في عالم يعج بالغرائب و المتناقضات وتغطي فضائه علامات الاستفهام ولاأحسب ان هناك باحثاَ او كاتبا تصدى للكتابه عن موضوع التغييرات والاساليب التي تتبعها الولايات المتحده والغرب في تحقيق مآربها،الا وتملكته الحيره والدهشه من هذا الموضوع ولا احسب نفسي بعيداَ عن هذا الاحساس، والحيره والدهشه من الحقائق التي يكتشفها الباحثون والمحللون وطبيعة ونوع التفاصيل والاحداث .
حالة عدم اليقين التي تستشري اليوم في الاوساط الفكريه والنخب الثقافيه في كل مايدور من احداث ومحاولة الاقتراب من هذه الحاله تستدعي منا ان نستعرض كل اوراق البحث على مائده التحليل المعمق واستخدام ادوات المقارنه والتأمل واستدعاء النظريات التي من خلالها ربما نصل الى شواطيء الحقيقه.
قبل اكتشاف قارة استراليا كان كل الناس في العالم القديم يظنون أن طيور البجع جميعها بيضاء اللون، كان هذا الاعتقاد راسخا وغير قابل للمناقشة كحقيقة علمية فيما كانت الادله الواقعيه تشهد له ولعل العثور على البجعه السوداء الاولى كان يمثل مفاجأه مدهشه الى حتى علماء الطيور، لكن هذا ليس مربط الفرس في هذه القصه فالمسأله هي ان هذه الحادثه تقف شاهداَ على شدة ضيق ومحدودية معارفنا التي حصلنا عليها من الملاحظه والتجربه فبمجرد مشاهده واحده لبجعه سوداء هي كفيله بأن تطيح بمصداقية مفهوم شائع تحدر من الآف من المشاهدات لملايين من البجع الابيض على مدى سنوات، وان نظرية البجعه السوداء هي ببساطه عباره عن حدث غير متوقع الحدوث ويحدث .
نظرية البجعة السوداءBlack Swans Theory التي تطرق اليها "نسيم نيكولاس طالبNassim Nicholas Taleb" تشير إلى تأثير شديد وصعوبة التنبؤ والأحداث النادرة إلى ما يتجاوز عالم التوقعات العادية. "مشكلة البجعه السوداء" على خلاف فلسفي و"نظرية البجعة السوداء" لا تشير إلا إلى الأحداث الضخمه التي ذات نتيجه ودورها المهيمن في التاريخ، أحداث "البجعة السوداء" تعتبر بعيده أقصى البعد،علما بأن في كتابات "طالب" لم يستخدم عبارة "نظرية البجعة السوداء"، بدلا من ذلك، لكنه يشير إلى "أحداث البجعة السوداء" ،في كتابه المعنون"البجعه السوداء- تداعيات الاحداث غير المتوقعه " الذي صدر في العام 2007م يقول:"اتوقف هنا لألخص هذه المقوله الثلاثية الابعاد:الندره ،التأثير الطاغي،وقابلية الارتجاع والتعليل "ومايكون شديد التوقع دون ان يحدث فعلاَ يقع ايضاَ ضمن نطاق مفهوم "البجعه السوداء"لاحظ انه وعلى سبيل التناظر فأن حدوث حدث نادر الاحتمال انما يعادل عدم حدوث حدث اخر يتسم بشدة التوقع"فعدد قليل من البجعات السوداء كفيل بأن يفسر لنا على الغالب كلشيء في العالم الذي نعيش فيه،ابتداء من نجاح انتشار الافكار والاديان مروراَ بالديناميكيات التي تتخذها الاحداث التاريخيه وصولاَ الى عناصر ومكونات حياتنا الشخصيه،ولك ان تتخيل فقط مقدره ادراكك الشحيح للواقع العالمي عشية احداث عام 1914م على مساعدتك على التكهن بالاحداث التي سوف تعقبها ،ماذا عن صعود نجم هتلر ومااعقب ذلك من حرب نشبت؟وماذا عن التفكك السريع وانهيار الاتحاد السوفيتي ؟ ماذا عن نشوء وانتشار الانترنيت؟ماذا عن انهيار الاسواق الذي حصل العام 1987م؟وكذلك ماذا عن الاستعاده الغير متوقعه لهذه الاسواق لعافيتها.انها كلها تتبع قضية "البجعات السوداء" والحقيقه ان الخلطه الناتجه عن ضعف التوقع وشدة الأثر تجعل من البجعات السوداء لغزاَ محيراَ.
ما الذي يجعلنا لا ندرك ظاهرة البجعات السوداء إلا بعد حدوثها؟ البشر مطبوعون على تعلم الأشياء المحددة، في الوقت الذي ينبغي عليهم التركيز على العموميات، ونحصر تركيزنا في الأشياء التي نعرفها من قبل، ولا نأخذ بالاعتبار ما لا نعرفه، فنعجز عن تقدير المناسبات، ويسيطر علينا ضعف مستبد أمام نزعة التبسيط، والسرد، والتصنيف، ولا نتجرأ على تصوير ما نظنه مستحيلا، بل ولا نكافئ الذين يتجرأون على تصوره.
فالكتب والروايات المهمة على سبيل المثال والتي لقيت رواجا كبيرا، هي كذلك لأنها نشرت، ولكن من بين النسبة الكبرى مما لا ينشر من المخطوطات التي تقدم للنشر، أليس ممكنا أن يكون من بينها ما هو أفضل مما نشر؟ الروائي لوسيان قدم مخطوطة لناشر فرفضها من دون أن يقرأها، وبعد أن اشتهر لوسيان قدم المخطوطة لناشر آخر، فنشرها من دون أن يقرأها.
تخيل، يقول "نسيم طالب"، أنك عالم في إحدى جامعات القرون الوسطى، في القسم المختص بتكهنات المستقبل، وأنك متخصص في الإسقاطات المستقبلية لأحداث التاريخ في القرن العشرين، الذي كان مايزال بعيدا عنك جدا، فإنك تحتاج إلى أن تعثر على اختراعات من نوع المحرك البخاري، والكهرباء، والقنبلة النووية، والإنترنت، والنشاط الغريب المسمى اجتماع عمل، ذلك الاجتماع الذي يقوم خلاله رجال لا يشكون من نقص التغذية بإعاقة جريان الدماء في عروقهم بمحض إرادتهم بواسطة وسيلة ثمينة تدعى ربطة العنق.
إننا ببساطة غير قادرين على تصور الاختراعات المستقبلية، ولو كنا قادرين على ذلك لكانت قد أنجزت وقضي الأمر، ففي اليوم الذي نكون فيه قادرين على التكهن بالاختراع نكون قد صرنا نعيش في حالة يكون فيها كل شيء ممكن التصور قد اخترع، وفي عام 1899م استقال رئيس مكتب تسجيل براءات الاختراع في الولايات المتحدة، لأنه اعتبر أنه ليس ثمة ما يمكن اختراعه،ويرى "نسيم طالب" انه عادة مايتم التعامل مع البجع الاسود من قبل علماء العلوم الاجتماعية على انها غير موجوده ،وفسر "نسيم طالب"باعتقادهم بان مايملكونه من ادوات تحليليه تمكنهم من قياس عدم اليقين وهذه المشكله ناتجه عن سوء فهم الحلقات السببيه بين السياسه والسلوك ويرى ان عدم الاهتمام بهذا المفهوم يوجد حاله من العمى تجاه احتمال العشوائيه وهذا المنطق يجعل مالانعرفه مرتبطاَ اكثر بمانعرفه.
في عام 1960م كان هناك عالم أرصاد أميريكي يسمى" إدوارد لورينزEdward Lorenz "يعمل على تطوير نظام حاسب آلي للتنبؤ بالطقس ، وفي زحمة العمل أخطأ "لورينز "خطأ صغيرا نتج عنه إكتشاف ما يسمى بــ " نظرية الفوضى"Chaos Theory وتنص هذه النظرية على التالي : ما يبدو فوضوياً ولا يضبطه شئ في الظاهر ، هو في الحقيقة أمر منظم و منضبط تماماً و تتحكم به قوانين طبيعية في غاية الصرامة والدقّة وأنه لا وجود لأحداث أو أشياء عشوائية.
ثم أدت هذه النظرية لإكتشاف نظرية شهيرة أخرى تعرف بــ " نظرية تأثير الفراشة The butterfly effect" وتنص هذه النظرية على التالي: أي فعل رغم ما يبدو من بساطته في الظاهر فإن له تأثير وقد يتطور هذا التأثير تطوراً هائلاً غير متوقع ، وفي شرح هذه النظرية جملة مشهورة جداً تقول " خفقة من جناح فراشه في نيويورك قد تؤدي لزلزال عنيف للغايه في اليابان في غضون بضعة سنين"
الحقيقه ان هذه النظريات الثلاث "البجعه السوداء والفوضى وتأثير الفراشه"في غاية الاهميه لدراسة الاحداث الراهنه التي تمر بها منطقنا العربية ، لنعود الى تاريخ الثوره التونسيه في البدايه لنرى مستويات النظريات الثلاث في تلك الثوره في 17 كانون الاول/ديسمبر 2010م أحرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجاَ على استهداف مصدر رزقه من قبل الشرطه في ولاية سيدي بوزيد بتونس حتى هذه اللحظه مع تلامس اليقين لم يكن احداَ يتوقع ان يحدث هذا التغيير الكبير في الاحداث خصوصاَ والكل شاهد الرئيس زين العابدين بن علي وهو يزور البوعزيزي في المستشفى قبل ان يفارق الحياة مما يعني انه ونظامه مستعدين لكل شيء وهم فارضين سيطرتهم ويعرفون الى اين تسير الامور، من كان يمكن ان يتوقع ستكون هذه الحادثه هي التي أسست لنهايه نظام حكم بن علي لانريد ان نذهب بعيداَ عن النسق الخاص بثورة بتونس ولنأخذ نظره ولو سريعه عن طبيعة تولي بن علي الحكم في تونس وبعض احداثها يروي "لورنس ايغلبرغرLawrence Eagleburger "، وزير الخارجية الأمريكي في ولاية رونالد ريغن الثانية، أن واشنطن كانت مشغولة بتطورات الوضع في تونس خلال عام 1987م، حين بدأت تظهر على حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة علامات الوهن والتخبط وصراع الأجنحة،ويقول في مذكراته إن فريقاً أمريكياً متخصصاً كان يبحث مجموعة من الأسماء التي يمكن أن تخلف الرجل العجوز، وحين ساد جو من الحيرة، نطق أحدهم بالحكمة الذهبية: "الوضع لا يبعث على الخوف، حتى زين العابدين بن علي يمكنه أن يكون البديل "يعرف الأميركيون بن علي جيداَ؛ فهو سبق أن التحق بدورة عسكرية في المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن في "بلتيمورBaltimore " بالولايات المتحدة، وتسلم بعد انتهائها الأمن العسكري التونسي.لكن الرجل، الذي يكن وداً خاصاً للأميركيين، لم يطلعهم على نياته بشأن انقلاب السابع من تشرين الثاني 1987م، وكانت الأجهزة الإيطالية هي الوحيدة التي علمت بالاستعدادات للانقلاب وساعدت عليه.وتقول أوساط تونسية معارضة إن رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق "بتينو كراكسي Bettino Craxi"أوفد فريقاً للتنسيق، بقيادة عريف في الاستخبارات الإيطالية، وهذا ما يفسر اختيار "كراكسي" اللجوء إلى تونس، حين لوحق بتهم الفساد في إيطاليا، وقد بقي هناك حتى توفي سنة 2000 م في مدينة الحمامات،خلع الرجل المريض الحبيب بورقيبة الذي لم يكن، يصحو إلا دقائق كل يوم. كان بورقيبة قد خلع احدى اهم مراكز القوى التونسية وهي زوجه الماجدة وسيلة بنت عمار، التي لم تكن تحب زين العابدين بن علي وكان صراع النفوذ بين مراكز القوى حول بورقيبة يمهد الطريق امام بن علي، ولم يبق حوله سوى ابنة اخته سعيدة ساسي ومدير ديوان الرئاسة منصور الصغيري، وكان ابنه الحبيب بورقيبة الابن وزير الخارجية الأسبق مبعَداً ومبعِداً نفسه.وكان صراع الماجدة وسيلة مع أبرز شخصية سياسية في تونس الوزير الأول محمد مزالي قد انتهى بعزل مزالي ونفيه خارج تونس إثر تدبير مكائد عديدة ضده، ثم جاء عزل الماجدة نفسها، وصراعات ما تبقى من أهل النظام بين بعضهم البعض، فرصاً توافرت لـ بن علي ليخلع بورقيبة نفسه. انـزوى بورقيبة في قصره، مردداً كلما صحا من حالة الزهايمر التي اصابته عبارة حفظها كل من حوله كان يقولها بالفرنسية التي يتقنها كأحد ابنائها:Je nest jamais donner confiance au militaire, Le seule fois que Jai donner confiance a un militaire, il ma eu. وعبارة بورقيبة بالعربية، هي: "أنا لم أعط ثقة أبداً لعسكري، والمرة الوحيدة التي اعطيت ثقة لعسكري، خلعني"،هكذا يكون بن علي قد قبض بكل قوه على زمام الامور في تونس ،بن علي كما معروف هو من مواليد الثالث من ايلول/ سبتمبرعام 1936م في مدينة حمام سوسة، وبعد فشله في اتمام شهادة المهني الصناعي بالمعهد الفني بسوسة التحق بصفوف الجيش التونسي الحديث العهد في سنة 1958م.تدرج في خدمته العسكرية من مرافق برتبة جندي يخدم في بيت الجنرال علي الكافي في الجيش التونسي، مخلصاً له ولأسرته، حتى اطمأن له صاحب الدار نظراً لكفاءته في تلبية طلبات أهل البيت فزوجه الجنرال إبنته" نعيمة". رغم أن الشاب زين العابدين لم يكن قد تجاوز رتبة عريف في الجيش التونسي. لاحقاً تغيرت الحقائق عندما اصبح رئيس لتونس واصبحت السيرة الرسمية تقول أن زين العابدين شارك في العمليات التي قام بها الجيش عقب العدوان الفرنسي على ساقية سيدي يوسف مما مكنه من التعرف على نسيبه السابق الجنرال "الكافي."
كانت مكانة الجنرال" الكافي" في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، كافية كي يتمكن من ارسال صهره الجندي السابق الذي أهّله زواجه من ابنة الكافي ليصبح ضابطاً.. في بعثة عسكرية الى كلية "سان سير "الأرقى في فرنسا، للحصول على تكوين عسكري عصري وحديث حسب مواصفات تلك الحقبة، ومنها تابع في “شالون سور مارن” ودرس فنون المدفعية.عاد من فرنسا وقد استقر في منـزل مستقل قدمه له حماه الكافي، الذي تابع دعمه حتى أدخله الاستخبارات العسكرية، حيث مركز القوة الحقيقي للنظام من جهة، وللأسرة التي بدأت تتكون حول الكافي بعد ان انجبت ابنته نعيمة من الضابط الصاعد ثلاث بنات.
أتيح الى بن علي ان نسج علاقات مميزة مع الاستخبارات الاميركية، أثناء عمله في الاستخبارات العسكرية التونسية وأشرف على تحوير وجهة النظام فيما بعد من التنسيق الكامل مع الاستخبارات الفرنسية التي اقامت معه علاقات جيدة خلال دراسته في كلية" سان سير"، إلى التنسيق الأهم مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "C.I.A" ثم التحق بدورة عسكرية في المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن في بلتيمور بالولايات المتحدة، وتسلم بعد انتهائها الأمن العسكري التونسي.
أول ظهور اعلامي لزين العابدين بن علي جاء مفاجأة مدوية في تونس وفي الأوساط الفرنسية حين طلب العقيد معمر القذافي تعيين العقيد زين العابدين بن علي وزيراً للداخلية في دولة الوحدة الجمهورية العربية الإسلامية، التي اعلنت بين تونس وليـبيا في جزيرة جربة التونسية، اثناء لقاء القذافي والرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في يناير/ كانون الثاني 1974م. لم تدم الوحدة اكثر من 48 ساعة، حيث طلبت فرنسا من رئيس وزراء تونس يومها الوزير الأول" الهادي نويرة" الذي كان في زيارة رسمية لطهران، أن يقطع زيارته ليعود إلى تونس ويعلن إجهاض هذه المحاولة التي كشفت الوجهة الجديدة للضابط الأمني بامتياز زين العابدين بن علي. أثيرت في تونس وفي اوساط عربية عديدة تساؤلات عن هذه العلاقة التي كشفها القذافي مع هذا الضابط الأمني التونسي الذي كان كثيرون في تونس خاصة العاملين في المجالات الحزبية السرية والعلنية المعارضة والمتطرفة يرتعبون لمجرد ذكر اسمه، وهو الضابط الأمني السري. فإذا بالقذافي يريده وزيراً لداخلية دولة الوحدة.علاقات بن علي مع الأمريكان ثبتته في موقعه 13 عاماً هي الفترة الفاصلة بين سقوط محاولة الوحدة مع ليـبيا عام 1974م الى سقوط الحبيب بورقيبة نفسه من السلطة اثر انقلاب بن علي ضده يوم 7تشرين الثاني/نوفمبر 1987م. صحيح ان زين العابدين بن علي لم يكن ذا قوة ظاهرة أو قادرة على تهديد نظام الحبيب بورقيبة، لكن بورقيبة وشخصيته التاريخية كبطل للاستقلال الوطني التونسي، ومكانته داخل كل مؤسسات الدولة وهيبته وجرائمه التي لا حدود لها في مواجهة اي حركة من حركات المعارضة التونسية كانت تحتاج او تستند الى رجال وأدوات من امثال بن علي لتمكينه من الاستمرار رئيساً منذ الاستقلال عام 1956 م حتى التخلص منه عام 1987م. المهم انهار نظام بن على بعد تصاعد الاحتجاجات ووصل الى حالة حرجه اخرجته من التوازن الذي يولد الاستقرار والاستمرار وهرب بن علي الى السعوديه واصبح من الفارين من وجه العداله التونسيه واستلم بعده حكام الفتره الانتقاليه ومروراَ بالانتخابات التي حصل قيها حزب النهضه على غالبية الاصوات ،تونس لم تشهد فوضى كبيره كمثيلاتها مصر وليبيا بل شاهدنا تونس وهي تقفزالى مابعد بن علي وهي تسمو على جراحها وخارجة من ظلم ودكتاتورية حمقاء اعتقدت ان الشعوب لن تستطيع كسر القيد لكن ليس الموضوع الذي نرمي اليه وليس نظام بن علي نظاماَ ديمقراطياَ حراَ لكي يستطيع أحد ان يدافع عنه لكن الموضوع هو في حالة عدم اليقين لمابعد نجاح الثوره وهنا لابد من ان نشير الى اننا نعيش في مرحله فاصله من التاريخ الانساني حيث لم يكن هناك شبيه لهذه المرحله فالتغييرات تشمل اوجه الحياة كافه وان هذه التغييرات قد غيرت الكثير من المفاهيم والمصطلحات والبديهيات السياسيه لانها اسقطت حواجز السياسه والجغرافيه والزمن وهذه التغييرات سريعة جداَ نتيجه تقدم العنصر المعرفي والتقني والمعلوماتي حيث اصبحت المعرفه من العناصر المهمه لتكون السلطه ،ان عدم اليقين لما بعد ثورة تونس هو نفسه لمابعد ثورة مصر وهو بشدة اكبر وغموض وعشوائيه اكثر زحاماَ بالنسبه للحاله الليبيه او اليمنيه لكن هناك امر واحد واضح في هذه الحالات الاربع هوغلبة التكتلات او التنظيمات الاسلامية على المشهد على الرغم من انها لم تكن القادح ولا المشغل لهذه الثورات فقد كان احراق البوعزيزي لنفسه في تونس يعتبر" خفقة من جناح فراشه في سيدي بوزيد قد ادت الى لزلزال عنيف للغايه في تونس لكن في غضون بضعة ايام او اسابيع" وهو ماجاءت به نظرية الفراشه فالأشياء ربما تبدوا بسيطه ومحدودة التأثير الا انها تفجر زلازل كبرى تسقط فيها عروش.
حالة عدم اليقين التي تظهر اليوم في المنطقه نعتقد ان سببها الانهيار المتسارع والذي حدث بشكل مفاجيء للأنظمه العربيه والذي حدث فيها الانهيار الفعلي كتونس ومصر وكذلك انهيار معنوي كالذي يحدث في البحرين او اخذ الانهيار شكل الحرب الدمويه مثلما حدث في ليبيا وسيحدث في اليمن .
ان التدخل الخارجي ليس ببعيد عن الاحداث والتحولات الاستراتيجيه التي تجري في المنطقه العربيه والمشاريع والمخططات الخارجيه بكل تأكيد حاضره في الميادين التي تشهد حالة التغيير والامثله شاهده وبوضوح خصوصاَ في ليبيا فقدتم استخدام "خيار السلفادور"من اجل الحاله الليبيه فتحت ذريعة حماية المدنيين تم استهداف ليبيا عسكرياَ من قبل الولايات المتحده والناتو،لكن الذي يهمنا هنا كيف يتم تطبيق خيار السلفادور وماهي اليات هذه الاستراتيجيه.
لست من انصار اي نظام من الانظمه التي سقطت وولت ولكني اريد تسليط الضوء على اشياء ربما لايعلمها الكثيرون وكذلك من اجل البحث العلمي من اجل الحقيقه .
تشير المعلومات الاستخباريه بان خبراء العمليات العسكريه السريه يقومون ضمن مؤسسات الاطر الامنيه الاستخباراتيه الفدراليه الامريكيه والتي تحتوي على اكثر من سبعة عشر منظمه ووكالة استخبارات واستطلاع وكذلك في مؤسسة مجلس الامن القومي الامريكي ومؤسسات البنتاغون وفي وغيرها هؤلاء الخبراء الذين يراقبون على مدار الساعه باعداد ورسم الخطط والمخططات من اجل نشر وحدات من فرق الموت والقناصه في الساحات الضعيفه في الشرق الاوسط من اجل التصعيد واشعال فتيل الفوضى التي يسمونها البنائه حسب الرؤيه الاستراتيجيه الامريكيه من اجل غايات ايجاد مجموعه من الذرائع الشامله للتدخلات الدوليه عندما تحين الفرصه وليس بالخافي ان نموذج الخطط والمخططات تلك والخاصه بفرق الموت والقناصه سبق وان تم تطبيقه في دولة السلفادور بالشكل الذي صار يطلق عليه "بخيار السلفادور " وان المؤسس والراعي والمشرف على هذا المشروع هو "جون نيغروبونتي" السفير الامريكي السابق في السلفادور وقام لاحقاَ بأسقاط خيار السلفادور في العراق في الفتره التي كان فيها سفيراَ لأمريكا في العراق. ووفقاَ لذلك فقد ظهرت فرق الموت وتكاثرت بشكل كبير وقد اعانه على التنفيذ والاشراف السفيرالامريكي الحالي في سوريا "روبرت فورد" عندما كان احد اعضاء السفاره الامريكية في العراقخلال تولي السفير نيغرفونتي للسفاره الامريكيه في العراق، حيث اصبح السفير نيغرفونتي رئيس للمجمع الامني الفدرالي الاستخباري في الولايات المتحده الامريكيه
خيار السلفادورThe Salvador Option وهو الخيار الذي يقوم على تشكيل فرق خاصه تنفذ عمليات اغتيالات وتجسس واعي عمليات اخرى في الدول التي تعتبرها امريكا معاديه وهذه الفرق تعمل خارج اي رقابه من الكونغرس .
صدر كتاب في "زيورخ"للدكتوردانييل غانسرDaniel Ganser من "معهد الدراسات الامنيه "يكشف فيه النقاب عن ان "خيار السلفادور"هذا ليس أمراَ جديداَ بل انه امتداد لأسلوب سبق وان انتهجته اريكا والدول الاوربيه كما كشق الكتاب عن عملية يطلق عليها "العمليه غلاديو" التي نفذتها امريكا والحكومات الاوربيه في فترة الحرب البارده والصراع مع الاتحاد السوفيتي والقوى الاشتراكيه الاوربيه و"غلاديو Gladio " كلمه لاتينيه تعني "السيف"هذه العمليهتمثلت في تشكيل قوات سريه في الدول الاوربيه مولت عملياتها المخابرات المركزيه الامريكيه مهمة هذه القوات كانت تدبير وشن عمليات ارهابيه ضد المدنيين في الدول الاوربيه ونسبها الى القوى اليساريه الاوربيه ،وفي اطار هذه العمليه قامت هذه القوات السريه بالفعل بشن مثات العمليات الارهابية في البرتغال والمانيا وايطاليا واسبانيا وباقي الدول الاوربيه شملت هذه العمليه ايضاَ تمويل ارهابيين و تزويدهم بالمتفجرات لشن العمليات الارهابيه ،الفكره الاساسيه وراء "عملية غلاديو Gladio"تمثلت في انه اذا لم توجد عمليات ارهابية يمكن الاحتجاج بها فانه يجب خلق وتدبير هذه العمليات لخلق الذرائع .
عملية نورثود Northwoods Operation وهي خطه أمريكيه عسكريه سريه وضعت من قبل قيادة اركان الجيش اقرها البنتاجون عام 1962م بناءاَ على توصية من الاستخبارات المركزيه وعرضت على الرئيس "جون كينيدي" بعد ان دامت فترة التكتم عليها اكثر من ثلاثين سنه تقريباَ فقد تم الكشف عن الوثائق الخاصه بهذه العمليه للعموم في العام 1988م عن طريق جهود م"نظمة او هيئة حرية المعلوماتFreedom Of Information Act " فحوى هذه المذكره هي خطه تقوم بها الحكومه الامريكيه بضرب مصالحها والصاق التهمه بكوبا لحشد التأييد الجماهيري لغزو كوبا وكانت الخطه تحتوي على عدة مقترحات كخطف او تفجير طائرات ركاب او تفجير قواعد عسكريه امريكيه والصاق التهمه بكوبا،وتهدف العمليه ايضاَ الى قتل مواطنيين امريكان ومهاجرين كوبيين في فلوريدا "ميامي"وواشنطن واختطاف طائرات مدنيه وتوجيهها عن بعد للارتطام بمعالم معروفه وايضاَ تشير الةثيقه الى اغراق سفن تابعه للمارينز في خايج غوانتناموا واغراق قوارب مهاجرين كوبيين وتوجيه اصابع الاتهام الى نظام فيدل كاستروا في كوبا بحيث تدفع هذه الاعمال الارهابيه الى تاييد الحشود الشعبيه والأمميه لصالح الولايات المتحده الامريكيه وللاطلاع على الوثيقه يمكن من خلال الموقع التالي الخاص بارشيف الامن القومي الامريكي على شبكة الانترنيت:
http://www.gwu.edu/~nsarchiv/news/20010430/northwoods.pdf
من هنا يبدوا واضحاَ ان نظرية خيار السلفادور قد لعبت دوراَ كبيرا في الحاله الليبيه حيث ذريعة التدخل من اجل حماية المدنيين في الوقت الذي استبيحت فيه دماء وممتلكات المدنين بشكل بشع ووقع من الضحايا ماهو اكثر بكثيير مما وقع في حملات القمع التي استهدفت الذين قاموا بحملات الاحتجاجات ضد نظام العقيد القذافي .
بعد ان انتهت الحرب البارده فقد فرضت العولمه بشكل مباشر نتيجة التقدم العلمي والتكنلوجي والتقني الهائل بحيث اصبحت مقولة "العالم اصبح قريه صغيره"منطقياَ اكثر من اي وقت مضى وان التحولات الكبيره التي شهدها العالم قد انتجت نظاماَ عالمياَ يعتمد بشكل رئيسي على الانفتاح الاعلامي الدولي هذا الانفتاح قد اضاف عنصراَ جديداَ للتدخلات التي يستطيع الغرب والولايات المتحده الامريكيه بتنفيذ مخططات اضعفاف الشرق الاوسط وشمال افريقيا او نستطيع القول العالم الاسلامي في الشرق بعد ان بدأت هذه المحاولات عند انطلاق اول رصاصه في الحرب العراقيه - الايرانيه .
انتهت مرحلة سيادة الاعلام التي كانت تتحكم بمفاتيحها النظم الحاكمه وانتهاء النظريات الاحاديه الاتجاه والتاثير الذي يخطط له مخططي الاتصال وهو في الاصل موجه الى متلقي غير فاعل وخامل ،غير خافي بتعدد الوسائل والادوات التي باتت تستخدمها الولايات المتحده الامريكيه فبعد الاعلام ياتي مجلس الامن الذي اصبح منقاد بشكل اعمى الى مايريده الغرب وهو احوج مايكون الى الاصلاح والتغيير بدلاَ من تغيير الدول وخرائطها السياسيه والجغرافيه وهنا يقول وزير خارجية المانيا "فرانك فالترشتا ينمايرFrank Walter Steimeier " :. ان مجلس الامن يعبر عن اوضاع العالم في العام 1945م واليوم نحن نعيش في واقع سياسي مختلف،واذا اردنا الحفاظ على اهمية مجلس الامن الدولي ومصداقيته فأن علينا اصلاحه دونما تاخير وقد تقدمت المانيا بمقترحات لمثل هذه الاصلاحات منذ العام 2005م بالتعاون مع البرازيل والهند واليابان ورغم انها نالت قبولاَ واسعاَ فانه لم يتم عرضها للتصويت واليوم نقود حملة مايسمى "حلول الوسط"الامر الذي يعني عملية اصلاح تسري لمده مؤقته يقام في نهايتها مؤتمر لتقويم هذه المده ،ونحن منفتحون على هذه الفكره ونشارك بشكل فعال في المباحثات الجاريه حولها والهدف هو البدء في اسرع وقت في المفاوضات التي تقود الى عمليات اصلاح فعليه ،ان اصلاح الامم المتجده دون اصلاح مجلس الامن الدولي عمل ناقص "هكذا يصور لنا وزير خارجيه المانيا مدى الاحساس بتهريء العداله الدوليه في مجلس الامن كون المتنفذ الوحيد في هذا المجلس هو امريكا وهو مايثير حفيظة بقية الدول ومما يعني ان المخططات الامريكيه ستمرر بغلاف مجلس الامن الماركه المسجله لصالح الولايات المتحده الامريكيه.
التعليقات (0)