لطالما تأبطنا الايام بخيرها وشرها في طريق الانسانية الطويل الذي اقسرنا على قطعه متعثرين متخلفين مثقلين بحمل ما تخففت عنه الشعوب في كل حل وترحال منذ ان وعوا بان لا جدوى ولا امان للاحتكام الى ما اختلف فيه الاموات لتبرير العيش فيما تبقى لنا من حياة.. وما اكثر ما أشهر التاريخ وحوادثه ووقائعه وايامه سلاحا ماضيا في وجه الخصوم ولكم كانت وريقاته المصفرة زنادا قادحا للشقاق والنفاق والتخاصم ومبررا لما يفرق بين المرء وزوجه وبين الاخ واخيه..
كحصاة طائشة في بركة ماء منسية كانت الوثيقة التي صدرت عن الجهاز المركزي للإحصاء والمعلومات التابع لمجلس رئاسة الوزراء البحريني,والتي اعلنت ان البيانات الدقيقة والعلمية والموثقة قد اشارت الى نسبة المواطنين السنة من إجمالي مواطني البلاد تعادل 51%، في حين توقفت نسبة الطائفة الشيعية عند 49%..موضحة ان الاعتقاد السائد على نطاق واسع وطوال العقدين الماضيين حول تقسيم ديموغرافية المنطقة إلى أغلبية شيعية وأقلية سنية لم يكن مستندا الى بيانات دقيقة ولا علمية ولا موثقة..
حصاة طائشة وقد تكون مهملة في الزمان الذي يصح فيه الصحيح..لكنها في اوقاتنا المستقطعة من المسار الطبيعي للاشياء كانت كافية لتشكيل مواقف ومتبنيات وردود افعال دوامية تتعاظم مدياتها وتتسع على وقع وسائل الزعيق المتصاعد من وسائل الاعلام وتتماسك بعناد حول نقاط ارتكازها الغائرة في الضمير والوجدان الشعبي وجذوره الضاربة في عمق التاريخ الذي ينهل منه كل طرف ما يتحمل وطأته وما كتب بايد من يشاركوه القول والفعل والمثابات وما يأمل مشاركتهم مثواهم وآخرتهم وبعثهم ونشورهم..
نهل واغتراف وتراشق بالنصوص واستحضار لكل ما عتق واصفر وحرص على بعث المستعصيات من الاسماء القديمة لرجال مروا وتركوا لمن بعدهم ما هم فيه يعمهون لحد الآن..اسماء لرجال وبلدان وقبائل واراضٍ لم تعرف وقع اقدام المتخاصمين ولا اصواتهم ولا ذكريات لهم فيه ولا حبيب يزار..اسماء والقاب وكنى وحروف تقدست في عقول وضمائر القوم رغم تعسر نطقها وتقلبها ما بين صعصعة وصوحان وبكر ووائل –اين غطفان يا ترى-وعراق وشام وفارس وعسير ترفع كالمصاحف في وجه القوم وتمجد وتعزز دون أن يكون هناك من يأتي من آخر المدينة ساعيا متسائلا عن اين اسم خليفة في كل هذا الخوض..
ماذا لو كانت الكثرة لاهل السنة والجماعة..وماذا لو كان شيعة اهل البيت هم الاغلب والاشد عددا ونفيرا..وما الذي يجعل هذا او ذاك اقل حظا بالوطن وابعد عن التظلل برايته التي يفترض انها ..كرحمة الله..تسع الجميع..والاهم ..ما شأن هذا الامر باحقية آل خليفة بالذات هم بنوهم ومن ارتضوه خليلا ودون سواهم من العباد بالملك والحرث والنسل والارض والعرض والانسان..
ان احالة الامر الى غلبة عددية مفترضة لطائفة على اخرى يحمل من الخبث والتضليل ما قد يكون اخف مؤثراته هو تبرئة النظام من كل الجرائم التي ارتكبها ومن خلفه القوات المستجلبة تجاه الشعب البحريني النبيل..وتسفيه الصراع حد تشبيهه بخلاف حول ان كانت الكرة قد عبرت خط المرمى ام لا في مباراة كرة قدم في دوري الهواة لا تجد من يتابعها..
وحتى لو تساذجنا حد التسليم بالنفي الرسمي لصدور هذه الوثيقة فان مجرد الاشارة اليها والتهليل الذي قوبلت به من قبل احد"العقلاء"-الاسلاميين بالصدفة..- حد المطالبة بنشرها وتعميمها وتلقينها للاطفال في المدارس من اجل "وضع حد للافتراءات والأكاذيب المتعمدة والمتكررة على لسان بعض الموتورين في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية من أجل قلب الحقائق عن الواقع الفعلي للتكوين الطائفي للتركيبة السكانية لمملكة البحرين"لا يمكن الا اعتباره دليلا على المناخ الطائفي المتوتر والمشحون الذي اوجدته ممارسات النظام وطائفية السلطة وتسافلها حد توظيف الارقام والمعطيات ضمن محاولاتها المستمرة بالعدوان والاستعداء على الشعب وتصوير الانتفاضة الشعبية المطالبة بالحرية والمشاركة والعدالة بانها خلاف طائفي بحت وليس صراعا بين جماهير الشعب واستئثارية النظام واستبداده..
ورغم الاقراربصعوبة استساغة وتقبل الواقع الذي يقول ان جميع الأرقام الرسمية..خصوصا تلك المستندة على" البيانات الدقيقة والعلمية والموثقة "كانت دائماً ..وبالضرورة المطلقة.. تتطابق مع وجهات نظر ومتبنيات الحكم..ولكننا لا نستطيع ان نجد علاقة ما في ان تكون الاكثرية العرقية او الدينية اوالطائفية تميل لهذه الجهة او تلك مع اختصاص عائلة او افراد معينين بالحكم او جعلها مقياسا لرضا او تبرم الناس من اسلوب ادارة البلاد واقرار العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة..
ان اختصار الازمة في البحرين بارقام ونسب لطوائف واعراق لا يعد الا محاولة للتخاتل والتهرب من اثارة الاسئلة الصحيحة والتي تتمحور السبل الكفيلة بالتصدي لطائفية السلطة واستقواءها بالخارج على شعبها الطيب الكريم..وتوطيفا رخيصا للعامل الديني في اغراض سياسية رخيصة ولا يمكن اعتباره الا تخليا مخجلا عن المسؤولية الاخلاقية تجاه الحقوق المشروعة لشعبها بالمواطنة الحرة المتساوية وتسترا خلف المسميات الملتبسة لتبرير تأبد مناف لحركة التاريخ على سلطة مرتعشة متهالكة قد لا يكون سقوطها بالمستبعد مهما كان اتكاءها على الآخر المستبد وتهليل بعض اعلام الامة ودعاؤهم المستجاب لها او استنادها الى الارقام و" البيانات الدقيقة والعلمية والموثقة "..
التعليقات (0)