في تصعيد جديد وخطير أعلن قداسة البابا شنودة رأس الكنيسة الأرثوذكسية رفضه التام والكامل والصريح لحكم المحكمة الإدارية العليا النهائي بإلزام الكنيسة بالتصريح لمسيحي مطلق بالزواج مرة ثانية بعد طلاقه من زوجته الأولى إثر خلافات حادة بينهما حيث أن الكنيسة قد سمحت لزوجته بالزواج من شخص آخر فيما رفضت السماح له بالزواج من أخرى. .
وقد بررالبابا شنودة رفضه بأن تنفيذ حكم القضاء يمس ثوابت العقيدة المسيحية ويأتي مخالفاً لنصوص الكتاب المقدس "الإنجيل" التي تحظر طلاق المسيحي إلا لعلة- بسبب- الزنا ..
وقد توج البابا شنوده تحديه لحكم القضاء بإعلانه عقد مؤتمر عالمي سيلقي فيه بيان الكنيسة بهذا الشأن ..
توارت أنباء انتخابات الشورى والشعب بل وانتخابات رئاسة الجمهورية وغيرها من قضايا مصر الساخنة خلف دخان المعركة القائمة حالياً بين الكنيسة وبين الحكم القضائي النهائي الصادر لأحد المسيحيين بحقه في الزواج مرة أخرى بعد طلاقه وإلزام الكنيسة بمنحه هذا الحق ..
ولأن الحكم قد فرق الجمع ما بين مؤيد ومعارض فإنه قد لزم أن نعرض لبعض حيثيات وأسانيد حكم القضاء والتي تمثلت في :
(1) أن الكنيسة الأرثوذكسية تقوم بحسب الأصل على رعاية الأقباط الأرثوذكس كافة، وهي في سبيل ذلك قد خولها القانون السلطات اللازمة بموافقة الأقباط وتقديم الخدمات اللازمة لهم،
(2) أن القضاء يراقب المسئول الديني وهو يباشر اختصاصه في منح أو منع التصريح للتيقن من أنه لم يتجاوز سلطاته المنوطة به، وهو ما لا يعد تدخلا من القضاء في المعتقد الديني، وإنما هو إعلاء له لتحقيق مقاصد تلك الشريعة دون خروج عليها أو تجاوز لها،
(3) أن امتناع الكنيسة عن التصريح له بالزواج جاء مميزا بين أصحاب المراكز المتماثلة على خلاف حكم القانون،
(4) أن امتناع الكنيسة عن إصدار التصريح له بالزواج يحول دون إحصانه وقد يدفع به إلى طريق الرذيلة، كما يحول بينه وبين ممارسته لحقه الإنساني والدستوري في الزواج وتكوين أسرة، وفقا لأحكام شريعته التي يدين بها وهي نتائج يتعذر تداركها.
(5) أنه ليس مقبولا من أي جهة دينية أن تتذرع بخصوصية بعض الأحكام الدينية لديها مما قد يختلف الرأي بشأنها لدى آخرين ممن يتبعون تلك العقيدة،
(6) أن لائحة الأحوال الشخصية لدى الأقباط عنيت بالأحكام التفصيلية للزواج باعتباره سرا مقدسا يتم وفقا لطقوس كنسية بقصد تكوين أسرة جديدة حيث أجازت المادة 69 منها لكل من الزوجين بعد الحكم بالطلاق أن يتزوج من شخص آخر إلا إذا نص الحكم على حرمان أحدهما أو كليهما من الزواج،
(7) وفي هذه الحالة لا يجوز لمن قضى بحرمانه أن يتزوج إلا بتصريح من المجلس الإكليريكي.
(8) أنه من الثابت أن الزوج المطلق مسيحي أرثوذكسي حصل على حكم بالتطليق من زوجته، والتي تزوجت من آخر، مشيرا إلى أن الكنيسة اعتدت بطلاق زوجة مقيم الدعوى وأجازت لها الزواج ثانية باعتبار أن العلاقة الزوجية قد انفصمت بطلاق بائن، فمن ثم لا يسوغ لها حرمان مطلقها من الزواج ثانية.
