البحث عن زعيم لمصر!
أوسلو في 22 مارس 2005
سيدي الرئيس،
لا أدري إن كنتَ ستقرأ رسالتي تلك أم ستضل الرسالةُ طريقَها لأنك لم تبحث عنها في الأصل، ولم تكلف نفسك عناء الافصاح عن هويتك وأفكارك ومبادئك وأحلامك وبرنامجك في انقاذ مصر بعدما يتم تنظفيها من رؤوس الفساد والارهاب والاستبداد الذين جثموا فوق صدر مصرنا ظلما وبغيا وعدوانا واستخفافا بشعبها واسترقاقا لأهلها.
كنا نفترض أن الزعيم هو الذي يبحث عن الشعب، ويتقدم بصدره، ويناضل من أجل تحرير وطنه، لكن في مصر يحدث الآن العكس، فالشعب متلهف لبطل جديد يعقد معه صفقة الحكم، وفي ارهاصات الوضع المصري برُمته الذي ينذر بأحد خيارين: إما ست سنوات عجاف تنتهي بكارثة اجتماعية وسياسية واقتصادية إذا ظل الرئيس حسني مبارك ممسكا برقاب شعبنا، أو بتولي ابنه تكملة المهمة، وإما أن ينتصر الحق، ويرفع المصري رأسه لأول مرة منذ سنوات طويلة، ويتخلص من القيد الذي وضعه المستبد حول عنق الوطن السجن.
سيدي الرئيس،
لم أفقد إيماني لحظة واحدة بأنك هناك، في مكان ما، تَمَيّز غيظا من هؤلاء الطغاة الذين أحاطوا بكبيرهم يمدون في عمره، ويزيفون تاريخ الوطن، ويرفضون منح شعبنا ذرة كرامة يتنفس بها وتعينه على مصيبة الحياة في ظل الرئيس حسني مبارك.
قد تكون اسلاميا أو قبطيا أو شيوعيا أو يساريا معتدلا أو يمينيا أو وفديا أو ناصريا أو مستقلا أو كل هذه الأشياء مجتمعة!
قد تكون أكاديميا أو باحثا أو مفكرا أو عالما أو سياسيا أو إعلاميا أو سفيرا لمصر في الخارج، سابقا أو حاليا، أو محافظا، أو لواء في الشرطة أو مباحث أمن الدولة أو المخابرات أو الجيش أو وزيرا سابقا لم يرض عنه الرئيس لأمانته ونزاهته وشرفه واخلاصه لمصر وشعبها!
قد تكون قريبا من الرئيس والطغمة الحاكمة وتنتظر الفرصة الملائمة لانقاذ شعبك، وقد تكون جنرالا في الجيش حاول زملاؤه القيام بانقلاب عدة مرات ولم يحالفهم الحظ أو تم القضاء عليهم بفضل عيون رجال الرئيس ومخابرات أصدقائه في الغرب وواشنطون وإسرائيل!
قد تكون قاضيا أو مستشارا أو عميد كلية أو مدير جامعة أو مدرسة أو روائيا أو مساعد رئيس تحرير صحيفة أو من المغضوب عليهم في ماسبيرو!
قد تكون صاحب فكر عبقري في الادارة أو في القيادة أو في الاقتصاد أو في علم الاجتماع أو في كل هذه الأشياء مجتمعة أو ثنائية أو أكثر!
قد تكون ريفيا أو حضريا، صعيديا حتى الشارب الكث أو قاهريا يعرف مشاكل العاصمة كلها من مجمع التحرير إلى السحابة السوداء ومن الاعتداء على أراضي الدولة إلى ما يدور في أقبية السجون، ويعرف أيضا ما لا يعرفه الآخرون عن هموم الوطن كله!
قد تكون قابعا في مكان ما، واضعا على الورق أو في ذهنك دستورا اصلاحيا يخرج مصر من سجنها إلى حريتها، ومن موتها إلى حياتها، وتبحث عن جهة أو منظمة أو جبهة أو حزب أو تجمع يتعرف من خلاله شعبنا عليك فلم تجد غير صراعات ونزاعات ومصالح آنية ومفاوضات في السر مع سيد القصر وصراخ وعويل لم يحرك ساكنا لأربعة وعشرين عاما.
