البَداء في اللّغة والإصطلاح
البَداء في اللغة
للبَداء في اللّغة معنيان:
أ ـ بدا الأمر بُدُوّاً وبَداءً: ظهر ظهوراً بيّناً.
ب ـ بدا له في الأمر كذا: جدّ له فيه رأي، نشأ له فيه رأي.
البداء في مصطلح علماء العقائد الإسلامية
بدا لله في أمر بَداءً، أي: ظهر له في ذلك الأمر ما كان خافياً على العباد.
وأخطأ من ظنّ أنّ المقصود من بَدا لله في أمر بداءً جَدَّ له في ذلك الأمر غير الأمر الذي كان له قبل البداء، تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً.
________________________________________ الصفحة 10 ________________________________________
البَداء في القرآن الكريم
أ ـ قال الله تعالى في سورة الرعد:
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ )(الآيتان 7و27).
ثمّ قال تعالى:
(وَمَا كَانَ لِرَسُول أَنْ يَأْتِيَ بِآيَة اِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجْل كِتَاب * يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمَّ الْكِتَابِ * وَإِنْ مَا نُرِينَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الآيات 38-40).
شرح الكلمات
1 ـ آية:
الآية في اللغة: العلامة الظاهرة كما قال الشاعر:
________________________________________ الصفحة 11 ________________________________________
وفي كلّ شيء له آية تدلّ على أنَّه واحد
وسُمِّيت معجزات الأنبياء آيةً لأنّها علامة على صدقهم وعلى قدرة الله، الذي مكّنهم من الإتيان بتلك المعجزة، مثل عصا موسى وناقة صالح، كما جاءت في الآية (67) من سورة الشعراء والآية (73) من سورة الأعراف.
وكذلك سمّى القرآن أنواع العذاب الذي أنزله الله على الأُمم الكافرة بالآية والآيات، كقوله تعالى في سورة الشعراء عن قوم نوح: (ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً )(الآيتان/120-121).
وعن قوم هود:
(فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً) (الآية/139).
وعن قوم فرعون في سورة الأعراف:
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَات مُفَصَّلاَت) (الآية/133).
2 ـ أجل:
الأجل: مدّة الشيء والوقت الذي يحدّد لحلول أمْر وانتهائه، يقال: جاء أجله اذا حان موته، وضربت له أجلا: أي
________________________________________ الصفحة 12 ________________________________________
وقتاً محدَّداً لعمله.
3 ـ كتاب:
للكتاب معان متعدّدة، والمقصود منها هنا: مقدار مكتوب أو مقدّر، ويكون معنى (لِكُلِّ أَجَل كِتاب): لوقت إتيان الرسول بآية زمان مقدّر معيّن.
4 ـ يمحو:
محاه في اللّغة: أزاله وأبطله، أو أزال أثره، مثل قوله تعالى:
أ ـ في سورة الإسراء:
(فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَة )(الآية/12).
وآية اللّيل هي اللّيل، ومحو اللّيل: إزالته.
ب ـ في سورة الشورى:
(وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ) (الآية/24).
أي يذهب بآثار الباطل.
تفسير الآيات
________________________________________ الصفحة 13 ________________________________________
أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات أنّ كفار قريش طلبوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يأتيهم بآيات، كما بيّن طلبهم ذلك في قوله تعالى في سورة الإسراء: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تفْجرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً * ... أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلا) (الآيتان/90و92).
وقال في الآية (38) من سورة الرعد: (وَمَا كَانَ لِرَسُول أَنْ يَأْتِيَ بِآيَة) مقترحة عليه (إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ) وأنّ لكلّ أمر وقتاً مُحدّداً سجّل في كتاب.
واستثنى منه في الآية بعدها وقال: (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ )من ذلك الكتاب ما كان مكتوباً فيه من رزق وأجل وسعادة وشقاء وغيرها (وَيُثْبِتُ) ما يشاء ممّا لم يكن مكتوباً في ذلك الكتاب (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، أي: أصل الكتاب وهو اللّوح المحفوظ، الذي لا يتغيّر ما فيه ولا يبدل.
وبناءً على ذلك قال بعدها: (وَإِنْ مَا نُريَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب في حياتك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل ذلك (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغ) فحسب ... .
ويدلّ على ما ذكرناه ما رواه الطبري والقرطبي وابن كثير
________________________________________ الصفحة 14 ________________________________________
في تفسير الآية وقالوا ما موجزه:
إنّ عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت ويقول: اللّهمّ إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أُمّ الكتاب.
وروي عن ابن مسعود أنّه كان يقول:
اللّهمّ إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني في السعداء، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أُمّ الكتاب.
وروي عن أبي وائل أنّه كان يكثر أن يدعو: اللّهمّ إن كنت كتبتنا أشقياء فامح واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُمّ الكتاب(1).
وفي البحار: وإن كنت من الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني من السّعداء، فإنّك قلت في كتابك المنزّل على نبيّك
____________
1- أخرج الأحاديث الثلاثة الطبري بتفسير الآية.
وأبو وائل شفيق بن سلمة الأسدي الكوفي. قال في ترجمته بتهذيب التهذيب: ثقة مخضرم، أدرك عهد الصحابة والتابعين، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة، أخرج له جميع أصحاب الصِّحاح والسنن (10 : 354).
________________________________________ الصفحة 15 ________________________________________
صلواتك عليه وآله: (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(1).
واستدلّ القرطبي ـ أيضاً ـ على هذا التأويل بما روى عن صحيحي البخاري ومسلم أنّ رسول الله (ص) قال:
"من سرَّهُ أن يُبسطَ له في رزقهِ ويُنسأَ لهُ في أثرهِ ـ أجلهِ ـ فلْيصلْ رَحِمَه".
وفي رواية: "مَن أحبّ أن يَمُدَّ الله في عمره ويبسطَ له رزقهُ فليتَّق الله وليصلْ رحمه"(2).
ونقل عن ابن عباس أنّه قال في جواب من سأله وقال: كيف يزاد في العمر والأجل؟
قال الله عزّوجلّ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ)، فالأجل الأوّل أجل العبد من حين ولادته الى حين موته، والأجل الثاني ـ يعني المسمّى عنده ـ من حين وفاته الى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلاّ الله، فإذا
____________
1- البحار 98 : 162.
2- صحيح البخاري 3 : 34 كتاب الأدب، باب 12 و13. وصحيح مسلم : 1982 ح20و21 من باب صلة الرحم. ومسند أحمد 3 : 156و247و266 و 5 : 76.
________________________________________ الصفحة 16 ________________________________________
اتّقى العبد ربّه ووصل رَحِمَه، زاده الله في أجل عمره الأوّل من أجل البرزخ ما شاء، واذا عصى وقطع رحمه، نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء، فيزيده من أجل البرزخ ... الحديث(1).
وأضاف ابن كثير على هذا الإستدلال وقال ما موجزه:
وقد يستأنس لهذا القول ما رواه أحمد والنسائي وابن ماجة عن النبي (ص) أنّه قال:
"إنّ الرجل ليُحرَمُ الرزقَ بالذنب يُصيبه ولا يردُّ القدر إلاّ الدّعاءُ ولا يزيدُ في العمر إلاّ البرّ"(2).
وقال: وفي حديث آخر:
"إنّ الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السّماء والأرض"(3).
كان ما ذكرناه وجهاً واحداً ممّا ذكروه في تأويل هذه الآية، وذكروا معها وجوهاً أُخر في تأويل الآية مثل قولهم:
إنّ المراد محو حكم وإثبات آخر، أي نسخ الأحكام،
____________
1- تفسير القرطبي 9 : 329-331.
2- والرواية في سنن ابن ماجة، المقدّمة، باب 10، الحديث 90.
3- تفسير ابن كثير 2 : 519.
________________________________________ الصفحة 17 ________________________________________
والصواب في القول: إنّه يعمّ الجميع، وهذا ما اختاره القرطبي ـ أيضاً ـ وقال:
... الآية عامّة في جميع الأشياء وهو الأظهر والله أعلم(1).
