البدعة الحسنة والبدعة السيئة
قال صل الله عليه وسلم يقول: ((من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا)) خرجه مسلم في صحيحه.
ومثل هذا الحديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلىالله عليه وسلم أنه قال:((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا))
وهكذا حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))
اخرجهما مسلم في صحيحه.
عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا . " رواه الترمذي رقم 2675 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
أن هناك أمور كثيرة جدا لا تدخل تحت الحصر استحدثت فى محيط الأمة الاسلامية .بعد رسول الله صل الله عليه وسلم . وقد قام أصحابه رضي الله عنهم من بعده يلتمسون الأحكام . مجتهدين من كتاب الله و سنة رسوله صل الله عليه وسلم و ذلك مثل قتال ما نعى الزكاة , و جمع القرآن على مصحف واحد , و كذلك ما حصل فى عصر سيدنا عمر رضى الله عنه فى جمع المسلمين على صلاة التراويح جماعة بالمسجد .فلم يكن ذلك فى عهد رسول الله صل الله عليه وسلم.
و أيضا تدوين الدواوين . و كذلك ما حصل من سيدنا عثمان رضى الله عنه فى الآذان الثانى لصلاة الجمعة , و توسيع مسجد الرسول صل الله عليه وسلم و كذلك جمع المسلمين على مصحف واحد و احراق باقى المصاحف و كل هذه الأمور تسمى بدعة حسنه أو سنه حسنه كما قال الرسول صل الله عليه وسلم :
" من سن سنة حسنه فله أجرها و أجر من عمل بها الى يوم القيامة "
رواه مسلم و الترمذى و ابن ماجه ,
وقال صل الله عليه وسلم:
" عليكم بسنتى و سنة الخلفاء الراشدين المهتدين من بعد " رواه ابن ماجه و الترمذى,
ثم جاء النابعين فحدثوا علوم الحديث .
و وضعوا النقط على حروف القرآن و حركات الاعراب . و كتبوا و دونوا تفسير القرآن و لم يكن ذلك على عهد الرسول صل الله عليه وسلم .و كثير من الأحداث التى استجدت و تستجد فى المسلمين بحكم تغيير الظروف حتى تسير الحياة . وواجب علماء المسلمين أن يجتمعوا و يدرسوا الأمور التى تغييرت فى مجتمع المسلمين و يضعوا لها السنن
من الكتاب و السنة النبوية ,
اذن البدعة الحسنة ( أو السنة )
هى استنباط من كتاب الله وسنة رسوله و هى كل عمل خير اجتمع عليه المسلمينو يكون نابع من شرع الله .
وحديث: وكل بدعة ضلالة، عام مخصوص
تعريف البدعة:
لغةً ما أُحدث على غير مثال سابق، يقال: جئت بأمر بديع أي محدث عجيب لم يعرف قبل ذلك. وفي الشرع: المـحدَث الذي لم ينصَّ عليه القرءان ولا جاء في السنة، كما ذكر ذلك اللغوي المشهور الفيومي في كتابه "المصباح المنير" مادة "ب د ع"، وذكر ذلك أيضا الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في "تاج العروس" مادة "ب د ع".
ففي "المصباح المنير" (ص/138) : أبدع الله تعالى الخلق إبداعا خلقهم لا على مثال وأبدعت وأبدعته، استخرجته وأحدثته ومنه قيل للحالة المخالفة بدعة وهى اسم من الابتداع كالرفعة من الارتفاع ثم غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين أو زيادة لكن قد يكون بعضها غير مكروه فيسمى بدعة مباحة وهو ما شهد لجنسه أصل في الشرع أو اقتضته مصلحة يندفع بـها مفسدة "اهـ.
وفى المعجم الوجيز (ج1/ص45) : "هي ما استحدث فى الدين وغيره تقول بدعه بدعا أي أنشأه على غير مثال سابق"اهـ
أقسام البدعة:
قال ابن العربي: " ليست البدعة والمحدَث مذمومين للفظ بدعة ومحدث ولا معنييهما، وإنما يذم من البدعة ما يخالف السنة، ويذم من المحدثات ما دعا إلى الضلالة"اهـ.
وقال النووي في كتاب تـهذيب الأسماء واللغات، مادة (ب د ع ) ج3/22 ما نصه: "البدعة بكسر الباء في الشرع هي: إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلّى الله عليه وءاله وسلم، وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة، قال الإِمام الشيخ الـمجمع على إمامته وجلالته وتمكّنه في أنواع العلوم وبراعته أبو محمّد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في ءاخر كتاب القواعد: "البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة. قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإِيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فمحرّمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة".انتهى كلام النووي.
فالبدعة تنقسم إلى قسمين:
بدعة ضلالة: وهي المحدثة المخالفة للقرءان والسنة.
وبدعة هدى: وهي المحدثة الموافقة للكتاب والسنة.
وهذا التقسيم مفهوم من حديث البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". ورواه مسلم بلفظ ءاخر وهو: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". فأفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:"ما ليس منه" أن المحدَث إنما يكون ردًّا أي مردودًا إذا كان على خلاف الشريعة، وأن المحدَث الموافق للشريعة ليس مردودًا.
وهو مفهوم أيضًا مما رواه مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء ".
وفي صحيح البخاري في كتاب صلاة التـراويح ما نصه: " قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس على ذلك"، قال الحافظ ابن حجر: " أي على ترك الجماعة في التراويح". ثم قال ابن شهاب في تتمة كلامه: " ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه".
وفي البخاري أيضًا تتميمًا لهذه الحادثة عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: "نعم البدعة هذه".اهـ
وفي الموطأ بلفظ:" نِعمت البدعة هذه"اهـ.
فإن قيل: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن العرباض بن سارية: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".
فالجواب: أن هذا الحديث لفظه عام ومعناه مخصوص بدليل الأحاديث السابق ذكرها فيقال: إن مراد النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث على خلاف الكتاب أو السنة أو الإجماع أو الأثر.
هذا وأما من حيث التفصيل فالبدعة منقسمة إلى الأحكام الخمسة وهي الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام كما نص علماء المذاهب الأربعة:
المذهب الحنفي:
1- قال الشيخ ابن عابدين الحنفي في حاشيته (1/376): "فقد تكون البدعة واجبة كنصب الأدلة للرد على أهل الفرق الضالة، وتعلّم النحو المفهم للكتاب والسنة، ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة، وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد، ومباحة كالتوسع بلذيذ المآكل والمشارب والثياب"انتهى.
2- قال بدر الدين العيني في شرحه لصحيح البخاري (ج11/126) عند شرحه لقول عمر ابن الخطاب رضي اللّه عنه: "نعمت البدعة" وذلك عندما جمع الناس في التراويح خلف قارىءٍ وكانوا قبل ذلك يصلون أوزاعًا متفرقين: "والبدعة في الأصل إحداث أمر لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم البدعة على نوعين، إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة"انتهى.
المذهب المالكي:
1- قال محمد الزرقاني المالكي في شرحه للموطأ (ج1/238) عند شرحه لقول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: "نعمت البدعة هذه" فسماها بدعة لأنه صلى اللّه عليه وسلم لم يسنّ الاجتماع لها ولا كانت في زمان الصديق، وهي لغة ما أُحدث على غير مثال سبق وتطلق شرعًا على مقابل السنة وهي ما لم يكن في عهده صلى اللّه عليه وسلم، ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة. انتهى
2- قال الشيخ أحمد بن يحيى الونشريسي المالكي في كتاب المعيار المعرب (ج1/357-358) ما نصه: "وأصحابنا وإن اتفقوا على إنكار البدع في الجملة فالتحقيق الحق عندهم أنها خمسة أقسام"، ثم ذكر الأقسام الخمسة وأمثلة على كل قسم ثم قال: "فالحق في البدعة إذا عُرضت أن تعرض على قواعد الشرع فأي القواعد اقتضتها ألحقت بـها، وبعد وقوفك على هذا التحصيل والتأصيل لا تشك أن قوله صلى الله عليه وسلم:" كل بدعة ضلالة"، من العام المخصوص كما صرح به الأئمة رضوان الله عليهم".اهـ
المذهب الشافعي:
1- الإمام الشافعي:
أ- قال الشافعي رضي الله عنه: المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة، والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة. رواه البيهقي في (مناقب الشافعي) (ج1/469)، وذكره الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): (13/267).
ب- روى الحافظ أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء ج 9 ص76 عن إبراهيم بن الجنيد قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه يقول: البدعة بدعتان، بدعة محمودة، وبدعة مذمومة. فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان: نعمت البدعة هي" اهـ
2- قال أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، كتاب ءاداب الأكل ج2/3 ما نصه: "وما يقال إنه أبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس كل ما أبدع منهيا بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرا من الشرع مع بقاء علته بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب" اهـ
3- قال العز بن عبد السلام في كتابه "قواعد الأحكام" (ج2/172-174) : البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ثم قال: والطريق في ذلك أن تُعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة، انتهى.
4- قال النووى فى شرحه على صحيح مسلم"(6/154-155): قوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ) هذا عامٌّ مخصوص، والمراد: غالب البدع. قال أهل اللُّغة: هي كلّ شيء عمل عَلَى غير مثال سابق. قال العلماء: البدعة خمسة أقسام: واجبة، ومندوبة، ومحرَّمة، ومكروهة، ومباحة. فمن الواجبة: نظم أدلَّة المتكلّمين للرَّدّ عَلَى الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك. ومن المندوبة: تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والرّبط وغير ذلك. ومن المباح: التّبسط في ألوان الأطعمة وغير ذلك. والحرام والمكروه ظاهران، وقد أوضحت المسألة بأدلَّتها المبسوطة في (تـهذيب الأسماء واللُّغات) فإذا عرف ما ذكرته علم أنَّ الحديث من العامّ المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيّد ما قلناه قول عمر بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في التّـَراويح: نعمت البدعة، ولا يمنع من كون الحديث عامًّا مخصوصًا قوله: (كُلُّ بِدْعَةٍ) مؤكّدًا بـــــــ كلّ، بل يدخله التَّخصيص مع ذلك كقوله تعالى: {تُدَمّرُ كُلَّ شَىءٍ} [الأحقاف،ءاية 25]اهـ
وقال النووي أيضا "في شرحه على صحيح مسلم"(16/226-227) : قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا...) إلى ءاخره. فيه: الحث على الابتداء بالخيرات، وسن السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات، وسبب هذا الكلام في هذا الحديث أنه قال في أوله: "فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها فتتابع الناس". وكان الفضل العظيم للبادي بـهذا الخير والفاتح لباب هذا الإحسان. وفي هذا الحديث: تخصيص قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة.اهـ
4-قال الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في الفتح (ج4/298): قوله قال عمر: "نعم البدعة" في بعض الروايات "نعمت البدعة" بزيادة التاء، والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة.انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، المـجلد الثاني، كِتَاب الْجُمُعَةِ، باب الأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ:" وكل ما لم يكن في زمنه- صلى الله عليه وسلم - يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك "اهـ.
المذهب الحنبلي:
قال الشيخ شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي في كتابه "المطلع على أبواب المقنع" (ص334) من كتاب الطلاق: "والبدعة مما عُمل على غير مثال سابق، والبدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلالة، والبدعة منقسمة بانقسام أحكام التكليف الخمسة"اهـ.
و من البدعة الحسنة أو السنة التى استحسنها المسلمون من أعمال الخيرقال في روح البيان في تفسير القرءان ج 9 ص 2:"ومن تعظيمه- صلى الله عليه وسلم - عمل المولد إذا لم يكن فيه منكر قال الإمام السيوطي قدس سره يستحب لنا إظهار الشكر لمولده عليه السلام. انتهى وقد اجتمع عند الإمام تقي الدين السبكي رحمه اللـه جمع كثير من علماء عصره فأنشد منشد قول الصرصري رحمه اللـه في مدحه عليه السلام:
قليلٌ لمدحِ المصطفى الخطُّ بالذهَبْ ... على وَرِقٍ مِن خَطِ أحسنِ مَن كتبْ
وأن تَنْهضَ الأشرافُ عندَ سَماعِهِ ... قيامًا صفوفًا أو جُثِيًّا على الرُكبْ
فعند ذلك قام الإمام السبكي وجميع من بالمجلس فحصل أنس عظيم بذلك المجلس ويكفي ذلك في الاقتداء وقد قال ابن حجر الهيتمي إن البدعة الحسنة متفق على ندبـها وعمل المولد واجتماع الناس له كذلك أي بدعة حسنة قال السخاوي لم يفعله أحد من القرون الثلاثة وإنما حدث بعد ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر من بركاته عليهم كل فضل عظيم قال ابن الجوزي من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام وأول من أحدثه من الملوك صاحب أربل وصنف له ابن دحية رحمه الله كتابًا في المولد سماه التنوير بمولد البشير النذير فأجازه بألف دينار وقد استخرج له الحافظ ابن حجر أصلاً من السنة وكذا الحافظ السيوطي"اهـ
قال في حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ج1 ص 103: وأول ما زيدت الصلاة على النبي بعد الأذان على المنارة في زمن حاجي بن الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون بأمر المحتسب نجم الدين الطنبدي، وذلك في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة كذا في الأوائل للسيوطي، والصواب من الأقوال أنـها بدعة حسنة"اهـ
قال الإمام المحدث الفقيه المفسر اللغوي الشيخ عبد الله بن محمد الهرري الشيبي في كتابه صريح البيان ج1/280: قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: [وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا] {الحديد:27}. فهذه الآية يستدلّ بـها على البدعة الحسنة، لأن معناها مدح الذين كانوا مسلمين مؤمنين من أمّة عيسى متبعين له عليه السلام بالإِيمان والتوحيد، فالله تعالى مدحهم لأنـهم كانوا أهل رأفة ورحمة ولأنـهم ابتدعوا رهبانية، والرهبانية هي الانقطاع عن الشهوات، حتى إنـهم انقطعوا عن الزواج رغبة في تجرّدهم للعبادة. فمعنى قوله تعالى: مَا كَتَبْنَاهَا، أي نحن ما فرضناها عليهم إنما هم أرادوا التقرّب إلى الله، فالله تعالى مدحهم على ما ابتدعوا مما لم ينصَّ لهم عليه في الإِنجيل ولا قال لهم المسيح بنص منه، إنما هم أرادوا المبالغة في طاعة الله تعالى والتجردّ بترك الانشغال بالزواج ونفقة الزوجة والأهل، فكانوا يبنون الصوامع أي بيوتًا خفيفة من طين أو من غير ذلك على المواضع المنعزلة عن البلد ليتجرّدوا للعبادة.اهـ ثم بدأ بذكر أمثلة على البدعة الحسنة:
ومما يدلّ على أنه ليس كل ما أحدث بعد رسول الله أو في حياته مما لم ينصّ عليه بدعة ضلالة إحداث خبيب بن عدي ركعتين عندما قُدّم للقتل، كما جاء ذلك في صحيح البخاري...ومما يدلّ أيضًا على ذلك أن الصحابة الذين كتبوا الوحي الذي أملاه عليهم الرسول، كانوا يكتبون الباء والتاء ونحوهما بلا نقط، ثم عثمان بن عفّان لما كتب ستة مصاحف وأرسل ببعضها إلى الآفاق إلى البصرة ومكّة وغيرهما واستبقى عنده نسخة كانت غير منقوطة. وإنما أوّل مَن نقط المصاحف رجل من التابعين من أهل العلم والفضل والتقوى، يقال له يحيى بن يعمر. ففي كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني ص/158 ما نصّه: "حدّثنا عبد الله، حدّثنا محمّد بن عبد الله المخزوميُّ، حدّثنا أحمد بن نصر بن مالك، حدّثنا الحسين بن الوليد، عن هارون بن موسى قال: أوّل مَن نقط المصاحف يحيى بن يعمر".اهـ وكان قبل ذلك يكتب بلا نقط، فلما فعل هذا لم ينكر العلماء عليه ذلك، مع أن الرسول ما أمر بنقط المصحف، فمن قال كل شىء لم يُفعل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة ضلالة فليبدأ بكشط النقط من المصاحف حتى ابن تيمية زعيمهم ذكر في فتاويه (3/402) ما نصه: "قيل: لا يكره ذلك لأنه بدعة، وقيل: لا يكره للحاجة إليه، وقيل: يكره النقط دون الشكل لبيان الإعراب، والصحيح أنه لا بأس به".اهـ
قال أبو الفضل عبد الله الصديق الغماري في كتابه إتقان الصنعة ص/14: يعلم مما سبق أن العلماء متفقون على انقسام البدعة إلى محمودة ومذمومة وأن عمر رضى الله عنه أول من نطق بذلك ومتفقون على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم "كل بدعة ضلالة" عام مخصوص ولم يشذ عن هذا الاتفاق إلا " الشاطبي" صاحب الاعتصام فإنه أنكر هذا الانقسام.."اهـ
وقال ابن تيمية في كتابه المسمى الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ج1/162:
قال الشّافعيّ " البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة، فما وافق السّنّة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم " أخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشّافعيّ، وجاء عن الشّافعيّ أيضًا ما أخرجه البيهقيّ في مناقبه قال"المحدثات ضربان ما أحدث يخالف كتابًا أو سنّة أو أثرًا أو إجماعًا فهذه بدعة الضّلال، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئًا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة " انتهى. وقسّم بعض العلماء البدعة إلى الأحكام الخمسة وهو واضح.اهـ
ويقول ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم ص/297: فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.اهـ
وقال في مجموع الفتاوى ج27/152:
إذًا البدعة الحسنة - عند من يقسّم البدع إلى حسنةٍ وسيّئةٍ - لا بدّ أن يستحبّها أحد من أهل العلم الّذين يقتدى بـهم ويقوم دليل شرعيّ على استحبابـها وكذلك من يقول: البدعة الشّرعيّة كلّها مذمومة لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث الصّحيح: {كلّ بدعةٍ ضلالة} ويقول قول عمر في التّراويح: " نعمت البدعة هذه " إنّما أسماها بدعةً: باعتبار وضع اللّغة. فالبدعة في الشّرع عند هؤلاء ما لم يقم دليل شرعيّ على استحبابه اهـ
و الله من وراء القصد و هو يهدى السبيل و صلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه و سلم
التعليقات (0)