مواضيع اليوم

البحرين: ملاحظات حول بنية النظام الخليفي العصية على الإصلاح

منير مصطفي

2011-10-12 16:18:50

0

مضت على الثورة في البحرين ـ حتى الآن ـ ثمانية شهور ولم تزل في عنفوانها بشكل أو بآخر، والنظام يحاول جاهدا إسكاتها بشتى السبل ولكن دون جدوى، ومن اجل ذلك فإن نظام آل خليفة ظل يعمل وفقا لأسلوبين سياسيين متوازيين لمعالجة الوضع السياسي المتفجر.
الأسلوب الأول ويتمثل في سياسة العلاقات العامة والتي يصرف عليها أموالاً طائلة على صعيد السياسة الخارجية، حيث يحاول النظام تلميع صورته ومحاولة إقناع العالم الخارجي بكل ما فيه من دول ورجال سياسة ومنظمات حقوقية وسياسية وحتى رياضية، بأنه يقوم بإصلاحات وحوارات مع المعارضة، وأن الأوضاع باتت مستقرة، وأنه يحترم حقوق الإنسان، ويحافظ على السلم الأهلي، ولا يستخدم القمع تجاه معارضيه، ويوظف في سبيل ذلك بعض الجهات المختصة في فنون الترويج والتلميع. لكن الوقائع والأحداث الجارية في البحرين تصدم ضمير العالم، ولا تنفع في التعتيم عليها حملات العلاقات العامة.
والأسلوب الثاني، وهو أسلوب أصيل في بنية النظام منذ نشأته في بدايات القرن الماضي، ويتمثل في سياسة القبضة الأمنية المخابراتية القائمة على القمع الرهيب بشتى صنوفه وأشكاله تجاه من يعارضونه أو يشك في ولائهم، وكأن سياسة القبضة الأمنية بالنسبة للنظام أشبه بالوصفة الطبية / السياسية الصالحة لكل شيء ولكل زمان ومكان، إلا أن الوقائع تكذب وصفة النظام الخليفي الأمنية، لا بل هي وصفة غير قادرة حتى على علاج وجع الرأس السياسي. فما بالك على عدم قدرتها في علاج أزمة البحرين السياسية المستحكمة منذ عقود.
إن قتل المتظاهرين وقمعهم إذا كانت وصفة صالحة فيما مضى، فهي وصفة لم تعد صالحة لهذا الزمان ولا تحل شيئا بقدر ما تعمق من الأزمة وتزيد من المرض السياسي، وتجعل مستقبل البلد على كف عفريت.
لذلك فإن الأسلوب الأول في معناه هو أشبه بالإكسسوارات بالنسبة للنظام الخليفي، يحاول من خلالها تسويق نفسه وتجميل صورته وتبرير ممارساته القمعية التي لا يوجد لها نظير في بعض الأحيان في العديد من الدول - كسجن الأطباء والممرضين والمعلمين والنساء والأطفال ومحاكمتهم - ويستر بها في الوقت نفسه ممارساته / سياساته القمعية على المستوى الثاني (قمع وقتل والتنكيل وإرهاب المعارضين وفصل وتحقيق وإيقاف عن العمل وتمييز طائفي).
ومع ذلك فإن النظام الخليفي على الرغم من مهارته في المراوغة واللف والدوران والمماطلة وسياسة العلاقات العامة في الخارج، فإنه لم يستطع التغطية على ممارساته القمعية تجاه ثورة 14 فبراير، وخرقه لكافة قوانين حقوق الإنسان في الداخل تجاه شعبه على امتداد الشهور الثمانية الأخيرة.
وهذا النوع من الممارسات يعود بحكم الحال إلى طبيعة النظام نفسه وبنيته القبلية غير القابلة للإصلاح، بسبب من التعارض الجوهري بين منطق الدولة المدنية المؤسساتية بمعناها الحديث، والقائمة على أس الإرادة الشعبية، ومنطق القبيلة القائم على الغنائم والغلبة والاستحواذ والمحاباة للأقارب والموالين والاستزلام، وغياب مفهوم الوطن والمواطن والمواطنة، وكأن الوطن مزرعة، واختزاله في شخص الحاكم، وبالتالي اعتماده على سياسة القبضة الأمنية دون غيرها نهجا أصيلا لغياب مبدأ العقلانية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وبحكم هذه البنية القبلية المتحجرة للنظام الخليفي وغياب العقلانية والرشد السياسي تصبح الاستجابة لمطالب الثورة في الإصلاح والديمقراطية أمرا مستحيلا، لأن الإصلاح والديمقراطية من شأنهما القضاء على بنية النظام القبلية، ومن شأنهما أيضا القضاء على السرديات المتعلقة بالغزو والمغانم والأسلاب، ومن شانهما عقلنة العلاقة بين النظام والشعب، وبالتالي إنهاء منطق حكم القبيلة.