وحيث أن موقف البابا شنودة والغالبية المسيحية ينحو منحى الرفض التام لتنفيذ ذلك الحكم مما يهدد بأزمة كبيرة خاصة أن حكم القضاء نهائي لا يملك أحد " سوى رئيس الجمهورية" الأمر بوقف تنفيذه وهو ما حدا بمنظمة( الاتحاد المصري لحقوق الإنسان) إلى إطلاق نداء إلى رئيس الجمهورية بالتدخل لوقف تنفيذ الحكم لأسباب "وجيهة" وردت بالبيان مفادها :
(1) أن هذا الحكم قد تعرض وبصورة غير مسبوقة للسلطة الدينية الممنوحة لرجال الكنيسة من صميم ما جاء بالكتاب المقدس وهو لا طلاق إلا لعلة الزنا وهو ما يعد فى رأينا اغتصابا للسلطة الدينية وإقحام الحكم نفسه رقيبا على أعمال تدخل فى صميم الأعمال الدينية من العقيدة المسيحية.
(2) أن هذا الحكم أيضا قد انتهك الدستور وخالف أحكام الشريعة الإسلامية نفسها إذ ان المادة الثانية من الدستور والتي تعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع فى مصر، وقد حسمت أحكام الشريعة الإسلامية القول بترك المسيحيون ما يدينون به، وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله، أي أن المسيحيون يحتكمون إلى كتابهم المقدس بكل ما يتعلق بأحوالهم الشخصية وشريعتهم الخاصة وهو لا طلاق إلا لعلة الزنا وهو ما أكده أيضا القانون 462 لسنة 1955، وإذ خالف هذا الحكم تلك القواعد فانه يكون قد انتهك الدستور وخالف أحكام الشريعة الإسلامية
(3) أن هذا الحكم أيضا أوجد صراعًا بين قلة ضئيلة لها مصالح وأغلبية ساحقة لا ترى فى غير الكتاب المقدس بديلا بما يؤثر بالتالي على السلام الاجتماعي .
(4) أن هذا الحكم فتح السنة كثيرة لتلوك رمزًا هامًا وقيادة كنسية كبيرة مثل قداسة البابا شنودة الثالث الذى يحظى باحترام كافة مسيحيين مصر ومسلميها، فرأينا أقلامًا باهتة تارة ترسل إنذارا لتحذر البابا بحبسه فى حالة الامتناع عن تنفيذ هذا الحكم وتارة أخرى تصفه بالمتصلب وانه دولة داخل دولة .
(5) أن هذا الحكم قد أثار حفيظة ملايين المسيحيين فى الداخل والخارج وانعكس ذلك فى شكل مظاهرات وكتابات حيث أصيبوا فى أعز ما لديهم هو عقيدتهم وكتابهم المقدس وخلط بين أموراً مدنية وأمورا دينية وروحية.
القضية جديرة بالاهتمام والسعي لحلها مثلها مثل قضايا أخرى كثيرة وخطيرة وجب التصدي والسعي لحلها منعاً من تفاقم الأزمات التي يتصاعد دخانها في سمائنا ..
فالكنيسة لها أسسها ومبادئها والتزاماتها التي لا يمكنها أن تحيد عنها .. والقضاء له هيبته واحترامه ووجوب نفاذ أحكامه ..
وأخطر الخطر يتمثل في الزج بالقضاء وهيبته ووضع أحكامه على محك القبول والرفض .. لأن في ذلك انهيار للقضاء بما يعني انهيار المجتمع ..فالقضاء هو حائط الصد الأخير وهو العاصم للبلد "أي بلد" من سيادة شريعة الغاب والفوضى وهو حصن البريء و ملاذ المظلوم وجابر الكسير .
والدول الحرة المستقلة المتحضرة تستمد قوتها وتحضرها وسيادتها من تقديسها واحترامها وإنفاذها لسيدة القانون و لأحكام القضاء دون تفرقة بين أحد ..
ولا تزال تطن في أذني واقعة (لطالما سمعتها) و لها مغزاها العميق مفادها أن ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني حينما صدر حكم قضائي بنقل مطار حربي من بلد إلى مكان آخر _أيام الحرب_ استجاب على الفور .. وحينما سئل .. كان يمكنك أن تنتظر حتى نهاية الحرب .. قال ..
لأن يذكر التاريخ أننا خسرنا الحرب خير من أن يذكر أن تشرشل لم ينفذ حكم القضاء !!! ......
التعليقات (0)