سم الله الرحمن الرحيم
الباكالوريا بين التقسيط المريب والشهادة النخبوية
أفرز نظام الباكالوريا المعتمد في التعليم المغربي اختلالات انعكست على الجودة التعلميةعبر مستويين :
المستوى الأول يبدأ مع السنة الأولى من سلك الباكالوريا عندما يكون التلميذ ـ والأسرة من خلفه ـ منشغلا بهاجس الامتحان الجهوي فيتم التركيز بشكل هستيري على المواد المفروضة في الامتحان الجهوي ،مستخدما كل السبل التي تخول له معدلا مريحا يضمن له الاطمئنان على شهادة الباكالوريا في السنة الختامية ،فيجهد نفسه بحصص التقوية المكثفة ،وقد أهمل المواد الأساسية في شعبته ،والتي تعتبر المحك الثاني في الامتحان الوطني،وإذا ما تعثر التلميذ في الامتحان الجهوي فسيواجه السنة الثانية محبطا متذمرا خاصة وأن المواد التي تسببت في نكبته لا علاقة لها بالتوجه الذي اختاره سلفا فيميل إلى العنف والانحراف السلوكي.
تبدأ معالم اختلالات المستوى الثاني مع السنة الثانية من سلك الباكالوريا والتي تمتد إلى ما بعد الباكالوريا ، في الفصل الدراسي أفرز لنا الامتحان الجهوي ثلاث فئات : الأولى حصلت على معدل مريح وتطمح للحصول على الميزة في المعدل النهائي،الثانية حصلت على معدل قريب من المتوسط ويحدوها أمل النجاح والحصول على الباكالوريا ،الثالثة حصلت على معدل ضعيف أملها الوحيد الحصول على مستوى الباكالوريا وهو ما يجبرها على إتمام السنة الدراسية ،فيكون حضورها صوريا والعملية التعلمية لا تعنيها في شيء ومنها من يلجأ إلى التشويش والشغب للتنفيس عن الضجر والإقامة الجبرية المفروضة عليه داخل الفصل.
تبقى إذن في حلبة المنافسة الفئة الأولى والثانية وهي المعنية بالنجاح، وإن كان طعمه يختلف عند كل منهما،والكل يتوجه إلى المواد المقررة في الامتحان الوطني ليبدأ السباق ضد الساعة تستخدم فيه جميع أنواع المنشطات للظفر بمعدل محترم ،وهنا أفتح قوسا لأبين أن كل التلاميذ بذلوا مجهودا متميزا للنجاح وإن كانت هنا الفئة الثانية غير محظوظة تحصل على معدل متواضع مع جهد كبير في التحصيل وتفوق في المواد الأساسية التي تجتازها في الامتحان الوطني فهي إذن ضحية المواد الثانوية التي اجتازتها في الامتحان الجهوي ،فتحرم من ولوج المدارس والمعاهد والكليات التي تعتمد على المعدل في عملية الانتقاء رغم أنها أبانت عن عزيمة وقدرة في تجاوز خيبة الامتحان الجهوي فالمجهود كان مضاعفا خاصة في المواد الأساسية في الشعبة التي ينتمي إليها التلميذ،مع ما يتبع ذلك من اختلال وارتباك في هذه المدارس والمعاهد العليا فنفس لائحة التلاميذ المقبولين نجدها تتكرر في كل المدارس والمعاهد، والتلميذ سيختار واحدة فقط مما يحدث خصاصا يعوض بالاحتياط حتى وإن كان دون المطلوب لسد الفراغ وهنا تبدأ التدخلات والزبونية الجاري بها العمل في مثل هذه الحالات.
لنتابع التلميذ ما بعد حصوله على الباكالوريا وقد تخلص من ضغط نفسي رهيب وأصبح في التعليم العالي ينعم بحرية أكبر وبوضعية دراسية مريحة ،فهل المستوى الدراسي الذي حصله يؤهله لمتابعة التعليم العالي بما يتطلبه من إستراتيجية جديدة تعتمد مؤهلات التلميذ الذاتية ومدى قدرته على تحمل المسؤولية دون منشطات ؟
فبعدما تخطى عقبة الباكالوريا أصبح الآن أمام جبل الدراسة العليا فمن الطلبة من ينهار وينسحب ومنهم من يبقى تائها أما هول الصدمة والبقية القليلة هي التي تقاوم حتى النهاية.
فعملية بسيطة تضعنا أما هول وفضاعة الهدر المادي والمعنوي الذي تسبب فيه نظام الباكلوريا المعتمد.
فلماذا لا تكون باكلوريا وطنية يجتازها التلميذ في نهاية دراسته الثانوية وتكون باكلوريا تؤهل التلميذ المشاركة في مباريات الانتقاء دون اعتبار الميزة ،في حين تكون السنة الأولى والثانية من التعليم الثانوي مرحلة لإعداد التلميذ على أسس قوية وتكوين معمق يؤهله للمستقبل الدراسي المقبل بكل ثقة وعزيمة.بدل هذا التعليم الصوري العقيم الذي لا يستفيد منه إلا باعة المنشطات و"دروس الدعم والتقوية." .
التعليقات (0)