 17 August 2012 - 01:08 ص
http://elbadil.com/opinion/2012/08/17/59953
مهمة المثقف وست البيت الشاطرة .. إزعاج بجاتو والسلطة!
ايها السادة .. ماهى العلاقة بين مايقوله سارتر بأن "مهمة المثقف الرئيسية والوحيدة هى إزعاج السلطة ".. وبين ست البيت الشاطرة ؟!! .. من الواضح ظاهرياً أنه لا توجد ثمة علاقة على الإطلاق سوى تسلية الصيام وتحريك ذهن الضمير النائم, فبعيداً عن لغة الإقتصاد المزعجة والتفلسف السياسى والمحاسبين القانونيين والخبراء الإقتصاديين والعسكريين والإستراتيجيين (وما أكثرهم) علاوة على الجهاز المركزى للمحاسبات والنائب العام والرقابة الإدارية وبحسبة بسيطة يستطيع أن يصل إليها رجل الشارع وبائع الفول المتجول وبالطبع ست البيت الشاطرة القائمة على ميزانية الأسرة المنهكة التى تواجه تحدياً يتزايد فى شهر رمضان وهذه الحسبة البسيطة التى سأتحدث عنها تتعلق بأن ميزانية التكاليف التى إنفقتها الحكومة الفرنسية على إنتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة فى عام 2012 حسب ما نشرته جريدة "لوموند" الفرنسية الشهيرة يصل إلى 228 مليون يورو وهو ما يوازى مليار و 700 مليون جنيه مصرى تقريباً تشمل دعماً للمرشحين قدره 257 مليون جنيه وهو ما يوازى نصف قيمة ما دفعه خمسة مرشحين للرئاسة فى الدعاية الإنتخابية حصلوا على 5% من أصوات الناخبين فى الجولة الأولى للإنتخابات الرئاسة الفرنسية .. بينما نظيرتها فى مصر تكلفت 600 مليون جنيهاً مصرياً حسب ما ذكره المستشار حاتم بجاتو مُضيفاً لأسبب لا نعلمها إستطراداً قال فيه انها أقل تكلفة إنتخابات رئاسية أجريت فى مصر منذ 15 عام (!!) وأضاف أن بعض المنظمات في الدول الأوروبية قدرت تكلفة الصوت الانتخابي في الدول الأوروبية ما بين 9 لـ 30 يورو، بينما في مصر أقل من دولار واحد !
ايها السادة, وبينما رمانا المستشار بمعلوماته المبتسرة دعونى اقول لكم الحقيقة وهى أن تكلفة الإنتخابات للصوت الإنتخابى الواحد تصل فى الهند إلى دولارِ واحد فى باكستان إلى نصف دولار وفي تشيلي 1.2 دولار وهو عكس ما قرره بجاتو .. حيث ان تكلفة الصوت الإنتخابى تُقدر بحاصل قسمة نسبة عدد من يحق لهم التصويت فى إنتخاب الرئاسة على تكاليفها .. و فى مصر يصل عدد الناخبين بها إلى 51 مليون ناخب ويعد تكلفة الصوت الإنتخابى الواحد هو 2 دولار تقريباً وليس أقل من دولار واحد كما زعم المستشار .. فى حين يتكلف الصوت الإنتخابى بفرنسا 6.15 دولار فى إنتخابات الرئاسة لحوالى 46 مليون فرنسى ممن لهم حق التصويت !
وعلينا الآن ان نتعرف على معلومات هامة نُنشىء على اساسها المقارنة التى دفعنا اليها سيادة المستشار .. ودعونا نبدأ بمستوى دخل الفرد فى فرنسا سنوياً والذى يصل إلى حوالى 42,000 دولار تقريباً وهو ما يوازى 21 ضِعفاً لدخل الفرد بمصر سنوياً (ألفين دولار تقريبا) .. اما قيمة مجموع تمويل الدعاية المصرح بها قانونيا للمرشح الرئاسى فى الإنتخابات الفرنسية فى المرحلة الأولى والثانية من الإنتخاب فيصل إلى 32 مليون يورو بما يوازى 240 مليون مصرى بينما فى الإنتخابات المصرية لايتعدى فى كلتا المرحلتين 12 مليون جنيه وهو مايعنى أن تكلفت الدعاية للحملة الإنتخابية لمرشح الرئاسة الفرنسى تبلغ عشرين ضعف المرشح الرئاسى المصرى !
