تشكيك دائم..واراء متباينة..وتقاطع ونقاش وخلاف مستمر..هو ما تشهده المنطقة من جدل حول صحة ومصداقية الإحصاءات التي تجعل من الشيعة أغلبية بين ابناء الشعب البحريني..او تلك التقارير المتبناة من قبل بعض وسائل الاعلام والتي تذهب الى النقيض تماما من ذلك وتمضي الى ان اهل السنة والجماعة هم الاكثرية..ودون ان تبين كل هذه الدراسات والبحوث والمقاربات للجمهور..مدى اهمية ان يكون المواطن البحريني منتميا الى هذه الطائفة او تلك..
الشعب العربي اكبر..جواب سريع واكثر من حاسم وكان يؤمل منه ان يكون ذكيا ايضا..هو ما رد به الرئيس العراقي عبد السلام عارف على تساؤل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن الاغلبية السكانية في العراق ان كانت للسنة ام للشيعة..
رد ربما قد يكون اصاب بعض الرضا وقتها في نفس وضمير الرئيس عارف..وقد يكون عد من لماحيات الرئيس الراحل ونوادره..ولكنه لا يخفي تجاهله للوضع القانوني والاعتباري والمعنوي الذي كان يمثله والذي يحتم عليه ان ينظر الى جميع ابناء الشعب العراقي بعين واحدة وبمساواة وبعدالة ..وان تبوأه المنصب الاول والاعلى في دولة وطنية ذات سيادة وحدود معترف بها..لا يجعل من الحكمة ان يستحضر انتماءه العرقي او الفلسفي وامتطاءه كوسيلة للاندساس ضمن اغلبية مفترضة في دول اخرى لها نفس السيادة والحدود وقد لا يكون له من الحقوق فيها اكثر مما يتوجب للضيف العابر او المقيم الاجنبي..
وكذلك نجد ان الحكم في البحرين يستحضر نفس هذا المنهج الاعور-وان كان تجاوزه بمراحل- في اعلان عجزه عن تسيير شؤون الدولة بما يضمن تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين جميع افراد الشعب..من خلال الاتكاء على خلفية الحكم المذهبية وبسطها على كامل مساحة الدولة كشرط اساس للمواطنة الصالحة..وكمسوغ كافي لادخال قوات مسلحة من دول اخرى لحماية هذا التعاطي الاخرق مع الازمة..
ان اتكاء الحكم على جذوره المذهبية وتبرمه من عدم تقبل المواطنين لسياساته التمييزية تجاه الاغلبية الشعبية الرافضة لخططه طويلة المدى الرامية لاحداث تغيير ديموغرافي في المجتمع البحريني ..دليل على عدم قدرة النظام على تأسيس حكم مبني على الحق والاقناع والموعظة الحسنة..واستبدال قيم المواطنة الحرة بسياسة الاكراه والامر الفوقي المستندة الى هرمية ترتبية شوهاء..
كما ان تمييع حدود الدولة وتمطيطها تجاه تكوين اغلبية زائفة يقارع بها الحاكم شعبه دليل على فشل ذريع في ادارة الدولة التي لا يشترط بها ان تكون منتميا للكثرة فيها لكي يحق لك المطالبة بالحقوق الاساسية للمواطن التي كفلتها كلمة السماء والمواثيق الدولية والشعور الانساني العام ..
ان الانتماء الى فئة ما لا يصلح اساسا صلبا لاثبات الحق الالهي في ارتهان ومصادرة ارادة الجماهير المضطهدة المطالبة بحقوقها الاساسية في الحرية والعدالة والمساواة..كما انه قد لا يكون مبررا كافيا لاستباحة البحرين من قبل القوات المسلحة الخليجية استنادا الى هذا الانتماء نفسه..
أن العالم الذي تعودنا على مكابدته يتغير من حولنا بسرعة كبيرة قد لا تكون مناسبة للتأخر العربي الروتيني في قراءة معطيات الواقع المعاش..ولكنها كافية بالتأكيد لكي تفتح جميع الابواب المغلقة التي تدخل منها نسائم الحرية والانعتاق المؤسس لحكم الشعوب.. والتحدي الكبير امام الحكم هو في تفهم الاليات التي تمكنه من السيطرة على زمام التغيير بما يحفظ وحدة الشعب والبلاد..وبما يتجاوز بكثير الانحيازات العرقية او الفئوية الضيقة..
بقليل من الخيال..يمكننا تصورقيام الرئيس اوباما بمساعٍ ممنهجة تجاه منح الافارقة الجنسية الامريكية لتحقيق اغلبية شعبية على العرق الابيض المتهم بعلاقات تآمرية مع اوربا..او قيامه باتحاد كونفدرالي مع دول الاتحاد الافريقي لتقليل نسبة السكان البيض وامكانية الاستعانة بالقوات الافريقية لحفظ الامن في واشنطن ومحيطها..ولكن ما يؤسف له..ان هذه الصورة الهزلية..الممعنة بالخطل والطيش والابتعاد عن المنطق..هي عين ما يقوم به النظام الحاكم في البحرين الآن على ارض الواقع..
التعليقات (0)