البحر والناس
شعر: خليل الفزيع
( ذكرى رحلة بحرية في خليج نصف القمر ).
لاح فـي الأفــقِ ضــياءُ الـقـمـرِ
مــلأ البحــرَ بأزهــى الصَّـوَرِ
ثـبـَجُ البحــرِ تـبـدَّى نــورُهُ
ســابحـا يـبـدو بلــونِ السَّـحَــرِ
وقـف الشـاعـرُ فــي شـاطـئِهِ
فــرأى الـبحــرَ بـمَــدِّ الـنـظــرِ
ورنــا يـصــغي إلــى أمـواجـِـهِ
مـثـقـلَ الــذهــنِ شــريدَ الفِـكـَرِ
مـســتـعيدا ذكــرَ تاريـخ مضى
كان خـيراً وهـو مـلءُ الـبصـرِ
فامتطـى طـَوْفَ خــيالاتٍ أتـتْ
بَـعــثـتْ فــيه صهيـلَ السـّـمرِ
رقـصَ البحــرُ وغـنَّى مــوجُــهُ
يُـنشِدُ ( الـيامالَ )(1) حينَ السـهـرِ
يـومَ كان الغـوصُ مسـكوناً بهم
مـهـنةً تـُخشـى لهــولِ الخـطـرِ
وعلى الشـاطئ جَمْعٌ .. نسْــوَة ٌ
وصــغـارٌ كانوا حُـلـْمَ الـعـُـمُـرِ
شَخصَتْ أبصـارُهم نحـو المــدَى
يمـنـحــون الأفــقَ شـتى الـنـُّذُرِ
يملـئونَ السِـيفَ ويرجون مُـنى
عـلـّهــا تـحـمـلُ بُشـرى الظـفـرِ
عـن أناسٍ غـيـّبتْ أجسـادَهـــم
رحـلــةُ الغــوصِ ومـا مـن خبرِ
رحـلـوا نـحــو عــناءٍ دائـمٍ
شـُغِلــوا دومـا بــِجَـني الـدُّرَرِ
تلك أيــامٌ مضــتْ فـي عجــلٍ
وطــواهــا الـدّهـرُ طـيَّ الأثــرِ
حـيث كان الناسُ في أعماقِهِـم
بصـفــاءٍ مـثـلَ صـبـحٍ نـَضِـــرِ
هـكـذا البحـرُ مـع الناسِ روَى
قصـةً تمحــو غُـبارَ الـعُـصُـرِ
يا خلـيَّ الـقـلبِ مـاذا تـبـتغـي
مـن حـبـيـبٍ فـي طـريقٍ وَعـِـرِ
دعْ فـؤاداً لـعِــبَ الشــوقُ بـِهِ
فهفـا نحــو الهــوى المُـسـتـعِــرِ
أسـدَلَ اللـيلُ عـلـيـه ســتـرَهُ
ودنــا مـــنـه دنــوَ الـحـَــذِرِ
أيهــا البحــرُ أمـا تـشــهد مــا
قـد تــوالى مـن مـآسـي الـبَـشَـرِ
أي سـرٍّ قـد طـواهُ الـمــوجُ لم
يـُدركِ الــناسُ خـفـيَّ الضــررِ
رحلَ ( النـّهام )(2) يطوي دفتراً
زاخــرَ الـفحــوى بـهـيَّ الغـُـرَرِ
خـلـّـفَ الـراحــلُ فــنّا راقــيا
عــنـد مـعـتـزٍ بــه مُـفـتـخـِــرِ
أيها المنشدُ (صوتا)(3) حامـلا
عـبـقَ الماضـي وبــوحَ الـوتـَـرِ
أنِـسَ الـكلُّ عـلـى أنـغــامِــهِ
أشـعَـلَ الـصـفوَ بـوجـهِ الـكـَـدَرِ
أيها الفـنانُ قـلْ لي مـا الهـوى
غـير عـشـقٍ للجــوى الـمُنهـمِـرِ
ما الـذي أضنى جفوناً سامَـها
بـعــذابٍ طــولُ لــيلٍ عَـسِــرِ
أنتَ والـعــودُ رفـيقــان أمــــا
يـشــتـكي العـودُ لـهـذا السّـهـرِ
لـم تكـن وحـدَكَ تـهجــو زَمَناً
فـكـذا الـشــاعرُ نـَهـْـبُ الضَّجَـرِ
هـكـذا البحرُ مـع الناسِ روَى
قصـةً تمحـو غُـبارَ الـعُـصُـرِ
ومضي اللـيلُ وئـيدا وَجـِــلا
مـن صـباحٍ بَعْـدُ لم ينـحسِـــرِِ
وإذا البحـرُ تـهــادى مــوجُــهُ
حـمـلَ الـذكــرى بـلـيلٍ عَـطِــرِِ
ذكــر الشــاعـرُ خِــلاًّ نـائــيا
حـال دون الوصلِ حـكمُ القَــدَرِِ
يا بعـيدا أنـتَ في القـربِ هـنا
وسَــطَ القـلــبِ نــديُّ الــزَّهَــرِِ
أهـيـفُ الـقــدِّ إذا قـام بـــدا
غـصــنُ بـان ٍ مـثـقـلٍ بالـثـمـرِِ
جَمَـعَ الضــدّين فـي آن معـــا
حـلـكـةَ اللــيلِ وضـوءَ الـقـمـــرِِ
بـين شَــعْــرٍ زاخــرٍ مـنـهـمـرٍ
ومـحـيّا فـي سَــناهُ الـنـَّضِــرِ
ناعـسُ الجـفـنِ ولـم يغـفُ لـه
طـرفُ عـينٍ تـائـهٍ فـي الـخـَفـَــرِ
خَـلَـعَ الحســنُ عـلــيه حـلـــةً
ورداءً مـن هــواه الـعـُــذُري
أشـعـلَ الــنارَ بـقـلــبٍ شـاقَــهُ
وصـلُ خِـلٍّ في الهـوى مُـنـتظِـرِ
أيهــا المُــدْمي قلــوباً غـضّــةً
خَـفِّـفِ الـطعـنَ بهــذا الحَــوَرِ
يا حـبـيـبـا لاذ بالـصـمـتِ إذا
لـغةُ الـعـشــقِ وَفـَـتْ بـالـوَطـَـرِ
افصـحِ الآن ولا تخـشَ ســوى
أن يشـوبَ الحـبَّ بعـضُ الـكـَدَرِ
هـكـذا البحـرُ مع الـناسِ روَى
قصــةً تـمـحـو غــبارَ الـعُـصُـرِ
1- اليامال : لون من ألوان الغناء البحري في الخليج.
2- النهام : المغني في رحلة الغوص.
3- الصوت : فـن غنائي خليجي.
التعليقات (0)