وعليه يصبح الإصلاح الحقيقي في ظل سيادة منطق حكم القبيلة غير وارد لدى الممسكين بالسلطة في النظام الخليفي. وهو بهذا المعني لا يستطيع أن يستجيب لمتطلبات التطور السياسي والاجتماعي من ذاته من ناحية، ولا للمطالب الشعبية التاريخية المستمرة منذ 14 شباط/فبراير من جهة أخرى.
فالنظام الخليفي يزعم أنه قام ويقوم بإصلاحات، ولكن الثورة المستمرة تكذب مزاعمه وإصلاحاته، والأحداث السياسية متواترة والقبضة الأمنية هي سيدة الموقف والرشد السياسي ليس له محل من الإعراب في سياسة النظام البحريني، حيث تعود الأمور في البحرين إلى المربع الأول.
في وضع كهذا، بات فيه النظام الخليفي عصيا على الإصلاح أو الترقيع أو أي نوع من التخريجات والتسويات السياسية، حيث لم يتقدم بأي مبادرة جدية حتى اللحظة، تصبح مسألة المطالبة بإسقاط النظام أمراً لا مفر منه من قبل الشعب البحريني.
بمعنى آخر أن أسباب سقوط النظام تكمن فيه، في ممارساته القمعية، في رفضه المطلق لأي إصلاح حقيقي يتم بموجبه الانتقال من القبيلة إلى الدولة، إلى الملكية دستورية، أسباب السقوط تكمن في عدم استيعابه لمقتضيات التطور التاريخي، وأخيرا ـ وهو الأهم - في بنيته القبلية المعادية لأي تغيير أو إصلاح حقيقي. النظام الخليفي في البحرين يمكن وصفه بحكم تركيبته القبلية هو نظام في أزمة بنيوية مزمنة ودائمة لا يمكن حلها إلا بتغييره.
وأظن أن هذه هي النتيجة التي توصلت إليها ثورة 14 فبراير مبكرا، وطرحت بديلا للنظام وهو إسقاطه، وذلك بخلاف الجمعيات السياسية المعارضة، في حين أن النظام وبعد مرور ثمانية شهور من الحراك الشعبي الشامل لم يقدم على أي خطوة سياسية إصلاحية جدية على الأقل تحفظ ماء وجه تلك الجمعيات التي تقول بإمكانية إصلاح النظام.
إلا أنه لم يحقق ما تراه وما تصبو إليه حتى في الحد الادني، وهو لا يزال يكابر ويماطل، ويعيش بالطريقة القديمة، ويدير البلاد بالأسلوب السياسي القبلي الذي تجاوزه الزمن, المتمثل في لغة المكرمات المالية والسياسية والتعامل مع الشعب بمفهوم الرعية، وليس بمفهوم الدولة المدنية الحديث القائمة على الحقوق والواجبات ومفهوم التداول السلمي للسلطة.
أخيرا لم يعد الأمر في البحرين فيما يتعلق بالنظام الخليفي مجرد تغيير دوائر انتخابية ولا حكومة منتخبة ـ وهي من رابع المستحيلات ـ ولا مشكلة التجنيس السياسي ولا تمييز طائفي، كما تراها بعض أطراف المعارضة، بل المطروح هو مسألة تغيير النظام كما تطرحه حركة 14 فبراير، حيث تشير كل الدلائل أن النظام ابعد ما يكون عن اجتراح الحلول السياسية المناسبة حتى بمقاييس المعارضة المطالبة بالإصلاح لا بالتغيير، وقد مضى الآن ثمانية شهور على حركة الاحتجاج المطالبة بالإصلاح.
فالمشكلة إذن تكمن في طبيعة النظام وبنيته اللتين لا تسمحان بالإصلاح الحقيقي، وعندما يتم الإصلاح الحقيقي يتوقف النظام عن طبيعته وبنيته القبليتين ويصبح نظاما مدنيا قائما على مبدأ المواطنة، لا مبدأ القبيلة والغلبة. ولكن هذا غير وارد أنْ يحدث ذلك من تلقاء النظام الخليفي نفسه، لأنه غير قادر بنيويا.
باحث في علم الاجتماع - البحرين

يوسف مكي
1




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !