خامنئي حقق للحرس الثوري هدف الإطاحة بالحوزة.. ..وسينتهي كذكر النحل!
الباسيج يعيد تشكيل إيران:
حريات اجتماعية واسعة.. ..و"استبداد بلا حدود"!
بقلم/ ممدوح الشيخ
بعد السيطرة على السلطة: الحرس يحكم قبضته على الدولة المجتمع!
أهم رجال حقبة خامنئي: أحمد خاتمي.. أحمد سالك.. حسين طائب.. ..وصادق لاريجاني
إذا كان من حصيلة مؤكدة للانتخابات الإيرانية الرئاسية الأخيرة فهي اختفاء القفاز الحريري وظهور القبضة الحديدية للحرس الثوري الذي أكدت توابع الانتخابات أنه الحاكم الفعلي للبلاد، وأن "ورقة التوت" التي كانت تستر دور المرشد سقطت، وقد نجح الحرس في استخدام آية الله على خامنئي "كسارة جليد" في مواجهة أصوات مؤثرة داخل الحوزة الدينية انتقدت الانتخابات والقمع الذي أعقبها بحق المحتجين على نتائجها. ولولا المواقف التي اتخذها المرشد باتجاه دعم نجاد والحرس الثوري وإضفاء المشروعية على نتائج الانتخابات، لربما سقطت مشروعية السلطة تحت الضربات القوية التي وجهها مراجع كبار في مقدمتهم أية الله منتظري وآية الله بيات زنجاني.
ثورة بالزي العسكري!
ومن مفارقات التحولات التي تشهدها إيران أن الحرس الثوري على مدى عشرين عاما استخدم خامنئي في السيطرة على جهاز الدولة بشكل غير مسبوق بحث حل أصحاب الزي العسكري محل أصحاب العمامات الذين كانوا سمة مميزة لحقبة الخميني. فخلال سنوات توليه منصب المرشد قام خامنئي بإحلال مسؤولين عسكريين وسياسيين واقتصاديين وثقافيين موالين للحرس أو من رجاله محل ليكونا جيلا جديدا من السياسيين، وأصبحت أجهزة المخابرات والحرس الثوري السبل الرئيسة لأن يصل شاب طموح لمنصب رفيع.
ومعظم هؤلاء السياسيين الجدد ليسوا رجال دين تقليديين ذوي مؤهلات سياسية ودينية مستقلة، مثل أولئك الذين شاركوا في ثورة 1979، بل إن معظمهم بدأ حياته الوظيفية في القوات المسلحة، والحرس الثوري وأجهزة المخابرات. ومن أهمهم أحمد خاتمي وكيل المخابرات السابق وأحد أعلى الأصوات وأكثرها تطرفا في التحريض على الإصلاحيين، وهو الآن عضو في "مجلس الخبراء" وإمام صلاة الجمعة في طهران؛ وأحمد سالك ممثل خامنئي في كل من: "قوة القدس" و"استخبارات الحرس الثوري"، وهو فضلا عن ذلك عضو في "جمعية رجال الدين المناضلين في طهران"؛ وحسين طائب، قائد ميليشيا "الباسيج" ورئيس سابق لاستخبارات الحرس الثوري.
نجاد يكمل المسيرة
وبدعم من الحرس الثوري قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بعمليات تسريح واسعة في صفوف الحرس الثوري والخارجية الإيرانية والأجهزة الأمنية والاقتصادية والتربوية لإقصاء كل من يشك في ولائه للتيار المحافظ والسيطرة الكاسحة للحرس الثوري، فيما أصبح مألوفا تعيين ضباط سابقين وحاليين في المناصب المدنية المختلفة، إذ لم يعد الحرس الثوري يحدد التوجهات أو الأولويات أو الأجندات السياسية بل يقترب – نهائيا تقريبا – من السيطرة على كل مفاصل الدولة.
وفي ضربة هي الأهم من نوعها تمكن الحرس الثوري بدعم من الرئيس نجاد وصقور المحافظين من إحكام القبضة على السلطة القضائية بتعيين صادق لاريجاني رئيسا لها خلفا لآية الله محمود هاشمي شهروردي. وصادق لاريجاني رجل دين شاب عديم الخبرة، مؤهله الأبرز علاقاته الوثيقة مع الجيش وأجهزة الاستخبارات العسكرية الإيرانية، ولهذا التعيين أهمية خاصة، حيث تمتلك السلطة القضائية في إيران نفوذاً كبيراً على مجرى الأمور في البلاد، فضلا عن الدور الذي بدأت تضطلع به بالفعل كسلاح سياسي في يد المحافظين للتخلص من خصومهم السياسيين في محاكمات صورية. ويتمتع القضاء الإيراني بقدر كبير من حرية التصرف في اتخاذ القرارات دون الرجوع إلى القانون وبصورة خاصة عندما تعتبر "حماية مصالح النظام" شيئاً ضرورياً!!.
يمثل لاريجاني نموذجا لظاهرة جديدة تتكرس مع صعود نفوذ الحرس وخروجه من الظل ليحتل واجهة المشهد، فهو نجل آية الله العظمى هاشم أملي وصهر آية الله العظمى حسين وحيد الخراساني، أحد أكثر مرجعيات الشيعة تأثيراً في الوقت الحاضر، كما أن اثنين من أشقائه الأكبر سناً والأكثر شهرة: رئيس البرلمان الإيراني المفاوض النووي السابق، علي لاريجاني، ونائب رئيس السلطة القضائية نائب وزير الخارجية السابق محمد جواد لاريجاني، – وتوبطهما صلات مصاهرى باثنين من كبار رجال الحوزة، فعلي هو صهر آية الله الشيخ مرتضى مطهري، مفكر الثورة والحكومة الإسلامية الراحل، ومحمد جواد صهر حسن حسنزاده، آية الله في قم. وقد أصبح خامنئي، الذي كان ذات يوم المشرف على الحرس الثوري صديقاً حميماً لعائلة لاريجاني
وحسب السيرة الذاتية المقتضبة المنشورة على موقعه يبدو بوضوح افتقار صادق لاريجاني للخبرة الساسية، فبسبب "شعوره بأن الغزو الثقافي الغربي لا يقل أهمية عن الغزو العسكري"، قرر أن يعد نفسه لـ "مواجهة الغزو الثقافي". وأهم إنجازاته أنه ترجم عددا من الأعمال الفلسفية. وقد قام لاريجاني بالتدريس في مجال الفكر الإسلامي في عدد من قواعد الحرس الثوري المختلفة في جميع أنحاء البلاد. وفي عام 2001، كان صادق لاريجاني أصغر الفقهاء سناً في تاريخ "مجلس صيانة الدستور" المكون من اثني عشر شخصاً، والمسؤول عن التصديق عبى القوانين والإشراف على الانتخابات. وكشف مصدر مطلع لـ "الوطن العربي" أن صادق لاريجاني حاول دائما إبقاء علاقاته بالمرشد وجهاز المخابرات والحرس الثوري سرا!!.
من يعزل أولا؟
وما إن انتهت "إجرائيا" المعركة حول نتائج الانتخابات بتنصيب أحمدي نجاد رسميا رئيسا لإيران حتى بدأت معركة "الانفراد" بالدولة الإيرانية وإقصاء الطرف الآخر، فبعد فتاوى متضاربة حول شرعية الانتخابات بدأ الانقسام يتعزز داخل الحوزة وخارجها، وبدأ تتردد دعوات وفتاوى بشأن ضرورة عزل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، وعدم شرعية الحكومة التي يعمل على تشكيلها الرئيس محمود أحمدي نجاد. وفي المقابل بدأ بعض المحافظين في جامعة علماء الدين المناضلين المؤيدة للمرشد الأعلى بحث مسألة عزل الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني من رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء، وهو الجهة الوحيدة التي يمكنها عمليا عزل المرشد. ويؤكد مراقبون ما يشبه "السباق" انطلق بين الفريقين كل منهما يريد استباق الطرف الآخر، فيما تتزايد دعوات مجلس الخبراء إلى الاجتماع لتقييم أداء المرشد. وفي الخلفية تتجمع في مشهد وقم وأصفهان غيوم المطالبة بإقصاء خامنئي من منصبه وهو مطلب يدعمه مراجع مثل عضو مجلس الخبراء في شيراز آية الله علي محمد دستغيب.
بناء المعادلة الجديدة
التركيبة الجديدة للسلطة في إيران يتوقع أن تنطوي على تغييرات عميقة اجتماعية/ اقتصادية تضمن أقل درجة ممانعة سياسية في البلاد، فتجربة الانتخابات والاحتجاجات التي تلتها كشفت حالة سخط اجتماعية كبيرة تنتظر الشرارة لتلتهم النظام كله، وبتعبير آخر تنتظر من يقودها، وهي اللحظة التي توجت رفسنجاني موسوي وكروبي وخاتمي رموزا لمعادلات جديدة تحرك الحرس سريعا لوأدها في مهدها.
وفي مرحلة ما بعد عاصفة الانتخابات سيجد الحرس الثوري نفسه مخيرا بين خيارين: فهناك من ناحية، مطالب ذات طبيعة اجتماعية تتصل بالحريات الاجتماعية: العلاقات بين الجنسين، وأزياء أكثر تحررا، وقدرة أكبر على التواصل مع ثورة الاتصالات، وتسامحا أكبر كم مفردات نمط الحياة الغربي عموما. وهناك من ناحية أخرى أجندة سياسية يتبناها الإصلاحيون تتمحور حول الانتقال من "شرعية الثورة" إلى "شرعية الدولة"، وتقليص سلطات المرشد والحرس الثوري، وتعزيز حرية التعبير واستقلال القضاء، والانحياز الواضح لخيار الاقتصاد الحر، مقابل السياسات الاقتصادية الشعبوية التي يتبناها الرئيس محود أحمي نجاد ويباركها المرشد الأعلى، وهي سياسات تؤدي للمزيد من سيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد الوطني. وهناك على الأجندة السياسية للإصلاحيين أيضا القضايا الرئيسة على أجندة العلاقات الخارجية لإيران من الخيارات إلى الوسائل وصولا إلى لغة الخطاب. وتمتد القائمة لتشمل: العلاقات مع العالم العربي، والعلاقات مع الغرب، والملف النووي الإيراني.
وبعد قمع الإصلاحيين سيطلق الحرس الثوري عملية إعادة بناء المعادلة الحاكمة للنظام السياسي الإيراني عبر تفكيك بنية الوصاية الاجتماعية والأخلاقية التي فرضتها الثورة حتى الآن ما سيضمن لهم تجريد قادة الإصلاحيين من "الجماهير"، ليصبحوا مجرد مثقفين نخبويين ناقدين للأوضاع أو ناقمين عليها. وتوفر عائدات النفط الكبيرة سلاحا قويا لتنفيذ سياسة "احتواء" ناجحة تمنع السخط الاجتماعي من التحول إلى احتجاج سياسي، وستشهد البلاد خلال السنوات القليلة القادمة انفتاحا اجتماعيا مخططا يستوعب الأجيال الجديدة التي لا ترى في نمط الحياة المفروض بقوة القانون ما يحقق لها الرضا.
وعندما يتغير نمط الحياة ستذهب معه – ربما إلى غير رجعة – روح إيران الثورة، ما سيجعل الحرس الثوري يدخل التاريخ من أوسع أبوابه بوصفه اليد الوحيدة التي استطاعت أن تهدم ما بناه الخميني!
التعليقات (0)