منذ عام ونصف، تقع البحرين تحت أزمة تعد الأشد من نوعها في تاريخها الحديث، والتي تتمثل في "التحول الديموقراطي" كما تسميه المعارضة، و"التدرج الإصلاحي" بحسب رؤية الحكومة.
وبين هذا وذاك، حشدت المعارضة بكافة أطيافها الإسلامية واليسارية، المعتدلة منها والمشتددة، كافة قواها من مظاهرات ومسيرات واعتصامات وتجمعات، تهدف جميعها إلى المناداة بمطالبها ذات "التطلعات الشعبية" بحسب تعبيرها، في الوقت الذي دفعت فيه الحكومة ببعض الإجراءات بغرض حلحلة الوضع، منها إقامتها للحوار الوطني ودعوتها لكافة الأطياف، وتشكيلها للجنتي تقصي حقائق للنظر في الأحداث، الأولى محلية برئاسة أحد المستشارين البحرينيين، والثانية دولية برئاسة البروفيسور محمود بسيوني.
ميدانياً، سقط العديد من الضحايا والجرحى في مواجهات يومية مستمرة بين المتظاهرين وقوات حفظ الأمن، والتي يشتد فيها الجدال بين المتسبب فيها، فتارة يُتهم المتظاهرون بالعنف واستخدام الزجاجات الحارقة "المولوتوف" وسد الطرقات، الأمر الذي يستدعي تدخل عناصر الأمن لفض ذلك، وتارة تتهم الأخيرة باستخدام القوة المفرطة التي تصرح وزارة الداخلية بأنها "تصرفات فردية" معدودة.
اقتصادياً، تضررت كافة القطاعات الرسمية منها والخاصة، وكان من اللازم ايجاد فرص استثمارية بأي شكل من الأشكال علها توفر شيئا من الحراك التجاري الراكد. وفي هذا الصدد أٌقيمت العديد من المؤتمرات، والفعاليات والمعارض والمهرجانات، وآخرها سباقات السيارات "الفورميلا واحد" التي جوبهت بهجوم غير مسبوق من قبل المحتجين، يقابله دفاع شديد من قبل الجهات الرسمية المنظمة لها، الأمر الذي يطرح السؤال وبالخط العريض، لماذا؟ لماذا الفورميلا واحد تحديدا؟
بالنسبة للحكومة، فقد تعرضت البحرين للكثير من الإنتقادات على المستوى الدولي وأصبح لابد من أن تثبت للجميع قدرتها على تجاوز ذلك، ويأتي تنظيم مثل هذا الحدث الرياضي الضخم فرصة كبيرة بالنسبة لها لاستعادة مكانتها والانطلاق نحو أحداث شبيهة كفيلة بتحسين الأوضاع نحو الأفضل. والأهم من ذلك، هو تحريك القطاعات السياحية/ الفندقية/ المجمعات والأسواق، التي أصيبت بالشلل منذ عام وللآن، هذا عدا عن فرص العمل، والإستثمارات المتوقعة التي لا تخدم الحكومة بشكل خاص، بل إنها تساعد الكثير من التجار ورجال الأعمال الذي فقدوا الكثير.
أما المعارضين، فيرون في ذلك "ضياعاً للقضية" على المستوى المحلي والدولي؛ إذ كيف يمكن للدولة أن تتمكن من تنظيم هذا الحدث العالمي بموازنة تتعدى الملايين، بينما تعجز عن إيجاد حل لهذه الأزمة، خصوصاً مع استمرار العنف وسقوط الضحايا؟ وإنه يجب وضع حد للإنتهاكات ومعالجة الامور العالقة، عوضاً عن الإنشغال بالإحتفالات التي لا طائل منها سوى كسب الود الدولي.
في الواقع، البحرين بحاجة فعلاً للفورميلا، لكسر هذا الكابوس المظلم منذ عام، وهي حدث رياضي بحت لا يمت للسياسية بصلة، كما إنها أداة دفع للإقتصاد الشبه مشلول، وربما تكون فرصة نجاح تنظيمها "فاتحة خير" للمضي قدماً نحو واقع "عملي" أفضل.
غير أن البحرين تحتاج أكثر إلى عملية "فَرْمَلَة" جادة وعميقة بأسرع ما يمكن، لأن الوضع بالشكل الحالي، مع تنامي التطرف والطائفية، قابل للإنفجار والخروج عن السيطرة وحينها لن يجدي ألف حدث رياضي أو غيره عندما يضيع الوطن إلى غير رجعة.
التعليقات (0)