الا حكاية بني أمية والمسجد الاقصى...
استمرارا لنقاشنا مع المدون السيد نجم الدين ظافر ومن سبقه ممن علقوا على موضوعاتنا وانكروا علينا رفضنا للربط بين المسجد الاقصى الوارد ذكره في سورة الاسراء والمسجد الذي بناه الامويون في القدس وسمي لاحقا بالمسجد الاقصى، نورد هنا بعض المقتطفات من المراجع الاسلامية بغية تسليط المزيد من الضوء على الموضوع وتوضيح الفكرة .. ومقدمة القول اننا لا نصدق الرأي القائل إن بني أمية حينما بنوا مسجدا في القدس انما كانوا يبتغون من وراء هذا البناء إحياء سنة محمد او تيمنا بالآيات التي وردت في سورة الاسراء.. قولوا لنا إن الملائكة بنت المسجد الاقصى فقد نصدق.. قولوا إن داوود وسليمان اعادوا إعمار المسجد الاقصى.. قولوا اي شيء الا حكاية بني أمية والمسجد الاقصى.. فالمسجد الاقصى براء من بني أمية وما بنى هؤلاء مسجدا في القدس على أنقاض مسجد اليهود الا لاغراض ومآرب وغايات في نفوس بني أمية..
عندما نستدل بأقوال مؤرخين مسلمين امثال اليعقوبي والكلبي والواقدي ذكروا ان بني امية انما ارادوا من وراء بناء مسجد في ايلياء، تحويل الحجيج الى بيت المقدس في ذروة صراعهم مع عبد الله بن الزبير، يقال لنا حين نردد هذا الكلام إن المؤرخين المذكورين هم من الشيعة الذين عرف عنهم كرههم لبني امية وليس بالغريب ان يقولوا مثل هذا الكلام طالما يسيء الى بني امية..
لكن من جهة اخرى هناك من يقول ان بني امية حينما أدركوا ان الكفة رجحت لبني هاشم واتباع محمد تحولوا الى اسلوب المنافقين المبني على قاعدة ( ان لم تستطع التغلب عليهم فالتحق بهم ).. يروي المؤرخ ابن عبد ربه في العقد الفريد مقاطع من خطبة لمعاوية بن ابي سفيان في اهل الكوفة بعد استتباب الامر له يعبر فيها بصراحة بالغة عن اتباع معاوية مبدأ القوة مع رعاياه فيقول: يا اهل الكوفة، اترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت انكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأتامر عليكم وألي رقابكم، وقد أتاني اللّه ذلك وأنتم كارهون، الا ان كل دم أصيب في هذه الفتنة مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين ".. وفي هذه الخطبة تصريح واضح بان هدف معاوية من القتال هو السيطرة على رقاب المسلمين الملتزمين بالصلاة والزكاة والحج..ووصف حاكم اموي آخر، وهو الوليد بن يزيد، الطبيعة التسلطية والمتعالية للحكم الاموي، فشهد شاهد من اهلها في البيتين الاتيين:
ونحن المالكون الناس قسرا نسومهم المذلة والنكالا
ونوردهم حياض الخسف ذلا وما نالوهم الا خبالا
يقول امام عبد الفتاح امام في كتابه دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي إن الحجاج بن يوسف والي بني امية على العراق قتل اكثر من مائة الف نفس ومات وسجونه مليانة.. ويقول احمد الصاوي في كتابه الاقليات التاريخية في الوطن العربي : ( واتبع ولاة الامويين في شمال افريقيا الاساليب نفسها، ومن ذلك استعباد خمس البربر بعد اسلامهم، في تحريف صارخ للتعاليم القرآنية، الامر الذي ادى الى تذمر البربر وانتفاضتهم ).. واما موقعة الحرة التي استباح فيها جند بني امية المدينة ثلاثة ايام قتلا وفتكا وبطشا وسبيا وهدرا للاعراض فغنية عن التعريف ورد ذكرها عند ابن كثير والسيوطي والطبري وذكروا ان حصيلة ضحايا الامويين في مدينة الرسول 10 الاف رجل اضافة الى 700 من الوجوه والاعيان.. وورد في فتوح ابن اعثم وتاريخ ابن كثير قول يزيد بن معاوية :