قد تكون زعيما اكتشفه الطاغية حسني مبارك فخاف منه، وأبعده، وعزله عن الاهتمامات العلنية بقضايا الوطن، أو ربما خشي منه رجال الرئيس وخدم السيد، ومنافقو القصر، ومتزلفو السلطة.
سيدي الرئيس،
لعلك تشعر باحباط شديد، وبحزن جارف، وبأوجاع الوطن كله وأنت ترى هذه الغطرسة المباركية وهو يتحدى سبعين مليونا من البشر أن يأتوا له بنظير ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا!
وربما زادت آلامك وعذاباتك وأنت ترى مصرنا تنتقل من صفر إلى آخر، ومن قاع إلى هاوية تغوص في عمق الفشل، ومن نهب وسرقة ونصب واحتيال إلى تحد وقح لمشاعر شعب ذابت فيه حضارات وأزمنة واحتلالات ومقيمون وعاشقون وأغراب، فيقف الرئيس المريض، وينظر في عيون حزينة ، مكسورة، مهانة، مسروقة لسبعين مليونا من ورثة الأنبياء والمرسلين والمصلحين والفاتحين وأبناء النيل الخالد، ويتحداهم أن يرفضوه، ويقدم لهم ملهاة تهكمية أكثر سخرية من نكات ابن البلد مؤكدا على أن برنامجه هو عمله، أي سجون ومعتقلات وتعذيب ومهانة وفقر ومرض وفشل وغلاء وبطالة وسكان مقابر وقوانين طواريء وأكثر رجال مصر فشلا وفسادا!
ولعلك الآن تضرب كفا بكف وأنت ترى حيرة المصريين في ترشيح زعيم قادم فتكتشف أن آراءنا في الزعامة لا تختلف عن أفكارنا الفجة في الفن، وأن جيل البورنو كليب، والتطرف الأعمى، والتمييز الأحمق بين البشر على أساس اللون والجنس والعقيدة والمذهب لا يستطيع أن يختار زعيما أو قائدا فهو لا يرى إلا الذين قام الإعلام بتلميعهم، وتأهلوا حزبيا وسياسيا وصحفيا على حِجْرِ السلطة أو في طائرة السيد الرئيس.
بحثت وغيري عنك في كل مكان تحت شمس مصر الولاّدة العظيمة التي تستطيع أن تمد الوطن بآلاف العباقرة في كل المجالات وهم يصطحبونك كما يفعل النحل وكل يعرف طريقه وعمله والزمن المحدد للانتهاء منه.
سيدي الرئيس،
نبحث عنك منذ فترة طويلة، وقد آن الوقت الذي تبحث أنت عنا، وتخرج من موقعك، وتعلن بكل شجاعة وثقة ومحبة للوطن أنك تستطيع أن تقود مصر في المرحلة القادمة، وأنك الرجل الذي ننتظره.
تقدم، وابعث إلى المصريين عن قناعتك بقيادة مصر، ولا تخش القيادات الحزبية والسياسية والفكرية الملتصقة بظهر السلطة أو الخائفة على مصالحها، أو المرتبطة بأيديولوجية حزبية أو دينية أو طائفية لا تستطيع منها فكاكا.
قد يبدو الطلب مضحكا حتى الثمالة، أو مبكيا حتى الموت، صمت مريب فلا تدري إن كان الوطنيون جادين في انقاذ الوطن أو أنهم النصف الثاني لسيد القصر. سينفجر المعارضون والساخرون ضحكا واستخفافا ممن يبحث عن زعيم، ومن تمرد على السلطة تقوده العفوية، ومن رفض لحكم الرئيس المستبد دون تقديم بديل.
قد تحدث المعجزة، ويخرج الصامتون الكبار من المعارضة إذا تصادف وتحرك الضمير خطوتين ناحية الوطن،فيتم انقاذه قبل أن يجعل الرئيس حسني مبارك وابنه وأعوانه المصريين يلعقون تراب الأرض، وصناديق القمامة وأحذية ضباط الأمن!
التعليقات (0)