وروى الطبري والسيوطي عن ابن عباس في قوله تعالى: (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، قال: يُقَدِّرُ الله أمر السّنة في ليلة القدر إلاّ السعادة والشقاء(2).
(يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبتُ) قال: من أحد الكتابين هما كتابان يمحو الله من أحدهما ويثبت، (وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَاب )أي حملة الكتاب(3).
* * *
ب ـ قال سبحانه وتعالى في سورة يونس:
(فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا اِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين) (الآية/98).
____________
1- تفسير القرطبي 9 : 329.
2- تفسير الطبري 13 : 111 والسيوطي واللفظ للطبري.
3- تفسير السيوطي 4 : 65 عن ابن جرير الطبري والحاكم قال: وصحّحه.
________________________________________ الصفحة 18 ________________________________________
شرح الكلمات
1 ـ كَشَفْنا:
كشف عنه الغمّ: أزاله، وكشف العذاب: أزاله.
2 ـ الخِزْيُ:
خَزيَ خِزْيا: هان وافتضح.
3 ـ حين:
الحين: الوقت والمدّة من غير تحديد في معناه بقلّة أو كثرة.
تفسير الآية
قصة يونس بإيجاز كما في تفسير الآية بتفسير الطبري والقرطبي ومجمع البيان:(1) أنّ قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله اليهم يونس (عليه السلام) يدعوهم الى الإسلام وتَرْك ما هم عليه فأبوا، وتبعه منهم عابد وشيخ من بقيّة علمائهم، وكان العابد يشير على
____________
1- مجمع البيان 3 : 135. القرطبي 8 : 384. الطبري 11 : 118. والدرّ المنثور 3 : 317.
________________________________________ الصفحة 19 ________________________________________
يونس بالدعاء عليهم والعالم ينهاه ويقول له: لا تدعُ عليهم فانّ الله يستجيب لك ولا يحبّ هلاك عباده، فقبل يونس قول العابد فأخبر الله تعالى أنّه يأتيهم العذاب في شهر كذا في يوم كذا، فأخبرهم يونس بذلك، فلمّا قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيهم، وقال قومه: لم نجرّب ـ يونس ـ عليه كذباً، فانظروا فإنْ باتَ فيكم الليلة فليس بشيء، وإن لم يبت فاعلموا أنّ العذاب مصبحكم، فلمّا كان في جوف اللّيل خرج يونس من بين أظهرهم، ولمّا علموا ذلك ورأوا آثار العذاب وأيقنوا بالهلاك ذهبوا الى العالم فقال لهم: افزعوا الى الله فإنّه يرحمكم ويردّ العذاب عنكم، فاخرجوا الى المفازة وفرّقوا بين النساء والأولاد وبين سائر الحيوان وأولادها ثمّ ابكوا وادعوا، ففعلوا: خرجوا الى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابّهم، ولبسوا المسوح، وأظهروا الإيمان والتوبة، وأخلصوا النيّة، وفرّقوا بين كلّ والدة وولدها من الناس والأنعام، فحنّ بعضها الى بعض، وعلت أصواتها، واختلطت أصواتها بأصواتهم، وتضرّعوا الى الله عزّوجلّ وقالوا: آمنّا بما جاء به يونس;
________________________________________ الصفحة 20 ________________________________________
فرحمهم ربّهم واستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعدما أظلّهم، بعد أن بلغ من توبتهم الى الله، رَدّوا المظالم بينهم، حتى أن كان الرجل ليأتي الحجر وقد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه ويرده، وكذلك محا الله العذاب عن قوم يونس بعد أن تابوا، وكذلك يَمحُو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.
* * *
ج ـ قال سبحانه وتعالى في سورة الأعراف:
(وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْر فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَة) (الآية/142).
وقال في سورة البقرة:
(وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) (الآية/51).
________________________________________ الصفحة 21
...............يتبع
المصدر http://www.aqaed.com/
التعليقات (0)