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
لست من خندف ان لم انتقم من بني أحمد ما كان فعل
والمشهور عن العباسيين وهم من بني هاشم انهم بعد انتصارهم على بني امية عند نهر الزاب لاحقوا الخليفة الاموي فهرب الى دمشق فلاحقوه واحتلوا دمشق فهرب الى مصر، فواصلوا مطاردته حتى قتلوه في احدى قرى صعيد مصر.. وتولي الخلافة عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو العباس السفاح الهاشمي العباسي، كأول خلفاء بني العباس والذي ظهر علنا لأول مرة بالكوفة حيث بايعه الناس واعتلى المنبر ليلقي خطبة قال فيها " "الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه وكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا فأيده بنا وجعلنا أهله، وكهفه، وحصنه، والقوام به والذابين عنه والناصرين له فألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أصحابها وأهلها وخصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته وأنشأنا من آبائنا وأنبتنا من شجرته واشتقنا من نبعه ولقد "زعمت الشامية الضلال" أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم.. لقد وثب بنو الحرب، وبنو مروان، فانبذوها، وتداولوها، فجازوا فيها واستأثروا بها وظلموا أهلها.. فانتقم الله منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا وولي نصرنا.. وختم بنا كما فتح بنا وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح..يا أهل الكوفة، أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا قد زودناكم في أعطياتكم مائة درهم فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المنيح"...
وفي هذه الخطبة القصيرة تتضح الدوافع الحقيقية للثورة العباسية على بنو حرب وبنو مروان الامويين، وهي ان العباسيين الهاشميين هم احق بالرياسة والسياسة والخلافة"
وقضى السفاح السنوات الاربع في حكمه في عملية تطهير دموية ضد بني امية فقتل اطفالهم ونسائهم ونبش قبورهم، وأفنى اثرهم، وقام بمذابح فظيعة قتل خلالها جميع بني امية الا من تمكن من الهرب الى الاندلس كما قتل عشرات الالوف من مؤيدي بني امية ، وقضى تماماً على أي أمل بعودة الحكم الأموي .. وبعد ان استتب له الامر وقف أبو العباس ينشد قائلاً:
بني أمية قد أفنيت جمعكم ... فكيف لي منكم بالأول الماضي
إن كان غيظي لفوت منكم ... فلقد منيت منكم بها ربي به راض
ونصل الى موضوع المسجد الاقصى .. فنذكر ان عبد الله بن الزبير (620 - 692 م ) بن العوّام وأسماء بنت أبي بكر الصديق، كان ضمن الطاقم الذي أشرف على جمع القرآن زمن عثمان بن عفان.. أعلن بن الزبير نفسه خليفة على الحجاز رافضا مبايعة يزيد بن معاوية وولّى أخاه مصعباً على العراق سنة 687 م.. ونشبت حرب بين الامويين وابن الزبير وحاصر جند بني امية مكة وكانت الكعبة قد احترقت عند حصار جند الشام لها، لأن الجند ضربوها بالمنجنيق. وقام ابن الزبير بترميمها.. توجّه الحجاج على رأس جيش كبير من جند الشام إلى الحجاز وضرب حصاراً على مكة وتمكن من قتل عبد الله بن الزبير بعد خلافة دامت تسع سنين فمثل بجثته وصلبه على اسوار الكعبة ..
