مصعب الهلالي:
بنيديكت وخزعبلات المحرقة
يبدو ان بنيديكت السادس عشر في زيارته الأخيرة للأراضي الفلسطينية المحتلة قد افلح في استعادة بعض الذي خسره من أسهم في العالم الإسلامي إثر قراءته لخطرفات تلك القصاصة الورقية البالية العتيقة التي تهاجم الاسلام وتوسمه بالعنف دون أن يكون هناك مبرر أو ما يدعو إلى ذلك ولا يسمح له موقعه الديني المقدس وسط اتباع الديانة المسيحية أن يتطرق لمثل هكذا أمور جدلية لاجدوى من وراء ترديدها وإجترارها . ولا علاقة لها بطبيعة ومهام منصبه كشخصية تراعي في نفسها تجنب ممارسة كل ما من شأنه أن يعرضها للنقد والهجوم اللاذع والحط من القدر والقيمة القدسية للكرسي الذي يعتليه ويمثل قداسته في قلوب أتباعه من الإخوة المسيحيين على مختلف مذاهبهم ......
وأهم اللفتات التي أثارت رضا العرب مسلمهم ومسيحهم خلال زيارة زعيم الكنيسة الكاثوليكية الجارية للأراضي الفلسطينية المقدسة هو إصراره على عدم الإشارة إلى "ما يسمى" بضحايا المحرقة بأنهم " قتلى" وإنما اكتفى بالإشارة إليهم على اعتبار أنهم " موتى " الأمر الذي أغاظ الصهاينة وفت في عضدهم ، وهم الذين كانوا يظنون أن بنيديكت السادس عشر سيكون لقمة سائغة في أفواههم على اعتبار انه خاضع لابتزازات وضغوط نفسية من قبيل أنه (ألماني الجنسية) وأنه كان في سن الرابعة عشر منضويا في قوائم (الشبيبة النازية) ......
كانوا يظنون إذن ان مجرد التلويح بهاتين الورقتين في وجهه سيكون كافيا للحصول منه على الكثير مقابل القليل ..
وكان البابا قد ابتدر تصريحه بالقول أنه لا يجوز انكار المحرقة .. ولكنه أيضا تجنب (ضمناً) الإقرار بأن عدد (موتاها) من اليهود كانوا ستة ملايين محروق .... وهو العدد الذي يحاول الصهاينة تكريسه كــ "ضحايا" مزعومين بهدف الإستمرار في جني الأرباح والحصول بإسمهم على تعويضات متراكمة ممتدة بأقصى فائدة ربوية ممكنة .....
ومن ثم نرى أن في تجاهل البابا الاعتراف بهذا العدد دلالة كافية واضحة لا لبس فيها بأن العدد الحقيقي لليهود في محرقة النازية لم يكونوا يزيدون على "خمسة آلاف" معارض سياسي وخائن وجاسوس وعميل مزدوج ومهرّب ومروّج مخدرات وقوّاد ولص ومعوّق ومُتراخي ومُرابي يهودي من مواطني المانيا . وان افران الغاز لم تكن موقدة لإبادة الشعوب والأقليات بقدر ما كانت وسيلة للقضاء على المعارضين للنازية وكذلك الذين اشتركوا في عمليات المقاومة ضد الاحتلال النازي الألماني لبلادهم بالإضافة إلى المواطنين الألمان من كافة العرقيات والمذاهب والأديان الذين رفضوا التعاون مع النازية....... وهي في نهاية الأمر لا تختلف كثيرا عن ممارسات "جنّة الحرية والديمقراطية" في سجن أبوغريب وجوانتنام لاحقا.
لقد كان الموطن الألماني الأكثر تعرضا لهذه المحرقة فلماذا جرى تغييبه كضحية لها ؟؟
لقد كان المواطن البولندي هو الأكثر من بين غير الألمان تعرضا لهذه المحرقة فلماذا تم اغفاله؟؟
وغير هؤلاء كان الفرنسي والنمساوي والبلجيكي والبلشفي والبوسني والصربي ومواطنين من كل الدول التي احتلتها المانيا النازية في بداية الحرب العالمية الثانية عقب انتصاراتها واكتساحها السريع لمعظم الأراضي والبلدان الأوروبية.
الطريف هو أن الصهاينة كانوا ولايزالون ياتون عند زيارة كل شخصية هامة لفلسطين. يأتون عند استقبالهم هذه الشخصية بقطعان منهم يطلقون عليهم مسمى (الناجون من المحرقة) ..... بهدف غرس الانطباع المليودرامي للعملية وكأننا نشاهد أحد أفلام هوليود المنتجة وفق أخبث اساليب الدعاية وغسل دماغ الشعوب .... فأنت ما ان تسمع بهذا المصطلح والمسمى حتى يتبادر إلى ذهنك ان هناك محرقة نشبت وأن هناك ضحايا وقعوا فيها وان هناك هرج ومرج وهاربون ومن قد كتب لهم النجاة بجلودهم ... وكل هذا ياتي تعزيزا لتغذية الانطباع لدى عقول الغير كذبا وبهتانا ..... وغدا حين يموت آخر قطعان هؤلاء الناجون المزعومون من كبار السن فإنهم سيأتون لنا بقطعان أخري يطلقون عليهم مسمى ومصطلح (ابناء الناجون من المحرقة ) .. ثم (احفاد الناجون) ..... وهكذا دواليك إلى أن يستعيد الشعب الفلسطيني أرضه بإذن الله ولا محالة وتنتهي هذه المهزلة والمسرحية السمجة على الأرض العربية.
يبقى بعد ذلك الإشارة والإشادة بالموقف الواحد الذي اتخذه المسلم والمسيحي قيادة روحية وأتباع من ابناء الشعب الفلسطيني عند استقبالهم للبابا بنيديكت مما أعطى قناعة راسخة بوحدة الشعب الفلسطيني إزاء ما يتعرض له من قمع وإرهاب على يد الصهاينة بمختلف مشاربهم وأنهم جميعا يعانون سواء تحت وقع بولدوزر هذا الإرهاب الرسمي المنظم المستوطن.
التعليقات (0)