مواضيع اليوم

البحث عن شيء

فرج نور

2010-05-31 23:36:09

0

البحث عن شيء

جميعنا نبحث عن شيء ما... سواء كان الشخص المناسب أو المال أو أفخم السيارات أو أعلى المناصب أو الجسم المثالي أو الجنس! قد نبحث عن حياة الحفلات الصاخبة أو الحياة الهادئة فقط! إننا دائماً نلاحق شيئاً ما سواء كنا مدركين للأمر أو لا، فكم شخصا تعرفه يستطيع أن يقول لك بكل صدق "لا أريد أي شيء" هل يوجد هذا الإنسان؟! إذا استطعنا أن نلخص بحثنا ليصل إلى كلمة واحدة فقط فما هي هذه الكلمة؟ الحب؟ السلام؟ السعادة؟ الأمن؟ النجاح؟ الكمال؟ البيت؟ الشيء؟

إن الغريب في الأمر هو أننا جميعاً نعلم بأن هناك أمر ما ينبغي أن نصل إليه ولكننا لا نعلم ما هو بالضبط وأين نبحث عنه بالتحديد! بعضنا يعتقد بأنه يعرف ما يريد إلى أن يصل إلى هذا الشيء ليكتشف حينها بأنه "في الحقيقة ليس هذا!"

وبالرغم من أننا نبدو وكأننا نسير جميعاً وراء أهداف مختلفة إلا أننا نبحث في الأساس عن شيء واحد... ذاك الشيء الغامض والمحير.. سمّه ما شئت! فطرق بحثنا والزوايا التي ننظر فيها والسرعة التي نسير بها هي ما يختلف من شخص لآخر. بعضنا يبحث في هذا العالم ويكتفون بقلب الصخرة الغريبة الشكل فقط بين وقت وآخر ليروا ما الذي يمكن أن يكون تحتها... بينما بعضنا الآخر يسير في طريق واحد لينجز "المهمة" التي ينبغي القيام بها فيفتح جميع الأبواب ويغوص في كل الزوايا.. إذاً فالفرق في الطريقة فقط ولكن جميعنا نبحث عن الإجابة لسؤال حتى لم نعرف ما هو... إن السؤال هو "من أنت؟" والإجابة هي "أنت هو أنت!"

قد تسأل "وما الفائدة من البحث عن شيء موجود؟ يا له من أمر في غاية الغباء".. إني أتفق معك... ولكن عند قراءة أمر ما لا يعني أننا أصبحنا نعرفه، فالفرق شاسع بينهما. وقد نسأل ما سبب صعوبة هذا البحث وغموضه؟ في الحقيقة إنه ليس كذلك ولكنه يبدو هكذا! فمعرفة أنك أنت هو أنت من أسهل وأصعب الأمور التي ستقوم بها. إنه أشبه بالقفزة الطويلة... فعملية القفز هي التي تحتاج إلى الجهد وبمجرد ما أن تصبح في الهواء تصل إلى هواك....

إن البحث لا يبدو صعباً، إلا أننا لسنا معتادين على القيام بالأمور البسيطة! إن البحث عن حقيقتنا أشبه بسمكة في المحيط تبحث عن الماء! كأننا نبحث عن عيوننا... كأننا نشعل ضوءاً في الكهف لنبحث عن الضوء... إنه موجود أمامنا ونعلم بأنه موجود ولكن لسبب ما لا نستطيع إيجاده! لماذا؟ لأننا نضع على أعيننا نظارات داكنة السواد فهناك حاجز عليها يمنعنا من الرؤية بوضوح.. وهذا الحاجز هو العقل والتفكير المستمر.. فطالما نعتقد بأننا نعرف من نحن فلن نستطيع اكتشاف من نحن!

في الحقيقة لن نتوقف عن هذا البحث إلى إن نعرف حقيقتنا... فإلى أن تمتلئ معدتنا سنبقى جائعين... إلى أن نجد أجوبة لهذه الأسئلة "ما هي الحياة؟" و"ما هو الموت؟" و"لماذا أنا هنا؟" سنظل نسأل... ولن تختفي جميع الأسئلة والأجوبة أيضاً إلا إذا وجدنا أنفسنا. فالسمكة الموجودة في البحر لا تشعر بالعطش.. ولا حقيقتك تشعر بالجوع...

أنت هو أنت!

إن جملة "أنت هو أنت" تبدو بسيطة ولكن ماذا تعني بالضبط؟ لقد استغرق مني الأمر 60 سنة لكي أستطيع أن أقول بأنها "أنت هو أنت!" أنت ذاك الشيء، أنت كما أنت تكفي دون الحاجة إلى أي مكان تذهب إليه أو أمر تقوم به أو شخص لتصبح مثله! فأنت مثالي وكامل تماماً كما أنت إلا أنك لا تعلم بعد بهذا!