بقي ان نذكر ان بني امية بنوا المسجد الاقصى في فترة خلافة ابن الزبير حين استعر الخلاف بين الامويين واهل الحجاز وبايع ابن الزبير خلق كثير حتى انحسرت خلافة بني امية في سوريا.. وكان للمسلمين في ذلك الزمان خليفتان الاول في الشام والآخر في الحجاز وضاقت الدنيا ببني امية ومنعوا حجاج الشام في هذه الفترة العصيبة على بني امية من شد الرحال الى الحجاز خشية تأليب ابن الزبير هؤلاء الحجاج ضد بني امية ويقول مؤرخو ذلك الزمان ان عقول بني امية بما عرف عنهم من دهاء تفتقت عن بناء مسجد في الشام يضاهي مساجد الحجاز فبنوا مسجدا في ايلياء ولم تكن تسمى بالقدس في ذلك الزمان بل كان اسمها الرومي ايلياء ما زال غالبا عليها ولم يسمى المسجد الذي بنوه بالمسجد الاقصى الا في العصور اللاحقة بعد حقبة بني امية بقرون.. فهل نصدق انه والحال هذا من التناحر والتصارع الدموي بين الفريقين المذكورين هل نصدق بان بني امية انما بنوا مسجدا في ايلياء في هذا التوقيت المشبوه تيمنا بسورة الاسراء.. !!!
قولوا بربكم اي شيء آخر الا حكاية بني امية والمسجد الاقصى...
لقد خبر بنو امية اهل الشام منذ ولاية معاوية بن ابي سفيان على بلاد الشام ولم يكن اهل الشام وجلهم من السكان المحليين الذين لم يعرفوا محمدا ولم يعايشوا الاسلام في بدايته، لم يكونوا بهذا التعاطف مع الاسلام والمسلمين والا لما حاربوا علي بن ابي طالب ولما قتلوا حفيد الرسول ولما استباحوا مدينة الرسول ولما قصفوا الكعبة بالمنجنيق، فهم مثل بني امية تماما لم تربطهم اي عاطفة بالاسلام او ببني هاشم فهان عليهم محاربة اهل الحجاز وقتلهم، ومن سذاجة القول إن هؤلاء كانوا يتحرقون لزيارة الاماكن المقدسة للمسلمين في الحجاز والقيام بفريضة الحج وهم ما زالوا حديثوا العهد بالاسلام ... ورد في (الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج1 ص58) ما هذا نصه: وقدم معاوية بن أبي سفيان على أثر ذلك من الشام، فأتي مجلساً فيه علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعمار بن ياسر فقال لهم: يا معشر الصحابة أوصيكم بشيخي هذا خيراً (يعني عثمان), فوالله لئن قتل بين أظهركم لأملأنها عليكم خيلاً ورجالاً، ثم أقبل على عمار بن ياسر فقال: يا عمار إن بالشام مائة ألف فارس وكل يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم لا يعرفون علياً ولا قرابته ولا عمراً ولا سابقته, ولا الزبير ولا صحابته, ولا طلحة ولا هجرته …. الخ . وذكره أيضاً ابن شبة النميري في تاريخ المدينة ج3 ص1094 ..
كما خبر اهل الشام واغلبهم في ذلك الزمان من احفاد الشعوب الخالية، خبروا بيت المقدس واعتادوا امر قداسته من قبل العبرانيين ثم المسيحيين فما كان صعبا عليهم ان يحجوا بيت المقدس بدلا من الكعبة وقد علم بنو امية بهذا ووعوه جيدا وادركوا حين اشتدت بهم الشدائد وبدا خطر بني هاشم مرة اخرى في الأفق ان لا ملاذ لهم الا بمضاربة الحجاز فبنوا المساجد في ايلياء ودمشق لتعزيز ملكهم واستمالة رعاياهم بتحويل انظارهم الى الشام بدلا من الحجاز.. ولم يكن اختيار هذه البقعة في ايلياء بالامر الصعب، فقد كانت اطلال بيت المقدس اليهودي ما تزال بادية للعيان.. ولم يبق من مسجد اليهود بعد هذا البناء الاموي الا السور الغربي الذي نراه اليوم ولم يسلم هذا السور ايضا فاطلق عليه المسلمون فيما بعد اسم حائط البراق..
دمتم بخير
التعليقات (0)