و لو أخذنا بهذين المعيارين (الدخل وتكاليف الدعاية) كمقياس لما يجب أن تكون عليه تكلفة الإنتخابات الرئاسية المصرية مقارنة بمثيلتها الفرنسية فإن ما يجب أن تكون عليه تكاليف إنتخابات رئاسة الجمهورية المصرية لا يُتصور أن يتجاوز ويتعدى باى حال 130 مليون جنيه !!
وان عدنا الى الماضى القريب وفتحنا دفاتر الإستفتاء على التعديلات الدستورية والذى جرى على مدى يومين فسنجد انها تكلفت 200 مليون جنيهاً بينما كانت تكاليف إنتخابات مجلس الشعب التى أجريت على ثلاثة مراحل على مدى 12 يوماً وإستمرت 32 يوماً هى مليار و 310 جنيه حسب تصريحات د. كمال الجنزورى رئيس الوزراء بينما أعلن المستشار يسري عبد الكريم، رئيس المكتب الفني باللجنة العليا للانتخابات، عن وصول تكلفة إجراء انتخابات الشورى التى أجريت على مرحلتين فى ثمانية أيام، إلى نحو مليار جنيه، والتكلفة تشمل طبع الأوراق، ووسائل النقل والإعاشة، ومكافآت القضاة والموظفين. وأضاف أن عدد الموظفين المشرفين على اللجان الفرعية يتجاوز 200 ألف موظف، بواقع 18 موظفا في كل مقر انتخابي. وحصل الموظفون الإداريون الذين قاموا بالعمل باللجان الانتخابية فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى على ألف جنيه مكافأة لكل منهم نظير عمله بالانتخابات. و عدد الموظفين المشاركين فى العملية الانتخابية يبلغ 65 ألف موظفاً ... وقد قامت وزارة العدل بتقدير التكلفة الإجمالية للانتخابات الرئاسية بنحو 600 مليون جنيه منها 350 مليون جنيه مكافآت ومصاريف انتقال وإعاشة للقضاة، حيث تتراوح مكافآت القضاة بين 10 آلاف و20 ألف جنيه حسب التدرج فى السلك القضائى إضافة إلى 65 مليون جنيه إجمالى مكافآت الموظفين (!!!!) .. وقدّر المستشار حاتم بجاتو أمين عام اللجنة العليا للإنتخابات الرئاسة تكاليف تجهيزات الانتخابات الرئاسية فى الداخل والخارج من حيث طباعة الأوراق الانتخابية والصناديق بنحو 240 مليون جنيه..!!
وفى تصريحات له ذكر د.على لطفى بأن الحكومة قد وفرت المبالغ التى أنفقتها على الانتخابات من الاقتراض من الخارج وإضافتها ضمن بنود العجز ... ونحن ان حاولنا ان نشرح الامر لن تستطيع أن نفسر كيف تجاوزت إنتخابات مجلسى الشعب والرئاسة الميزانية المخصصة لها وقدرها 750 مليون برعاية وإنجاز حكومة الجنزورى ملك وخبير التخطيط لتصل الى مليار و 910 جنيه أى إلى مايزيد إلى أكثر من مرة ونصف الميزانية المقررة رغم دعم اليابان لمصر بمنحة لا تُرد بمبلغ 70 مليون دولار متمثلة فى تقديم الأوراق والأحبار وتوفير اللوجيستيات الخاصة بانتخابات مجلسي الشعب والشورى، وتوفير الكبائن وصناديق واستمارات الاقتراع والحبر الفسفوري !!!
وبينما كان الدعم اليابانى موجوداً وجدنا انه وبناء على معلومات متدوالة انه قد تم تدبير التمويل المطلوب للانتخابات الرئاسية بان أرسلت الحكومة خطابات إلى الوزارات والجهات المختلفة لوقف تنفيذ أى مشروعات مدرجة فى موازنة العام المالى الماضى ، وترحيلها إلى العام الحالى، خاصة فى مجال البنية الأساسية !!
وللاسف ايها السادة, علينا ان نزدرد الحقيقة المُرة وهى أن لوحة تباين تكاليف "موزايكو" اليوم الإنتخابى فى مصر تترواح فى الإستفتاء على الدستور ب 100 مليون جنيه واليوم الإنتخابى فى مجلس الشعب ب109,160 مليون جنيه واليوم الإنتخابى فى الإنتخابات مجلس الشورى تكلف 125 مليون جنيه واليوم الإنتخابى فى إنتخابات رئاسة الجمهورية تكلف 150 مليون جنيه مع أنها بلد واحد .. والإجمالى هو 3 مليار و100 مليون جنيه تقريباً فى 26 يوم إقتراع فى بلد فقير جدا والمفروض انه فى حالة ثورة ضد الفقر والفساد !!
"أطبخى ياجارية .. كلف ياشعب.. وأغرف ياسيدى"
ايها السادة .. قدرت وزارة العدل التكلفة الإجمالية للانتخابات الرئاسية بنحو 600 مليون جنيه منها 350 مليون جنيه مكافآت ومصاريف انتقال وإعاشة للقضاة، حيث تتراوح مكافآت القضاة بين 10 آلاف و20 ألف جنيه حسب التدرج فى السلك القضائى إضافة إلى 65 مليون جنيه إجمالى مكافآت الموظفين (!!!!) .. وقدّر المستشار حاتم بجاتو أمين عام اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة تكاليف تجهيزات الانتخابات الرئاسية فى الداخل والخارج من حيث طباعة الأوراق الانتخابية والصناديق بنحو 240 مليون جنيه.. وأضاف المستشار بجاتو أثناء إنتخابات الرئاسة " أن اللجنة العليا الإنتخابات لم تحدد قيمة مكافآت الموظفين والقضاة وأن الجميع يتعامل مع الانتخابات على أنها واجب وطنى قبل أن تكون عملاً بأجر"
كما قال المستشار نبيل حسن، رئيس محكمة الاستئناف والمشرف على لجنة الانتخابات العامة بمصر الجديدة، إن القضاة لا يعرفون قيمة المكافأة التى سيحصلون عليها ويتعاملون بدافع وطنى لإجراء انتخابات نزيهة وأضاف حسن أن القضاة يجب أن تتوافر لهم أسباب الراحة فى الانتخابات الرئاسية من حيث الإقامة والانتقالات ولكن لن يهمهم كثيراً قيمة المكافأة (كان يشرف على الانتخابات 14 ألفاً و509 من القضاة للإشراف على 51 لجنة عامة و13 ألفاً و99 لجنة فرعية فى 9 آلاف و339 مركزاً )
ولكن الحقيقة ايها السادة وبرغم تجرد وتعفف وزهد القضاة الظاهر إلا انهم تقاضوا فقط فى اربعة أيام إقتراع ويومين فرز أثناء إنتخابات رئاسة الجمهورية ماقيمته 280 مليون جنيه تقريباً مكافآت بمتوسط قدره 20 ألف جنيه للقاضى الواحد وحوالى 40 مليون جنيه إقامة بخلاف مصاريف الإنتقال وبدل طعام حوالى 30 مليون بمتوسط تكاليف عشرة أيام (!!)
والنتيجة المدهشة انه إذا كانت تكاليف الإستفتاء على التعديلات الدستورية تقدر بـ 200 مليون جنيه على يومين فى عموم مصر .. فكيف تكلفت إنتخابات رئاسة الجمهورية 600 مليون جنيه على مرحلتين فى أربعة أيام فى عموم مصر أيضا ؟!! بل وكيف تكلفت إنتخابات مجلس الشعب مليار و 310 مليون جنيه على ثلاثة مراحل فى 12 يوم ؟!! وكيف تكلفت إنتخابات مجلس الشورى مليار جنيه على مرحلتين فى ثمانية أيام ؟!!
والغريب ان كل ذلك كان فى ضوء ثبات تكاليف قيمة المطبوعات وقدرها 240 مليون وبفرض ثبات قيمة ومكافآت الموظفين الإداريين وقدرها 65 مليون جنيه أثناء إنتخابات الرئاسة وإنتخابات مجلس الشعب والشورى !!
اذن فمن أين جاءت هذه الفروق بين تلك الإنتخابات ؟!! ..
ان كل المؤاشرات تشير إلى ان مكافآت القضاة وبدلاتهم وقدرها حوالى 350 مليون جنيه عن أربعة أيام إشراف قضائى فى إنتخابات رئاسة الجمهورية هى المُتغير الوحيد الذى يتضاعف مع كل إنتخاب وحسب مدته من ثمانية أيام فى مجلس الشورى إلى 12 يوماً فى مجلس الشعب أى من سبع آلاف ونصف جنيه فى إستفتاء على التعديلات الدستورية إلى 15 ألفاً فى إنتخابات الرئاسة و 30 ألفاً فى مجلس الشورى إلى 45 ألفاً فى مجلس الشعب فى المتوسط للقاضى الواحد وبحد أدنى سبعة آلاف جنيه وحد أقصى يصل إلى 60 ألف جنيه للقاضى الواحد حسب درجته ويكون حوالى 14500 ألف قاضى قد إستولوا على مايوازى مليارين و200 مليون جنيه تقريباً مكافآت وبدل إنتقلات ومعيشة وإقامة فى 26 يوم إقتراع وإستفتاء وإنتخاب شعب وشورى ورئيس الجمهورية بمعدل 151 ألف جنيه تقريبا للقاضى الواحد بما يعنى أن يوم الإشراف القضائى الواحد على الإقتراع الإنتخابى يتكلف على الدولة فى المتوسط ستة ألف جنيه لكل قاضى يتحمل فاتورتها الشعب !!
اما المفاجأة الكبرى فهى أن مكافأة الإشراف علي الانتخابات بدعة من إختراع كوتش الفساد مبارك وحكماء نظامه تهز ثقة الشعب في القضاة فقد نشرت صحيفة الوفد المصرية الصادرة السبت 10 سبتمبر 2005 أن "المستشار رفعت السيد" رئيس محكمة جنايات القاهرة القضاء المصري رفض ان يتقاضي أي مكافآت عن واجب وطني قومي اناطه به الدستور وألزمه به القانون، وهو الاشراف علي الانتخابات، وقال المستشار رفعت انهم كقضاة ليسوا أقل وطنية من زملائهم الذين شاركوا في تحكيم طابا، وعلي رأسهم المرحوم الدكتور وحيد رأفت والمستشار فتحي نجيب اللذان رفضا الحصول علي اية مكافآت علي هذا الواجب الوطني، ناهيك عن ان القضاة اشرفوا علي الانتخابات البرلمانية منذ عام 23 حتي عام 2000 بغير مقابل علي الاطلاق.
ولعل هذا هو سبب إرتفاع فاتورة تكاليف الإنتخابات منذ 15 عاما كما يقول المستشار حاتم بجاتو ويتحول العرس الديمقراطى لتجارة رائجة وسبوبة للبعض فيسعى لتكراره بسبب وبدون سبب تحت مصوغات وأقنعة ومسميات وأدوات متعددة ودون أى وازع ضميرى و أخلاقى أو مسئولية إجتماعية لإهدار موارد الدولة لوطن يعيش 40 % من مواطنيه تحت خط الفقر و 40% الآخرين حوله .. ومثل ما يقول المثل "أطبخى ياجارية .. كلف ياشعب .. وأغرف ياسيدى" ... و"المال السايب يعلم المكافأت والعطايا المليارية المقنعة " !!!
وحتى لانضع رؤوسنا فى الرمال فى لحظات التغيير الكبرى التى تمر بها الأمم فإن هذه الأرقام هى أقل مكافأت إستولى عليها القضاء فى 15 سنة الماضية التى كانت تزور فيه إرادة الأمة تحت عين وسمع وضمير وإشراف وعدالة القضاء المصرى بإستثناءات نادرة وشهيرة للمستشارة نهى الزينى و المستشار وليد الشافعىوالإستثناء يثبت القاعدة ولاينفيها .؟
ايها السادة .. إن الثورة المصرية فى 25 يناير قامت بهتاف جماعى تلقائى يتلخص فى ثلاثة مطالب أساسية هى ..عيش .. كرامة .. عدالة إجتماعية ... وتحقيق هذه المطالب يتطلب إسناد جميع الوظائف بالدولة طبقا لعنصر القدرة والعلم والكفاءة والمهارة لدى الفرد لا بالنسب و الحسب و الجاه والوراثة وإطاعة الآوامر .. وإعادة توزيع وتوازن الثروة و الدخول بشكل عادل داخل المجتمع بما يحقق أهداف الثورة والإستقرار المنشود وإنهاء سيطرة أفراد أو مجموعة أو مؤسسة على كعكعة الوطن تتلاعب وتتحكم بتوافق المصالح وتطابق وتوارد الأفكار وتزكية تعاقب الرشوة المقنعة .....ان هذا لا يتحقق بالإستمرار فى العبث وإستنزاف وإهدار أموال وموارد ومقدرات وطاقات الدولة لصالح إرضاء فئة معينة تعيش فى نزواتها ومطامعها ففقدت المنطق والهيبة مع تخليها عن توزان معيار العدل والمسئولية والأخلاق والضمير .. !
ايها السادة .. وبينما الوطن يقف عند مفترق الطرق يرنو للمستقبل فهذه الفئة لاترى سوى التشبث بمصالحها المكتسبة الضيقة المترهلة وتطويع القانون فى الدولة لصالح إرادة الحاكم ووفق أهوائه وأحلامه ومصالحه ورغباته طبقاً لذات الأساليب والمفاهيم والأدوات والمساحيق والأقنعة والطرق البالية القديمة التى إنتجت الثورة 25 يناير .
مكافأة للطهارة .. وكرتونة للترفية!
أيها السادة أعزكم الله .. تُشكل وظيفة القاضى فى اى مجتمع من المجتمعات المتحضرة منصباً رفيعاً يحظى بتقديرٍ وهيبةٍ واجلالٍ وإحترامٍ و ثِقل أدبى وأخلاقى ولذلك فالقاضاة يتقاضون أعلى الرواتب فى الدولة بل وتقدم لهم الدولة العديد من المزايا والاستثناءات والعطايا والمنافع المادية والعينية والادبية ليصونوا أنفسهم و يؤمنونها ويحمونها من الانحراف بالرشوة اوالزلل بضيق اليد ويُحصنوها بالإستقلال .. الا ان هذا المزايا فى مصر مبارك كانت تُقدم للقضاء (الذى لم يكن يتمتع بأى قدر من الإستقلال عن السلطة التنفيذية) كرِشوة مقنعة ليكون القاضى عوناً وسنداً وعميلاً للحكومة ولكل اعمالها الفسادة والقذرة وغطاءً قانونياً لتمرير ممارسات غير قانونية من الأساس بحيث تضمن السلطة التنفيذية ولاء وتبعية وتواطؤ السلطة القضائية معها وخضوعها لها بما تُغدِقهُ عليها من عطايا منظورة وغير منظورة ويكون الراشى فيها هى الدولة و المرتشى هو القضاء ..
و لعلها ظاهرة غريبة ايها السادة .. أن احداً من قضاة مصر لم يُلغ اى إنتخاب فى أى مركز من مراكز الاقتراع لأى شبهة فى عدم نزاهة الإنتخابات طوال عصر مبارك بل منذ إشرافهم الكامل على العملية الانتخابية منذ انتخابات مجلس الشعب فى عام 2005 التى قام فيها السيد رئيس لجنة الانتخابات الرئيسية المستشار ممدوح مرعي رئيس المحكمة الدستورية السابق بإستبعد 1000 قاضى من الإشراف على العملية الإنتخابية لمواقفهم السياسية المناهضة للحكومة .. وأشرف "إبن خالة مبارك" "المستشار السيد عبد العزيز عمر" رئيس محكمة الاستئناف العالى ورئيس لجنة العليا الإنتخابات التشريعية فى برلمان 2010 والتى كانت من أسباب إندلاع ثورة 25 يناير وحل البرلمان .
وما لا يجب ان ننساه ان الجهاز القضائى مع عدم إستقلاله مثله مثل أى جهاز او مؤسسة فى دولة انتشر به الفساد والرشوة واستشرى وتوغل وتسرطن مثلما هو منتشر فى جميع سائر مرافىء نظام مبارك الذى كان الفساد فيه يدير الدولة بحيث صارت مقولة ثوب القضاء الابيض والطاهر نوعاً من العزف السيمفونى لمقطوعة ساقطة ومهترئة لم تعد لها مستمعين سوى المساكين والفقراء والمغفلين والمنافقين والمرتزقة والمتخلفين والمتحذلقين وهواة تقديس آلهة ورموز تجار الفساد .. والقول بغير ذلك هو نوعٌ من الخروج عن مُعطيات دائرة الواقع وتكريس لأوهام عدالة القضاء المطلقة والثقة العمياء فى القضاء المصرى فى كافة الظروف والأحوال والمقتضيات بدون وعى ومبرر لأصول العدالة ومقوماتها التى يجب أن ترتكز وتقوم أعمدتها وترتكن علي إستقلال وحيدة (من الحياد) وتجرد وطهارة ونزاهة وإنكار للذات وعفة لليد وترفع عن السلطة وتواضع ..
ايها السادة .. ان مصر الثورة لن يقدم شعبها تفويضاً على بياض لأى فرد أو نُخبة أو جماعة أو حزب مهما كان .. ولن يوقع شعبها عقد إذعان مع الشيطان .. وبخاصة أن التصريحات الأخيرة المتكررة للمستشار "أحمد الزند" رئيس نادى القضاة تعكس خروجاً سافراً عما يجب أن يتحلى به القضاة وخلطاً مزدوجاً بين القضاء والقانون والسياسة وتحويل القضاء لتمركُزٍ وتجمعٍ فئوى يسعى الأغلبية فيه لمزيدٍ من المكاسب المادية والأدبية على حساب الوطن وتضخيم للذات والنفوذ والجبروت وتوريث للسلطة القضائية يُشكل تهديداً لكافة مؤسسات الدولة المُنتخبة بما فيهم رئيس الجمهورية .
بل إن أرقام المكأفات التى يأخذها رجال القضاء المصرى للإشراف على الإنتخابات وكما يتضح لكل من فى عينيه نظر وفى راسه عقل انها مبالغ لا تدل بأى حال من الأحوال على مستوى دخل الفرد في مصر ومستوى دخول موظفى الدولة ويكفى أن مستشار يمكنه أن يتقاضى مكافآت للإشراف على سير العملية الإنتخابية قدرها 60 آلاف جنيه فى شهر بمعدل ألفين جنيه فى اليوم بينما المدرس الذى يتقاضى فقط راتباً قدره 1000 جنيه فى ذات الوطن يستطيع أن يحصل على ذات المبلغ كراتب له فى خمس سنوات على الأقل!!
وهنا يتجلى المثل الشعبى القائل" أطعم الفُم تستحى العين " ويرسم ويجسد ويبرز بوضوح صورة ملامح طبيعة دولة الفساد العميقة والمصالح والتفاهمات المشتركة ورواسبها التى تحكم العلاقة بين القضاء والدولة المصرية وهو ما يعنى أنها "رشوة مُقنَعة" إعتادت الدولة تقديمها للقضاة ليس فقط للسيطرة على العملية الإنتخابية ولكن لتحويلها الى "سبوبة او نحتاية" وعطايا للقضاء تخلق لغة مصالح وبيئة تفاهم مشتركة وتحالف مستتر لتوجيه أحكام القضاء وإستعمال أدوات القانون بعيداً عن روحه ونصوصه وفلسفته طبقاً لأغراض وقراءة وإرادة السلطة التنفيذية الحاكمة.
ايها السادة الشرفاء فى هذا الوطن .. لقد إستفزنى ومازال صورة نشرتها احدى الجرائد الكبرى من المنصورة وفيها يحاصر الفقراء لورى عسكرى يقوم بتوزيع شُنط رمضان أو "كرتونة الترفيه" كما تُطلق عليها القوات المسلحة التى توزع من هذه الكرتونات 19 ألف كرتونة حسب ماذكرته الجريدة على المواطنين فى أنحاء الجمهورية بمناسبة شهر رمضان فأصيب عديد من النساء وكبار السن بالدوار وسقطوا على الأرض مغشى عليهم ونُقِلوا للمستشفيات للعلاج من شدة الحر وتزاحمهم على كراتين المجلس العسكرى للترفيه .. والمأساة الإضافية فى هذا الخبر المُصور هو رقم عدد الكراتين الذى يعطى إنطباعا أن 19 لواءً فى المجلس العسكرى تبرع كل منهم بإحسان قدره ألف كرتونة لفقراء مصر بشرط أن توزع عليهم بطريقة مهينة قد تنهى بحياتهم .. بينما القضاء المصرى متمثلا فى المحكمة الدستورية العليا يُفاجئنا بحكم غريب فبدلاً من إعادة إنتخابات مجلس الشعب على الثلث الباطل منه حكمت بحله بالكامل (مع إعتراضنا على وجود أحزاب قائمة على منهج وعقيدة دينية وتمويل التيار الدينى وأدائه داخل مجلس الشعب) وهو مايعنى إعادة إنتخابات المجلس التشريعى بالكامل وليس الثلث فقط منه _ وربما مجلس الشورى أيضا_ وهو مايرفع فاتورة تكاليف الإعادة من 400 مليون جنيه إلى أكثر من مليار و 310 يذهب حوالى 900 مليون منها لأصدقائهم القضاة المشرفين على الانتخابات بينما هناك جوعى يموتون فى مصر من أجل الحصول على رغيف عيش وبنزين وسولار و أنبوبة بوتجاز وكرتونة الجيش للترفيه فى ظل غياب العدل والعدالة وتحول بعض القائمين على القضاء المصرى إلى أصحاب مطالب فئوية تُطلب بمزايا وعطايا وتوريث المهنة لأبنائهم مقابل إستمرار إنحرافهم بالقانون حسب الطلب لصالح القوى الحاكمة !!
dinatawfick2005@yahoo.com
التعليقات (0)