أن تكون أنت هو أنت أي أن تكون على حقيقتك... أنك لا تحتاج إلى الابتكار أو البناء أو إيجاد شيء جديد.. والأمر لا يتعلق بتغيير أو تحسين أو تطوير "أنت" القديمة لتصل إلى الجديدة لأنك لست هذه ولا تلك بل كلاهما معاً! كل ما تحتاج إليه أن تفتح عينيك وتستيقظ من أجل "أنت" الحقيقية.. إنها في الواقع الرحلة للعودة إلى البيت وليست للذهاب إلى مكان ما فقد كنت في الخارج فترة طويلة أما الآن فقد حان وقت الرجوع للبيت... إن الأمر لا يتعلق بالقيام بأي شيء بل بالتراجع عن كل ما قمت به سابقاً! إنها النزول من على قطار التفكير والمحاولة والتحويل لتتخلص من جميع الأمتعة العقلية والتجرد من جميع طبقات الأفكار التي تغطيك وتخفي حقيقتك... حتى تصبح في النهاية عارياً!

والرائع في الأمر هو أنك عندما تعرف من أنت فإنك تعرف كل شخص آخر... عندما ترى حقيقتك ترى حقيقة الآخرين أيضاً فتعرف حينها بأن مشكلتك هي مشكلة الآخر أيضاً... إن كل إنسان فريد من نوعه ولديه إطاره المختلف ولكننا في الأساس متشابهين... نفس الآلة! فإذا كنت أنا هو أنا، فلا بد أنك أنت هو أنت!

المرشد...

إن المرشد أو المعلم الروحي ليس شخصاً واحداً فقط فالمرشدون والمعلمون في كل مكان وفي كل جزء من حياتنا. آباؤنا وإخوتنا وأخواتنا وأصدقاؤنا وحتى أعداؤنا جميعهم معلمون لنا... حتى الأشياء تعلمنا الكثير، كالانترنت على سبيل المثال عندما تصبح سرعته أبطأ من مشي الحلزون فإنه يعلمنا الصبر أكثر! كل شيء له دور في تعليمنا فالوجود بأكمله معلمنا.

وليس المطلوب هنا أن تجد معلم لك ولكن أن تتعلم من الحياة بذاتها فهي أكبر معلم ومن الوجود فهو أصفى معلم... نعم فهو لا يخبرك بما ينبغي عليك أن تقوم به ولكنه يدعك تختار وتجرب بنفسك وبعد ذلك يوضح لك عواقب أعمالك ويشير لك إلى الطريق الصحيح. كل ما ينبغي عليك فعله هو الاستماع إلى ذاتك الأصغر لتصل إلى ذاتك الأكبر.

وما أنا إلا صديق أبين لك تجارب الحياة، قد يبدو الأمر وكأني أتحدث عن نفسي ولكني أستعمل نفسي لأوضح نفسك! وعندما تتضح لك الصورة وتعرف من أنت... سترى لعبة الكون وسخريته وعندها نستطيع أن نجلس سوية لنضحك عليها.

اعقل وتوكل

لقد قال معلم من قبل "أن وجود رأسي على كتفيّ أمر رائع ولكن أن يكون رأسي فوق كتفيك أنت فهذه فكرة سيئة جداً". أي أن ما أقوله يعتبر لي وينبغي تطبيقه من قبلي أنا وليس من قبلك أنت مباشرة... ولكني أشاركك بهذه الكلمات لأني اكتسبتها من تجارب وخبرات منذ زمن بعيد وقد تكون مفيدة لك وتساعدك في رحلتك بأن توفر لك الوقت... ولكن الأمر يعود لك أنت فيمكنك أن تأخذ ما أقوله بعين الاعتبار وتلعب به.. أو قد ترميه وتنسى أمره.. خذ حذائي وامشي به! حتى لو لم يكونا بمقاس قدميك فلن يدمراها!


ولذا العب بهذه الأفكار لتجد أي منها يناسبك وأي منها لا يناسبك. ولكن اتخذ القرار بنفسك ولا تعتمد علي أو على الآخرين ليخبروك بما ينبغي لك أن تفعل. تفاعل مع حياتك واتبع ما يجذبك أنت بغض النظر عن مدى غرابته وجنونه... لقد قال بوذا "كن النور لنفسك" وقال أوشو "كن أضحوكة لنفسك!" نعم... فالطريق هو أن تتبع نورك وتتحمل المسؤولية.

إن هذا يذكرني بقصة جميلة تدور حول رجل يصلي لربه وخلال الصلاة هرب الجمل. فاشتكى إلى الله وقال "انظر يا رب لقد هرب جملي وأنا أصلي لك ومتّكل عليك" فرد عليه "اعقل جملك أولاً وبعد ذلك توكّل علي". أي لا تلومني على تصرفاتك واختياراتك.. بل تحمل مسؤولية حياتك فأنا لا أستطيع أن أعيش حياتك بدلاً عنك ولا أنت تعيش حياتي بدلاً عني... فلا بدّ لكل منا أن يعقل جمله!

ما هي قصة حياتك؟

لكل إنسان حكايته مهما كانت حياته فلا بد من أنه مرّ بتجارب وأمور خاصة به وحده. لقد كنت أقارن قصتي بقصص الآخرين وأرى بأني لم أحظَ بحياة رائعة أو قصة جميلة لتروى... إلى أن اكتشفت بأنه لا يوجد أي قصة تشبه الأخرى. كل إنسان له بداية مختلفة لحياته وكذلك التجارب التي يمر بها بعد ذلك.. إن رحلة كل إنسان فريدة من نوعها، حتى التوائم المتطابقة والذين يجمعهم وقت ولادة واحد وتربية واحدة وعائلة واحدة وبيت واحد تكون وجهات نظرهم وتجاربهم وقصصهم وحياتهم مختلفة... وإذا اقتربت أكثر سترى فوارق في أشكالهم أيضاً.

ولكن اختلاف قصصنا أو تشابهها ليست بالقضية المهمة، فالسؤال هو "هل قصة حياتي هي فعلاً أنا؟" أي هل هذه الحكاية التي نستمر في إخبارها للناس وتعديلها وتطويرها في كل سنة مجرد معلومات جمعناها لتدل علينا؟ وإذا كانت كذلك "فمن أنا؟" و"من أنت؟"
 

صناديق اقتراع لأراء المجتمع!

إلى جانب ما يعتقده الوالدان فهناك ما يعتقده المجتمع أيضاً... أي سمعتنا وأوضاعنا الاجتماعية، فبينما يرضي البعض نفسه بإيجاد سمعة طيبة له يلجأ آخرون على الحصول على السمعة السيئة في سبيل الشهرة... ولكن سواء كنا مشهورين أو غير مشهورين، معروفين أو غير معروفين، محترمين أو غير محترمين... كل هذا يعتمد على اهتمامنا بآراء الآخرين حولنا! ولكن لم كل هذا الاهتمام؟ لأنه تم تدريبنا على أن نرى أنفسنا من خلال الآخرين، على أن نقارن ونقيس أنفسنا بهم وعلى أن نستمع لهم بدلاً من الاستماع إلى أنفسنا. فقبل أن نرى جمال العشب الذي لدينا... أخبرونا بأنه يوجد عشب أكثر خضرة في الجهة المقابلة!!!

واعتدنا أيضاً على إخبار الجميع بوضعنا الاجتماعي فأصبحنا نضيف الأحرف والكلمات بل والجمل أيضاً قبل أسمائنا ليعرف الآخرون بحالتنا الاجتماعية وجنسنا وتعليمنا ومناصبنا... فأنت إما ( أ. أو د. أو م.)، إما سيد أو سيدة أو آنسة، إما صاحب الجلالة أو فخامة الملك أو معالي الوزير... وهناك من هم سعيدون بالألقاب المنتشرة عنهم والمشهورين بها مثل "المتهور!" و"الشقراء!" و"اللطيفة!"... ونستمر في تغيير تعريفنا لأنفسنا كما نغير نكهات العصير!

ولكن في نهاية اليوم، هل أنت هذه الشهرة أو هذا اللقب الاجتماعي؟ هل أنت آراء الآخرين وأحكامهم عليك وتوقعاتهم لك؟ إننا نهتم كثيراً لأمر الأحكام... فنغضب عندما يكون هناك شخصاً يطلق الأحكام جزافاً على الناس، ولكن هل هي مهمة إلى هذه الدرجة؟ إنها مجرد أفكار والأفكار هي الأمر الوحيد الذي يبرع به العقل!

إن كل فكرة لدينا هي نوع من الحكم... حتى "العشب لونه أخضر" أو "البيتزا سيئة" أو "تلك المرأة غير شريفة!"، ماذا يمكن لهذه الكلمات أن تغير؟ إنها مجرد كلمات والكلمات مجرد أفكار! والكلمات والأفكار مثل الغيوم التي تسبح في السماء... فهي تذهب وتأتي ولكنها ليست أنت، ألقِ نظرة على الصحيفة... كل أولئك المشاهير من نجوم الأفلام والغناء والسياسة، إنهم حديث اليوم والقمامة المتكدسة في الغد! فهل أنت فكرة لدى الآخرين؟ فكر مرة أخرى!
 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات